كتبت “البناء” تقول:تحت سقف عدم التورّط في مواجهة مع إيران، تهرّبت القيادة السياسية والعسكرية الأميركية التي اتهمت إيران بالهجوم على قواتها في قاعدة التاجي والتسبّب بمقتل جنديين أميركيين وآخر بريطاني وإصابة اثني عشر جندياً آخر، جاء العدوان الأميركي على العراق، الذي وصفه القادة الأميركيون بالردّ على الضربة ليتسبّب بتورّط من نوع آخر لا يقلّ خطورة، فبعدما كان استهداف الأميركيين موضوع انقسام عراقي، توحّد العراقيون في وجه العدوان واستعادوا مشهد ما بعد اغتيال الأميركيّين للقائدين قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس، لجهة الإجماع على اعتبار العدوان الأميركي انتهاكاً للسيادة واستخفافاً بالدولة العراقية والاتفاقيّات التي تنظم العلاقة معها. فوجد الرئيس العراقي برهم صالح القريب من واشنطن والذي استنكر عملية استهداف الأميركيين، أنه مجبر على مشاركة رئيسي مجلس النواب والحكومة المستقيلة على إدانة العدوان، وتوجّهت وزارة الخارجية ببيان شديد اللهجة نحو اتهام واشنطن بضرب أهداف حكومية ومدنية ومواقع للشرطة والجيش واستباق التحقيق المشترك في هجوم التاجي الذي استهدف الأميركيين، وعدم التنسيق مع الحكومة العراقية وفقاً للأصول في التعامل مع أي حدث أمني فوق الأراضي العراقية، وقرّرت الخارجية التوجّه بشكوى أمميّة تنديداً بالعدوان، بينما منح هذا المناخ قوى المقاومة مزيداً من القوة لمنطقها لجهة أن الوجود الأميركي في العراق ليس وجوداً قائماً على اتفاقيات قانونية بل هو مجرد احتلال غاشم، يفرض إرادته وعدوانه على العراقيين، ولا حلّ سوى اعتبار رحيل الاحتلال مطلباً وطنياً، والتعامل معه باللغة التي يفهمها وهي لغة المقاومة. وقالت مصادر في فصائل المقاومة، إنّها تترقب الموقف وتتابع التطورات، خصوصاً الإجماع السياسي والوطني والشعبي بوجه الاحتلال، وسوف تقوم بالردّ المناسب على العدوان.
لبنانياً، كانت إطلالة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مخصّصة بقسمها الرئيسيّ للتعبئة النفسيّة والشعبيّة لمواجهة فيروس كورونا، وإعلان مقاومة لهذا العدو يشترك فيها الجميع ويترفع عن الاستثمار في المزايدة حولها الجميع، ولأنها مقاومة بقيادة الحكومة أعلن السيد نصرالله وضع إمكانات حزب الله بتصرفها في كل المجالات، تاركاً أمر إعلان حالة الطوارئ للحكومة، عندما تراه مناسباً، مثنياً على جهود وزارة الصحة والطواقم الطبية؛ بينما توقف السيد نصرالله أمام موضوع التعامل مع صندوق النقد الدولي، رداً على ما جرى ترويجه من خطوط حمراء يرسمها الحزب بوجه الحكومة، فقال السيد نصرالله إن حزب الله لا يمانع أي انفتاح تقوم به الحكومة على كل الجهات الدولية سواء الصندوق أو سواه، من ضمن خطتها للنهوض الاقتصادي، وضمن ضوابط الدستور والسيادة، ولا مانع أصلاً حتى بشروط ترتبط بدعم هذه الجهات الدولية إذا لم تتعارض مع المصلحة الوطنية، خصوصاً لجهة تأكيد رفض أي ضرائب على الفقراء وذوي الدخل المحدود، أو مقايضة الدعم المالي بشروط تنتهك سيادة لبنان، معلناً أن الوصاية بالمطلق مرفوضة، وإخضاع لبنان لأي وصاية لن يلقى موافقة حزب الله، أما التعاون من ضمن شروط تحفظ سيادة لبنان وتحمي الطبقات الضعيفة فيه ولا تمس باستقراره، فلا مشكلة فيها، بل إن بعض الشروط موضع ترحيب عندما تتصل بالشفافية وضبط الهدر ومكافحة الفساد وهيكلة القطاع العام لمزيد من الإنتاجية.
