البارز في جلسة مجلس الوزراء هو تريث الحكومة في اعلان حالة طوارئ والاجراءات المتخذة للتعبئة العامة كافية والاكتفاء بالتشدد في التدابير اكثر. وهنا اصبحت حالة الطوارئ مادة خلاف حيث يعتبر البعض ان تسليم الجيش زمام الامور يحصل عندما يكون هناك حالة حرب اما اذا كانت البلاد تعاني من وباء فالتعبئة العامة كافية والاجراءات المتخذة هي شبه حالة طوارئ والحكومة هي من تقوم بمهامها في حماية المواطنين. وهناك مناخ لم يخرج الى العلن حول خلاف سياسي في هذا المجال حيث ان هناك جهة في الحكومة وهي اغلبية حتى الان ترى ان الظرف القائم يفترض حضور اكثر للحكومة وسط اجراءات تماثل اجراءات الطوارئ وهي متخذة اصلا في قرار التعبئة العامة.
اما بعض الداعين للطوارئ فيعتبرون ان هذا الاجراء يجب ان يتخذ الان لانه يؤمن تنفيذاً سليماً وصارماً اكثر ولا يجب الانتظار للوصول الى حالة تفشي الوباء اكثر في لبنان. وهنا نوع من التلميح ان بعض المعارضين ربما يريدون من اعلان الطوارئ وضع الحكومة جانبا.
وحول تردد معلومات عن اعتراض الرئيس عون على اعلان حالة طوارئ لاسباب سياسية، نفى مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية هذه المعلومات معتبرا ان الغاية من نشرها الاساءة الى وحدة المؤسسات الدستورية والتنفيذية والعسكرية، لا سيما مؤسسة الجيش. وتابع البيان الصادر عن مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية ان هذه المعلومات محض اختلاق وادعاءات تعاقب عليها القوانين والانظمة المرعية الاجراء. فضلا عن ان مطلقيها هدفهم زرع شقاق بين فخامة الرئيس وهذه المؤسسة او تلك، وهو امر لن يحصل، لان القوانين ترعى العلاقة بين رئيس الجمهورية وسائر مؤسسات الدولة.
الكابيتال كونترول: ما مصيره؟
واضح الرئيس نبيه بري في موقفه المعارض للكابيتال كونترول لسببين الاول هو انه غير دستوري بما ان لبنان قائم على نظام رأسمالي حر والسبب الثاني هو انه يضر بالمودعين. اما وجهة نظر الاخرين وابرزهم التيار الوطني الحر ان المشروع المعروض يحمي المودعين وهو ادرج لحمايتهم وليس لاذيتهم. ولكن النقاش لم يحسم داخل مجلس الوزراء ووزير المال غازي وزني سحب مشروع الكابيتال كونترول في جلسة مجلس الوزراء التي عقدت امس. انما ذلك لا يعني ان النقاش سيتوقف حول الكابيتال كونترول وفق تعديلات تحمي الودائع. وهذا يستتبعه سؤال: ماذا سيكون موقف مجلس النواب من هذا الموضوع وهذا الامر يطرح المزيد من التساؤلات حول مصير الكابيتال كونترول.
متى تعلن الحكومة عن الخطة الاصلاحية؟
كورونا فاجأت الدول الكبرى فكيف بلبنان مما لا شك فيه ان اداء الحكومة وبرنامجها تأثر بالاستحقاق الصحي الجديد وبالتالي بطبيعة الحال الاصلاحات المنشودة تتأخر ولا بد من الاعتراف بذلك من الحكومة والمعارضة على حد سواء.
