دراسة من اعداد معهد عصام فارس- الجامعة الأميركية
أقرّ مجلس الوزراء اللبناني برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون الخميس ٦ شباط ٢٠٢٠ البيان الوزاري الذي تقدّمت به الحكومة المكلّفة تحت عنوان “مواجهة التحديات”. ويطرح البيان الوزاري خطط عمل مقرونة بمهل زمنية الأولى للمئة يوم بعد نيل الثقة والثانية تمتد على ثلاثة سنوات.
١. في السياسة الاقتصادية والمالية والنقدية
لقد تبنّى البيان الوزاري توصيات “رؤية لبنان الاقتصادية” وهو تقرير من ١٢٧٤ صفحة قام بإعداده مكتب ماكنزي الاستشاري بناءً على طلب الحكومة وقُدّم في كانون الثاني من العام ٢٠١٨. وقد قدّم هذا التقرير إجراءات متنوّعة للمدى المتوسط والطويل تهدف إلى تحديث الاقتصاد اللبناني وتعزيز القطاعات المنتجة فيه. وبحسب الحكومة المكلّفة، تهدف هذه الإجراءات والخطط إلى تحفيز الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المُنتِج.
إذا وضعنا جانبًا الادعاء المثير للجدل ان باستطاعة الحكومة الاعتماد على ما قد ينتجه قطاع النفط والغاز لتحقيق هذا التحوّل في الاقتصاد اللبناني، من الصعب انتقاد بعض التدابير أو الخطط المقترحة خاصةً وأن تعزيز القطاعات المُنتِجة ومعالجة أزمة ميزان المدفوعات وإصدار مشاريع القوانين التي تمنع الاحتكار هي حلول تُلاقي إجماع واسع لدى المواطنين.
المشكلة الأساسية هي في حاجة التوجّهات المقترحة لإصلاح الاقتصاد اللبناني إلى مدة زمنية طويلة (وربما لهذا السبب مددت الحكومة المدة الزمنية لتنفيذ هذه الخطط من مئة يوم إلى ثلاثة سنوات). لذلك، بالرغم من الاسم الذي اختارته حكومة “مواجهة التحديات”، لا تقترح الحكومة المكلّفة في الحقيقة أي خطة واضحة لمعالجة تحديات الأزمة الراهنة. كما لا يتضمن البيان الوزاري أي خطة لإدارة الدين العام. ولا يذكر البيان الوزاري أي تدابير لمعالجة الانكماش الاقتصادي أو انخفاض الإيرادات وما يصاحب ذلك من زيادة في العجز في الميزانية. بالإضافة إلى ذلك لم تشرح الحكومة للنواب ولا للشعب بشكل أشمل، ماهية الدعم الدولي الذي ستطلبه للفترة الحالية وخاصةً من صندوق النقد الدولي.
في الوقت عينه، تقترح الحكومة في بيانها الوزاري “العمل على توسيع مروحة التسهيلات المقدّمة من مصرف لبنان وحضّه على ضخ السيولة بالدولار الأميركي” إلى الأسواق. يأتي هذا الاقتراح بالرغم من أن أحد الأسباب الرئيسية للأزمة الحالية هي النقص الهائل في السيولة، وهذا الأمر فيه الكثير من الغموض.
بينما يقرّ البيان الوزاري أنه سيتّخذ اجراءات للتأكد من سلامة النقد، لا يحدّد أي من الإجراءات التي سيتمّ اتخاذها لا سيما مع تدهور قيمة سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار بشكل يومي ومتسارع ومع إفلاس الكثير من الشركات، بالإضافة الى خفض الأجور وازدياد البطالة. وهنا بدل أن تقوم الحكومة الجديدة بشرح الوضع الاقتصادي والمالي بأكبر قدر ممكن من الصراحة للمواطنين، ما زالت تنتهج مبدأ التطمينات المبهمة المعتمد من قبل الطبقة الحاكمة منذ بداية عام ٢٠١٩ عندما بدأ الحديث الجدي عن انهيار الليرة اللبنانية. وإذ يقر البيان الوزاري بوجود علاقة شائكة اليوم بين المواطنين والمصارف من خلال الإشارة إلى ضرورة “تنظيمها”، لا يوضح البيان كيف ستتمكن الدولة اللبنانية من حفظ حقوق المودعين في ظل الاجراءات الاستنسابية والتعسفية الحاصلة والتي باتت ترهن المصالح الشخصية والتجارية للأفراد والشركات إلى جملة من الاجراءات غير القانونية.
