كتبت صحيفة “النهار ” تقول : مع ان سيناريو “جلسة الثقة” قد لا يختلف كثيراً عن سيناريو جلسة الموازنة التي انعقدت قبل اسبوعين الا بازدياد كثافة اعداد المتظاهرين كما القوى الامنية والعسكرية، فان الانظار ستتركز على وسط بيروت وساحاته ومحيطه اليوم وغدا حيث ستجري وقائع المبارزة الجديدة بين السلطة والانتفاضة على وقع الخطب النيابية التي ستشهدها جلسة مناقشة البيان الوزاري للحكومة في اليومين المحددين لها نهاراً ومساء وصولاً الى التصويت على الثقة بالحكومة.
ولم يكن غريباً ان ترتفع بوصلة مقاطعي الجلسة او حاجبي الثقة عن الحكومة وسط مناخات ملتهبة زادت الشكوك في التعهدات التي تضمنها البيان الوزاري وخصوصاً في ملفي معالجة الكارثة المالية – المصرفية والكهرباء، علماً انه يتوقع ان يحظى هذان الملفان بالحيز الاكبر من المواقف والانتقادت والنقاشات التي ستشهدها الجلسة. واذا كان بعض الاوساط النيابية والسياسية يعتقد ان رئيس مجلس النواب نبيه بري قد يحاول تقليص فترة الجلسة لجعلها تنتهي في يوم واحد، فقد تبين ان لا سبيل الى اختصارها، وان تكن ثمة فرصة لانهائها ظهر غد اذا استجابت الكتل لالتزام تحديد نائبين عن كل منها للكلام.
أما نسبة الثقة المتوقعة للحكومة، فربما كانت مرشحة لان تكون من النسب القياسية في الانخفاض منذ تعاقب الحكومات بعد الطائف. ذلك ان مجمل “البوانتاجات” التي أجريت في الساعات الاخيرة وبعدما حددت الكتل مواقفها نهائياً، باتت متقاربة جداً من حيث استبعاد ان تتخطى الثقة سقف الـ63 أو الـ64 نائباً، بعدما انضم نواب من تحالف قوى 8 آذار مثل الحزب السوري القومي الاجتماعي الى مقاطعي الجلسة وحاجبي الثقة عن الحكومة.
وليس خافياً ان مناخ الاحتجاجات الشعبية الذي يلعب دوراً مركزياً في تحديد نسبة الحضور النيابي، بالاضافة الى تأثيره على بعض الاتجاهات السياسية، سيكتسب اليوم وغداً أثراً أقوى من مناخات جلسة اقرار الموازنة نظراً الى التداعيات الغاضبة التي تصاعدت بقوة في الايام الاخيرة بسبب الاجراءات الامنية المتشددة والتعقبات القضائية لناشطين في الانتفاضة، كما بسبب اشتداد وطأة التضييق التصاعدي في اجراءات المصارف على معاملات المودعين.
والواقع ان اليومين الاخيرين اتسما باجواء بالغة الاهمية والدلالة في ظل الاصداء الشعبية والسياسية التي اثارتها عظة راعي ابرشية بيروت المارونية المطران بولس عبد الساتر في القداس الرسمي الذي رأسه في عيد القديس مارون في حضور رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب ورئيس الوزراء حسان دياب. فالعظة التي فاجأت أهل الحكم والسلطة والسياسة بجرأة مواقف المطران عبد الساتر وشجاعته المعنوية النادرة في دعوة هؤلاء الى الاستقالة اذا عجزوا عن ايجاد الحلول الجذرية للازمة المصيرية التي يجتازها لبنان، جعلت هذه العظة محور حدث تمادى يومين ولا تزال اصداؤه تتردد بقوة بعدما استقطب المطران تأييداً ساحقاً عبر المواقف العلنية السياسية والشعبية أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي. واسترعى الانتباه في هذا السياق ان عدداً من نواب ”التيار الوطني الحر” وسياسييه انبروا منفردين للرد سلباً على المطران مع ان مواقفه كانت شاملة ولم تستهدف العهد حصراً وتحديداً بل تناولت المسؤولين جميعاً.
وفي سياق مرادف لهذا التطور، تصاعدت بقوة السخونة السياسية والاعلامية بين “تيار المستقبل” و”التيار الوطني الحر” قبل أيام قليلة من الذكرى الـ15 لاغتيال الرئيس رفيق الحريري، وبدا ان التصعيد المتدرج بين الفريقين يمهد لمعركة سياسية حادة ومفتوحة بينهما يمكن اعتبارها اعلاناً حاسماً ونهائياً هذه المرة لنهاية التسوية الرئاسية التي بدأ انهيارها مع استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري. واذ يتخذ اشتعال الحرب الكلامية بين ”المستقبل” و”التيار العوني” دلالة سياسية ورمزية بارزة من حيث تزامن هذا الاشتعال مع مثول الحكومة الجديدة أمام مجلس النواب لنيل الثقة والانطلاق نحو أصعب الاختبارات والاستحقاقات التي واجهتها حكومة من قبل، فان الاوساط المؤيدة للحكومة نفسها لا تخفي تخوضها من انعكاسات المناخات السياسية الساخنة على قدرة الحكومة على مواجهة هذه التحديات في حين تتصاعد الشكوك أيضاً في امكانات حصولها على الدعم الخارجي.
