كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: لم يحجب عمق الأزمة الداخلية بشقوقها المختلفة، وأبرزها الشق الاقتصادي والمالي المتفاقم، الهَمّ المستجد الذي فرضه الاعلان الاميركي عن “صفقة القرن”، ومفاعيلها التي تضع لبنان في عين استهدافها، وتهدد بنيته الداخلية بفرض توطين الفلسطينيين على أرضه. واذا كان لبنان على كل مستوياته السياسية والشعبية، قد جاهَر برفض قاطع للصفقة وتداعياتها، سواء المتصلة بالقضية الفلسطينية او بفلسطينيي الشتات، ومن ضمنهم الفلسطينيون المقيمون في المخيمات، فإنّ لبنان الرسمي مستنفر على خطين، الاول لجهة تأكيد كل المكونات اللبنانية النهائي والحازم رفضها التوطين أيّاً كان شكله. والثاني، في اتجاه تأكيد هذه الثابتة في الاجتماع المقرر غداً لجامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية في القاهرة، حيث سيشدّد لبنان على بلوغ موقف عربي موحّد من صفقة القرن، يؤكد إبقاء فلسطين الموحدة، القضية المركزية وعاصمتها القدس.
وقالت مصادر ديبلوماسية لـ”الجمهورية” انّ الاجتماع الوزاري العربي في القاهرة، يأتي في اكثر اللحظات العربية دقة وحساسية، ويفترض ان تكون أولويته، هي التوحّد والتحصّن خلف الموقف الفلسطيني الذي يبدو موحداً بكل الفصائل الفلسطينية على رفض “صفقة القرن” في اعتبارها تنهي فلسطين كلياً، وتعطي إسرائيل “الحق” بإعدامها وإبقاء الشعب الفلسطيني مُشتتاً، عبر إلغاء حق العودة المنصوص عنه في القرار الدولي 194 الصادر عام 1949.
بوتيرة سريعة تصوغ الحكومة بيانها الوزاري على وعد أن تُنجزه قبل نهاية الاسبوع الجاري، وبوتيرة أسرع تتزايد شكوى اللبنانيين من استفجال الازمة الاقتصادية والمالية، والتي لم تتأثر بسَيل التطمينات التي تصدر عن الجهات الرسمية المعنية بالاقتصاد والمال.
وكان رئيس الحكومة حسان دياب قد ترأس مساء أمس في السراي الحكومي الاجتماع السادس للجنة الوزارية المكلّفة صوغ البيان الوزاري.
وقالت وزيرة الاعلام منال عبد الصمد، بعد الاجتماع، انّ دياب “أكد أنّ اللجنة قطعت شوطاً كبيراً في طريق إنجاز البيان، مشدداً على المتابعة بالنشاط نفسه، للانتهاء من صَوغه قبل نهاية هذا الأسبوع لعرضه على مجلس الوزراء مطلع الأسبوع المقبل لإقراره، تمهيداً لطلب نيل الثقة من مجلس النواب، ومنوّهاً بالجهود التي يبذلها أعضاء اللجنة”. وأضافت: “تلقّت اللجنة بارتياح الأنباء عن القفزة القياسية لأسعار السندات المستحقة للبنان، والتي بلغت 4 سنتات فاصل واحد، وستستمر في مناقشة بنود البيان الوزاري، والإصلاحات الواردة فيه، على أن تستكمل اجتماعاتها مساء غد الجمعة (اليوم)”. واشارت إلى أنّ “يوم غد (اليوم) سيشهد ورشتَي عمل، واحدة اقتصادية، والثانية قضائية رقابية”.
ورشتان صناعية وقضائية
وبالفعل، وفي خطوة مكمّلة للورشة المالية والنقدية التي شهدها السراي الحكومي أمس الاول، سيشهد اليوم ورشتين الاولى تتعلّق بالوضع الاقتصادي والصناعة الوطنية، والثانية متصلة بالوضع القضائي وهيئات الرقابة بهدف توفير الآليات التي تعزز مكافحة الفساد.