من المقلق هو استعمال هذه الحكومة، على عكس أسلافها، لغة فضفاضة في ما يتعلق بالتزامها “المحافظة على سلامة النقدّ”، مما يطرح تساؤلات حول المعنى الحقيقي لعبارة “سلامة النقدّ”. كما ان البيان الوزاري تطرق إلى موضوع الخصخصة والشراكة بين القطاع العام والخاص من ناحية خفض الدين العام فقط دون ذكر الأهداف الاستراتيجية الأخرى مثل: تحفيز الإنتاجية في الاقتصاد، وتحسين نوعية الخدمات المقدمة للمواطنين وخفض الهدر والممارسات التي تمنع المنافسة.
في الخلاصة، بما ان الوثيقتين الدستوريتين أي موازنة ٢٠٢٠ والبيان الوزاري اللتين طرحتهما الحكومة لا تعالجان بشكل جدّي التحديات الحالية، لا يسعنا إلا الانتظار حتى تقدم الحكومة الخطة الانقاذية في آخر شهر شباط الحالي كما ذُكر في البيان الوزاري، في زمن قلّ فيه ترف الانتظار.
٢. في سياسة العمل والحماية الاجتماعية
ينتهج البيان على مستويي سياسة العمل والحماية الاجتماعية ما انتهجته معظم البيانات الوزاريَّة السابقة من تدبيج عناوين استعراضيَّة دون تخطيط استراتيجي لناحية خلق فُرص العمل لتعزيز النموّ، وإعادة إنتاج تواصُلٍ بنَّاء بين شركاء العقد الاجتماعي أي أصحاب العمل والعمَّال والدَّولة. لا يذكر البيان الدور الأساسي لوزارة العمل في المرحلة المقبلة كما يُغيِّب الأدوار المرجوّة من وزارات الاقتصاد والتِّجارة، والصحَّة العامَّة، والشؤون الاجتماعيَّة، بالإضافة إلى الصُّندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وتعاونيَّة موظَّفي الدَّولة، والصَّناديق الضامنة للأسلاك العسكريَّة والأمنيَّة بالعمل كُلّ من ضمن مسؤوليَّاته على:
• إنجاز سياسة عمل قِطاعيَّة ربطاً بقطاعي التَّعليم العالي والتَّعليم المهني والتِّقني؛
• تحديد مسار للتخفيف من البطالة بعد تشخيص مسبّباتها الجوهريَّة عدا تلك المرتبطة بالأزمة الاقتصاديَّة – الماليَّة الحاليَّة؛
• درس ما يمكن أن يؤمنه اقتصاد المعرفة من فُرص ابتكاريَّة لتحفيز حركة سُوق العمل؛
• تنظيم العمالة الأجنبيَّة وتحديث قانون تنظيم عمل الأجانب؛
• تحديث قانون العمل توازيًا مع تحديث قانون الضمان؛
• بناء معايير علميَّة لزيادة الأجور من خلال إعادة هيكلة لجنة المؤشّر؛
• تطوير أجهزة التفتيش وآليَّات التحقيق في بيئة العمل مع توحيد معايير التفتيش وتفادي الازدواجيَّة؛
• مكننة كلّ معاملات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتعاونية الموظفين وكلّ الصناديق وجعلها الكترونيَّة بما يربُط المضمونين والخدمات الصيدليَّة والاستشفائيَّة مباشرة ببطاقات ممغنطة توقِف الهدر والفساد والتسيُّب؛
• توسيع قاعدة المضمونين بالتَّغطية الصحيَّة لتشمل كُلّ الشعب اللُّبناني مع توحيد الخدمات والمعايير مع تنفيذ “البطاقة الصحيَّة”؛
• إقرار نظام التَّقاعد والحماية الاجتماعيَّة بما يوازن بين نظامي “الرسملة” و”التَّوزع” مع تأمين استدامة النّظام الماليَّ وحسن إدارته مع إضافة برنامج تأمين البطالة إليه أسوة بالدُّول المتقدّمة.
