كتبت صحيفة “الجمهورية ” تقول : إستدعى تفاقم أزمة الكورونا أمس اعلان مجلس الوزراء التعبئة العامة في البلاد بدءاً من اليوم وحتى التاسع والعشرين من الجاري، لمحاصرة هذا الوباء والقضاء عليه، وتقرّر إقفال للإدارات العامة والخاصة والمدارس والجامعات والحضانات والمرافق الجوية والبرية والبحرية، لمنع تسرّب اي مصابين جدد الى الاراضي اللبنانية ومعالجة المصابين المحجّر عليهم.
وقد إستثنى القرار مجموعة من الإدارات العامة للإبقاء على سير العمل ومصرف لبنان والمصارف الخاصة والصيارفة وكهرباء لبنان وقطاع النفط والمرافق الصحية، وإتخذ بعد يوم طويل من اللقاءات والاجتماعات في القصر الجمهوري، والتي تُوّجت أولاً باجتماع للمجلس الأعلى للدفاع برئاسة رئيس الجمهورية، ثم بجلسة طارئة لمجلس الوزراء وتخلّلت الجلستان كلمة لرئيس الجمهورية ميشال عون الى اللبنانيين، دعا فيها الى التعبئة العامة والتعاون مع الإجراءات المتخذة لمكافحة الوباء، مؤكّداً أنّ الوقت هو للتضامن الوطني ببعديه الانساني والمجتمعي “أمام اي خطر يهدّد سلامة حياة اي من اللبنانيين”. وكذلك كانت كلمة لرئيس الحكومة حسان دياب، دعا فيها اللبنانيين الى “أعلى درجات الاستنفار” لمحاصرة وباء “الكورونا” والانتصار عليه، مشيراً، انّ الاجراءات المُتخذة في هذا الصدد ستؤثر على الاقتصاد “لكن حياة اللبنانيين هي الاغلى”.
كان اللافت أمس، انّ اصابة واحدة جديدة سُجلت فقط، بعثت الامل ببدء تراجع عدد الاصابات في قابل الايام، وتبيّن انّ المصاب هو أحد العاملين في مستشفى الجامعة الاميركية في بيروت، كما اعلن محافظ بعلبك ـ الهرمل بشير خضر، حيث إكتُشف المصاب في تلك المحافظة اثناء تمضيته عطلة نهاية الاسبوع مع عائلته، في وقت سارعت الاجهزة الامنية والعسكرية والبلدية الى التشدّد في اجراءات منع التجمعات في الاماكن العامة ومراكز التسوق، وتدخّلت في بيروت تحديداً بنحو عاجل لتفريق جموع من المتنزهين على كورنيش المنارة، اثارت الخوف من التسبّب بمزيد من تفشي الوباء القاتل.
وعلمت “الجمهورية” انّ مجلس الوزراء ناقش ورقة معدّة مسبقاً حول إجراءات الحكومة. وحصل نقاش مطوّل دام نحو ساعتين في البند الأول المتعلق بحظر التجول وطريقة تعاطي الجيش والأجهزة الأمنية مع هذا الأمر وإمكانية الملاحقة القانونية. وكان الرأي الطاغي أنّ منع اللبنانيين من الخروج سيفتح على أزمات أخرى متعددة، منها عدم تمكّن المواطن من تسيير أعماله. فاستقر الرأي عند الاكتفاء بمنع التجمعات والاكتظاظ.
وفي بند وقف حركة الطيران تمّ الاتفاق بداية على أن يستمر الاقفال حتى 22 من الحالي، ثم يتخذ بعده رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة قراراً بالتمديد حسب المستجدات. لكن عدداً كبيراً من الوزراء أصرّ على اتخاذ قرار الاقفال حتى 29 الجاري أسوة بمدة الإجراءات الاستثنائية الأخرى. لكن مستشارة رئيس الحكومة بيترا خوري اقترحت أن يفتح المطار لمدة يومين بعد 22 الجاري ثم يقفل حتى 29، عندها طلب الوزير عباس مرتضى طرح الأمر على التصويت فصوتت الغالبية على الاقفال حتى 29.
وطرحت وزيرة العدل مشكلة ان هناك 120 سجينا انهوا محكومياتهم لكن لا أموال لديهم لدفع الكفالات و مجموعها 650 مليون ليرة وطلبت من وزير المال تغطيتها فاعترض على هذا الأمر وطلب رؤية الأسماء ومعرفة ما اذا كان لهم علاقة بمجموعات إرهابية فاستاء رئيس الحكومة من هذا الأمر وأقترح إعداد مرسوم لاعفائهم من هذه الرسوم.