ورشة صناعية – تجارية
وفي معلومات “الجمهورية” انّ دياب سيترأس قبل ظهر اليوم الورشة الإقتصادية التي سيشارك فيها، الى جانب الوزراء المختصّين، رؤساء الهيئات الإقتصادية من غرف التجارة والصناعة في لبنان وجمعية الصناعيين بهدف وضع التصور النهائي لسبل مواجهة متطلباتها التي يمكن ان تساهم في إحياء الحركة الاقتصادية والانتاجية وتوفير الدولار المدعوم لاستيراد المواد الأولية المكمّلة للصناعة الوطنية، وإعادة إطلاق الحركة الصناعية، وتشجيع الصادرات اللبنانية بعد توفير حاجات السوق المحلية من الصناعة الوطنية.
… وقضائية – رقابية
وفي ساعات بعد الظهر ستعقد الورشة القضائية – الرقابية الثانية، التي ستجمع الى الوزارات المعنية الى جانب وزارة العدل والنيابات العامة المتخصصة، رؤساء الهيئات الرقابية والتأديبية وديوان المحاسبة من اجل البحث في وسائل تعزيز هذه الأجهزة وتفعيل دورها بالتنسيق بينها وبين السلطات القضائية والأجهزة الأمنية. وقالت مصادر تشارك في الترتيبات لهذه الورشة لـ”الجمهورية” انّ “الهدف المباشر هو تزخيم الجهود المبذولة لمكافحة الفساد، وانتظام العمل المطلوب في المؤسسات الرقابية وفق مقتضيات الإدارة والحوكمة الرشيدة لملاقاة الجهود المبذولة للانتقال من كل اشكال الإقتصاد الريعي الى الاقتصاد المنتج، وتكبير حجم الاقتصاد الوطني”. ولفتت المصادر الى “انّ الطريق الى تحقيق هذه الغايات طويلة، ولكن لا بدّ من رسم خريطة الطريق التي تشكّل الميل الأوّل من مسيرة الأف ميل”.
ولفتت هذه المصادر الى انّ هذه الورش “ستصبّ في النتيجة بتوصياتها النهائية في صلب الجهود المتخصصة لتحصين البيان الوزاري، الذي سيعطي الشق الإقتصادي والمالي والنقدي الأولوية على القضايا السياسية التقليدية التي لن يخلو منها البيان، لكنها ليست من أولويات العملية الإنقاذية المطلوبة في المدى القريب”.
سلامة يُطمئن
وعلى الصعيد المالي، أكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أمس انّ النظام المالي اللبناني قادر على الاقلاع مجدداً، “إذا تحسّن الوضع السياسي الإقليمي” وإذا تلقّى البلد الدعم “من المجتمع الدولي والعربي”. وأشار الى أنّ “اللبنانيين لديهم كمية كبيرة من النقود في البيت”.
وفي مقابلة مع “فرانس 24″، أوضح انّ سعر الليرة اللبنانية “سيبقى ثابتاً ومربوطاً بالدولار”، مؤكداً “ان لا قيود على حركة الرساميل في المصارف داخل لبنان”، ومتوقعاً “ان يتراجع الفارق في سعر الدولار بين السعر الرسمي والصيارفة بعد أن يتحسّن الوضع في البلد”.
وفي سياق متصل، لوحِظ أمس انّ سندات اليوروبوند اللبنانية ارتفعت، في اشارة الى تلقّف الاسواق ايجابياً الاجتماعات الاقتصادية والمالية التي شهدها السراي الحكومي. لكنّ الملاحظ انّ اسعار يوروبوند استحقاق آذار 2020، شهدت قفزة كبيرة، إذ ارتفعت 4,1 سنتات، وهو اعلى ارتفاع تشهده السندات في يوم واحد. وفسّر خبراء هذا الارتفاع بأنّ المستثمرين أقبلوا على شراء هذه السندات بعدما تلقّفوا إشارات إضافية ترجّح انّ لبنان سيقرر سداد هذا الاستحقاق.
