دخل رؤساء الحكومات اللبنانية السابقة على خط الجدل بشأن التعيينات المالية المتوقع طرحها في جلسة الحكومة هذا الأسبوع إذا ما ذللت الخلافات حولها، التي تشمل نواب حاكم مصرف لبنان وأعضاء هيئة الرقابة على المصارف.
ورأى رؤساء الحكومات السابقة في بيان مشترك، أمس، أن التعيينات التي يتجه مجلس الوزراء لإقرارها «يشتم منها السيطرة على مواقع الدولة من دون الالتزام بالكفاءة»، فيما اعتبر رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن «الحكومة لا تعتمد معايير الكفاءة والنزاهة في التعيينات… وطالما الثلاثي غير المرح متحكم بالسلطة، سيبقى الوضع على ما هو عليه».
لكن مصادر وزارية مقربة من رئاسة الجمهورية رأت أن الانتقادات للتعيينات هي «هجوم استباقي قبل طرحها في الحكومة بهدف عرقلتها وتجميدها». وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «حتى الآن ليس محسوماً ما إذا كانت التعيينات ستطرح في جلسة الخميس أو سيتم تأجيلها».
وحذر رؤساء الحكومات السابقة سعد الحريري ونجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام من أن التعيينات «يُشتم منها الرغبة في السيطرة على المواقع الإدارية والمالية والنقدية للدولة اللبنانية بغرض الإطباق على الإدارة الحكومية من دون الالتزام بقواعد الكفاءة والجدارة، متغافلة عن المطالب الإصلاحية لشابات وشباب الانتفاضة». واعتبروا في بيانهم أن الحكومة «تنشغل بذلك عن التنبه إلى عمق وفداحة المخاطر التي تعصف بلبنان واللبنانيين التي تقتضي منها المبادرة إلى القيام بالخطوات الإصلاحية الصحيحة لإعطاء صورة قوية ومتماسكة ومتبصرة عن الدولة اللبنانية التي يجب أن تكون ساعية وجادة لتحقيق منجزات إصلاحية عملية وفعالة تؤهلها لأن تكون جديرة باستعادة ثقة المواطنين وثقة الأشقاء العرب وثقة المجتمع الدولي، وبالتالي بما يمكن الدولة من الحصول على المساعدات التي يحتاجها لبنان».
ورأوا أن «الأوضاع في لبنان لم تعد تحتمل المزيد من التردد والتلهي. فلبنان لا يمكنه مواجهة الظروف والمخاطر الراهنة على مختلف الأصعدة والمستويات باستمرار ممارسات المحاصصة ومن دون أن يبادر مسؤولوه وحكومته للقيام بالخطوات الإنقاذية والإصلاحية الصحيحة التي تسهم في تصويب البوصلة وفي إعادة التموضع على الطريق الصحيح بما يعيد الاعتبار والاحترام لاتفاق الطائف والدستور وكذلك الاحترام للدولة ولسلطتها وللشرعيتين العربية والدولية وبما يجعل من الممكن تحقيق الإنقاذ والنجاة مالياً واقتصادياً واجتماعياً ومعيشياً ونقدياً ومؤسساتياً، بعيداً عن أحلام السيطرة والاستئثار والانتقام والتحكم بآلة الدولة ومواقعها».
وقالت مصادر مقربة من رؤساء الحكومات الأربعة لـ«الشرق الأوسط» إن البيان هو «أكثر من جرس إنذار، ويوجه رسالة مباشرة إلى رئيس الحكومة حسان دياب مفادها أننا لن نسمح بخطف البلد من قبل عون وتياره السياسي والتسليم له بكل شيء».
وأضافت: «موقفنا هو أول الغيث، لأنه من غير المسموح تغيير النظام اللبناني وإطاحة الطائف وتحويله إلى نظام رئاسي يحتكر كل السلطات ويلغي الشراكة التي هي الناظم الوحيد للعلاقات بين اللبنانيين وقطع الأكسجين عن البلد والإطباق عليه بعدم التواصل مع المجتمعين الدولي والعربي وعزل لبنان عنهما وتحويله إلى جزيرة أمنية معزولة».
وشددت على «أننا أصحاب القرار وليعلم الداني والقاصي بأن ما يحصل اليوم لن يمر مهما كلف الأمر». وتوجه الرؤساء، كما تقول المصادر، إلى دياب بقولهم: «كفى تقديم نفسك على أنك ضحية السنوات الماضية والبكاء على الأطلال، عليك أن تحسم أمرك، فإما أن تبقى ضحية أو أن تكون بطل إنقاذ كما وعدت ولم تفِ بذلك»، مشددة على أن رؤساء الحكومة الأربعة «سيقفون سداً أمام التمادي في الإخلال بالتوازن».