إنَّ كُلّ ما سبق عناصر أساسيَّة لأي إصلاح بنيوي في ما يُعنى بسياسة العمل والحماية الاجتماعيَّة، وهذا ما لم يظهر ولاحتَّى على مستوى العناوين، عدا بعضٍ منها بشكل خجول، في البيان الوزاري لحكومة “مواجهة التَّحديات”.
٣. في قطاع الطاقة
ان الفشل المدوي في قطاع الطاقة في لبنان ليس نتيجةً لصُعوبات تقنيّة فَحَسب، بل لاسباب تتعلق بسوء الإدارة وتغليب المَصالح الخاصّة وغياب ثقافة المُساءلة والشفافيّة، بالإضافة إلى تشتيت عمليات اتخاذ القرار، عوامل مجتمعة ادت إلى إضعاف هذا القطاع. بغضّ النظر عن التفاصيل التقنيّة المطروحة في البَيان الوزاري والتحليلات التي ستتبعها، فان خطط الإنقاذ والإصلاحات المُقترحة مصيرها الفشل طالما يتمّ اعتماد السلوك نفسه في إدارة القطاع.
ليس مستحيلاً تغيير واقع قِطاع الطاقة في لبنان، والمَسار المتوجّب اعتماده لاستعادة القطاع واضح وهو إلغاء التسييس، أي إزالة أي تدخّل سياسي في تخطيط وتنفيذ الإصلاحات والمشاريع والسياسات ووضع القطاع كاملاً بيد المتخصصين من خلال إنشاء هَيئة منظمة لقطاع الكهرباء تكون مستقلّة بالكامل، إضافةً إلى ذلك، ينبغي تكليف الجهة المنظمة القيام بالإصلاحات على صعيد التعرفة وهَيكليّة السوق لحماية مَصالح كلّ من الحكومة والمطورين في القطاع الخاص، مع حماية المُستهلكين، لا سيّما الفِئات والمَناطق الأكثر تهميشًا. كما ويعني إلغاء التدخل السياسي أيضًا نهاية الخطط “المُهندسة سياسيًا” مثل اقتراح إنشاء ثلاث محطّات تغويز الغاز (FSRUs)، والتعيينات القائمة على المَحسوبيّة على جميع المستويات.
٤. في شؤون المرأة
يُعدّ تعيين ستّ وَزيرات في الحُكومة اللبنانية سابقة في تاريخ الحكومات في لبنان، ومع ذلك، لا يبدو لهذا الأمر أي تأثير على البَيان الوزاري. في الواقع، اللّغة المُستخدمة في الصياغة النهائيّة للبيان ضَعيفة وبَعيدة كل البُعد عن الالتزام السابق بإيلاء الاعتبار الواجب لحقّ المرأة اللّبنانية في مَنح الجنسيّة، بغضّ النظر عن المَوقف الذي يُستخدم دائمًا لإنكار الحُقوق، أي إضافة البَيانات الغامِضة في ما يتعلّق بـ”الحالة الخاصّة” في لبنان. وممّا يُثير القلق أكثر هو تأكيد البَيان على تنَفيذ خطّة العمل الوطنيّة لتطبيق قرار مجلس الأمن رقم ١٣٢٥ حَول المرأة والسلام والأمن في لبنان مع استمرار الغُموض الشديد بشأن نيّة “تَحقيق المُساواة بين الجنسين من خلال إزالة جميع أشكال التمييز ضدّ النساء والفتيات في القوانين والتشريعات اللّبنانيّة”. ويصحّ القول أنّ تنفيذ خطّة العمل الوطنيّة لتطبيق القرار ١٣٢٥، رُغم أهميّتها، لن يَكون لها تأثير يُذكر على الواقع المَعيشي لجميع النساء والفتيات في لبنان. أمّا البيان الثاني فهو أيضًا غامض للغاية بحَيث لا يُمكن القيام بأيّ عَمَل مَلموس تِجاهه.