في المقابل، تقول اوساط وزارية ان فيروس كورونا ارخى بظلاله على الواقع اللبناني الا ان تنفيذ الاصلاحات ليس فقط متعلق بظهور هذا الوباء بل بتشبث بعض الافرقاء السياسيين بالذهنية القديمة في الدولة بعد انتفاضة 17 تشرين الاول رغم ان الناس كانت واضحة انها لن تسكت عن الفساد بعد اليوم واذا كانت الشوارع هادئة في المرحلة الراهنة فذلك يعود للاولوية الصحية التي فرضها فيروس كورونا وحث الناس على التزام منازلهم. وفي هذا المجال, تشير اوساط وزارية ان رئيس الوزراء حسان دياب يواجه عراقيل وضعها افرقاء من قلب حكومته منعته من تطبيق الاصلاحات الضرورية للحصول على المساعدات المالية الدولية. وتابعت هذه الاوساط ان الرئيس دياب لمس ذلك في عدة وزارات حتى انه وجد ان العقلية القديمة لادارة الدولة لا تزال هي السائدة لسوء الحظ رغم ان لبنان اليوم تحت المجهر الدولي واي انزلاق جديد نحو الفساد او اي فريق يريد الاستئثار بالسلطة في الدوائر وفي مؤسسات الدولة سيضع لبنان في مواجهة المجتمع الدولي وتحديدا واشنطن التي تنتظر الفرصة المناسبة لانهاك لبنان اكثر مما هو عليه. وفي هذا السياق، كان من المفترض ان يعلن الرئيس حسان دياب عن خطة الاصلاح في نهاية شهر شباط الا ان اوساط وزارية تفيد ان هذا الاعلان تم تأجيله نظرا للحالة الصحية المستجدة مع بروز فيروس كورونا وفي الوقت ذاته للتجاذب الداخلي الحاصل بين من يريد الاصلاح ومع من لا يريده.
اما حول حصول لبنان على المساعدات الدولية لاسعافه اقتصاديا وماليا، كانت الدول الاوروبية واضحة بان الاصلاحات اولا ثم المساعدات وبما انه لم يطبق اي من الاصلاحات المطلوبة حتى هذا التاريخ، سيظل لبنان يتخبط بازمته المالية والاقتصادية الى اجل غير محدد. فمتى سيرفع المستاثرين بالسلطة والرافضين لاي اصلاح يدهم عن مؤسسات الدولة لتتنفس الاخيرة الصعداء؟ وهل من وضع متأزم اكثر من الذي يشهده لبنان كي يحث هؤلاء على ترك لبنان يعيش؟
والحال ان محاسبة الفساد التي رفعها كثيرون كشعار يتوجب وجود مناخ عام مؤاتٍ للتغيير الفعلي وذلك يبدأ في الجسم القضائي وفي الطبقة السياسية التي انكفأت يدها جزئيا ولكنها لا تزال تملك نفوذا كبيرا في مؤسسات الدولة.
بيد ان الفرنسيين حريصون على ان لا ينهار لبنان لكنهم عاجزين عن اقناع بعض الاحزاب بالتخلي عن الذهنية القديمة والمضي قدما في تطبيق الاصلاحات والفرنسيون يتعاملون مع لبنان بطريقة مختلفة عن الاميركيين فالفرنسيون يعلمون ان الحاق الضرر بحزب الله وبالشعب اللبناني كله سيؤدي الى انهيار لبنان وهذا ما لا يريدونه. في المقابل، تسعى الادارة الاميركية الى استغلال الوضع الاقتصادي المتفاقم لانضاج واقع جديد على صعيد التوازنات السياسية اللبنانية. وهنا تقول اوساط سياسية, ان واشنطن تعول على تفاقم الاوضاع المعيشية وربما تراهن على ثورة جياع في لبنان لتحقيق اهدافها.
ولذلك هذا الواقع السياسي يؤكد ان لبنان ليس فقط بحاجة الى اعادة هيكلة الدين بل اعادة هيكلة الدولة برمتها ذلك ان بعض السياسيين ما يزالون يواصلون سياستهم المبنية على المحاصصة واعتبار وزارات املاك تابعة لهم وبالتالي يرفضون اي خطة تضم اصلاحات. لبنان الجديد سيكون بندا اساسيا امام الشعب اللبناني ومجلس الوزراء والبرلمان النيابي ذلك ان لبنان القديم لم يعد بامكانه الاستمرار لان الايام اثبتت ان ثغرات كثيرة ومطبات عدة اظهرت ان الاستمرارية في النهج والنظام السياسي ذاته غير قابل للاستمرار.