على المستوى الحكومي، كان تقييم المواجهة لفيروس كورونا عنوان النشاط الحكومي الذي توّج باجتماع مطوّل وموسّع في السراي ترأسه رئيس الحكومة حسان دياب، لمناقشة الدعوات لإعلان حالة الطوارئ. وقالت مصادر متابعة إن الأيام المقبلة لا زالت مخصصة لاستكمال وزارة الصحة ما بدأته من متابعة للحالات المتسرّبة ومخالطيها، الذين تسببوا بالمرحلة الثانية من انتشار الفيروس بعدما نجحت وزارة الصحة باحتواء المرحلة الأولى التي تركزت على مصدر الوافدين من إيران. ووصفت المصادر المرحلة الحالية بتمشيط حالات التسرّب التي جاءت من مصر وإيطاليا وبريطانيا وفرنسا ومخالطيها أملاً بالعودة إلى مرحلة الاحتواء، وإذا لم تنجح الخطة في ضبط الوضع وإعادته تحت السيطرة وبقي التوسع في الانتشار فإن إعلان حالة الطوارئ وارد، وربما يتم اللجوء إلى يوم حظر تجوّل تتم خلاله عملية مسح بالفحوص تشارك فيها وحدات الجيش والقوى الأمنية والجهات الطبية لإجراء فحص شامل للبنانيين في بيوتهم، وتمديد اليوم ليومين وأكثر لحين الانتهاء من الفحص الشامل والتحقق من حالات الإصابة وحصرها، ومثل هذا التدبير يحتاج تحضير معدّات وفرق كافية منظمة، ولوجستية كافية لفحص العينات، وتنظيمها.
ورأى السيد نصر الله أننا في معركة ضد عدو اسمه “كورونا” ويجب أن نخوض هذه المعركة، موضحاً أن هناك عدواً وهناك مستهدفين ملزمين بمواجهته.
وفي كلمة له حول آخر المستجدات والتطورات قال إن المشكلة اليوم تتمثل في أن العدو في هذه المعركة ما زال عنصراً مجهولاً في أغلب جوانبه.
وشدّد السيد نصرالله على أن المسؤولية يجب أن تكون عامة وشاملة لدى الجميع، إذ يتطلب من الكل مهام ووظائف محددة، ففي هذا النوع من المعركة كل ما يتصل بالعمل الصحي هو في الخط الأمامي، معتبراً أنه يجب أن ننظر إلى العاملين في المجال الصحي على أنهم ضباط وجنود الخط الأمامي.
ولفت الى أن الهدف الحالي هو الحفاظ على حياة الناس من خلال منع الانتشار أولاً، ثم معالجة المصابين، لافتاً إلى أن شفاء الحالات المصابة أمر ممكن علمياً وواقعياً ومنع الانتشار كذلك لكنه يحتاج إلى إرادة وصبر ومسؤولية.
وأوضح أن وزارة الصحة كانت شفافة منذ اليوم الأول، وكانت تعلن عن الحالات يومياً بمجرد اكتشافها، داعياً إياها إلى الاستمرار في العمل بهذه الروحية مهما كان حجم الوفيات أو الإصابات. وأعلن أن حزب الله يضع كل إمكانيّاته في تصرّف الحكومة ووزارة الصحة، مؤكداً أنه تجب الاستفادة من تجارب الدول الأخرى وإعطاء الأولوية المطلقة لهذه المعركة. ولفت السيد نصر الله إلى ضرورة التكافل الاجتماعي لمنع أي خلل في الأمن الاجتماعي، إذ على المصارف والميسورين المساهمة وتحمل المسؤولية في هذه المعركة.
