كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: فيما تواصل الحكومة الحفر على كل المستويات داخلياً ومع الخارج العربي والدولي بحثاً عن حلول للأزمات الاقتصادية والمالية التي تهدد لبنان بالانهيار، إنطلق الحفر بحراً بحثاً عن الثروة الغازية والنفطية التي يعوّل عليها لخلاص البلاد من الديون على وَقع حال انتظارية ستكون على مرحلتين، الاولى بدأت أمس وتنتهي بعد 60 يوماً حيث تظهر نتائج الحفر، وفي ضوء هذه النتائج تبدأ المرحلة الثانية التي يؤمل أن تكون إطلاق العد العكسي لاستخراج هذه الثروة، خصوصاً اذا تبيّن انها بكميات تجارية. بيد أنّ اللبنانيين الذين مَلّوا الانتظار يريدون بإلحاح الآن تفريج الازمة المالية والاقتصادية التي تهدد معيشتهم، فيما القلق على المصير يساورهم جرّاء ما يطلق من كلام وما يُشاع من اخبار عن أزمة ميؤوس من معالجتها وانّ البلاد سائرة الى إفلاس من شأنه ان يضعها تحت وصايات خارجية سياسية ومالية.
فيما انطلق الحفر في البحر بحثاً عن النفط والغاز، يترقّب الجميع في الداخل والخارج الخطة الاصلاحية الانقاذية التي ستعلنها الحكومة الاسبوع المقبل على الارجح، إذ في ضوئها ستتحدد حقيقة المواقف الداخلية والخارجية من الحكومة تأييداً او عدم تأييد، حيث انّ الجميع في الداخل والخارج كانوا قد أعلنوا انهم سيحددون مواقفهم من الحكومة في ضوء خطتها الاصلاحية الاقتصادية والمالية وحتى الادارية.
تدشين الحفر
وكان رئيس رئيس الجمهورية ميشال عون أطلق امس أعمال باخرة التنقيب عن النفط tungsten explorer في البلوك الرقم 4، وذلك في حضور رئيس الحكومة حسان دياب، ووزير الطاقة والمياه ريمون غجر، ورئيس منطقة الشرق الاوسط وافريقيا لشركة “توتال” ستيفان ميشال، والمدير العام لشركة “نوفاتك لبنان” سلافا ميشين، ومدير قطاع الاستكشاف في شركة “ايني” اندريا كوزي، ورئيس هيئة قطاع النفط وليد نصر، وعدد من مسؤولي الشركات الاجنبية الثلاث.
وقال عون في المناسبة: “اليوم هو يوم سعيد لنا ولجميع اللبنانيين. ونأمل ان يتحقق هذا الحلم الذي لطالما حلمنا به وعملنا على تحقيقه. اليوم هو يوم تاريخي، فبداية أي مشروع كبير تعتبر بداية تاريخية”.
من جهته قال دياب: “انّ هذه الخطوة تشكّل أملاً في تجاوز لبنان الازمة الاقتصادية، واننا نحفر اليوم مستقبل لبنان الجديد الذي نريده ان يعود مزدهراً ويطوي صفحات الاحباط”.
ثم جال عون ودياب وغجر والمسؤولين من الشركات الاجنبية الثلاث في أرجاء الباخرة، وتولى المدير العام لشركة توتال – لبنان ريكاردو داري تقديم شرح مفصّل عن طريقة عمل الباخرة وعملية التنقيب، مشيراً الى انها عملية بالغة التعقيد وتصل نسبة دقة أنبوب الحفر الى نحو متر واحد من الموقع الذي يتم تحديده عبر أقمار صناعية من اميركا وروسيا. ولفت داري الى “انّ الحفر يجب ان يتخطى أولاً نحو كيلومتر من الملح قبل الوصول الى الموقع المفترض للبئر النفطية”. وأشار الى انه تمّ استقدام نفط خاص لتسيير الباخرة non sulfur marine gasoil.
مجلس الوزراء
وسيحضر موضوع بدء اعمال الحفر بحثاً عن الثروة النفطية في كلمتي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في مستهلّ جلسة مجلس الوزراء العادية التي ستنعقد في القصر الجمهوري الاولى والنصف بعد ظهر اليوم.
الخطة الانقاذية
وعشيّة الجلسة، قالت مصادر وزارية لـ”الجمهورية” انّ الحكومة مدعوّة الى اتخاذ قرارات جريئة وصعبة خلال وقت قصير لمعالجة اسباب الازمة الحالية وتداعيات السياسات الريعية التي تمّ اتّباعها على امتداد عقود، وأدّت الى إلحاق الضرر الكبير بالاقتصاد ومالية الدولة.
