سأصارحكم القول بأنّ عالم الإعلام يأسرني ويدغدغ مشاعري ويدفعني إلى التحدّث أو الكتابة عمّا يؤرّقني؛ ولا أعرف إذا ما كان الخطاب السائد اليوم الذي يقتصر في الأعم الأغلب منه على الواقع الصحي المفترض التقيّد به لحماية أنفسنا من خطر الإصابة بفيروس نجهل مصيرنا بوجوده؛ أو انّ إدراكي لحجم المشكلة التي يعيشها الأعم الأغلب من الأشخاص في مجتمعاتنا هي التي دفعتني إلى كتابة هذا المقال.
في كل الأحوال، أعتقد أن حرصي النابع من المسؤولية الإنسانية التي تعني لي الكثير دفعني إلى أن أخط هذه الكلمات علّها تسهم بفتح كوّة تضيء بشعاعها ظلاماً دامساً، أعتقد أنّنا من خلقنا حدوده وأبعاده وسوداويته. واقع مقيّد ومحيّر وضبابي .. ترك كلماتي تنساب أمامي، ودفعني إلى الهرولة باتجاهها علّني ألتقط بعضاً مما حاكته على أسطر دفتري الذي تاه في كثير من الأحيان أمام تساؤلات تبحث عن إجابات تطمئنها، فلم يتراءى أمامي إلاّ مراسي الطروحات الإيجابية التي يمكنها مواجهة هذه الريح العاتية لتنقلنا إلى بر الأمان.
لن أخفيكم سراً، إذا ما قلت لكم، انّ إحساس أرخميدس عندما هرول منادياً “وجدتها .. وجدتها” قد انتابني في هذه اللحظات، اجل فقد وجدتها، وجدت ذاك المفتاح السحري الذي يفتح الباب على مصراعيه أمام من وجدوا أنفسهم فجأة بين ليلة وضحاها في مرمى شِباك محكمة الإغلاق، يُصارعون للخروج منه بعد أن حاصرتهم دوّامة تُسارع إلى دفعهم نحو محورها.
واقع لا شك يستوجب الدفع عكس التيار، ويتطلّب رسم مسارات جديدة لا يُمكن بلوغها من دون مد جسور التعاون بين الجميع، نعم، الجميع من دون استثناء في كل موقع ومكان، وهو ما يتطلّب بذل الكثير من الجهود لخلخلة الشِباك التي تأسرنا بغية فكفكتها والانسحاب خارجها بأمان.
قد يسألني بعضكم، هل يُمكننا بلوغ هذا الأمر أمام هذه الأزمات التي تتلاطم حولنا؟ أجيبه بثقة بالغة، الأمر بالتأكيد ليس بهذه الصعوبة، لكنه يحتاج إلى التفكير ملياً فيما ينتابنا، والتأمّل في كل تفصيل من تفاصيله، كما يُلزمنا التركيز على الإيجابيات. منطلق صمام أماننا اليوم أكثر من أي وقت مضى هو تلك النظرة الإيجابية الواعية والمساندة للصمود في كل عقبة سوف تواجهنا، دون أن نغفل وضع آليات تشعرنا بأهمية تضامننا وتكاتفنا بداية كأسر، ولاحقاً كجماعات قادرة على تقديم الكثير من الحب، والتفاهم، والتعاون والمودة لتخطّي واقع يسيّرنا إلى مستقبل مجهول، واقع يمكننا ردعه عن الإيقاع بنا في هوّة اليأس ومشاعر الإحباط والهزيمة.
جميعنا نعرف أنّنا نمر بمرحلة دقيقة وحسّاسة وصعبة لأنّنا لم نألفها ولم نعهدها من قبل، مرحلة اضطرتنا إلى مواجهة قد تكون شرسة، لتأمين سلامتنا وسلامة من نحب، ومهما عرضنا من أفكار وتصوّرات تبقى الإجراءات العملية هي الأساس.
ما يمكننا فعله، هو الالتزام بتنفيذ حزمة من الخطوات، التي لا رجعة عنها برأيي، حزمة تبدأ بتعديل نظرتنا إلى الاحتجاز القسري الذي نصف، باعتباره فرصة غير متوقّعة للاحتفال بالحصول على مزيد من الوقت لقضائه مع العائلة كعائلة، ساعين إلى جعلها ممتعة قدر الإمكان.
فرصة نراها بداية جيّدة تتيح لنا التخطيط لمشاريع عائلية وشخصية تُخرجنا من الأسر المنزلي، وإن كنا لا نغادر حدود منازلنا الضيّقة مهما ضاقت أو اتسعت مساحاتها.
فهل نحن فعلاً أمام فرصة نعيد فيها ترتيب مسارات حياتنا على نحو لم نعهده من قَبل؟ .. ترتيب يتيح لنا السيطرة على أوضاع باتت تسيّرنا. فرصة تمنحنا القدرة على إدارة أمورنا بطرق ووسائل ربما لم تقرع يوماً أجراس أبوابنا، ولم يمر طيفها في خواطرنا.
أدرك جيّداً أنّنا نعيش في زمن التحدّيات الصعبة وعلى غير صعيد، كما أدرك أننا نحن، أجل نحن فقط من نقرّر إمكانية وواقعية عبورنا إلى بر أمان نريده ونحلم به، غير آبهين بدوّامة تزج بنا في غياهب المجهول إلى ما لا نهاية، دوّامة تسعى إلى تحطيم أحلامنا .. فهل ستستطيع؟ نحن فقط من نقرّر …
د. ليلى شمس الدين
باحثة في الأنثروبولوجيا والإعلام.