كتبت صحيفة “النهار ” تقول : اذا كانت الضجة الواسعة التي اثارها توقيت حكم المحكمة العسكرية بتخلية عامر الفاخوري والظروف الغامضة التي أحاطت به تثبت تكرارا ان لبنان هو بلد المفارقات والغرائب العجيبة، بدليل ان هذه الضجة كادت تحجب أخطر تهديد صحي للبنان اسوة بدول العالم التي ترتجف تحت انتشار فيروس كورونا، فان ذلك لا يعني اطلاقا تجاهل الفترة الشديدة الحرج والدقة والخطورة التي يجتازها لبنان في حربه مع زحف الفيروس وانتشاره السريع. ففي اليوم الثالث بعد بدء تنفيذ حال التعبئة في لبنان، سيبدأ منتصف ليل الأربعاء – الخميس (أي هذه الليلة) تنفيذ قرار وقف الرحلات الجوية في مطار رفيق الحريري الدولي بين لبنان والعالم باستثناء حالات محددة، بما يعني ان لبنان سيُصبِح معزولا تماما عن العالم الخارجي في سابقة لا مثيل لها الا في اعتى حقبات الحروب والاجتياحات. وهذا الإجراء سيفتح الباب امام تزخيم الإجراءات والتدابير والخطط الجارية او التي ستبدأ لزيادة الضغط حتى ذرواته لالتزام المواطنين التزاما صارما ومتشددا البقاء في المنازل وعدم مغادرتها الا للضرورات القصوى، وهو الإجراء الذي تعول عليه السلطات الصحية والرسمية تعويلا حاسما لكسر سلسلة العدوى السريعة التي يتسم بها فيروس كورونا وبداية تراجع الإصابات بوتيرة اخف مع نهايات مهلة الأسبوعين التي حددها مجلس الوزراء لحال التعبئة. ويقول خبراء في القطاع الصحي وأطباء متخصصون بان لبنان يقف واقعيا امام الاختبار الأكبر والأخطر لإنقاذ نفسه من الانزلاق نحو المرحلة الثالثة من اتساع انتشار الفيروس والتي غالبا ما تحمل خطر ارتفاع الإصابات الى مستويات يصعب السيطرة عليها وينوء تحت أثقالها الجسم الطبي والاستشفائي بما يخشى معه من تكرار تجارب مريرة تجتازها حاليا دول متطورة وقادرة كإيطاليا، ومع ذلك تشهد ارتفاعا مخيفا في اعداد الإصابات والضحايا. حتى ان هؤلاء الخبراء والأطباء المتشددون في تأييد اقصى التشدد في تنفيذ إجراءات الطوارئ والتعبئة وما اليها من تسميات، يحذرون بشدة من انه ما لم يرتفع مستوى التزام المنازل وعدم مغادرتها بشكل كثيف جدا، فان الامر سيستتبع حتما حصول مأساة. ويقول هؤلاء انه ربما لا يزال من الاحتمالات الضاغطة ان تعلن حالة منع التجول دفعة واحدة لان في اعتقاد الخبراء ان منعا حديديا وقاسيا للتجول لفترة أسبوع فقط ستساهم بقوة في بدء الحد من الإصابات وبداية تلمس النتائج الإيجابية للاستجابة الجماعية الواسعة لخطط التعبئة ومكافحة انتشار الفيروس. وفي أي حال كشفت المصادر المعنية بالإجراءات الجارية منذ اعلان حال التعبئة ان القوى العسكرية والأمنية تواكب بقوة تنفيذ الخطة لمنع أي أنواع من التجمعات والحؤول دون خروقات خطيرة وجدية للقرارات المتعلقة بضرورة التزام المواطنين منازلهم. ولفتت المصادر المعنية الى ان ما يتبعه لبنان حاليا في مواجهة إعصار كورونا ينطبق تماما على توصيات وتوجيهات منظمة الصحة العالمية بما يعني ان التشدد المطلق في خطة الطوارئ او التعبئة لمدة أسبوعين هو المعيار المعتمد عالميا كمحاولة حاسمة لكسر سلاسل الانتشار البشري التي تعد الشريان الأخطر لانتشار الفيروس بسرعة ولذا ستكون الإجراءات متدحرجة ومتصاعدة خلال الأسبوعين الحالي والمقبل من اجل تحقيق هذا الهدف وعدم تفويت فرصة يمكن من خلالها فعلا بدء تراجع الإصابات تدريجا.