وأكدت مصادر نيابية وصحية لـ”البناء” “استنفار كافة الجهات والمؤسسات الصحيّة الحكومية والخاصة لمواجهة هذا الوباء العالمي”، مؤيدة كلام السيد نصرالله بأن “مواجهة المرض ليست مستحيلاً بل يمكن الحد من انتشاره وتخفيف الخسائر وعدد المصابين والعمل على معالجتهم إذا تمّ التعاون وتضافر الجهود والالتزام العام والشامل بالإرشادات الرسمية الوقائية”. كما لاحظت المصادر تحسن تدريجي في الالتزام بالإرشادات الوقائية عن الايام السابقة ما سيؤدي الى التقليل من الاصابات في المدى المنظور”، موضحة أن “تزايد عدد المصابين لا يعني عدم الالتزام او فشل الجهات المعنية بالمواجهة او بالسيطرة عليه فقد تكون الإصابات المكتشفة حالياً ناتجة عن اللامبالاة في الأسابيع الماضية”، واضافت ان “الإجراءات المتخذة لا سيما إقفال المؤسسات العامة والمدارس والجامعات وأماكن الاختلاط ووقف الرحلات الجوية عوامل ستساهم في الحد من انتشار الوباء”. ورجّحت مصادر “البناء” أن تعلن الحكومة حالة الطوارئ إذا تطوّر الوضع الى المرحلة الأسوأ كما حصل في عدد من دول العالم لا سيما في الولايات المتحدة الاميركية، وعدم التزام المواطنين بالإرشادات وظهور حالات عدوى جديدة وعجز المؤسسات الصحية عن استقبال حالات جديدة”، مضيفة أن “اتخاذ هذا القرار يحتاج الى ثلثي مجلس الوزراء ويكلف الجيش والقوى الأمنيّة بتطبيق حظر التجوّل وفرض تطبيق الإرشادات بقوة القانون”.
وسُجل يوم أمس، ست إصابات جديدة بـ”كورونا” بحسب المستشفى الحكومي الذي أعلن في تقريره امس، أن “العدد الإجمالي للحالات التي تمّ استقبالها في الطوارئ المخصّص لكورونا خلال الـ 24 ساعة الماضية: 220 حالة، احتاجت 22 حالة منها إلى دخول الحجر الصحيّ، فيما يلتزم الباقون الحجر المنزلي. والعدد الإجمالي للفحوص المخبرية: 202. والنتائج السلبية: 196. النتائج الإيجابية: 6، خمسة منها كان قد سبق لها أن أجرت فحوصاً في مختبرات أخرى وتمّ إدراجها ضمن بيان وزارة الصحة الصباحيّ”. واضاف التقرير: “غادر المستشفى 20 شخصاً كانوا متواجدين في منطقة الحجر الصحي بعد أن جاءت نتيجة الفحص المخبريّ سلبيّة. يوجد حتى اللحظة 9 حالات في منطقة الحجر الصحي. العدد الإجمالي للحالات الإيجابية داخل المستشفى 45 حالة. وضع المصابين بالكورونا مستقرّ ما عدا حالتين وضعهما حرج، وجميعُهم يتلقون العناية اللازمة في وحدة العزل”.
وأعلنت وزارة الصحة في بيان عن “تشخيص حالة من العاملين لديها في الإدارة المركزية التقطت العدوى من أحد أقربائها المشخّصين. وتقوم الوزارة باتباع الإجراءات اللازمة لعزلها وتحديد المخالطين خارج وداخل الوزارة وجمع العينات ووضع المخالطين في الحجر الصحي المنزلي”.
بدوره، أعلن وزير الصحة حمد حسن ان من الممكن إعلان حالة طوارئ مدنيّة أو صحية، وعلى المواطنين أن يتوقّعوا اليوم الإعلان عن زيادة حالات كورونا 20 حالة في لبنان”. واعتبر ان الإجراءات في مطار بيروت موازية لإجراءات مطار شارل ديغول وجميع المطارات المتقدمة في العالم”، داعياً إلى “تخفيف التنظير على وزارة الصحة واللجنة الوطنية لمواجهة كورونا، ومسوّق الإشاعات يجب أن يُحاسَب”.
