عكست اجواء ووقائع اليوم الثاني من الجلسة التشريعية امس حجم الازمة الخطرة والانهيار الحاصل في البلاد، وعمق المأزق الذي يحاصر الجميع من دون استثناء.
وكان من الطبيعي ان تتناول المداخلات والنقاشات التي جرت حول بنود جدول الاعمال الوضع الاقتصادي والمالي المتدهور الذي ينذر بمزيد من التداعيات الخطرة على لبنان واللبنانيين.
صحيح ان المجلس في جلسته على مدى اليومين المنصرمين اقر عدداً من القوانين المهمة المتعلقة بمكافحة الفساد ومواجهة تداعيات الازمة الراهنة بسبب الوضع الاقتصادي والمالي المتدهور اصلا وما استجد ايضا بعد انتشار كورونا من نتائج كارثية على هذا الوضع… لكن الصحيح ايضا ان القوانين التي اقرت ليست بحجم الازمة التي بتنا في سباق مع توسعها وازدياد مخاطرها.
ولم تخلُ الجلسة من توترات محدودة مثل الاشتباك الكلامي الذي حصل بين النائبين ايلي الفرزلي وسامي الجميل على خلفية تقدم الثاني باقتراح تقصير الولاية، ما اعتبره الاول انه في اطار الشعبوية وتنزيه الذات واستهداف المجلس والسير بركب الحركات في الشارع.
اما الجميل فاعتبر موقف الفرزلي انه في اطار الدفاع عن المنظومة الحالية رغم كل ما حصل منذ بدء الانتفاضة واصفاً كلامه «بالبهورة».
تطيير النصاب
كما حصل اشتباك محدود آخر بين عضو كتلة اللقاء الديموقراطي بلال عبدالله وامين سر تكتل لبنان القوي ابراهيم كنعان، بعد ان اتهم الاول الثاني بالشعبوية وتجاوز لجنة الصحة ووزير الصحة في موضوع تخصيص 450 مليار ليرة للمستشفيات الخاصة من اصل المستحقات على الدولة. والابرز امس كان انتهاء الجلسة على شيء من الزغل بين بري ودياب بعد ان طار النصاب اثر انسحاب كتلتي تيار المستقبل والحزب الاشتراكي اثناء طرح مشروع قانون للحكومة بفتح اعتماد قيمته 1200 مليار ليرة من اجل تغطية شبكة امان اجتماعي في هذا الظرف الى نهاية العام تتضمن قروضا ميسرة صغيرة للصناعيين والمزارعين.
وفي الوقائع، فان الرئيس بري في نهاية الجلسة طرح المشروع الذي ارسل امس الى المجلس على النقاش رغم انه من خارج جدول الاعمال كبادرة تعاون مع الحكومة فتبين خلال مناقشته ان النصاب قد فقد ما اغضب الرئيس دياب فطالب بإلحاح ان يبته فورا اي في الجلسة.
لكن الرئيس بري الذي فوجىء بهذا الموقف الذي اعتبره تصويبا على المجلس رد بلهجة شديدة قائلا «ما حدا بيفرض عليي شي وما حدا بيقلّي شو بدي اعمل او بيفرض على المجلس شي، رفعت الجلسة ويحال المشروع الى اللجان لدرسه خلال 15 يوما».
وعبر الرئيس دياب بعد الجلسة عن استيائه من تطيير النصاب، فتحدث الى الاعلاميين منتقداً هذا الامر. واشار الى «ان الهجوم السياسي على الحكومة متوقع، واتمنى ان لا يؤثر في الامن الاجتماعي والغذائي».
ولاحقاً أعلنت الامانة العامة لمجلس النواب، انه «يجب على الحكومة ان تتعلم كيفية ارسال مشاريع القوانين الى مجلس النواب قبل التطاول عليه».
وفي هذا الإطار تقول اوساط نيابية انه سجال «موضعي» وعابر ولا سيما ان دياب لم يكن يقدر طرحه «سياسياً» لا في الشكل ولا المضمون الدستوري رغم حماسته لعقد الجلسة في السياسة، وطريقة الطرح العلنية ازعجت الرئيس بري، ولا نعتقد ان للمسألة تداعيات ابعد من الرد الثاني لامانة مجلس النواب والمقصود به ان لا تسجل سابقة والتدخل في دور مجلس النواب ورئيسه التشريعي.