بالإضافة إلى كَونه قصيرًا للغاية (ثلاثة أسطر فقط في المَجموع)، فإنّ القسم المَذكور تَحت عنوان “في شؤون المَرأة” في البَيان الوزاري (والذي يتضمن مُصطلحات متحفّظة إلى حدّ ما) يَفشل في الاعتراف بمَسؤوليات الدولة تجاه جميع اللّبنانيّات، ومِنها:
• البَدء في إصلاح شامِل وجدّي لقوانين الأسرة التمييزيّة تجاه النساء ومَحاكم الأسرة التابعة لها وحماية حقوق جميع النساء والفتيات على الصَعيد الشخصيّ وخاصّةً في ما يتعلّق بالتحرّر من جميع أشكال العُنف؛
• تَحقيق المُساواة الكاملة بين الجنسَين في مَنح الجنسيّة؛
• رَفع التحفّظات عن اتفاقيّة القَضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة ووضع الأُطر والآليّات القانونيّة والتنفيذيّة اللّازمة وكذلك التَصديق على البروتوكول الاختياري المُلحق باتفاقيّة القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة؛
• مُراجعة الدَور الاستشاري للهَيئة الوطنيّة لشُؤون المَرأة اللّبنانية بما في ذلك دَورها في تمثيل الدَولة اللّبنانية في المُفاوضات مع الأُمَم المتحدة في المحافل الدولية مثل الاجتماع السنوي للجنة وضع المرأة؛
• مُعالجة جميع العَقبات والثغرات القانونيّة التي تقوّض المُشاركة الكاملة لجميع النساء والفتيات في الحياة العامّة والسياسيّة والاقتصاديّة وكذلك التمتّع الكامل بحقوقهنّ الأساسيّة.
وبغضّ النظر عن الالتزام بهذه البنود الخَمسة المحدّدة مع الجدول الزمني الذي تلا ذلك وتأمين الموارد اللّازمة لتحقيق هذه الغاية، يَبقى البيان الوزاري وثيقة هَزيلة لا تتحمّل أيّة مسؤوليّة مَلموسة تجاه النساء والفتيات في لبنان.
٥. في التربية والتعليم العالي
يُعتبر قطاع التربية والتعليم إحدى القطاعات الرئيسية التي بإمكانها مساعدة لبنان في التغلب على التحديات الاجتماعية-الاقتصادية التي يواجهها. علمًا أنه من الصعب معالجة جميع المشاكل التي يُعاني منها لبنان في فترة مئة يوم فقط، إلا أنه لا بد من الإضاءة على مواضيع أساسية لم يأتِ البيان الوزاري على ذكرها وهي:
• إن الإدارة الرشيدة والفعّالة للنفقات هي الوسيلة الأساسية لتنظيم القطاع وتحقيق ما ذكره البيان حول “إنشاء مجمّعات وأبنية مدرسية وجامعية ملائمة لتأمين البيئة السليمة والحاضنة والآمنة لا سيما في المناطق النائية والأكثر تهميشًا”. ان مباني المدارس المستأجرة والبنية التحتية الضعيفة هما من أهم الأمور التي يجب معالجتها في إطار الإدارة الرشيدة والفعّالة للنفقات، وكذلك من أجل مكافحة العنف في المدارس وإقامة البيئة الآمنة التي تحمي التلاميذ في ظل الوضع الاجتماعي-الاقتصادي المتردي. كما أن ممارسة إدارة فعّالة للنفقات تعني أيضًا تنظيم الجسم التعليمي الذي تُعتبر نسبة فعاليته متدنية مقارنةً بالمعدلات العالمية، وحيث التوظيف فيه يعتمد بنسبة ٤٠٪ على التعاقد ولا يتناسب مع الحاجات؛
• يذكر البيان الوزاري ضرورة تحديث المناهج الدراسية على الصعيد الوطني وهي عملية بدأت ولا بد من استكمالها إلا أنه من المهم أن يتم توجيه عمل الوزارة نحو معالجة أزمة التعلم داخل النظام من خلال إصلاح المناهج الدراسية التي يتمّ تنفيذها. كما يجب أن تعمل الحكومة على تحسين مستوى القراءة في المراحل الابتدائية في جميع المدارس في لبنان؛
• كما تسعى الحكومة من خلال البيان الوزاري إلى تعزيز دور التعليم المهني والتقني وكذلك التعليم العالي وربطهما بحاجات سوق العمل وهذا أمر أساسي كونه يستهدف إحدى المشكلات الأساسية التي يجب معالجتها من أجل التخفيف من مآلات تدهور الاقتصاد عبر الاستثمار بالقوة الشبابية وخلق فرص عمل لهم. لكن لا بد من الإشارة إلى أن ٥٠٪ من الطلاب يتابعون دراساتهم الجامعية في جامعات خاصّة، لذلك يجب على الحكومة أيضًا السعي إلى تأمين جودة التعليم في الجامعات الخاصة كما الجامعة اللبنانية ومواءمة التعليم العالي مع سوق العمل من خلال نظام المؤهلات الوطنية كونها أحد الاحتياجات الملحة لهذا القطاع.
