“هناك تغيير للحرس في قصر باكنغهام”، هكذا تبدأ القصيدة الشهيرة لإيه إيه ميل مبتكر شخصية “ويني ذا بو” التي يعشقها الأطفال.
وعلى غير المعتاد تتخذ قوات الحرس الآن مواقعها في القصر من دون الموسيقى المعتادة والمراسم.
ويحدث ذلك عادة في حالة الأمطار الغزيرة أو وجود مناسبة مهمة أخرى تتعارض مع توقيت الموسيقى والمراسم، كما يحدث ذلك الآن في إطار السياسة الحكومية المتعلقة بالتباعد الاجتماعي لتجنب جذب الجمهور. في إجراء يعرف باسم “الاسترخاء الإداري للحرس”.
وسيظل الحرس ملتزما بهذا الإجراء في المستقبل المنظور.
ويسلط هذا الأمر الضوء على الاستمرارية في دور الجيوش. فمهمتها الأولى هي حماية البلاد، وإذا تطلب الأمر الدخول في حرب شاملة.
ولكن الآن، وفي العديد من الدول حول العالم تم استدعاء الجيوش بأعداد متزايدة للمساعدة في نوعية مختلفة للغاية من الحروب، وهي الحرب ضد فيروس كورونا، والتي من المرجح استمرارها مع تزايد التعبئة والحشد في صفوف القوات المشاركة في هذه الحرب.
لقد توقفت الواجبات العسكرية التقليدية. ففي بريطانيا على سبيل المثال توقف تدريب المجندين، كما أن المناورات الدولية مثل مناورة حلف شمال الأطلنطي Defender-Europe 20 والتي كان من المقرر أن تشهد أكبر عملية انتشار للقوات الأمريكية في أوروبا منذ سنوات عديدة تقلصت إلى حد كبير.
وحتى العمليات الجارية علقت، وأعداد القوات المنتشرة تم تخفيضها كثيرا. ومن أبرز الأمثلة على ذلك الجهود الدولية التي كانت تعمل على تدريب ودعم القوات العراقية المسلحة.
وفي العديد من المجتمعات، عندما تنزل الجيوش إلى الشوارع فإن ذلك يعد مؤشرا على عدم الاستقرار السياسي. وتتباين ردود الفعل تجاه التواجد الظاهر للجيش في الشارع في مختلف البلدان والثقافات.
ولكن حتى في أكثر الديمقراطيات استقرارا، كما هو الحال في أوروبا الغربية، لا يعد نشر القوات أمرا غير معتاد. ففي حالات الفيضانات أو الإغاثة من الكوارث تظهر أعداد قليلة من الجنود أو القوات البحرية أو الجوية أمام الجماهير.
ومع تصاعد القلق من الإرهاب، بات وجود دوريات عسكرية في محطات القطارات وغيرها من الأماكن العامة أمرا شائعا في العديد من دول الاتحاد الأوروبي.
وفي حالات نادرة، قد تكون عملية الانتشار كبيرة. فبعد أن ضرب إعصار كاترينا الشاطئ الأمريكي عام 2005 قامت وزارة الدفاع الأمريكية بنشر 70 ألف جندي في إطار خطة قومية أكبر، تعرضت للانتقاد حينها باعتبار أنها افتقرت للتنظيم.
ولكن ما الذي يمكن أن يحدث في حالة استمرار تفشي وباء فيروس كورونا؟ تحدث الجنرال السير نيكولاس كارتر قائد الجيش البريطاني عن الحاجة لأن “يكون الجميع على أهبة الاستعداد للتحرك الميداني بحلول منتصف أبريل/نيسان المقبل”، وبالفعل يوجد 20 ألف جندي في حالة تأهب.
إذن ما الذي يمكن أن يقدمه الجيش؟
فيما يلي خمسة أمور رئيسية يمكن أن يساعد فيها الجيش:
الموارد البشرية
توفر الجيوش مصدرا مهما للرجال والنساء المدربين والمنضبطين، الذين يتمتعون بمهارات متنوعة. وهؤلاء يتمتعون بالدهاء والقدرة على الحركة والعمل وفي فترة زمنية قصيرة جدا.
كما أن لديهم العديد من التسهيلات مثل القواعد والمطارات وغيرها، والتي يمكن استخدام بعضها في مهمات متنوعة.