مجلس الوزراء
وكان مجلس الوزراء قرّر في جلسته امس، اعلان التعبئة العامة اعتباراً من (أمس) وحتى منتصف ليل 29 من الجاري. وجدّد التشديد على وجوب التزام المواطنين البقاء في منازلهم وعدم الخروج منها الّا للضرورة القصوى. كذلك شدّد على كل القرارات المُتخذة لمواجهة فيروس “كورونا” ومنها منع التجمعات في الاماكن العامة والخاصة على اختلافها، كما في شأن السفر من وإلى لبنان من بعض الدول، وإقفال مطار الرئيس رفيق الحريري الدولي وكل المرافئ الجوية والبحرية والبرية اعتباراً من بعد غد الأربعاء حتى يوم الأحد 29 آذار الجاري، وإقفال الادارات والمؤسسات العامة والبلديات واتحاداتها والمصالح المستقلة والجامعات والمدارس الرسمية والخاصة والحضانات، وذلك على اختلافها. وتعليق العمل في الشركات والمؤسسات الخاصة والمحلات التجارية على اختلافها، بإستثناء المطاحن والأفران وكل ما يرتبط بتصنيع وتخزين وبيع المواد الغذائية وغيرها.
وقال رئيس الحكومة حسان دياب بعد الجلسة: “إنّه زمن التعاون، واستنهاض الهمم، وإنّ اللبنانيين يحتاجون، أكثر من أي يوم مضى، إلى التكاتف، ولطالما كانوا دوماً متآزرين في مواجهة الأزمات”، داعياً الجميع إلى “أعلى درجات الاستنفار، لمحاصرة الوباء، والانتصار عليه”. وأضاف: “اليوم يعيش لبنان حالة طوارئ صحية، لذلك، تعلن الحكومة، التعبئة العامة وذلك لغاية نهاية يوم 29 آذار 2020″. وأشار، أنّ المطلوب من القوى السياسية الارتقاء الى مستوى التحدّي والالتفاف حول الدولة ومؤسساتها وتقديم الدعم والمؤازرة كي نتمكن من حماية اللبنانيين.
عكر لـ”الجمهورية”
وقالت نائب رئيس الحكومة ووزيرة الدفاع زينة عكر لـ”الجمهورية”، انّ ”مجلس الوزراء اتخذ أقصى التدابير الممكنة قياساً إلى تحدّيات ”كورونا” في اللحظة الراهنة”، لافتة الى “انّ منسوب الإجراءات قد يرتفع اكثر في المستقبل اذا تطورت الأمور نحو الأسوأ لا سمح الله”. وأوضحت، “انّ حالة الطوارئ العامة والشاملة لا تُعلن وفق الدستور الّا في حالات محدّدة لا تنطبق على ما نتعرّض له حالياً”.
وأكّدت “انّ المؤسسة العسكرية والقوى الأمنية ستتولّى الإشراف على تنفيذ القرارات التي اتخذها مجلس الوزراء، خصوصاً لجهة التشّدد في منع اي تجمعات كما حصل امس على كورنيش المنارة، حين تدخلت الأجهزة الرسمية لإلزام الناس بمغادرته بعد اكتظاظه صباحاً بالرواد”.
واشارت، أنّ بعض القرارات التي صدرت عن الحكومة لم تكن سهلة او عادية، ولا سيما منها ما يتعلق بإقفال المطار والمعابر الحدودية وتقنين العمل في بعض القطاعات الحيوية، لكنها كانت ضرورية وملحة في إطار خطة وقائية لمواجهة “كورونا” وحصر تمدّده قبل أن يقع الأسوأ، على أن يتمّ خلال الأسبوعين المقبلين تقويم التدابير المطبّقة وأثرها العملي ليُبنى على الشيء مقتضاه”.
وشدّدت عكر على “أهمية ان يتحسس المواطنون بالمسؤولية الشخصية الوطنية في مواجهة فيروس “كورونا”، وان يتجاوبوا مع إجراءات الدولة لتجاوز هذه المرحلة بأقل الأضرار الممكنة”.
مجلس الدفاع
بدوره، المجلس الاعلى للدفاع وبعدما بحث في “الخطر الداهم المتمثل بوباء “كورونا”، قرّر “رفع إنهاء الى مقام مجلس الوزراء لمواجهة هذا الخطر بالتعبئة العامة التي تنصّ عليها المادة 2 من المرسوم الاشتراعي رقم 102/1983 (الدفاع الوطني) مع ما تستلزمه من خطط، وايضاً احكام خاصة تناولتها هذه المادة، بالإضافة الى التدابير والاجراءات التي سبق واتخذها مجلس الوزراء في اجتماعاته السابقة”.