تجفيف المرض
وأفادت وزارة الصحة امس ان مجموع حالات الإصابة المثبتة مخبريا بكورونا بلغ 120 إصابة فيما سجلت حالتا شفاء إضافيتان. وناشدت الوزارة المواطنين التقيد بالتدابير الصارمة والتزام المنازل الا عند الضرورة القصوى.كما لفتت تكرارا الى “اننا امام أسبوعين مهمين جدا “. وأوضحت انه مع اقفال المطار وعزل لبنان عن العالم ندخل في مرحلة الحجر الصحي “وعلى اللبنانيين التزام منازلهم لتجفيف المرض”.
وأثير في جلسة مجلس الوزراء امس التي اتعقدت في السرايا وسط ترتيبات خاصة لجلوس الوزراء متباعدين عن بعضهم مدى استجابة المواطنين للإجراءات التي قررتها الدولة فاظهر ارتياحا لنسبة الاستجابة مشددا على ضرورة تصاعد هذه النسبة ومتابعتها بدأب. كما قرر المجلس انشاء صندوق خاص لقبول التبرعات لمواجهة هذه الازمة وتقرر ان يقدم وزير الصحة في الجلسة التي سيعقدها المجلس غدا جردة مفصلة بالمستشفيات الحكومية والخاصة المجهزة لاستقبال المصابين وكذلك أماكن الحجر الصحي على ان تغطي الدولة المصابين غير الخاضعين للهيئات الضامنة وتأكيد تحمل شركات التأمين مسؤولياتها في تغطية المصابين لعملائها.
ويشار في هذا السياق الى ان المواجهة التي حصلت بين وزير المال غازي وزني وجمعية المصارف حول اقفال المصارف لأسبوعين أدت الى عقد اجتماع امس بين الفريقين أفضى بناء على طلب الوزير الى توافق على فتح المصارف لبعض فروعها ابتداء من اليوم وتنظيم دوام العمل والقيام بالإجراءات المطلوبة لتسيير الخدمات المصرفية من اجل تلبية حاجات الناس في هذه الظروف الصعبة. واتفق ان يعلن كل مصرف لائحة الفروع المعنية بالقرار وهو الامر الذي بدأ تنفيذه بعد الاجتماع.
وفي السياق المالي علمت “النها” من مصادر وزارية مطلعة ان الحكومة فتحت من خلال الاستشاري “لازارد” خطوط الاتصالات مع الدائنين سعيا الى اطلاق المفاوضات حول إعادة برمجة الديون المستحقة. ولذا درس مجلس الوزراء المراحل التي بلغتها اعمال اللجان الكلفة وضع الخطة الاقتصادية والتي ستنبثق منها مقاربة الحكومة لازمة الدين والمعالجات التي تقترحها الحكومة لتحقيق امرين: خفض الدين والعجز في المالية العامة وتامين الموارد المالية المطلوبة لسداد الدين.
عاصفة الفاخوري
وسط هذه الأجواء تصاعدت تداعيات حكم المحكمة العسكرية الذي قضى بتخلية آمر معتقل الخيام إبان الاحتلال الإسرائيلي للجنوب عامر الفاخوري خصوصا ان المعلومات المتوافرة عن مصيره رجحت ان يكون لجأ الى السفارة الأميركية في عوكر باعتبار انه يحمل الجنسية الأميركية. كما ان معلومات أخرى ترددت ليل امس عن توجه طائرة خاصة من اليونان الى بيروت لنقل الفاخوري الى أوروبا ومنها الى الولايات المتحدة. ولكن مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي غسان خوري طلب من محكمة التمييز العسكرية نقض ألحكم وإصدار مذكرة توقيف في حق الفاخوري وإعادة محاكمته فيما لم تظهر دلائل الى امكان أي تبديل في المسار الذي تبع صدور حكم المحكمة العسكرية بما يستبعد معه امكان إعادة توقيف الفاخوري. ولفت في الاصداء السياسية لهذا التطور الموقف الحاد الذي اتخذه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط من تورط فريق العهد في اطلاق الفاخوري. وقال جنبلاط ان ” محامي الشيطان في مركز القرار المزدوج الولاءات وجد الفتوى المناسبة للافراج عن العميل عامر الفاخوري”. وتساءل ما نفع التشكيلات القضائية والحديث عن استقلالية القضاء وأضاف “انها جرعة السم للرئاسة”.
ومع ان الوزير السابق جبران باسيل رفض الرد على ما وصفه “بالافتراءات الإعلامية التي طاولته زورا” في هذه القضية فانه نفى عبر مكتبه ان يكون على أي معرفة بالفاخوري او ان تكون له أي علاقة به