بينما بدأت محركات “الثورة” تستعيد زخمها وبات هديرها يُسمع في أكثر من منطقة، شمالاً وجنوباً وبقاعاً، تحضيراً لانطلاقة متجددة مدفوعة بواقع فقدان الأمل والثقة بهذه الحكومة التي لم تترك فرصة أو مناسبة إلا وأثبتت فيها أنها “حكومة السلطة” في كل قرار تتخذه وبكل خطوة تخطوها، تواصل الطبقة الحاكمة سياسة الإمعان في الإنكار والتذاكي على الناس غافلةً في أدائها أنّ “فترة السماح” التي منحوها إياها انتهت صلاحيتها وانطلق العد العكسي لموجة “تسونامي” عارمة من الجوع والعوز والبطالة متى حان وقتها ستبتلع كل ما في طريقها، من رأس هرم السلطة إلى أسفله، ولن تجدي حينها نفعاً كل عدة النصب والاحتيال ودغدغة المشاعر بكليشيهات خشبية حول استعادة “المنهوب والموهوب” من قبل من هم أساساً في دائرة الشبهة والاتهام بالإثراء غير المشروع منذ أواخر الثمانينات حتى اليوم.
وبانتظار ما ستؤول إليه “الغضبة” الشعبية، سواءً بعد فك قيود كورونا أو حتى قبلها إذا ما فرضت أوجاع الناس كسر محاذير الوباء تحت وطأة الغلاء وشح المداخيل، تستمر المنظومة الحاكمة في لعب دور “الحاكم الرشيد” على مسرح عقيم عاجز عن استيلاد الحلول للأزمات المتناسلة، اقتصادياً ومالياً واجتماعياً وحياتياً، في حين سيفرض “تشريع الضرورة” على المجلس النيابي اليوم أن يلتئم على “خشبة” قصر الأونيسكو لتأمين شروط التباعد الصحي المطلوب بين النواب في زمن الكورونا. وإذ آثر رئيس المجلس نبيه بري عدم منح الإذن لأي من طالبي الكلام إفساحاً في الوقت أمام مناقشة جدول الأعمال الدسم، سيكون ملف “العفو العام” النجم الأبرز بلا منازع في الجلسة لا سيما في ضوء انضمامه إلى باقة الملفات الخلافية التي تشهد تجاذباً سياسياً حولها، وأوضحت مصادر نيابية لـ”نداء الوطن” أنّ هناك اقتراحين لقانون العفو سيُطرحان على الهيئة العامة، أحدهما مقدّم من كتلة “التنمية والتحرير” وآخر من كتلة “المستقبل”، مرجحةً أن يصار إلى “دمج الاقتراحين مع حذف الكثير من المواد المقترحة فيهما ربطاً بوجود اختلافات كثيرة في توجهات الكتل إزاء هذا الموضوع والتي قد تؤدي في نهاية المطاف إلى تطييره بالتصويت”.
في المقابل، كشفت المصادر النيابية، في سياق تعدادها للبنود المهمة المدرجة على جدول أعمال الجلسة التشريعية، عن وجود “توافق واسع بين الكتل على تشريع “الحشيشة” من شأنه أن يؤمن تصاعد “الدخان الأبيض” وإقرار اقتراح قانون “زراعة القنّب” وفق صيغة مدروسة بعناية ودقّة”، كما توقعت أن يمر بند تشكيل “الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد” بعد تعديله و”شدشدته”، فضلاً عن إقرار سلسلة من القروض أبرزها قرض من البنك الدولي مخصص لتمويل “تعزيز النظام الصحي” وهو ما من شأنه أن يساهم في دعم القطاع الاستشفائي وتمتين القواعد الصحية في مواجهة وباء كورونا، أما بعض الاقتراحات التي لم تكتمل دائرة التوافق النيابي حولها فستتم إحالتها إلى اللجان المعنية لاستكمال الدرس بشأنها قبل إقرارها في جلسات تشريعية لاحقة.
في الغضون، لا تزال لعنة “التعثر” المالي تلاحق اللبنانيين على مختلف محاور حياتهم، المصرفية والاقتصادية والاجتماعية، فهي وفق ما رشح من معطيات تعيق حصول الدولة اللبنانية على خطوط إئتمان سريع من صندوق النقد الدولي يخصصها لمساعدة الدول في مواجهة كورونا. إذ وبحسب هذه المعطيات، فإن صندوق النقد لم يتبلغ حتى البارحة طلباً رسمياً من لبنان لتلقي مساعدة مالية من نظام “RFI” (Rapid Financial Instrument) المتّبع في مواجهة الحالات الطارئة، واقتصر الأمر على استفسار من وزير المال غازي وزني قبل مدة حول الموضوع، غير أنّ أوساطاً مالية دولية لفتت الانتباه إلى أنه “ليس محسوماً أن يحصل لبنان على مساعدة من هذا القبيل نظراً لكون القواعد المتّبعة لدى الصندوق تحول دون تقديم “RFI” خطوط إئتمان مالية إلى دول في سجلها “سابقة تعثر” وهذا هو تقييم الدولة اللبنانية راهناً”.
وتستغرب الأوساط في تعليقها لـ”نداء الوطن” كيف أنّ الحكومة اللبنانية مصممة على المضي قدماً في تنفيذ مشروع “سد بسري” بقيمة مئات ملايين الدولارات في وقت كل حكومات العالم تعمل على إعادة ترتيب أولوياتها لسد احتياجات شعوبها ودعم صمودهم في وجه جائحة كورونا، وتساءلت: “قيمة القرض المقدم للبنان في هذا المشروع تبلغ 650 مليون دولار، 450 مليوناً من البنك الدولي و200 مليون من البنك الإسلامي، فهل يجوز صرف هكذا مبلغ في ظل الانهيار الاقتصادي والمالي الحاصل في لبنان على استكمال هكذا مشروع بغض النظر عن أهميته وعن التجاذب السياسي والبيئي الحاصل حول جدواه من عدمها؟”، وختمت: “هو سؤال أخلاقي قبل أي شيء آخر، إذ لا يُعقل صرف ملايين الدولارت على الحجَر بينما البشَر في لبنان هم بأمسّ الحاجة إلى كل دولار في ظل الشح القائم بالعملة الصعبة، حتى أنّ البنك الدولي نفسه أبدى تفهمه واستعداده لإعادة النظر في وجهة استخدام قيمة هذا القرض لتمول برامج اقتصادية واجتماعية تساعد اللبنانيين على تخطي أزمتهم بينما الحكومة اللبنانية نفسها لا تبدي أي استعداد لذلك”.