كتبت صحيفة “الشرق” تقول: بينما تتعاظم التحديات امام حكومة حسان دياب، ماليا واقتصاديا وسياسيا وصحيا، برزت في الساعات الماضية مؤشرات “مقلقة” تدل على تعاظم سطوة حزب الله على قرارها، يُخشى ان تقلّل حظوظ نجاحها في المهمة الانقاذية الملقاة على عاتقها.
فإلى إحجام مجلس الوزراء أول أمس عن اتخاذ قرار “صارم” في شأن حركة “الملاحة” الى ايران كدولة موبوءة بفيروس كورونا، وقد سجلت امس اصابة ثانية حملتها الطائرة الايرانية نفسها التي حملت الاصابة الاولى، على وقع انتقال رئيسه قلبا وقالبا، الى صفوف 8 آذار متبنيا أدبياته السياسية فاتحا النار، وإن بالمواربة، على “الحريرية السياسية”… رسم حزب الله للحكومة ودياب معا، هوامش محددة، يمكن لهما “التحرك” ضمنها، حاسما الموقف في مسألة التعاون مع صندوق النقد الدولي، ومبلغا اياهما: “لا ذهاب نحو “برنامج” معه، بل استشارة فقط”، وانتهى. كل ذلك، في وقت اعلنت الولايات المتحدة رزمة عقوبات جديدة على اشخاص وكيانات على صلة بحزب الله.
وفي انتظار معرفة موقف دياب من “فتوى” الحزب، وما اذا كان سيتبناها وسط غياب اي خريطة اصلاحية حكومية واضحة حتى الساعة، يقترب استحقاق سندات اليوروبوند في 9 آذار المقبل. وفي السياق، اعتبر رئيس مجلس النواب نبيه بري – الذي التقى امس في عين التينة وزيرَ المال غازي وزني ورئيس لجنة المال النيابية إبراهيم كنعان- ان “القرار الذي ينبغي اتخاذه بشأن استحقاقات اليوروبوند يجب أن يكون قرارًا وطنيًا غير خاضع للمزايدات والتباينات. وأكّد في لقاء الاربعاء ان “أقدس المقدسات ودائع الناس وتعبهم وجنى عمرهم”.
على اي حال، بات مرجحا ان لبنان سيتخلف عن سداد ديونه وسيطلب اعادة جدولتها، علما انه تأخّر في اطلاق هذا المسار. ونقلت مصادر مقرّبة من وزني عنه اهتمامه بالمصلحة اللبنانية في ما خص استحقاق سندات الـ”يوروبوند”، انطلاقاً من أن التخلف عن الدفع من دون تفاهم سيؤدي إلى كارثة، مشيرة الى انه يعمل جاهداً لما فيه مصلحة لبنان وشعبه.
من جانبها، أفادت اوساط مقرّبة من حزب الله “المركزية “ان مهمة وفد صندوق النقد محصورة بخطين: الاول تقديم المشورة في شأن استحقاق اليوروبوند وكيفية التعامل معه والثاني وضع الجهات الدولية ممثلة بالصندوق في صورة القرار الذي بات محسوماً بعدم الدفع وإعادة جدولة الدَين”. واكدت “ان اي شيء اخر مرفوض، لان تجربة الصندوق مع دول عديدة مريرة ولديه تاريخ اسود في التسبّب بإنهيار دول عدة”.
ووسط هذه الاجواء الضاغطة معيشيا وماليا، يبني العهد آمالا كبيرة على استخراج النفط كمدخل لحل أزمات لبنان. وفي هذا الاطار، وجّه رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون، عند الثامنة من مساء امس، رسالة الى اللبنانيين.
وكان الرئيس عون استقبل امس وزير الطاقة والمياه ريمون غجر ورئيس هيئة ادارة قطاع البترول وليد نصر، مع وفد من مسؤولي شركة ” توتال” التي تتولى الحفر يرأسه رئيس الشركة في الشرق الأوسط وأفريقيا ستيفان ميشال. واطلع الوفد الفرنسي الرئيس عون على الترتيبات المتخذة لبدء اعمال حفر البئر خلال ساعات والاجراءات المتخذة لذلك. وشكر الوفد التسهيلات التي قدمتها الدولة اللبنانية للبدء بالحفر والذي سوف يستمر نحو شهرين. واكد ميشال ان مشاركة “توتال” في هذا العمل المهم بالنسبة الى لبنان يؤكد على عمق العلاقات اللبنانية- الفرنسية. وشكر الرئيس عون الوفد على مساهمته في تحقيق حلم اللبنانيين في استخراج النفط والغاز من ارضهم ومياههم، لافتا الى ان هذا الحدث سوف يؤثر ايجابا على الاقتصاد الوطني ويحد من الانعكاسات السلبية عليه.