وعلمت “الجمهورية”، انّ صوراً عن اكتظاظ كورنيش المنارة بالرواد صباح امس وصلت إلى عدد من أعضاء مجلس الدفاع الأعلى خلال اجتماعه، فتقرّر على الفور التحرّك للطلب من الناس مغادرته وعدم التجمّع.
الأولوية لمجلس الدفاع
وفي تفسير للخطوة التي اتُخذت في المجلس الأعلى للدفاع امس، قالت مصادر قانونية شاركت في اللقاء لـ “الجمهورية”، انّه قبل اعطاء هذا التفسير، تجدر الإشارة، انّ اعادة ترتيب المواعيد الخاصة بإجتماعي المجلسين وتقديم موعد اجتماع المجلس الأعلى للدفاع على موعد جلسة مجلس الوزراء، وضع الخطوات الضرورية في نصابها القانوني والدستوري الطبيعيين، وهو ما انتهت اليه الإتصالات التي سبقتهما اثناء البحث في ما يمكن اتخاذه من مواقف وترتيبات لمواجهة ما طرأ على أزمة الكورونا وتردداتها والبحث في الآلية الواجب اللجوء اليها.
تعبئة لا طوارئ
وقالت المصادر المعنية لـ “الجمهورية”، عند البحث في تحديد الخطوات التي يمكن اتخاذها، إستقرّ الرأي على عدم الوصول الى مرحلة اعلان “حال الطوارئ”، فكان اللجوء الى اعلان “التعبئة العامة” التي يمكن أن تمهّد لها. وهي حال تنصّ عليها المادة الثانية من المرسوم الاشتراعي الرقم 102/1983 من قانون الدفاع الوطني مع ما تستلزمه من خطط وأحكام خاصة بطريقة تشكّل استمراراً للتدابير والإجراءات التي سبق لمجلس الوزراء أن إتخذها في جلساته السابقة.
ما قرّره مجلس الدفاع
وأضافت المصادر، انّه وعلى هذه الخلفيات، اجتمع المجلس الأعلى للدفاع بعد ظهر امس في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قبيل اجتماع مجلس الوزراء، وانتهى الى ترك القرار لمجلس الوزراء لمواجهة خطر فيروس “كورونا”، بالتعبئة العامة مع ما تستلزمه من خطط وايضاً احكام خاصة تناولتها هذه الخطوة، تاركة لمجلس الوزراء اتخاذ القرارات التنفيذية التي يُمكن تطبيقها.
وفي الأسباب الموجبة قالت المصادر، انّ بلوغ مرحلة اعلان “حال الطوارئ” ليس اوانه، لما لهذه الخطوة من مستلزمات وكلفة مادية لا حاجة للجوء اليها الآن، وانّ مواجهة ما يحصل يكفي بإعلان حال التعبئة العامة. ولذلك دعا رئيس الجمهورية الى الاجتماع، بالإضافة الى اعضائه كافة، مستشار وزارة الدفاع الوزير السابق ناجي البستاني، لتقديم الشرح القانوني لهذه الخطوة ومستلزماتها لتسهيل المراحل التنفيذية.
منع الاحتكار والتلاعب
وقال احد اعضاء المجلس لـ “الجمهورية”، انّ البحث تركّز، بالإضافة الى البنود التي تضمنتها الفقرتان الأولى والثانية من المادة الثانية على البند “د” الذي تناول إمكان “مصادرة الاشخاص والاموال وفرض الخدمات على الاشخاص المعنويين والحقيقيين. وفي هذه الحالة تُراعى الاحكام الدستورية والقانونية المتعلقة بإعلان حالة الطوارئ”. وهو الشق الإجرائي الذي يمكن اللجوء اليه لتسهيل عبور مرحلة ”التعبئة العامة”.
وبموجب هذا البند، في حال قرّر مجلس الوزراء اللجوء اليه، يعني تكليف القوى العسكرية والأمنية وضع اليد مباشرة على مستودعات المواد الغذائية والمشتقات النفطية ومستلزمات الحياة اليومية للمواطنين. بالإضافة الى مراقبة كل ما يمكن اعتباره من مستلزمات صمود الشعب اللبناني امام وباء شكّل خطراً على الصحة العامة والأمن القومي، وضمان توفير مقومات الحياة اليومية للمواطنين ووقف كل أشكال الإحتكار والتلاعب بالمواد الإستهلاكية ومنع حجبها عن المواطنين وتوفيرها بالأسعار القانونية.
