بينما ما يزال نحو مليار شخص حول العالم، في الحجر الصحي، يسجل عداد الاصابات بفيروس كورونا ارقاما مخيفة مع اعلان وزارة الصحة العالمية عن اصابة اكثر من 100الف خلال 4 ايام، في ظل تحذيرات من «آمال زائفة» نتيجة استخدام ادوية لم تخضع للتجربة بعد.. في لبنان وصل عدد المصابين الى 267حالة مثبته بعد تسجيل 19 اصابة جديدة، في حين ان عدد الوفيات استقر على 4، ووفقا لمصادر صحية من المتوقع ان يصل عدد المصابين الى 400خلال اسبوع، ويبقى الترقب سيد الموقف لمرحلة ما بعد انتهاء التعبئة العامة حيث ستبين الارقام حينها مدى نجاح الاجراءات.. وفيما اعلن كبير خبراء الطوارئ في منظمة الصحة العالمية مايك رايان، إن فرض العزل الصحي ليس كافياً لهزيمة فيروس كورونا، مؤكدا أن هناك حاجة لوجود تدابير للصحة العامة تحول دون عودة ظهور الفيروس فيما بعد، لا يزال الخلاف قائما في لبنان حول ضرورة اعلان حالة الطوارىء من عدمها في ظل «نكد» سياسي واضح بين اطراف في السلطة والمعارضة، حيث يتجسد الخلاف ايضا حول تشريع «الكابيتال كونترول»، وقانون العفو العام.. وبعدما ابدى رئيس مجلس النواب نبيه بري استغرابه لتراجع رئيس الحكومة حسان دياب عن وعده باعلان حالة الطوارىء في البلاد، دخل تيار المستقبل على «الخط» غامزا من قناة التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية اللذين لا يريدا منح قائد الجيش صلاحيات استثنائية تعزز اسهمه الرئاسية..؟
فعلى رغم الأبعاد «الدراماتيكية» لأزمة كورونا، تستمر الحرب السياسية في البلاد، على وقع «هبات» باردة واخرى «ساخنة» مرتبطة بمعدل ارتفاع الاصابات او انخفاضه والذي لم يجد حتى الان اي تبرير علمي واضح يفسر اسبابه بين يوم وآخر.. فبعد موجة التشاؤم التي سادت يوم الخميس الماضي اثر ارتفاع معدل الاصابات على نحو مفاجىء في يوم واحد وبلغ 81 اصابة مثبتة، عادت الاجواء الايجابية لتسود خلال الساعات القليلة الماضية بعد عودة الزيادات في الاصابات الى معدلها السابق، وبحسب اوساط لجنة مكافحة «الكورونا» فان نجاح اجراءات الدولة المتخذة في مواجهة «الفيروس» اعتبارا من مساء السبت الماضي مع بدء القوى الامنية والعسكرية والفاعليات البلدية، بمراقبة حسن سير التعبئة العامة على الارض، سيؤدي الى «فرملة» الاندفاعة السريعة نحو الانتقال الى المرحلة الرابعة من «الانتشار»، لكن يبقى الامر بحاجة الى مزيد من المتابعة قبل الوصول الى خلاصات نهائية..
تراجع الالتزام؟
ففيما تراجع الالتزام شبه الكامل الذي ساد يوم الاحد، وحدثت خروقات كبيرة في «التعبئة العامة»، كان الخرق الاكبر في مدينة طرابلس، سجل يوم امس ارتفاع «مضبوط» للاصابات بفيروس «كورونا»، واصبح عدد الحالات المثبتة مخبريا في مستشفى الحريري الجامعي ومختبرات المستشفيات الجامعية المعتمدة 267 حالة بزيادة 19 حالة عن يوم امس الاول.. وفيما تدخل غدا 11 مستشفى حكومياً على خط استقبال الحالات المصابة في كافة المناطق، ومع اقفال الدولة السورية للحدود مع لبنان، بوجه العابرين بما فيهم السوريين، ابدى وزير الصحة العامة حمد حسن تفاؤله من النتائج واشار الى ان «ازدياد عدد الحالات الايجابية من المخالطين مؤشر جيد ووجود أقل نسبة من الحالات المجهولة المصدر تدل ان العمل يجري بطريقة صحيحة»، ولفت الى «شغور 80 سريرا من أصل 160 في مستشفى الحريري، وهذا يعني أن الوضع صحياً ووبائياً تحت السيطرة».