من جهة ثانية،تم التوصّل في الساعات الأخيرة إلى حلّ جزء من مشكلة اعتمادات البواخر العائدة إلى منشآت النفط بعد التوافق على دفعها إثر اجتماع عقده أمس رئيس الحكومة مع وزير الطاقة والمياه وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وسُمح امس بدخول بعض البواخر لتعود الأمور إلى طبيعتها اعتباراً من الغد، في حين بقيت المشكلة عالقة مع الشركات الخاصة التي لم تُفتح اعتماداتها بعد.
على صعيد آخر، كانت لسفيرة الولايات المتحدة الأميركية إليزابيت ريتشارد مواقف لافتة في اعقاب زيارتها عون مودّعة لمناسبة انتهاء مهامها الديبلوماسية، فاكدت أن النظام، في العقود القليلة الماضية، لم يكن يعمل وبالتالي هذه فرصة تاريخية للشعب اللبناني لقلب الصفحة. إنها فرصة لرسم مسار جديد يجعل هذا البلد يدرك كامل إمكاناته كعضو حديث ومزدهر في المجتمع الدولي.
ودائما على خط علاقات لبنان بمحيطه والعالم، وفي وقت صوّب دياب على جهات تحاول تشويه صورة حكومته امام الخارج، أوضحت الاوساط المقربة من حزب الله عينها “ان رئيس الحكومة سيبدأ قريباً جولة عربية وخليجية”، الا انها اسفت في الوقت نفسه “لان هناك من “سبقه” الى الخارج من اجل “تفشيل” الزيارة الخارجية وتشويه صورة الحكومة امام بعض الدول والمجتمع الدولي وإضعاف الثقة بها”. ودعت الى “إعطاء الحكومة فرصة للعمل قبل اطلاق النار عليها”.
رئيس الجمهورية عشية إطلاق أعمال حفر أول بئر نفطي:
يوم تاريخي سيذكره حاضر لبنان ومستقبله
اكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ان “لبنان سيشهد غدا يوما تاريخيا، سوف يذكره حاضر لبنان ومستقبله، بأنه اليوم الذي دخل فيه وطننا رسميا نادي الدول النفطية”.
وشدد خلال كلمة توجه بها الى اللبنانيين عند الثامنة من مساء اليوم عشية اطلاق اعمال حفر اول بئر نفطي، على انه “كان على يقين منذ عودته بعد سنوات المنفى في العام 2005، ان هذا الحلم لكثير من المخلصين يجب ان يتحقق، وان ليس قدرنا ان نبقى عرضة ازمات تتوالد من بعضها البعض، وتحمل الينا اليأس من وطننا فنهجره او نغترب عنه او نتنكر له. إننا اليوم، اكثر من اي يوم مضى، مصممون على تحمل مسؤولية مواجهة سياسات اقتصادية خاطئة وتراكمات متلاحقة ومتعددة، ووضع حد لها بهدف وقف المسار الانحداري الذي اوصلنا منذ عقود الى ما نحن عليه. ارادتنا ان نواجه من اجل بقاء لبنان وديمومته، ونحيي الاطمئنان ونعيد دورة الحياة الى طبيعتها”. واكد الرئيس عون اهمية هذا الحدث الذي “سيشكل حجر الاساس للصعود من الهاوية، ومحطة جذرية لتحول اقتصادنا من اقتصاد ريعي نفعي الى اقتصاد منتج يساهم فيه الجميع ويفيد منه الجميع، وعلى ان ثروتنا النفطية والغازية هي لجميع اللبنانيين من دون مواربة، والدفاع عنها سيكون بالشراسة نفسها التي تم فيها الدفاع عن الحدود البرية، من دون مساومة او ارتهان”. وفي ما يلي نص الكلمة التي القاها الرئيس عون:
“ايتها اللبنانيات، ايها اللبنانيون، ساعات قليلة تفصلنا عن الاطلاق الرسمي لأعمال حفر اول بئر نفطي في لبنان، من احدى نقاط مياهنا الاقليمية، قبالة شواطئنا وامام قمم جبالنا، التي ستكون شاهدة على اهمية هذا الحدث.
