كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: ما كان ينقص المواطن اللبناني سوى “الكورونا”، ليُضاف هذا الفيروس القاتل الى الأزمة التي تخنقه اقتصادياً ومالياً واجتماعياً. واذا كان الإعلان الرسمي عن اكتشاف حالة “كورونا” قادمة الى لبنان من إيران يشكّل تحذيرًا للمواطنين باتباع الإرشادات الوقائية من هذا “الفيروس”، إلاّ أنّه في الوقت نفسه سبّب حالة من الذعر والهلع في صفوف الناس، مصحوبة بسؤال يرد على كل لسان: كيف سيواجه لبنان هذا الخطر الداهم؟ وهل يملك امكانات احتوائه ومنع تفاقمه؟ على صعيد آخر، خفضت “ستاندرد اند بورز” تصنيف لبنان، وعزت ذلك إلى اعتقادها أن إعادة الهيكلة أو عدم سداد دين الحكومة شبه مؤكد بصرف النظر عن التوقيت. ورأت ان الانقسامات الطائفية العميقة في النظام السياسي اللبناني والمخاطر الأمنية الشديدة في المنطقة سيواصلان إعاقة صناعة السياسات.
فقد اعلن وزير الصحة حمد حسن عن اول حالة مصابة بفيروس “كورونا”، وهي امرأة في الـ 45 من عمرها، كانت قادمة من مدينة قم الايرانية، مشيرًا في الوقت نفسه الى وجود حالتين أُخريين مشتبه بإصابتهما بالفيروس، وتتمّ متابعة وضعيهما.
وإذ اعلن وزير الصحة عن توجّه لإخلاء قسم من مستشفى الحريري وإنشاء خلية ازمة تحسباً لأي طارئ، أشار انّ ما من داعٍ حتى الآن لإعلان حال طوارئ، لكنه شدّد على ضرورة وعي المجتمع واتخاذ تدابير الوقاية من الإصابة، وطلب عدم الاختلاط مع المواطنين في الحجر الصحي والاهتمام بالنظافة وغسل اليدين المتكرّر وعدم نشر السعال في الهواء.
إشارة أممية متجدّدة
سياسياً، وفي موازاة الاتصالات الرسمية الجارية مع وفد صندوق النقد الدولي، برزت امس، اشارة اممية متجددة عبّر عنها المنسق الخاص للامم المتحدة في لبنان يان كوبيتش، بإعلانه دعم الأمم المتحدة المسبق للخطوات الاصلاحية التي ستقوم بها الحكومة، وللجهود المبذولة لمواجهة التحدّيات.
ويأتي هذا الموقف، في وقت شدّد رئيس المجلس النيابي نبيه بري مجددًا على حماية أموال المودعين في المصارف وتسهيل عمليات سحبها بالتوافق الرضائي بين الطرفين، لا أن يُخضَع المودع لإجراءات تحرمه من امواله وجنى عمره وتُعرّضه للإذلال وتحوّله متسوّلاً للحصول على جزء بسيط منها.
واكّد بري وجوب ان تتشدّد مصلحة حماية المستهلك في تطبيق القانون في حق المتلاعبين بسعر صرف العملات، واسعار السلع الاستهلاكية ولقمة عيش الناس. وإذ كرّر بري تأكيد ارتياحه الى تحرّك القضاء في حق بعض الصيارفة، شدّد على أنّ المشكلة ليست في القوانين إنما هي في عدم تطبيقها، فهناك اكثر من 50 قانوناً صادراً عن المجلس النيابي، ومعظمها قوانين مرتبطة بالإصلاحات، والمطلوب فقط العمل على تطبيقها.
وكرّر بري رداً على سؤال، انّ الاولوية حالياً هي للانتهاء من حل مسألة سندات “اليوروبوند”، على ان يُصار بعد ذلك فوراً الى مقاربة ملف الكهرباء بسرعة قياسية، في اعتبار انّ حلّه في الشكل المطلوب ينقذ الخزينة من مزراب الهدر الهائل المستمر في هذا القطاع منذ سنوات، والذي تسبّب بنصف الدين العام.