الدعم الطبي
من المعلوم أن لدى الجيوش فرقا طبية ذات تدريب عال رغم قلة عددها. والقليل من جيوش الدول لديها موارد الجيش الأمريكي، حيث وافق البنتاغون بالفعل على تقديم خمسة ملايين كمامة وألفي جهاز تنفس من مخازنه للنظام الصحي.
كما حرك الأسطول الأمريكي مستشفييه العائمين (السفينتان USNS Mercy وUSNS Comfor)، ورغم أنهما لا يصلحان للحرب ضد مرض معد، ولكن يمكنهما المساعدة في تخفيف الضغط ولو إلى حد بسيط على المؤسسات الطبية. وسيستغرق الأمر بعض الوقت ليكونا على أهبة الاستعداد، وربما لا يتم نشرهما إلا في المدن ذات الموانئ الكبيرة.
وتتباين المساعدات الطبية التي يمكن أن يوفرها الجيش من بلد لآخر، وفي الكثير من الحالات قد يعني تقليص حجم الجيوش أن العديد من الأطقم العسكرية الطبية هي الآن من قوات الاحتياط، وربما تعمل بالفعل كأطقم طبية مدنية على ” الخط الأمامي” في مواجهة الوباء.
ولكن موارد الجيوش لا تنضب، فالجنود مدربون على الاسعافات الأولية، ويمكنهم المساعدة في العديد من الأدوار الثانوية. وربما تحتاج الأطقم الطبية في النهاية إلى إقامة مستشفيات ميدانية مؤقتة وغيرها من المنشآت الطبية.
الخدمات اللوجيستية
ويعد هذا الدور من أوضح الأدوار التي يمكن أن تلعب فيها الجيوش دورا في مواجهة الوباء. فالقوات يمكنها المساعدة في نقل الإمدادات الحيوية. وفي بريطانيا تم تدريب بعضها على المساعدة في الحفاظ على إمدادات أنابيب الأوكسجين للمستشفيات.
كما يمكن للجيش أيضا المساعدة في التنظيم الأوسع لنظم الإمداد، وهنا قد يكون للاتصالات العسكرية دور.
الأمن والنظام
نأمل ألا يطلب من الجيش القيام بهذا الأمر، فهي مهمة تتطلع أغلب الحكومات الغربية لأن تبقيها في أيدي الشرطة المدنية.
ولكن لو كان هناك نقص في الشرطة المدنية، فيمكن استخدام الجيوش، ولن يكون تعاملها في هذه الحالة مباشرا مع الجمهور، وإنما سيقتصر دورها على حماية المنشآت والمخازن، لتتفرغ الشرطة المدنية للقيام بدورها التقليدي.
وفي العديد من الدول توجد قوات شبه عسكرية تمزج نوعا ما بين الدورين. وفي الولايات المتحدة يوجد بكل ولاية حرس وطني من قوات الاحتياط، ويتم نشره بحسب احتياجات حاكم الولاية.
وبالفعل قام 27 من حكام الولايات باستدعاء قوات الحرس الوطني للقيام بأدوار متنوعة.
الاطمئنان
يؤدي استدعاء الجيوش للتعامل مع الأزمات إلى الاطمئنان بأن الدولة بكل مواردها محتشدة في مواجهة الموقف.
ورغم ذلك، فإن الجيش ليس هو الرد على الوباء، فليس بوسعه القيام إلا بدور صغير في المساعدة على التعامل، والقوات نفسها عرضة للفيروس.
وقد أعلن البنتاغون الجمعة على سبيل المثال أن نحو 2600 جندي أمريكي في أوروبا وضعوا أنفسهم قيد العزلة الذاتية على خلفية مخاوف من فيروس كورونا.
لقد جاء الوباء فجأة، وتعرض التفشي الأولي لعملية تعتيم، ولم تصدر أي تحذيرات، وكان الرد بطيئا في عديد من الدول. والآن صارت كل الدول تعبئ مواردها وكأنها في حالة حرب.
ربما يبالغ بعض السياسيين في خطبهم بالحديث عن زمن الحروب. ولكن الجيش يجب أن يكون مستعدا لأي احتمال. وقد أشار الجنرال السير نيكولاس كارتر قائد الجيش البريطاني إلى أن الجيش يجب أن يكون “مستعدا لخوض الحرب التي علينا خوضها، ومن الواضح الآن أنه حانت هذه اللحظة”.
المصدر: bbc