إنه ليوم تاريخي سيشهده لبنان في الغد. فهو سيفصل بين ما قبله وما بعده. وسوف يذكره حاضر لبنان ومستقبله، بأنه اليوم الذي دخل فيه وطننا رسميا نادي الدول النفطية، الدول الغنية في احدى اهم مصادر الطاقة في القرن العشرين ومطلع القرن الواحد والعشرين لاقتصاديات البشرية المعاصرة. ويسعدني ان يأتي هذا الحدث في السنة التي تشهد فيها الجمهورية اللبنانية المئوية الأولى لإنشاء دولة لبنان الكبير.
وقد كنت على يقين، منذ عودتي الى لبنان بعد سنوات المنفى، في العام 2005، ان هذا الحلم لكثير من المخلصين يجب ان يتحقق. وكان التزامنا من خلال تكتل “التغيير والاصلاح” النيابي الذي ترأسته لسنوات، والوزارات التي تولينا تحمل مسؤولياتها ولا سيما وزارة الطاقة التي تسلمها الوزير جبران باسيل والذين تعاقبوا من بعده، ان نعمل ليل نهار، ومن دون هوادة، من أجل تحقيق هذا الحلم الذي سأطلقه يوم غد بكل اعتزاز. هذا الحدث كان من المفترض ان ينطلق في العام 2013، لكن صعوبات داخلية وسياسية حالت دون ذلك. وهل ننسى ما اعترضته من اضطرابات المنطقة تارة، ومن احداث عصفت في وطننا طورا؟ وكثيرا ما وقفت في وجه تحقيقه اطماع من هنا وارادات من هناك، ومناورات من هنا وهنالك. ولا تخلو المناسبة من واجب شكر كل من كانت له ايضا مساهمة في تحقيقه.
ايتها اللبنانيات، ايها اللبنانيون، إننا إذ نمر بأزمة اقتصادية ومالية هي الأقسى في تاريخ لبنان المعاصر، فإنني لواثق لما لهذا الحدث من أهمية بالغة، ليس اقلها على الصعيد الجيوسياسي وتأكيد حضورنا الفاعل وعناصر قوتنا وثباتنا. ليس قدرنا ان نبقى عرضة ازمات تتوالد من بعضها البعض، وتحمل الينا اليأس من وطننا فنهجره او نغترب عنه او نتنكر له. إننا اليوم، اكثر من اي يوم مضى، مصممون على تحمل مسؤولية مواجهة سياسات اقتصادية خاطئة وتراكمات متلاحقة ومتعددة، ووضع حد لها بهدف وقف المسار الانحداري الذي اوصلنا منذ عقود الى ما نحن عليه. ارادتنا ان نواجه من اجل بقاء لبنان وديمومته، ونحيي الاطمئنان ونعيد دورة الحياة الى طبيعتها. والحدث الذي سنحتفل فيه يوم غد، وإن كان يأتي وسط كل ظروف المعاناة التي نعيشها معا، الا انه سيشكل الحجر الاساس للصعود من الهاوية، ومحطة جذرية لتحول اقتصادنا من اقتصاد ريعي نفعي الى اقتصاد منتج يساهم فيه الجميع ويفيد منه الجميع. اقتصاد تكون فيه طاقاتنا الشابة، بما فيها من اندفاع وعلم وارادة صلبة، هي المحرك والاساس والغاية. وقد فُتحَت لها الاف فرص العمل الحديثة والواعدة.
ايتها اللبنانيات، ايها اللبنانيون، ان ثرواتنا النفطية والغازية هي لجميع اللبنانيين من دون مواربة. وعائداتها ثروة سيادية لا تفريط فيها ولا طريق فساد اليها، ولا هيمنة لفريق عليها ولا وضع يد لأحدهم عليها. وهي كذلك وديعة لحاضر اجيالنا ومستقبلها، وسنحميها بما أوتينا من صلابة ومنعة وقوة. فلا تفريط بها. وكما دافعنا وندافع عن حقنا المشروع في كل شبر من ترابنا الغالي، سندافع بالشراسة عينها عن حقنا في كل نقطة مياه من مياهنا الاقليمية التي تحمل ثروات نفطنا وغازنا. وعهدي لكم الا يكون هذا الأمر موضع مساومة او ارتهان.
إننا إذ سنحتفل معا باطلاق اعمال حفر اول بئر نفطي في لبنان، ادعوكم جميعا الى ان نفتح نافذة أمل في جدار الازمة التي نعيشها. واني واثق اننا سنجتازها بإرادتنا وتصميمنا لنخرج منها اقوى، وقد تخلصنا من تداعياتها، لنعيد الى سنواتنا ومستقبل ابنائنا الهناء الذي يستحقونه.
عشتم وعاش لبنان!”.