ولفت بري الى انّه تلقّى من معنيين في الشأن المالي والكهربائي، أنّ لبنان في حاجة الى 1800 ميغاوات، وانّ سعر الميغاوات تراجع عمّا كان عليه في السابق من مليون دولار الى نحو 600 الف دولار، “وفي هذه الحال يمكن بأقل من مبلغ الملياري دولار الذي يُهدر على الكهرباء سنوياً، ان ننشئ معملين، واحد في الشمال (700 ميغاوات) وواحد في الجنوب (700 ميغاوات) وتقوية معملي الجية والذوق (200 ميغاوات كل منهما). وفي اقل من سنة نصل الى كهرباء 24 على 24، ونوفّر على الخزينة اموالاً طائلة”.
لجنة المال
الى ذلك، شهد المجلس النيابي مساء امس الأول، جلسة موسّعة للجنة المال والموازنة النيابية في حضور وزير المال الدكتور غازي وزني ورئيس جمعية مصارف لبنان سليم صفير ورئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود واكثر من اربعين نائباً.
وأشارت مصادر نيابية، انّ وزير المال، قدّم عرضًا مفصّلًا لوضع المالية العامة، وقال: “انّ حجم الوضع وما بلغه يتطلب أن نتكلم بكل صراحة وبلا قفّازات، وكل الامور يجب ان تكون واضحة”. وأضاف: “انّ الحكومة واجهت استحقاق اليوروبوند، الذي كان في السنوات الماضية طبيعياً، لكنه اليوم عملية مصيرية اقتصادياً ومالياً، لأنّ اي قرار يُتخذ، سيضع البلد على خط اليمين او على خط اليسار، وانّ الاختيار (امام لبنان في ما خصّ السندات) هو بين السيئ والاسوأ، وبين المرّ والأكثر مرارة”. ولفت الى “انّ امامنا خيارات عدة، ولا سيما منها هيكلة الدين، فهذه الهيكلة اما تكون بطريقة منظّمة واما بطريقة غير منظّمة، وكلا الطريقتين لها ايجابيات وسلبيات، والحكومة تدرس كل الخيارات”.
وإذ اشار وزني الى المحادثات مع ممثلي صندوق النقد الدولي من دون ان يستبق نتائجها والقرار الذي ستتخذه الحكومة بناءً عليها، قال “انّ محادثات تجري على خط موازٍ مع مؤسسات مالية أجنبية تحمل سندات لبنانية، والنقاش ما زال مستمرًا، من دون ان يتوصل الى نتائج حاسمة بعد”. وكرّر، “انّ اي قرار سيُتخذ في شأن السندات، ليس قرار وزير او حكومة، بل هو قرار وطني”.
وخلص وزني الى التأكيد “انّ هيكلة الدين امر حتمي لا بدّ منه، ولكن بطريقة منظّمة، لأنّ الهيكلة بطريقة غير منظّمة، سيئة، فاستحقاقات الدولة (مليارات الدولارات) وبحسب هذه الطريقة تُستحق فوراً. ولذلك فإنّ التركيز هو على هيكلة الدين بطريقة منظّمة”. وشدّد على انّه “لا يجوز ان يُدفع للخارج من اموال المودعين”.
“دينامو” الاقتصاد
في المقابل، اكّد رئيس لجنة الرقابة على المصارف “التمسّك بإعادة الهيكلة المنظّمة”، فيما اعتبر رئيس جمعية المصارف انّ اعادة الهيكلة “كلمة كبيرة، تتضمن اتجاهات عدة، ولكن اتمنى عليكم ان تنتبهوا الى انّ المصارف بنيناها خلال عشرات السنين، والوطن لكي يعيش يحتاج الى اقتصاد، والاقتصاد في حاجة الى مصارف، و”دينامو” الاقتصاد هي المصارف، ونحن موجودون في 33 بلداً، فإذا اهتزّ القطاع المصرفي في لبنان، سنهتز في 33 بلدًا، فدعونا نفتش عن طريقة لدعم القطاع المصرفي”.
النفط
على صعيد آخر، كشفت مصادر معنية بملف النفط والغاز البحري لـ”الجمهورية”، انّ مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل متوقفة، ولا توجد اي مؤشرات لاستئنافها قريباً.