كما تقضي هذه الترتيبات، ان تقوم الوزارات والمؤسسات المعنية بأدوارها الطبيعية وفق اختصاصاتها، على ان تأخذ القوى العسكرية والأمنية دورًا ضابطاً للوضع الى جانبها، بالإضافة الى التشدّد في التدابير التي يجب اتخاذها على مداخل المخيمات الفلسطينية وتلك التي تأوي النازحين السوريين كما على الحدود البرية والبحرية والجوية.
المصارف مقفلة!
وعلى رغم من أنّ مقررات مجلس الوزراء استثنت المصارف من الاقفال، ودعت الى استمرار عمل هذا المرفق، مع اعتماد الإجراءات المناسبة لحماية الموظفين والزبائن، لم تلتزم ادارات المصارف التوصية، وقرّرت اقفال ابوابها. وصدر ليل أمس بيان عن جمعية مصارف لبنان جاء فيه:
”على إثر صدور قرار مجلس الوزراء بإعلان حالة التعبئة العامة في البلاد، وما تضمّنه من إجراءات وقائية شاملة لمواجهة تفشّي وباء ”كورونا”، ولا سيّما دعوة المواطنين الى البقاء في منازلهم، يعلن مجلس إدارة جمعية مصارف لبنان أنّ فروع المصارف سوف تقفل أبوابها يوم غد الإثنين في 16 آذار 2020 ريثما يتسنّى للإدارات العامة، بالتنسيق مع السلطات النقدية، تنظيم العمل في المصارف طوال الفترة الواقعة بين 16 و29 آذار الجاري، والتي شملتها الإجراءات المنصوص عليها في قرار مجلس الوزراء. وستطلع الجمعية الرأي العام تباعاً على كل الخطوات المتّخذة لمساعدة المواطنين على تجاوز صعوبات هذه المرحلة”.
ويبدو انّ جمعية المصارف بإصرارها على مخالفة قرار مجلس الوزراء بالاقفال رغم ارادته، تصيّدت فرصة جديدة للإمعان في إذلال المواطنين مودعين او موظفين على ابوابها. وهي كانت سرّبت قبل ساعات من انعقاد مجلس الوزراء بياناً اعلنت فيه إقفال المصارف من اليوم وحتى 29 من الجاري متذرعة “بقرار مجلس الوزراء اعلان حال الطوارئ”، وهو قرار لم يتخذه وانما قرّر اعلان “التعبئة العامة” بمضمون يتعلق بالوقاية من “كورونا”. لكن رئيس الجمعية سليم صفير سرعان ما نفى عبر مكتبه الاعلامي هذا البيان المسرّب، مؤكّداً ”انّ اي اعلان او بيان رسمي حول آلية عمل المصارف اللبنانية في المرحلة المقبلة سيصدر بعد اعلان مقررات جلسة مجلس الوزراء المنعقدة في هذه الاثناء (امس)”.
المؤسسات لن تصمد
إقتصادياً ومالياً، وفيما تتجّه الأنظار الى تداعيات وباء “كورونا”، على المستوى الصحي، تتخوف أوساط اقتصادية من تداعيات الوباء على المستوى المالي، خصوصاً انّ المصيبة حلّت بالبلد في أصعب وأدق الظروف المالية.
خسائر القطاع السياحي
في السياق، توقعّ نقيب أصحاب الفنادق بيار الاشقر، “في حال استمرار الوضع على ما هو عليه اليوم من تدهور اقتصادي مصحوب بتفشي فيروس “كورونا”، ألاّ تصمد أي مؤسسة سياحية لوقت طويل”. مشيراً لـ”الجمهورية”، الى “صعوبة اتخاذ قرار بإقفال الفنادق، رغم انّ الاقفال أقل كلفة من التشغيل اليوم في ظل انعدام الحجوزات”.
كذلك كشف نقيب أصحاب المطاعم طوني الرامي، انّ كلّ يوم اقفال اضافي للمطاعم سيكبّدها خسائر فادحة، “فالقطاع السياحي يوظّف 150 الف عامل بالاضافة الى ارباب العمل وعائلاتهم الذين يعتاشون من هذا القطاع”. وأشار، انّ الدخل السياحي في لبنان يصل الى 5 مليارات دولار سنوياً، بما يعني أنّ القطاع السياحي (فنادق، مطاعم، ومكاتب سياحية) يتكبّد خسارة تبلغ 500 مليون دولار شهرياً.