واشارت المصادر الى “انّ الخطة الانقاذية المرتقبة ستحاكي جوانب عدة واساسية من الازمة الاقتصادية – المالية”، لافتة الى “انّ الشعب اللبناني ينتظر من هذه الحكومة قرارات غير مألوفة لا تشبه ما كان يصدر عن الحكومات السابقة”.
واكدت المصادر نفسها “انّ الحكومة ليست في وارد أن تُهادن او تتهاوَن في مواجهة التحديات، وهي مصممة على تحمّل مسؤولياتها في هذه المرحلة المصيرية”. وشددت على “ان الانقاذ يبدأ من الداخل أولاً”، موضحة “انّ اللبنانيين يجب ان يعتمدوا على أنفسهم في تحقيق الاصلاحات ومكافحة الفساد وتحديد الاولويات والتحوّل من الاقتصاد الريعي الى المنتج، وصولاً الى استعادة الصدقية التي تشكّل شرطاً إلزامياً للحصول على مساعدة الخارج. وبالتالي، من غير الجائز وضع الحصان قبل العربة، والالحاح على مطالبة الجهات الخارجية بدعم لبنان قبل ان يكون قد باشَر عملياً تأدية ما يتوجّب عليه”.
“آلية فنيش”
من جهة ثانية، ينتظر ان يبحث مجلس الوزراء في الآلية الجديدة للتعيينات الإدارية في مراكز الفئة الأولى. وقالت مصادر وزارية لـ”الجمهورية” انّ البحث في هذه الآلية يستند الى ما كان معمولاً به قبلاً، ولاسيما الآلية التي يجري البحث فيها والمعروفة بـ”آلية فنيش” التي وضعها الوزير السابق محمد فنيش أثناء تولّيه وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية قبل سنوات عدة.
مجلس النواب
على صعيد مجلس النواب، ولمواكبة تطلبات المرحلة، خصوصاً على صعيد الشفافية، قال عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب ياسين جابر لـ”الجمهورية” إنّ اللجان المشتركة ستبدأ الأسبوع المقبل درس اقتراح القانون الذي قدّمه النائب ميشال موسى وأعَدّه المعهد المالي، ويرمي الى توحيد آليّات المناقصات ومعاييرها.
وأشار إلى “أنّ هذه خطوة نحو الشفافية مطلوبة وضرورية الآن، يبدأ البحث فيها الأسبوع المقبل في اللجان المشتركة”.
من جهته، قدّم النائب شامل روكز الى رئيس مجلس النواب نبيه بري، اقتراح قانون معجّل مكرر يرمي الى حظر التنازل عن سندات اليوروبوندز بالعملة الأجنبية موقتاً لجهات أجنبية، وذلك “تخوّفاً من حصول تنازلات مستقبلية لسندات اليوروبوندز بالعملة الأجنبية لجهات أجنبية، مماثلة لما حصل أخيراً، وأدى إلى إضعاف قدرة الدولة اللبنانية على التفاوض مع الجهات الدائنة، ولأنّ لبنان يمر في ظروف مالية نقدية استثنائية، لم يشهد لها أي مثيل، وأي خطوة غير مدروسة سينتج منها آثار كارثية على كلّ الصعد”.
وقال روكز لـ”الجمهورية”: “يجب الإعتراف أنّ الحكومة تعمل بزخم ليلاً ونهاراً لكي تتمكّن من التوصّل الى الحلّ المناسب في ما يتعلّق بسندات اليوروبوندز”.
وأضاف: “الوضع صعب، ويجب إقرار برنامج إصلاحي للنهوض الإقتصادي قبل التفتيش عن أيّ مصادر مالية، سواء كانت داخلية أو خارجية لتحريك الدورة الإقتصادية والقيام باستثمارات جديدة. لكن أيّ إجراءات تقرّر الحكومة أن تتخذها في أي مرحلة أو خطة لا يجب أن تطاول الطبقتين المتوسطة والفقيرة، فالناس لم يعد في مقدورها التحمّل. ويجب أن تُوزّع الخسائر حسب القدرة وأن تطاول من استفادوا سابقاً وأصحاب الأموال المنهوبة والمهرّبة”.
الى ذلك عقدت اللجنة الفرعية المنبثقة من اللجان النيابية المشتركة برئاسة النائب ابراهيم كنعان جلسة أمس، أنهت فيها درس قانون الاثراء غير المشروع وتعديلاته، وعلّقت 3 مواد لإعادة الصياغة، على أن تبدأ في جلسة تعقدها الأربعاء المقبل مناقشة اقتراحات قوانين رفع السرية المصرفية واستعادة الأموال المنهوبة.