«خريطة» الانتشار…
ونشرت غرفة العمليات الوطنية لإدارة الكوارث التقرير اليومي بشأن فيروس كورونا في لبنان، اشارت فيه الى تعافي 8 حالات، فيما لا يزال هناك 4 حالات حرجة والوفيات لا يزال يبلغ عددها 4 وتوزعت الحالات المصابة بفيروس كورونا على الاقضية كافة باستثناء الهرمل، بشري، زحلة، البقاع الغربي، راشيا، جزين، حاصبيا، مرجعيون. أما كسروان والمتن فيشهدان الانتشار الأكبر للفيروس يليهما جبيل وبعبدا. ولا تزال نسبة الذكور (56%) تفوق نسبة الاناث (44%) من حيث الاصابة بفيروس كورونا. اما بالنسبة للأعمار، فتسيطر طبقة الشباب على النسبة الاكبر وبلغت 22% لمن هم بين 20-29 سنة، 19% لمن هم بين 30-39 سنة، 17% لمن هم بين 40-49 سنة، 12 % بين 50-59 سنة، 10% بين 60-69 سنة، 6% بين70 – 79 سنة أما لمن هم فوق الـ 80 سنة فقد سجلوا نسبة متدنية بلغت 4%. أما الاطفال، فسجلوا فقط 1% لمن هم تحت الـ10 سنوات و5% لمن هم بين 10 و 19 سنة. وبلغ عدد اللبنانيين المصابين 244 أما الحالات المتبقية فقد توزعت على جنسيات مختلفة مثل سوريا، التوغو، السودان، السعودية، قطر، هولندا، العراق، ايران، فرنسا، اثيوبيا، انكلترا، مصر، بنغلادش والنمسا.
«بارقة امل»؟
وفي ظل عدم قدرة الدولة على ضخ سيولة مالية في الاسواق، دخل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على «الخط»، مقدما بارقة امل للافراد والشركات المتعثرة، من خلال اصدار تعميم للمصارف والمؤسسات المالية دعاها فيه الى أن تمنح على مسؤوليتها قروضا استثنائية بالليرة اللبنانية او بالدولار لعملائها الذين يستفيدون من قروض بأنواعها كافة ممنوحة سابقا من المصرف المعني او المؤسسة النقدية، وفق شروط محددة. واوضح سلامة ان الهدف من التعميم هو مساعدة اللبنانيين خلال المرحلة الصعبة وحتى لا تضطر المؤسسات إلى إقفال أبوابها والاستغناء عن موظفيها، والقرض للشركات يستهدف اولا تأمين رواتب الموظفين..
واشار سلامة إلى ان ما نبتغيه من التعميم هو أن تتمكن المؤسسات من دفع رواتب الموظفين وسداد ديونها كما مساعدة كل من لديهم قروض مدعومة مثل السكن أو الصناعيين أو غيرهم على تأجيل ديونهم المستحقة خلال الـ3 أشهر المقبلة من خلال تقسيطها لخمس سنوات مع فائدة صفر في المئة.
تحذيرات من «الاستنسابية»؟
في المقابل، حذرت اوساط مالية من «الاستنسابية» التي يمكن ان تقوم بها المصارف في منح القروض، وتساءلت عن الضوابط الموضوعة في هذا السياق، لجهة استفادة كل الشركات «المتعثرة»، وكيفية اثبات تعثرها، خصوصا ان الشروط ستكون مرتبطة بقرار ذاتي لكل مصرف، وهذا ما يفتح الطريق امام «المحظيين» فيما قد لا يستطيع المتعثرين فعلا من الحصول على هذه القروض؟
التوقف عن «الدفع»
وفي سياق متصل اعلنت وزارة المال قرار الحكومة التوقف عن دفع جميع سندات اليوروبوند المستحقة بالدولار الأميركي. واشارت الى ان الحكومة ستتخذ جميع الإجراءات التي تعتبرها ضرورية لإدارة احتياطي لبنان المحدود من العملات الأجنبية بحكمة وحذر، مؤكدة ان الحكومة لا تزال ملتزمة بشكل صارم بمبادرتها الثلاثية المحاور الخاصة بالإصلاح الاقتصادي وهي في صدد تطوير خطة اقتصاد كلي مستدامة لتصحيح وضع الاقتصاد اللبناني. واوضحت الوزارة ان الحكومة تعتزم اجراء محادثات حسن نية مع دائنيها في أقرب وقت ممكن عملياً.
«الغام» مجلس الوزراء
في هذا الوقت، يحاول مجلس الوزراء الذي سيعقد جلسته في السراي الحكومي اليوم، تفكيك بعض «الالغام» السياسية والمالية التي برزت في خضم المعركة الدائرة مع «كورونا»، ففيما يقف التيار الوطني الحر سدا منيعا امام اقرار عفو عام لتخفيف اعباء السجون، وهو امر يختلف فيه مع مكونات الحكومة وفي مقدمتهم «الثنائي الشيعي». في المقابل يدخل وزير المال غازي وزني الى الجلسة دون دعم «مرجعيته» السياسية المفترضة بعدما نفض رئيس المجلس النيابي نبيه بري «يده» من مشروع «الكابيتال كونترول» الذي اعده وزير المال، واعلن موقفه الحازم الرافض لتمريره في مجلس النواب، ووفقا لاوساط وزارية فان هذا الرفض «عطل» عمليا خطة وزني الذي سبق واصر على هذا القانون على الرغم من تحذيرات رئيس المجلس السابقة، وما سيحصل اليوم في الحكومة هو ايجاد صيغة معدلة لكيفية تعامل الحكومة مع الضوابط والقيود التي فرضتها المصارف على العمليات المصرفية، وهي صيغة لم تتبلور بعد.. في المقابل يصر التيار الوطني الحر على اقرار قانون الكابيتال كونترول بهدف حماية أموال المودعين، وقد حذرت مصادره من أن المماطلة في هذا المجال قد تؤدي إلى هروب ما تبقى من رؤوس أموال، وهذا ما يؤشر على مواجهة سياسية مفتوحة في مجلس الوزراء..؟
وفي سياق آخر، يستعجل رئيس الحكومة حسان دياب، الاحصاءات الرسمية للعائلات اللبنانية التي ستستفيد من المساعدات العينية في هذه الظروف القاهرة، وسط تحذيرات من دخول السياسة والخلفيات الطائفية على الخط، خصوصا ان تقديرات البنك الدولي تشير الى ان 50 بالمئة من العائلات اللبنانية باتت تحت خط الفقر، فيما تستفيد 15 الف عائلة فقط من تقديمات وزارة الشؤون..