وتكشف اوساط نيابية في «التنمية والتحرير» لـ«لديار» الاسباب الموجبة لبيان الامانة العامة لمجلس النواب، وتقول: «ان الحكومة قد عرضت الخطة على المجلس النيابي بموجب كتاب من رئاسة مجلس الوزراء وليس من خلال مرسوم يتضمن مشروع قانون عبر مجلس الوزراء ، وفقاً للاصول الدستورية والتشريعية».
فعاد الرئيس بري وطلب من الحكومة اعادة ارسال مشروع القانون وفقا للاصول، واحال الاقتراح الى اللجان لمناقشته للاسراع في اقرار مشروع القانون فور وروده الى دوائر المجلس خلال العقد التشريعي.
من جهته قال دياب «ان الخطة المالية والاقتصادية كان يفترض ان تنتهي هذا الاسبوع لكننا علمنا بجلسات مجلس النواب، وفي نهاية الاسبوع المقبل سننتهي منها»، مؤكداً «سأتكلم يوم الجمعة بعد جلسة مجلس الوزراء ويجب ان يكون هناك تنسيق اكبر من قبل مصرف لبنان مع الحكومة، وبالنسبة لقرار حاكم المصرف سلامة أمس الاول فنحن لم نكن نعلم به، والحكومة لم تبلغ ولم يتم التنسيق معها بهذا التعميم. مصرف لبنان لا يقوم بالتنسيق مع السلطة التنفيذية حول القرارات التي يصدرها، وسيكون لي كلام وموقف بعد جلسة الحكومة يوم الجمعة.
مخاوف دياب
من جهة ثانية، تقول اوساط 8 آذار ان الرئيس دياب يشعر ان هناك نوايا حقيقية ومساع بدأت تتكشف لتفشيله واسقاط الحكومة ولا سيما ان احزاب المعارضة تحرك الشارع، كما هناك «لوبي» مصرفي وتجاري ومالي يهدف الى محاصرته.
وتكشف الاوساط ان اعلان دياب امام الصحافيين انه سيكون له موقف في ملف الدولار والمصارف ومصرف لبنان ناجم عن خوف حقيقي من دفع من جهات داخلية وخارجية لايصال الدولار الى الـ5 الاف ليرة.
وتؤكد الاوساط ان لا سقوط ولا اسقاط للحكومة لا في الشارع ولا في غير الشارع، وتلفت الى ان على المعارضة ان تعلم ان الرئيس ميشال عون ليس الياس الهراوي وحسان دياب ليس عمر كرامي ولا سعد الحريري مع احترامنا للراحلين الهرواي وكرامي وكذلك للحريري وليس انتقاصاً من اي جهة و مرجعية.
موقف القوات اللبنانية
قالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الديار» ان «القوات» وعلى رغم إدراكها ومعرفتها ان اهتمامات الناس في هذه المرحلة بعيدة عن صخب التشريع بسبب وجعها المعيشي، بفعل الأزمة المالية غير المسبوقة التي تعصف بلبنان، إلا ان حرصها على دولة المؤسسات جعلها تعلي صوتها من داخل قبة البرلمان، إن بمطالبتها الحكومة الإسراع في إعلان خطتها المالية الإصلاحية، أو بالسهر على وضع التشريعات اللازمة لقطع دابر الفساد، فشكلت بدورها رأس حربة إقرار قوانين مكافحة الفساد، على رغم معرفتها ان القوانين لوحدها غير كافية من دون وجود قوى سياسية نزيهة وشفافة وضامنة لتطبيق هذه القوانين، وعلى هذا الأساس ساهمت بشكل فعال في إقرار بعض القوانين وإسقاط صفة العجلة عن البعض الآخر منها من أجل مزيد من دراستها، ولم تتعامل مع اقتراحات القوانين على قاعدة سياسية، إنما انطلاقا من جدواها في خدمة الناس وتحصين المؤسسات، وأما أبرز مساهمات «القوات» في اليوم التشريعي الثاني فتكمن بالآتي:
أولا، دعمت «القوات» الاقتراح المقدّم من النائبين حسن فضل الله وهاني قبيسي حول إسقاط الحصانة على الوزراء ومحاكمتهم أمام القضاء العادي، متجاوزة بذلك القانون المقدّم من قبلها بواسطة النائبين جورج عدوان وجورج عقيص والموجود لدى المجلس النيابي، وبالتالي صوتت مع صفة المعجل والمكرر للاقتراح بعدما وجدت بان الهدف من اقتراح فضل الله هو نفسه تقريبا من اقتراحها المتعلق بتعديل أصول المحاكمات أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
ثانيا، وقفت «القوات» ضد سد بسري انطلاقا من عاملين أساسيين:
العامل الأول يرتبط باللحظة السياسية لجهة الأزمة المالية والمعيشية غير المسبوقة وعدم جواز تخصيص 600 مليون دولار لمشروع لا يشكل أولوية راهنا، وبالتالي ضرورة استخدام هذه الأموال لتدعيم صمود الناس، علماً انه بالاستطاعة تحويل هذه الاموال الى وجهة اجتماعية. في ظل الضائقة الكبيرة الموجودة.