٦. في السياسة الخارجية
تشكّل مقاربة البيان الوزاري للسياسة الخارجية استمرارًا لنهج سابقاتها القائم على جمع تناقضات السياسات الخارجية للفاعلين ما دون الدولة. وهو أمر يعكس سوء تقدير للوضع الإقليمي والدولي، ولا يمكن أن تنتج عنه إلا سياسة خارجية هجينة وضحلة لا بل ومتناقضة في أحيان كثيرة، وذلك بدلًا من صياغة سياسة منسجمة تعرّف المصلحة الوطنية بشكل واضح، وتدير المفاوضات في مواضيع مثل عودة اللاجئين وترسيم الحدود البحرية وفق رؤية شاملة.
وهكذا تبذل الحكومة – كما سابقاتها- جهدًا لإنتاج سياسة خارجية “تسووية” قائمة على مقاربة قائمة على ردّ الفعل وليس على الاستباقية، ما يجعلها عاجزة عن الاستجابة للقضايا الملحّة والتحديات التي يواجهها لبنان، ويفسح المجال للارتجال ولتكون تعبيرًا عن سياسة مراكز القوى التي تميل الى استخدام السياسة الخارجية لتعزيز المكانة والمكاسب في الشؤون المحلية.
لا تعكس لغة البيان حالة الطوارئ المطلوبة حاليًا بسبب تردي العلاقات التي تربط لبنان بالدول الغربية والعربية والعديد من المنظمات الإقليمية والدولية جرّاء اعتماد سياسات منحازة في السنوات الأخيرة، إذ هناك افتراض مسبق واضح في صياغته بوجود قرار دولي بعدم زجّ لبنان في الصراعات، في حين أن لبنان بات جزءاً من صراع المحاور وصار يدفع الثمن الاقتصادي.
وهكذا تُظهر طريقة صياغة البيان غياب التقدير الصحيح لمدى السوء الذي بلغته علاقات لبنان الخارجية، فتبدو الحكومة الحالية وكأنها تقفز فوق المستجدات والأضرار التي أصابت السياسة الخارجية، وذلك بسبب عوامل عدّة أبرزها عدم وضوح آلية صنع السياسة الخارجية اللبنانية وغياب وثائق استراتيجية وطنية تحدد السياسة الخارجية، ويدخل في هذا الإطار التأثير السلبي للمحاصصة السياسية على التشكيلات الديبلوماسية من ناحية الكفاءة وملء الشواغر.
٧. في قضية اللجوء و”النزوح”
فشِل لبنان في إدارة أزمة اللُّجوء الفلسطيني وأزمة “النُّزوح” السُّوري على كُلّ المستويات خصوصًا تلك الإنسانيَّة والسِّياديَّة والديبلوماسيَّة، بما يعني إنجاز سياسات عامَّة تُوازِن بين هذه المستويات من ضمن سياق حوكمة سليمة تأخذ بعين الاعتبار حقوق اللاَّجئين و”النَّازحين” من جهة والمجتمعات المضيفة من جهة أخرى، أَضِف إلى ذلك تعثُّر الأُطُر التنسيقيَّة مع هيئات الأمم المتَّحدة مع استمرار الحدّ الأدنى من التَّعاوُن.
