“من نكد الدهر بعد هالشيبة إنو إطلع على التلفزيون لدافع عن حزب الله بموضوع عميل”… عبارة بحد ذاتها جسّدت الضغط العالي الذي تعرّض له “الحزب” واضطر معه أمينه العام السيد حسن نصرالله إلى الإطلالة شخصياً لإعادة رصّ الصفوف على جبهتين، الأولى على المستوى الشعبي بعد تزعزع هذه الجبهة تحت وطأة قضية إطلاق العميل عامر الفاخوري وتسليمه إلى الولايات المتحدة، والثانية على مستوى تأنيب “الحلفاء والأصدقاء” الذين شهّروا بـ”المقاومة” وشهروا سيف التخوين والتآمر عليها انطلاقاً من هذه القضية. في الشكل والمضمون سعى نصرالله إلى تنزيه جبهة “حزب الله” ونزع أي شبهة عنه بعقد صفقة مع الأميركيين لتخلية الفاخوري، وهو ما ذهب الأميركيون أنفسهم إلى تأكيده أمس على لسان مُساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شنكر، الذي نفى وجود مثل هذه الصفقة خلال إحاطة قدّمها في بلاده حول مستجدات قضايا المواطنين الأميركيين المحتجزين خارج الولايات المتحدة.
أما في الجوهر، وبمعزل عن نفي العلم بوجود أي صفقة على قاعدة إنشائية بلاغية حمّالة للأوجه تقول: “ما نعلمه هو عدم وجود صفقة”، فإن نصرالله خرج بشكل أساس لينفي علمه المسبق بقرار المحكمة العسكرية الذي قضى بإطلاق العميل الفاخوري، وهو أكد أنه ما كان يعلم بهذا القرار ولم يكن يعلم بأنّ المحكمة ستنعقد في ظل “أجواء كورونا” لإصدار الحكم، ليتفاجأ بأن المحكمة انعقدت وأصدرت القرار الذي سمع عنه “بعد صدوره عبر الإعلام”. لكن نصرالله، وفي الجوهر أيضاً، أكد بالمباشر وبصريح العبارة أنّ أطرافاً داخليين من الحلفاء فاتحوه بضرورة إطلاق الفاخوري إرضاءً للأميركيين وتجنباً لإغضابهم ودفعهم إلى ضم كل من لا يتعاون في لبنان بالإفراج عن الفاخوري إلى لائحة العقوبات، وهؤلاء كانوا قد جسّوا نبض مساعدة “حزب الله” في هذه العملية فدار النقاش انطلاقاً من التوجه إلى “الحزب” بالقول: “يا إخوان بدنا مخرج”.
إنطلاقاً من ذلك، وبما أنّ نصرالله برأ ساحة الحزب ومعه “حركة أمل” نافياً عن “الثنائي الشيعي” تهمة التواطؤ لإطلاق العميل الإسرائيلي، توقفت أوساط مراقبة عند كون كلام الأمين العام لـ”حزب الله” هو في واقع الأمر ومن حيث لا يحتسب، “حصر دائرة الشبهة بالانصياع للضغوط الأميركية والعمل على تدبير المخرج للإفراج عن هذا العميل بجهة وحيدة هي “التيار الوطني الحر”، الذي حرص على تغطيته إعلامياً بمجرد عدم الاتيان على ذكره سوى بالإشارة غير المباشرة، إلى كونه لم يمارس أي ضغوط ولم يحرج الحزب في هذه القضية”. غير أنّ “التيار الوطني الحر” سارع إلى تلقف “الكلام المنطقي والهادئ” للأمين العام لـ”حزب الله” كما وصفه مستشار رئيس التيار أنطوان قسطنطين ليلاً، لإسقاط “البراءة العونية” على مضمون هذا الكلام، وذلك بالتوازي مع ما نقلته مصادر قيادية في “التيار الوطني” لـ”نداء الوطن” من أنّ رئيس التيار جبران باسيل “مرتاح جداً لكلام السيّد”، باعتباره يرى فيه تأكيداً على “زيف الادعاءات التي سيقت بحق التيار ورئيسه حيال مسألة خروج الفاخوري”.
هذا على مستوى صنف “الحلفاء” الذي ربط نصرالله توجيه أي ملاحظة أو انتقاد أو نصيحة لهم بجلسات نقاش داخلي حرصاً على عدم التشهير بهم علناً، أما على مستوى صنف “الأصدقاء” الذين تجرأوا على انتقاد “حزب الله” وتخوينه وشتمه، فقد نالوا النصيب الأوفر من التأنيب والزجر في الخطاب إلى درجة تهديدهم بقطع “حبل السرّة” الذي يصلهم بالحزب “مين ما كان يكون كبير أو صغير”، مؤكداً بنبرة جازمة حازمة بأنه لن يتساهل معهم “وهيك ما فينا نكمّل مع بعض”. وأوضحت أوساط مطلعة على كواليس قوى 8 آذار لـ”نداء الوطن”، أنّ هذا الكلام إنما هو موجّه مباشرةً إلى “لائحة من الأسماء تضم إعلاميين وسياسيين، ومن بينهم رئيس حزب وأحد النواب ورجل دين ممن يدورون في فلك “حزب الله” ومحور الممانعة ويعتاشون منه، لكنهم انجرفوا خلال الأيام الأخيرة مع موجة اتهام الحزب والتشهير به على خلفية إطلاق الفاخوري”، متوقعةً أن يبادر هؤلاء خلال الساعات المقبلة إلى “استلحاق أنفسهم وإعادة الانتظام إلى بورصة تصريحاتهم وكتابتهم، للتكفير عما بدر من إساءة إلى الحزب وقيادته”.
في الغضون، وبينما تواصل حكومة حسان دياب حفر جبل الأزمة الاقتصادية والمالية بالإبرة، والسير سير السلاحف في معالجتها بعدما أغرقتها نقاشاً ونظريات في اجتماعات اللجان والمستشارين والاختصاصيين، من دون اتضاح معالم خطة نهائية لما هي مقدمة عليه حتى الساعة، لا يزال مشروع “الكابيتال كونترول” الذي تستعد الحكومة لإقراره الأسبوع المقبل بعد إجراء إضافات وتعديلات على بنوده خلال جلسة الثلثاء المقبل، محور اهتمام المواطنين والمودعين، في وقت يبدو أنّ الطريق التشريعية لهذا المشروع لن تكون معبّدة سلفاً، في ظل مسارعة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى نفض يده من قوننته. إذ أكدت أوساط عين التينة أمس لـ”نداء الوطن” أنّ “ما يشاع ويذاع حول ضرورة قوننة “الكابيتال كونترول” هو أمر يهدف إلى إلحاق الضرر بالمودعين سيما منهم أصحاب الودائع بالدولار، هذا عدا عن أنّ المادة 174 من قانون النقد والتسليف تخوّل حاكم مصرف لبنان إلزام المصارف تنظيم المعاملات مع المودعين”، نافيةً ما يتردد عن أنّ بري في طور الدعوة إلى جلسة تشريعية لإقرار هذا القانون، “بل على العكس من ذلك فإنّ ما يُستشفّ من موقفه أنه ضد ما يُسمّى بالكابيتال كونترول”.