فهل لبنان قابل على طرح اللامركزية وتوسيع نطاقها لتخفيف المشاكل والعقد خاصة ان هذا المطلب يؤيده التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية بمعزل عن الخلاف بينهما؟
واللامركزية طرحت في خطاب القسم لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون وتقول اوساط مقربة من قصر بعبدا انه عازم على تطبيقها غير ان الوضع الاقتصادي المتفاقم و ظهور وباء كورونا جعلا بعض الطروحات مؤجلة بعض الشيء.
القوات اللبنانية: قرار سياسي مطلوب للاصلاحات وخطة واضحة
من جانبها، طالبت القوات اللبنانية الاسراع بوضع خطة مالية اقتصادية باقرب وقت ممكن خاصة ان لبنان في صلب انهيار مالي واقتصادي فالقوات تعتبر ان الخطة تأخرت فيما المطلوب بشكل سريع وملح وضع خطة مزدوجة بمعنى ان تحصل الدولة على مساعدات خارجية بما ان الخارج يشترط المساعدة ضمن خطة عملية واضحة المعالم ضمن جدول زمني واضح لان الخارج يعتبر ان المساعدات السابقة ذهبت هدرا وفسادا والزبائنية وبالتالي لم يستخدمها لبنان بالشكل المطلوب.
وقبل التفكير بالمواضيع والقضايا الكبرى على غرار طرح الجمهورية الثالثة، رأت القوات اللبنانية ان هناك ملفات لها اولوية مثل وضع خطة لملف الكهرباء وهو لا يتطلب سوى قرار سياسي يسمح بأن تستلم شركة عالمية وفقا للمناقصة التنفيذ في بناء المعامل وايضا قرار سياسي في اقفال المعابر غير الشرعية وضبط المعابر الشرعية والجمارك والمطار والمرفأ. وشددت القوات ان كل ما يحتاجه لبنان هو قرار سياسي لتحسين وضع هذه المؤسسات.
اضف الى ذلك، دعت القوات الى انشاء صندوق مؤسسي سيادي والذهاب الى مناقصة لتلزيم شركة عالمية مهمتها ادارة المؤسسات المربحة والمنتجة للدولة التي تكون ضمن هذا الصندوق على غرار الكازينو والميدل ايست. والسبب ان الادارة المحلية فاشلة وزبائنية والمنفعة الخاصة فهل هناك قرار سياسي جديد لاتخاذ قرارات جدية اصلاحية لمواجهة الازمة؟ ولكن اعربت القوات عن اسفها بانه حتى اليوم لم تشهد اي تبدل في المقاربة السياسية والاقتصادية لكل ما طرحناه اعلاه.
كورونا: طرابلس وعكار متوجهتان لكارثة انسانية
على الصعيد الصحي، وبعد اعلان التعبئة العامة تواصل الدولة اللبنانية جهودها لوقف انتشار فيروس كورونا نظرا لامكانيات لبنان الطبية والاستشفائية في ظل ازمة اقتصادية خانقة. وفي هذا السياق، يبدو ان طرابلس وعكار مقبلتان على كارثة انسانية خاصة ان المواطنين لا يلتزمون البقاء في البيت او بالتعليمات الطبية بسبب عوزهم للمال وللعمل لتأمين احتياجات عائلاتهم. وبمقدار ما يريد المواطن في طرابلس او عكار ان لا يصاب بفيروس كورونا بمقدار ما يريد ان يجني المال لتامين لقمة العيش فليس الجميع لديه «ربطة خبز». وليس الجميع قادر على انتظار ان تصبح اوراقه جاهزة من وزارة الشؤون الاجتماعية نظرا لوضعهم المعيشي المتردي رغم انها تسعى لمساعدة العائلات المنكوبة. هذا الامر المحزن والذي يشكل مأساة حقيقية يعيشها المواطن اللبناني الفقير فالفقراء في لبنان ليس لديهم احد حيث بات معلوما ان اغنياء مدينة طرابلس وعكار او في اي منطقة من لبنان لا يتبرعون للفقراء الا اذا كان هناك غاية او هدف سياسي في نهاية المطاف. هكذا للاسف يجد نفسه المواطن اللبناني الفقير متروك لقدره الحزين يعيش في الذل وقساوة الحياة بما ان لا دولة تساعده ولا هيئات او جمعيات تعيله.