العامل الثاني يتعلق بالطرف الذي يسهر على التنفيذ ولا يتمتع بالصدقية المطلوبة بدليل الكارثة الحاصلة في ملف الكهرباء.
ثالثا، دعمت «القوات اللبنانية» الاقتراح المقدّم من حزب «الكتائب» بتقصير ولاية مجلس النواب، لأنها تعتبر بأن انتفاضة 17 تشرين شكلت حدثا شعبيا استثنائيا أدى إلى تغيير كبير في المزاج اللبناني العام، الأمر الذي يستدعي أجراء انتخابات نيابية مبكرة، فضلا عن ان الأكثرية الحاكمة أوصلت لبنان إلى الانهيار، وما زالت تواصل السياسة الكارثية نفسها، ومن هنا ضرورة الذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة.
رابعا، وافقت «القوات» ودافعت عن كل القوانين التي تدعم جهود الدولة في مكافحة وباء كورونا، كما وافقت على كل القوانين التي تراعي مصلحة الناس، ولكنها في الوقت نفسه لم توافق على الاقتراح الذي صدِّق والمقدم من النائب آلان عون بخصوص موضوع تأجيل الأقساط المستحقة على القروض المأخوذة من أشخاص لدى المصارف، لأنها اعتبرت ان هذا الموضوع يجب ان يرد ضمن خطة متكاملة مالية تتقدّم بها الحكومة، ولا يجب على مجلس النواب ان يصدر قرارات قد تؤثر سلبا أو إيجابا بأجواء هذه الخطة التي هي من مسؤولية الحكومة أولا واخيرا تحت رقابة البرلمان.
مصادر تيار المستقبل
مصادر تيار المستقبل اشارت ليلاً لـ«الديار» الى ان حكومة حسان دياب تدير الازمة لا اكثر ولا اقل، والظروف التي انتجت ثورة 17 تشرين الاول لا تزال قائمة لان شيئاً لم يتغيّر، لا بل انّ المشاكل والمصاعب تتفاقم اكثر فأكثر. ورأت انّ قرار الحكومة الحالية ليس بيدها، بل بيد مَن اتى بها الى الحكم، غامزة من قناة حزب الله ، فلا خطط اقتصادية ولا حلول او علاجات، سائلة عن الانجازات التي تحدث عنها رئيس الحكومة قبل ايام واعتبر ان نصفها قد تحقق، فيما لم نر حتى القليل من هذه الانجازات على ارض الواقع، كما لم نشهد مشاريع انقاذية في شتى القطاعات، مع اننا لا ننكر صعوبة مهام هذه الحكومة، لكنها اتت وهي على معرفة بكل واجباتها ومع ذلك وافقت ووعدت.
ورداً على سؤال حول تزامن مجيء الرئيس سعد الحريري مع عودة التحركات الشعبية ومدى مشاركة مناصريه فيها، نفت مصادر «المستقبل» ما يُردّد في هذا الاطار، ورأت بأن الحراك الشعبي ومن كل الطوائف نزل من تلقاء نفسه الى الشارع، لان الوضع لا يمكن ان يُحتمل بسبب تدهور الاوضاع بشكل غير مسبوق، فالجوع طرق ابواب اكثرية اللبنانيّين، والغلاء الفاحش والجنوني اصبح همهم الاوحد والاول.
وعن إمكانية إستقالة الحكومة كما يطمح البعض، اشارت الى ان البلد لا يحتمل اي هزة سياسية في هذه الظروف الدقيقة والصعبة جداً، مستبعدة حصول هذه الاستقالة.