وأعلن عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب جورج عقيص، في مؤتمر صحافي، عن تحويل سؤاله الى الحكومة عن تطبيق قانون تبادل المعلومات الضريبية إلكترونيّاً، استجواباً، لأنّ جوابها عليه “لم يكن مقنعاً”.
وقال: “نعلم جميعاً أنّ سويسرا هي من الدول التي تعطي لبنان الحق في الحصول على المعلومات عن كل الحسابات المصرفية التي يضعها اللبنانيون في المصارف السويسرية. ولكن، على ما يبدو، الحكومة والدولة تتخلفان حتى الساعة عن الحصول على هذه المعلومات”. كذلك قدّم عقيص اقتراحاً لبري لتعديل المادة 34 من النظام الداخلي للمجلس، لجعل جلسات اللجان النيابية علنية.
“الجمهورية القوية”
الى ذلك يلتئم تكتّل “الجمهورية القوية”، في سياق اجتماعاته المفتوحة، لمواكبة خطورة الأوضاع المالية والمعيشية، الرابعة والنصف بعد ظهر اليوم من أجل مواكبة المستجدّات، حسبما أفادت مصادر حزب “القوّات اللبنانية” لـ”الجمهورية”. مشيرة إلى أنّه “ستكون هناك ملفّات عدّة على طاولة البحث، تبدأ من الأزمة المالية وسبل مواجهتها والخطوات المرتبطة فيها، في ظلّ شعور التكتّل أنّ الأزمة كبيرة بينما الخطوات المتّخذة لمعالجته هي ما دون المطلوبة”.
وقالت هذه المصادر: “سيبحث الاجتماع ثانياً في فيروس “كورونا”، لافتة إلى أنّه “كان هناك استغراب كبير لدى رئيس التكتل وأعضائه للخفّة في طريقة التعامل مع ملفٍّ يصيب أمن اللبنانيين الصحّي في ظلّ إعلاء الاعتبار الإيديولوجيّ على الإعتبار الإنساني، ويمكن هذا الأمر أن يُدخل لبنان في كارثة ما بعدها كارثة”.
وأضافت: “سيتناول الإجتماع مواضيع سياسية أخرى مرتبطة بالوضع الحالي، ومنها الموضوع النفطي ومقاربته والتعاطي فيه بخلفية استعراضية من دون وضعه في الإطار المطلوب، وكأنّ هذه المسألة تُعالج بـ”كبسة زرّ”.
ورأت المصادر أنّه “من اليوم حتّى استخراج النفط، قد يكون لبنان أصبح غير موجود نتيجة الأزمة الكبرى التي تعصف به من كلّ حدب وصوب، فضلاً عن أنّ الطريقة التي يتمّ التعاطي فيها مع هذا الملفّ غير جدّية لأنّه معلوم أنّ هذا التنقيب لا تأتي ثماره قبل 9 سنوات. وبالتالي، لا يجوز وضعه في سياق إنجاز لفريق، في حين أنّه ثروة وطنية لجميع اللبنانيين، وأي مسؤول عليه في الحد الادني أن يتولّى مسؤولياته في إدارة الشأن العامّ، فضلاً عن انّ هنالك شكوكاً في هذه المسألة لجهة إدارة ملفّ الكهرباء، التي أوصَلت إلى ما وصلنا إليه، فهذه المسألة مشوبة بالحذر الشديد”.
وأشارت المصادر إلى أنّ التكتّل “سينكبّ على كلّ هذه المواضيع، إلى جانب درس مجموعة اقتراحات قوانين موجودة على جدول أعماله، فضلاً عن متابعة المواضيع المتعلّقة بمكافحة الفساد، حيث انّ بعض النواب انقسموا إلى مجموعات لمتابعة هذه المواضيع”.
فوشيه في السراي
من جهة ثانية، علمت “الجمهورية” انّ السفير الفرنسي برونو فوشيه طلبَ أمس لقاء عاجلاً مع رئيس الحكومة حسان دياب، الذي حدّد له موعداً قبل ظهر اليوم، وذلك للبحث في بعض الأمور الطارئة.
ولفتت مصادر ديبلوماسية الى انّ فوشيه طلب هذا اللقاء في موعد يسبق بساعات قليلة اللقاء المُنتظر في باريس بين وزير الخارجية اللبناني ناصيف حتي ونظيره الفرنسي جان ايف لودريان للتشاور في ملفات لبنان والمنطقة، ولاسيما منها الأزمة النقدية القاسية التي يعيشها لبنان وأسبابها وانعكاستها على مختلف المستويات.