صندوق النقد
الى ذلك، أشار المتحدث باسم صندوق النقد الدولي جيري رايس، خلال مؤتمر صحافي، الى أنّ “لبنان لم يطلب خطة مساعدة مالية من المؤسسة النقدية”، وقال: “لم تقدّم الحكومة اللبنانية طلباً للحصول على مساعدة مالية”.
أضاف: “لكننا نقدّم مساعدة تقنية”، موضحاً أنّ الأمر يتعلق مثلاً بتقديم استشارات في مجال الخبرات الإقتصادية ودعم المؤسسات. وتابع: “لكنني أريد التمييز بين الأمرين”.
“صفقة القرن”
من جهة ثانية، تواصلت ردود الفعل الرافضة صفقة القرن لِما تشكّله من مخاطر على القضية الفلسطينية وعلى لبنان.
وقد تناول رئيس مجلس النواب نبيه بري هذه الصفقة في حَيّز كبير من رسالة وجّهها الى الحركيين، (أي الى محازبي حركة “أمل” التي يترأس” ومن خلالهم الى جميع اللبنانيين، حيث شدد فيها على وأد الفتنة التي تدبّر للوطن. وإذ اكد بري انّ “صفقة القرن” تهدف الى تصفية القضية الفلسطينية، وتغيير وجه المنطقة والعالم، وتكريس يهودية الكيان الصهيوني على حساب العرب والمسلمين والمسيحيين، وتصيب استقرار دول المنطقة ولبنان تحديداً من خلال التوطين المرفوض ميثاقاً ودستوراً”، قال: “سنبقى الطليعيين في الإلتزام بفلسطين القضية وبخيار المقاومة”.
ولفت بري الى “انّ لبنان في عين التصويب والإستهداف في استقراره وأمنه وخياراته، ونحن مؤتمنون على حياة أبنائه ومستقبلهم”. وقال: “لأنّ الوطن الذي بذلتم من أجله أغلى ما تملكون شهداء وجرحى، تُدبّر له فتنة عمياء، أنتم الأجدر والأولى مع كل اللبنانيين المُخلصين، العمل على وأدها في مهدها”.
وقال: “أدعوكم إلى الهدوء وكظم الغيظ والصبر على الأذى. وإلى ترك الشارع لمَن اختاره سبيلاً للتعبير عن رأيه، أو للمطالبة بحقوقه المشروعة، أو حتى للأسف لمَن تسلل إلى الشارع مستخدماً إيّاه منصة للإفتراء والتجني… اتركوه لهم، وابقوا في أمكنتكم التي تشمخ بحضوركم فيها… كونوا حيث أرادكم الإمام الصدر… في الداخل دعاة حوار… وعلى الحدود مقاومين في مواجهة عدوانية إسرائيل، واعلموا أنه كلما كثرت الطعنات من الخلف، أنتم في المقدمة وفي المكان الصحيح”.
الراعي
وأسف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي لما سمّي بـ”صفقة القرن”، واصفاً إيّاها بـ”علامة الحرب والحقد والقهر”.
وقال: “لا يمكننا التسليم بمشيئة انسان قرّر أن يضع جانباً كل التاريخ، وحقيقة وجود المسيحيين والمسلمين واليهود، وقد عاشوا معاً على أرض مقدسة واحدة كما أراد الله، وهذه الأرض لا يمكن ان تحمل هذا القرار السياسي الذي أخذته الادارة الأميركية او الرئيس الأميركي”. وأكد أن “لا سلام إذا لم يُحتَرم الإنسان بحقوقه وبكرامته، ولا سلام بالظلم والقوة”.
جعجع وعباس
الى ذلك إتصل رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع هاتفياً أمس الأوّل بالرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، مؤكداً تضامنه “وتضامن الحزب معه ومع الاخوة الفلسطينيين في موقفهم من صفقة القرن”، معتبراً أنّ هذه الصفقة “ولدت ميتة والآن تأكدنا من ذلك”. وشكر عبّاس لجعجع اتصاله وتعاطفه، وقال: “الشعب الفلسطيني باق على موقفه لأنّه صاحب حقّ، ولن تثنيه عن عزمه لا صعوبات ولا مشقّات”.