وقال نقيب الأطباء في بيروت د. شرف أبو شرف في تصريح أن “الطاقم الطبي والتمريضي جاهز لاستيعاب المرضى والتعامل معهم ضمن الإطار المقبول إن لم يتفاقم الوضع بسرعة”. وتحدثت مصادر رسمية عن اتجاه لإقفال كل المؤسسات الرسمية والمقار الرئاسية وجميع الوزارات الأسبوع المقبل إذا تفاقمت أكثر اصابات كورونا.
وفيما نفت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي وجود إصابات في صفوف عناصرها أو بين السجناء، أكدت مصادر في وزارة الداخلية “خلو السجون كافّة على كلّ الأراضي اللبنانية من أي إصابة بفيروس “كورونا”، لافتة إلى أنّ “7066 سجينًا و2408 موقوفين موزّعين على كل السجون، أُجريت لهم الفحوصات اللازمة، وقد تمّ الاشتباه بحالة إصابة لدى سجين واحد، ونُقل إلى مستشفى بيروت الحكومي، وتأكّد أنّ نتيجة الفحوصات الخاصّة بفيروس “كورونا” جاءت سلبيّة”.
وطلب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من المصارف اللبنانية كافة إعطاء الأولوية في التحويلات لشراء المواد والمستلزمات والمعدات الطبية لمكافحة فيروس كورونا.
على صعيد آخر، نفى السيد نصر الله مسألة أن الحكومة تنفذ خطة حزب الله، وقال “ليس صحيحاً أن نحمّل مسؤولية من نوع تقديم خطة الى الحكومة بل المطلوب خطة تشاركية والكل مسؤول عن هذا الأمر”. وأوضح “أي جهة تريد أن تقدم مساعدة غير مشروطة وضمن الضوابط السياسية التي تعتمدها الدولة نحن لا نمانع ذلك”. ولفت الى أن “حزب الله يقبل بمساعدات مشروطة، لكن لا تتنافى مع الدستور اللبناني ولا تمسّ السيادة اللبنانية ولا تتنافى مع المصلحة الوطنية اللبنانية”، مشيراً إلى مثال على ذلك بالقول “الشروط المرفوضة هي رفع الضريبة على القيمة المضافة أو توطين اللاجئين الفلسطينيين وهما شرطان لا يصبّان في إطار المصلحة الوطنية”.
وشدّد السيد نصر الله على أن الشروط المرتبطة بالإصلاح ومكافحة الفساد واستقلالية القضاء والشفافية هي شروط ممتازة، وقد طالب بها حزب الله مسبقاً.
ووجّه السيد نصر الله رسالة الى المصارف دعاهم فيها إلى تحمّل المسؤولية والمبادرة إلى المساعدة مثلما قدمت العديد من المصارف في العالم، وقال “المصارف في لبنان هي واحدة من الخيارات فقد ربحت عشرات مليارات الدولارات خلال فترة معينة من الهندسات المالية وغيرها”. وأضاف “التحدّي اليوم هو الانهيار الاقتصادي فلتساهموا في المساعدة مثلما قدمت العائلات أغلى ما عندها في مواجهة الاحتلال، ولتذهبوا الى رئيس الحكومة لتقديم مساعدة للدولة اللبنانية للمساهمة في معالجة الأوضاع الصحية أو الاقتصادية”. وفي هذا السياق أشارت مصادر مقربة من رئيس المجلس النيابي لـ”البناء” الى أن “اللجوء الى صندوق النقد الدولي هو من الخيارات امام الحكومة لمعالجة الأزمة المالية والاقتصادية لكن من دون أي شروط سياسية ومالية تفرض علينا ولا تصب في مصلحتنا الوطنية”، موضحة أن “الاتصالات بين الحكومة وصندوق النقد والمؤسسات المالية الدولية قائمة ولا رفض مبدئي لأي خيار ترى فيه الحكومة مصلحة لها”، مضيفة أن “الحكومة ستبدأ التفاوض مع الدائنين منذ الاسبوع الطالع للاتفاق على حل لمسألة الديون يحقق المصلحة الوطنية”.
ولفت وزير الاقتصاد راوول نعمة في حديث تلفزيوني الى أن “وزراء هذه الحكومة هم “كاميكاز” والحكومة تمدّ يدها إلى كل الناس وأنا لديّ أمل كبير بأنّ لبنان سيخرج من هذه المحنة”.