ولفتت المصادر، الى انّه خلافاً لما يتردّد عن انّ مساعد وزير الخارجية الاميركية ديفيد شينكر قد الغى زيارة للبنان مرتبطة بالملف النفطي، فإن الجانب اللبناني لم يكن في أجواء مثل هذه الزيارة، كما انّ احداً من المعنيين الاميركيين، سواء من الفريق المباشر لشينكر او من السفارة الاميركية في بيروت، فاتح اي مسؤول لبناني بها، او بطلب مواعيد للقاء المسؤول الاميركي.
وقالت المصادر، نقلاً عن مسؤولين لبنانيين كبار، انّ لبنان ثابت على موقفه بعدم التنازل عن سيادته البحرية، وحقه في ثروته النفطية والغازية، والكرة ليست في ملعبه، وسبق له ان اكّد هذا الموقف لكل الموفدين الاميركيين بدءاً من فريدريك هوف، الى آموس، الى ديفيد ساترفيلد واخيرًا الى شينكر، وليس لديه ما يقوله اضافة الى هذا الموقف، وإن اتى شينكر غداً أو بعد سنة، سيسمع الموقف نفسه، وانّ الحل الذي يريده لبنان يلبّي المصلحة الوطنية، وليس الحل الذي يجري طبخه عبر الموفدين الاميركيين ولا يراعي الّا المصلحة الاسرائيلية.
الحفر والتنقيب
وفي جانب متصل، توقعت المصادر ان تبدأ عمليات الحفر والتنقيب في البلوك الرقم 4، في فترة قريبة جدًا، خصوصًا انّ المعدات التقنية وصلت تباعاً، وعلى وشك ان تصبح مكتملة. وربطاً بذلك، ابدى رئيس مجلس النواب ارتياحه الىى إقرار مجلس الوزراء في جلسة امس الاول، بنداً يتعلق بالتنقيب، حيث من دون إقراره كان يمكن ان تتأخّر العملية لأشهر، ولكن مع إقراره صار في امكان الشركات ان تبدأ الحفر في غضون ايام.
وفد الصندوق قلق
واصل وفد صندوق النقد الدولي محادثاته في بيروت امس، والتي كان بدأها الخميس. والتقى لهذه الغاية وزير المال غازي وزني، وتركّز البحث على ما يمكن الصندوق أن يقدّمه من مشورة تقنية لمساعدة لبنان على بناء خطته الإنقاذية. وتمّ التداول، بحسب المكتب الاعلامي في الوزارة، في كل المعطيات المتوافرة والخيارات الممكنة بناءً على رؤية الوفد وتقييمه لواقع الحال في البلاد، على أن يتمّ استكمال البحث لبناء تصوّر لتجاوز الوضع الحالي”.
وفي غضون ذلك، لفت كلام لرئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود كشف فيه، انّ “الوفد (وفد صندوق النقد) قلق على تجربة لبنان الأولى في مواجهة هذا الإنخفاض الكبير في حجم الاقتصاد والناتج القومي”. واكّد انّ “بعثة صندوق النقد أبدت حرصها على أن يكون هناك برنامج لإعادة رسملة المصارف اللبنانية”.
أزمة رغيف الاثنين
في موازاة الأزمة المالية الخانقة، عادت الى الواجهة أمس أزمة الرغيف التي سبق وأثيرت منذ فترة ثم همدت. وقد قرّرت الجمعية العمومية لاتحاد نقابات المخابز والافران الاضراب المفتوح ابتداء من بعد غد الاثنين، اذا لم تتحقق مطالب أصحاب المخابز والافران بدعم القمح والإبقاء على وزن ربطة الخبز وسعرها كما هو اليوم.
وأكّد رئيس اتحاد المخابز والافران كاظم ابراهيم، انّ الأفران “تتكبّد خسائر مالية كبيرة تمنعنا من القدرة على الاستمرار”. وتحدث عن ارتفاع اسعار وكلفة كل المواد التي تدخل في صناعة الرغيف، ومنها الطحين، المازوت، النايلون، السكر… وطالب الدولة بأن “تعمل على دعم شعبها في لقمة عيشه وتأمين حاجة البلاد من القمح جريًا على ما كان يحصل سابقًا في مثل هذه الظروف الضاغطة، لأنّ المواطن لم يعد يتحمّل أي عبء ربطة خبز او خلافها”. ودعا وزير الاقتصاد والتجارة الى “تفهّم واقع صناعة الخبز والعمل لما فيه خدمة ومصلحة الناس”.