كتبت صحيفة “نداء الوطن” تقول: إطمئنوا أيها اللبنانيون “بيتكم بالقلعة”… فرئيس الحكومة حسان دياب “شخصياً” أطلّ ليحدثكم وهذا دليل على أنّ “هناك اهتماماً كبيراً بالموضوع”. هذه الأهمية الشكلية التي أكد دياب بلسانه أنها تميّز المؤتمر الصحافي الذي عقده في السراي الحكومي إثر اجتماع لجنة “كورونا”، كفيلة وحدها بأن تهدئ روع المواطنين وتبدد الذعر في نفوسهم، سيّما وأنّ رئيس الحكومة بات يتلقى التهاني والتبريكات من “سفراء زاروني” للإشادة بالإجراءات التي تتخذها حكومته، حتى أنّ وزيرة إعلامه منال عبد الصمد ذهبت أبعد من ذلك لتشير مساءً إلى أنّ بلدان هؤلاء السفراء “اتخذت من إجراءات لبنان نموذجاً لاعتمادها”!
هذا بالشكل، أما في المضمون فـ”التوصيات العشر” التي خرجت بها اللجنة جاءت لتسجل اتخاذ أكثر من خطوة جوهرية بديهية كان من المفترض أن تكون احترازية منذ بدايات خطر تسلل الفيروس لكنها لم ترقَ بعد إلى مستوى “خطة الطوارئ” المفروض إعلانها بعدما انتشر الفيروس وأصبح مصنفاً “وباءً عالمياً”. صحيح أنّ من يصل متأخراً خير ممن لا يصل أبداً، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ الوصول المتأخر إلى المحطة لا يعود مجدياً بعد أن يغادرها القطار، وهذه هي مشكلة الحكومة التي يحكمها التردد وانعدام الجرأة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، وهنا “بيت الداء والوباء”، هكذا تفعل في محاكاة الأزمة الاقتصادية والمالية التي أغرقت معالجاتها في مستنقع اللجان والمستشارين والأخصائيين من دون اتضاح معالم خطة واضحة حتى الساعة لكيفية الخروج من هذه الأزمة، وهكذا تتعامل اليوم مع أزمة “كورونا” الغارقة في المستنقع نفسه من دون خطة استباقية خارج إطار رد الفعل المتدرّج من التنكر بدايةً لخطورة تسرّب الفيروس من إيران تحت شعار “لا داعي للهلع”، مروراً بالإقرار بتسرّبه ودخول البلاد مرحلة “الانتشار”، وصولاً إلى الاقتناع بعد فوات الأوان بأنّ سدّ المنافذ الجوية والبحرية والبرية أمام دول تفشي الوباء لا مفرّ من اتخاذه.
وفي خلاصة توصيات اللجنة على الصعيدين “الداخلي والخارجي” أنها تضمنت: 1- وضع جدول مناوبة لموظفي القطاع العام، 2- تنظيم مناوبة العاملين بالحد الأدنى في المؤسسات الخاصة، 3- منع التجمعات وإقفال المقاهي والمطاعم والحانات والحدائق ومراكز التسوق والمرافق السياحية والأثرية والمغاور ومراكز التزلج وأماكن الترفيه والتسلية والأندية والملاعب والمسابح والمنتجعات الصحية، 4- الحد من التجمّعات في دور العبادة والمرافق التابعة لها، 5- الطلب من كبار السن ملازمة المنازل والخروج فقط للعمل وعند الضرورة القصوى، 6- الطلب من المواطنين الالتزام بوقف المناسبات الاجتماعية والتجمّعات في المنازل وخارجها وإلغاء الحفلات والسهرات والمناسبات والمؤتمرات والاجتماعات، 7- حث المستشفيات الخاصة على الإسراع بتأمين الجهوزية، 8 – وقف الرحلات (الجوية، البريّة والبحرية) من وإلى إيطاليا – كوريا الجنوبية- إيران-الصّين لمدّة أسبوع، 9 – وقف دخول القادمين من دول تفشي كورونا (فرنسا، مصر، سوريا، العراق، المانيا، اسبانيا، بريطانيا، ودول أخرى) جواً أو براً أو بحراً، 10- منح مهلة أربعة أيام للراغبين بالعودة إلى لبنان توقف بعد انقضائها جميع الرحلات من هذه الدول.
في الغضون، شقت قضية التشكيلات القضائية طريقها أمس لتبرز على شريط الأحداث مع إعلان وزيرة العدل ماري كلود نجم أنها ردت مشروع التشكيلات إلى مجلس القضاء الأعلى مرفقة بـ3 ملاحظات (شمولية وحدة المعايير، التعيينات العسكرية، التوازن الطائفي دون تكريس مواقع قضائية لطوائف ومذاهب معينة) بعدما كانت قد اجتمعت بعد ظهر أمس مع أعضاء المجلس لمدة ساعتين ونصف جرى خلالها التباحث في الملف والتعديلات التي تقترحها نجم. وعلمت “نداء الوطن” أنّ مجلس القضاء سيعقد اجتماعات مكثفة في اليومين المقبلين لتدارس ملاحظات وزيرة العدل والبحث في إمكانية إدخال تعديل أو أكثر على مشروع التشكيلات بناءً على ملاحظاتها أو العودة إلى التمسك بصيغة التشكيلات كما أقرها المجلس بالإجماع وتجديد المصادقة عليها تمهيداً لإعادتها إلى وزارة العدل.
وإذ ترجح مصادر مواكبة للملف أن يعيد مجلس القضاء الإصرار على التشكيلات كما أنجزها “لأنّ أي تعديل في أي من جوانبها يهدد بالإطاحة بها كلها”، تؤكد مصادر قضائية لـ”نداء الوطن” أنّ مجلس القضاء “لن يتسرّع في الإجابة على ملاحظات وزيرة العدل بل سيخضعها لنقاش معمّق قبل أن يمنح جوابه عليها”.
توازياً، وبينما يؤكد مصدر حكومي لـ”نداء الوطن” أنّ التشكيلات القضائية “ستُبصر النور في نهاية المطاف لأنّ المجتمع الدولي كما الشارع اللبناني المنتفض ينتظرها ويراقب مسارها وبالتالي لن يجرؤ أحد مهما علا شأنه على عرقلتها”، أفادت المعلومات المتوافرة أنّ وزيرة العدل التقت خلال الساعات الأخيرة مجموعة من شباب الثورة وشرحت لهم موقفها بعد أن خرجت تظاهرات أمام قصر العدل رافضة لعدم توقيعها التشكيلات ومتهمة إياها بالتراجع عن وعد عدم التدخل بالمسار القضائي للتشكيلات.
وفي ختام الاجتماع تعهدت نجم للثوار بأنها “لن تعرقل إقرار التشكيلات وأنّ كل ما فعلته هو ممارسة حقها القانوني بإبداء الملاحظات لمعالجة ما تراه من شوائب”، في حين نقل بعض من كانوا في الاجتماع أنهم فهموا منها ما يشير تلميحاً إلى أنها “ستعمد إلى توقيع مشروع التشكيلات عندما يُردّ إليها مجدداً من مجلس القضاء، سواءً كان معدلاً أو غير معدل، ولن تضعه في الدرج”.