اقتراح بري
وفيما بات مؤكداً ان الاستحقاق الاول الاساسي والمفصلي الذي ستواجهه الحكومة يتمثل في موعد تسديد 1،2 مليار دولار لسندات “الاوروبوندز” في اذار، برز موقف لافت للرئيس بري نقله عنه زواره ومفاده انه يتعين على لبنان اليوم الرهان على الاستفادة من المدة الفاصلة عن موعد تسديده استحقاقه الاول في 8 آذار المقبل وهي 28 يوماً من خلال اتجاهين مترابطين بعيدا من الجدل حول ضرورة اتخاذ موقف بوجوب دفع لبنان استحقاقاته أو لا: الاتجاه الاول هو تأليف لجنة من رئيس الوزراء لموقعه المسؤول في هذا الاطار ووزيري المال والاقتصاد وخبيرين مالي وقانوني تكون بمثابة فريق عمل متناسق وصاحب رأي واحد. والاتجاه الاخر هو توجيه رسالة الى الخارج لعلها الى الاميركيين تحديداً باعتبارهم العامل الاكثر تأثيرا وفاعلية في صندوق النقد الدولي مفادها ان لبنان يحتاج الى الاستعانة بالصندوق من أجل ان يساعده ” تقنياً” من خلال مطالبته باعطاء لبنان خطة للانقاذ. وبناء على ما ينقل عن بري، فان لبنان لا يمكنه ان يسلم أمره الى صندوق النقد الدولي لعجزه عن تحمل شروطه لان لبنان ليس اليونان او الارجنتين ولن يستطيع الشعب اللبناني ان يتحمل. ووفقا لهذا الاقتراح فان المجال لا يزال متاحا امام لبنان خلال الاسبوعين المقبلين وقبل نهاية الشهر الجاري للاستفادة من هذا الاجراء على قاعدة ان يتمكن لبنان من صياغة موقفه من استحقاق “الأوروبوندز” بدفع التزاماته او عدم دفعها بناء على ما ينصحه به صندوق النقد. ص2
أما عن توزع المواقف من جلسة الثقة، فقد اكتملت الصورة تماماً مساء أمس اذ ستحضر كتل المعارضة ”المستقبل” و”القوات اللبنانية ” و”اللقاء الديموقراطي” وستحجب الثقة عن الحكومة، فيما ستقاطع كتلة حزب الكتائب وكتلة الوسط المستقل برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي ونواب مستقلون من أبرزهم نعمة افرام ونهاد المشنوق. كما سيحجب الثقة نواب مستقلون سيحضرون الجلسة.
الحرب الكلامية
ووسط هذه الاجواء، تصاعدت النبرة السجالية بقوة بين “المستقبل” و”التيار الوطني الحر”. وأوضح الرئيس سعد الحريري ان احياء ذكرى 14 شباط في “بيت الوسط” هذه السنة “هو لتوجيه رسالة لكل من يحاول اقفال هذا البيت وللتأكيد أنه سيبقى مفتوحاً لكل الناس”، مشدداً على ان ” وحدها دماء رفيق الحريري هي التي استعادت السيادة للبنان”.
وقال: “الجميع بات يعلم اننا لن نمنح غداً الثقة للحكومة… اننا سنشارك في الجلسة ليس من أجل المشاركة فقط، بل لنقول كلمتنا في البرلمان لأنه لا يمكن ان تكون سياستي محاربة التعطيل وان أكون جزءاً منه في الوقت نفسه”. وسئل: من يحاول اقفال “بيت الوسط”؟ أجاب: “هم أنفسهم الذين حاولوا اقفال بيت رفيق الحريري باغتياله وما تلا ذلك. في ناس بتعطي وان واي تيكت ومش قدها”.
وأصدر المكتب السياسي لـ”المستقبل” بياناً تناول فيه اجواء الذكرى الـ15 لاغتيال الرئيس رفيق الحريري فرأى انها “تأتي والحملة على الحريرية الوطنية تتجدد على ألسنة هواة الحروب العبثية، المفطورين على وهم إلغاء الآخر، كمنهج بدأ في أواخر ثمانينات القرن الماضي وأدى إلى تداعيات كارثية على اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً إذ سجل حينها أعلى نسبة هجرة لهم قدر بنحو 35 الف شخص خلال عامي 1989 و 1990 (حرب الإلغاء)”. وأضاف “ان المكائد السياسية التي تعرض لها الرئيس سعد الحريري منذ العام 2005 وحتى تاريخه أدت الى حصر عدد سنوات مسؤولياته بست سنوات من أصل 15 سنة منها تسع سنوات تعطيل من العبثيين وحلفائهم بدءاً من حصار السرايا وضرب الدورة الاقتصادية في العاصمة ثم تعطيل تشكيل حكومتي كل من الرئيسين نجيب ميقاتي وتمام سلام سنتين من اجل توزير جبران باسيل، ولا ننسى أن أهمها تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية أكثر من سنتين اصراراً منهم على ايصال العماد ميشال عون، ثم يتساءلون عن أسباب تردي الاوضاع الاقتصادية و انهيارها “.
واصدر “التيار الوطني الحر” لاحقا بياناً وصف فيه بيان “تيار المستقبل” بانه “بيان افلاس هدفه شد العصب واختلاق معارك وهمية حول الغاء الحريرية في حين ليس هناك من يعمل اطلاقاً على الغائها سوى من يتفوه بكلام كهذا تحريضي وفيه حقد غير مبرر على مكون لبناني بكامله يظن انه لا يزال قادراً على استضعافه كما فعل سابقاً”.
.