سجال حول «الطوارىء»
وسيكون ملف اعلان الطوارىء على الطاولة اليوم ايضا في ضوء تقويم خطة «التعبئة العامة»، وقد نقل زوار دياب عنه تاكيده انه لا يعارض اعلان حالة الطوارىء في البلاد اذا احتاج الامر ذلك، وليس لديه اي ازمة في ان تكون ادارة الامور في يد المؤسسة العسكرية، وهو ابلغ رئيس المجلس النيابي بذلك عندما اتصل به، وهو لا يزال عند موقفه والامر يخضع لعملية تقييم يومي..
«المستقبل» يشكك..؟
وقد دخل «تيار المستقبل» على الخط، واعتبر ان لا شيئ يمنع الحكومة من اعلان حالة الطوارىء وهذا الامر منصوص عنه في الدستور لمواجهة الكوارث، ولا سيما ان ما يتعرض له العالم اليوم ومنه لبنان هو كارثة، ولفت بيان «التيار الازرق» الى انه بات من الواضح ان قرار مجلس الوزراء التعبئة العامة لم يؤد عملياً إلى النتائج المتوخاة منه، وبالتالي فان اعلان حالة الطوارىء هي مسألة طبيعية لمواجهة وباء «الكورونا» بعيداً عن أي حسابات سياسية وسلطوية.. وفي هذا السياق اكد مصدر في «التيار» ان الكارثة الصحية لا تحتمل الصراعات «المكبوتة» لدى البعض متهمة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بالوقوف وراء «فرملة» قرار اعلان حالة الطوارىء لحسابات رئاسية «ضيقة»..
«التيار» والنكد السياسي
في المقابل، ترى اوساط «التيار البرتقالي» ان «النكد» السياسي والافتراء لا ينتهي عند بعض من خرج من السلطة وتخلى عن المسؤولية في اكثر الاوقات حراجة وصعوبة، وبالنسبة الى حالة الطوراىء فهي لا تزال احد الخيارات المطروحة على «الطاولة»، ولا مانع من فرضها اذا دعت الحاجة الى ذلك، لكن يجب ان تترك كخيار اخير لما لها من تداعيات سلبية اجتماعيا، ولا علاقة للسياسة في هذا الاطار..
المفارقة اللبنانية – الاسرائيلية؟
وتلفت اوساط سياسية مطلعة الى ان سخرية القدر تكمن في ان ما يحصل في لبنان يشبه الى حد كبير ما يحصل في كيان العدو حيث تدور مواجهة مفتوحة بين وزارة الصحة وقيادة الجيش، حول الجهة المسؤولة عن مواجهة انتشار فيروس «كورونا»، ويسعى الجيش الى تكليفه بهذه المهمة، معتبراً أنّه «الجهة الوحيدة القادرة على إدارة هذا الملف الخطير في أحكام الطوارئ»، فيما وزارة الصحة، المكلفة حالياً بمواجهة الفيروس، بان «ضباط الجيش دون خبرة أودراية في هذا المجال… وهاجمت وزارة الصحة الجيش بوصفه عاجزاً عن مواجهة التداعيات بين جنوده، وقد طلب مساعدة الوزارة، فكيف يستطيع الآن قيادة المهمة في مواجهة وباء كورونا؟ لكن جيش العدو يبدو انه يتجهز لإدارة الأزمة بشكل كامل، وهو انهى استعداداته في الأيام الماضية للتعامل مع الأزمة…
ولفتت تلك الاوساط الى انه اذا كانت الازمة في اسرائيل ترتبط بخلفيات مالية حيث كشفت المعلومات عن قيام موظفين تابعين لوزارة الأمن بمنافسة موظفين تابعين لوزارة الصحة في شراء أجهزة تنفس وقطع غيار للأجهزة من الخارج، فان السؤال المطروح في لبنان يبقى حول ماهية هذا الخلاف الذي يؤدي الى التاخير في اعلان حالة الطوارىء وقيادة المؤسسة العسكرية للازمة في البلاد، ومدى ارتباطه بنجاح قائد الجيش جوزاف عون في ادارة هذه المرحلة والتي قد ترفع اسهمه الرئاسية في المستقبل؟