وقد شاب تعاطي الدَّولة اللُّبنانيَّة مع هاتين الأزمتين الارتجال والدّيماغوجيا والشَّعبويَّة والفوبياويَّة والاستجداء التَّمويلي، رغم محاولاتٍ حثيثة من أكاديميّين وناشطين بلورة سياسات عامَّة تضع حدًّا لمنطِقَي الإهمال أو التَّوظيف السّياسي الشعبوي.
ثُمَّ إن ما دَرَجَت عليه البيانات الوزاريَّة السَّابقة كما البيان الوزاري لحكومة “مواجهة التحدّيات” في مقاربة هاتين الأزمتين أتى ليؤكّد استمرار الفشل في إدارتهما حتَّى عودة اللاَّجئين و”النَّازحين” بالمواءَمة مع المواثيق الدَّوليَّة واحترام لبنان حماية حقوق المواطنين اللُّبنانيين كما كُلّ المقيمين على أرضه.
من هنا يبدو مُلحًّا التأكيد على أنَّ المسالك التَّعبيريَّة التي اختارها البيان الوزاري لحكومة “مواجهة التَّحديات” في تنقيَة حوكمة أزمتي اللُّجوء والنُّزوح من شوائب الاستثمار التسييسيّ، لا تعدو كونها شكليَّات شِعاراتيَّة لا تمتُّ إلى علم إدارة الأزمات بأيّ صلة، ويُقتضى بالتَّالي استعادة الحقيقة العلميَّة إلى هاتين المساحتين الملتبستين بما يوضح ما يلي:
• استجابة لبنان للمواثيق الدَّوليَّة ومعايير الأمم المتَّحدة في احترام حقوق الإنسان اللاَّجئ والنَّازح؛
• انتهاج ديبلوماسيَّة عامَّة تؤكد على حقّ عودة اللاَّجئين و”النَّازحين” بما يَكفلُه حقّ تقرير المصير كما كافَّة القرارات الأمميَّة ذات الصِّلة؛
• وَقْف حملات التَّحريض والتَّخويف لصالح تدعيم خيار تنقية الذَّاكرة اللُّبنانيَّة – الفلسطينيَّة واللُّبنانيَّة – السُّوريَّة من كُل الاختلالات البنيويَّة المشوِّهة والمُدمِّرة.
إنَّ كلّ ما سبق لا يستقيم دون إقرار سياسة عامَّة متكاملة العناصر في الإنساني، والقانوني، والسِّيادي، والاقتصاديّ-الاجتماعي، والديبلوماسيّ بالتَّعاون مع الأمم المتَّحدة وجامعة الدُّول العربيَّة بما أن لبنان عضو مؤسِّس فيهما.
خلاصة
بناءً على ما ذُكر وفي الخلاصة، لا يأتي بيان الحكومة السادسة والسبعين في لبنان على قدر حجم الآمال والتغييرات التي طالب بها عشرات الآلاف من اللبنانيين واللبنانيات في الساحات والميادين، علّ أبرزها المطالبين بإجراء انتخابات نيابية مبكّرة حسب قانون جديد يصحّح التمثيل ويعيد إنتاج السلطة. كما يغيّب المبدأ التشاركي من البيان فلا يشير إلى الحاجة الملحّة لمشورة الناس وفئات المجتمع في السياسات التي ستتّبعها الحكومة في مواجهة تحديّات اقتصادية وإدارية لعلها الأصعب في تاريخ لبنان مستعيضًا عنها بجمل إنشائية لن تساهم كثيرًا في إعادة بناء ثقة تهشمّت بسبب الإدارة اللامسؤولة لشؤون الدولة والناس.
**ساهم في هذه المقالة، حسب الترتيب الأبجدي:
خليل جبارة، ردينة البعلبكي، زياد الصائغ، سوزان الحصري، علي أحمد، فاطمة الموسوي، لينا أبو حبيب، ناصر ياسين، هنا الغالي.