وإذ أشارت المصادر إلى أن هذه الرسالة «موجهة إلى دياب ومن خلاله إلى عون وتياره السياسي»، أكدت أنها «تأتي أيضاً في هذه الظروف الدقيقة لإعلام الشرفاء الآخرين في الوطن بأن تقويض ركائز النظام سيؤدي إلى سقوط الهيكل فوق رؤوس الجميع ولن يستثني أحداً».
وفي السياق المرتبط بالتعيينات، علمت «الشرق الأوسط» أن «الثنائي الشيعي» (حركة «أمل» و«حزب الله») أعلم عون ودياب عبر قنوات التواصل بأن اتفاقهما «لا يكفي لتمرير التعيينات»، في ضوء ما جرى تداوله من أسماء للتعيينات المصرفية والمالية. وشدد الثنائي، بحسب المصادر، على أن «لا تعيينات من دون الوقوف على رأي رئيس (تيار المردة) سليمان فرنجية»، وأنهما «يدعمان فرنجية حتى النهاية»، من دون أن تنفي المصادر أن امتعاض فرنجية من الأسماء المقترحة للتعيينات في الجلسة الحكومية الأخيرة الخميس الماضي هو ما أدى إلى ترحيل هذا البند إلى جلسة لاحقة.
وتحدثت المعلومات عن أن «الثنائي الشيعي» طالب بمركزين من حصة فرنجية يسميهما الأخير في التعيينات الأخيرة، وهما موقع رئيس هيئة الأسواق المالية، وعضو في هيئة الرقابة على المصارف، على قاعدة أن فرنجية أمّن غطاء مسيحياً للحكومة بالنظر إلى أن الغطاء المسيحي لم يكن ممكناً تأمينه عبر «التيار الوطني الحر» وحده في ظل غياب «القوات اللبنانية» و«الكتائب اللبنانية» عن الحكومة.
من جهته، جدد جعجع تحذيره من عدم اعتماد الكفاءة في التعيينات، مذكراً في بيان بأن أول مطالب الانتفاضة الشعبية «كان التخلص من الزبائنية في الإدارات الرسمية، واعتماد معايير الكفاءة والنزاهة في التعيينات، فإذا بنا نتفاجأ كما جميع اللبنانيين بأن الحكومة الحالية، وعلى رغم التوقعات المنتظرة منها تحضر لتعيينات على الأسس نفسها تقريباً التي كانت تجري في عهد الحكومات السابقة». وأسف أن لا تتمكن حكومة كل وجوهها جديدة وتقنية «من إجراء تعيينات على أساس النزاهة والكفاءة والآلية… والسبب: ابحث عن الثلاثي غير المرح أبداً في كل ما يجري».
وأوضحت مصادر «القوات» أن جعجع يقصد بكلامه عن الثلاثي «الثنائي الشيعي» ورئيس الجمهورية ميشال عون. وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن هذا الثلاثي «يمسك بالسلطة والقرار السياسي ويشكل الأكثرية بغض النظر عن بعض التباينات فيما بينهم أحياناً، بحيث إنه يبقى المرتكز الأساسي لهذه الحكومة الذي يتحمل مسؤولية ما وصلت إليه البلاد بعدما كان يتحكم بالقرار حتى في الحكومات السابقة».
وأضافت أن «هذا الثلاثي كان يتذرع بوجود القوى الأخرى. اليوم هو موجود منفرداً، ورغم ذلك نرى الخلاف بين مكوناته ورفضه التام لوضع آليات دقيقة للتعيينات أو الذهاب لخطط إصلاحية». وشددت على أن «أي تعيينات يجب أن تتم وفق آلية، والقوات كان قدم اقتراح قانون في هذا الإطار كي لا تبقى التعيينات استنسابية وكل فريق يأتي إلى السلطة يعين شخصيات تستلزم له بدل أن تكون ذات كفاءة ومرجعيتها الدولة والقانون والدستور وليس من عيّنها في هذه الدولة».
– شريم ترفض «الإملاءات»
في المقابل، ردّت وزيرة المهجرين غادة شريم على الانتقادات الموجهة إلى الحكومة. وقالت: «لسنا بحاجة لمن يملي علينا ما نفعل، وأي خطأ ينعكس سلباً علينا جميعاً. البعض يصوّر الحكومة وكأنها متقاعسة في واجباتها وهذا ظلم».
وحمل رئيس «الحزب الديمقراطي اللبناني» النائب طلال أرسلان على الانتقادات الموجهة للحكومة، وكتب عبر حسابه على «تويتر» قائلاً: «سمعنا بيانات صادرة عن مجموعة تحاضر بالعفة والنزاهة ونظافة الكف، ومشهود لهم بذلك… فتناسوا سياساتهم المالية الموبوءة التي هي أخطر من فيروس كورونا الذي اجتاح العالم بأسره». وأضاف أن «هذه السياسات تحاول تطويق عمل الحكومة لتضييع الوقت عليها وتحويلها إلى حكومة عاجزة وجودها فقط لإدارة أزمة قائمة بدلاً من أن تكون حكومة منتجة وصاحبة إصلاحات مالية واقتصادية جدية».