كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: اضطربت البلاد اقتصادياً ومالياً أمس بنحوٍ مخيف نتيجة ارتفاع جنوني مفاجئ لسعر الدولار الاميركي كاد ان يتجاوز الـ 4000 ليرة وطرح تساؤلات عن أبعاده والخلفيات.
وتزامن هذا الارتفاع مع حملة على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وإشاعات مفادها انّ مجلس الوزراء سيتخذ في جلسته اليوم قراراً بإقالته، الامر الذي لم يؤكده اي مصدر معني، خصوصاً انّ إجراء من هذا النوع لا يتخذ الّا بناء على اتهام بإساءة استعمال السلطة بحسب ما يقضي قانون النقد والتسليف، على حد قول مصدر حكومي.
وتحت وطأة هذا التطور إنطلق حراك شعبي في غير منطقة وفي محيط مقر مصرف لبنان تنديداً بالسياسة المالية وبارتفاع سعر الدولار، ما طرح تساؤلات كثيرة عمّن يقف خلف هذا الارتفاع والغاية منه في ظل الحديث عن مشاريع أحلاف سياسية لا يركب على قوس قزح في ظل الوباء الكوروني الذي يضرب البلاد، وقد سجل امس 6 إصابات جديدة رفعت عدد الحالات الى 688، بحسب وزارة الصحة التي أشارت إلى أنّ “العدد التراكمي للوفيات بلغ 22 حالة و140 حالة شفاء”.
ولوحظ انّ الجنون في سعر الدولار جاء غداة الجلسة التشريعية التي زحلقت فيها أكثرية نيابية مشاريع القوانين واقتراحات القوانين المعجلة وحتى غير المعجلة الرامية الى مكافحة الفساد ورفع الحصانات، في الوقت الذي ذكرت مصادر مطلعة انّ مجلس الوزراء سيتطرق من خارج جدول اعماله اليوم الى موضوع كشف الحسابات المالية لرؤساء الحكومة والوزراء السابقين وكل المسؤولين الذين يقدمون تصاريح بممتلكاتهم وبثرواتهم قبل دخولهم الى السلطة ولكن لا يقدمون تصاريح مماثلة عند خروجهم منها، بحسب ما يقضي قانون الاثراء غير المشروع.
مضاربة قوية
وقال وزير المال غازي وزنة لـ”الجمهورية” رداً على سؤال حول ارتفاع سعر الدولار: “انّ هذا الارتفاع لا يمكن شرحه لا اقتصادياً ولا مالياً ولا نقدياً، خصوصاً انّ الحكومة قدمت خطة مالية وحصلت على ايجابيات من صندوق النقد الدولي ومن المجتمع المالي الدولي ومجموعة الدول الداعمة والمانحة”. واضاف: “انّ ما حصل هو مضاربة قوية وتلاعب في السوق ينطلق من أبعاد سياسية بامتياز، وقد زاد هذا الامر من خوف المواطنين وقلقهم مما أحدث زيادة الطلب على الدولار”.
الصرّافون ينسحبون
وفي هذا السياق أطلقت نقابة الصرافين ليل امس، إثر اجتماعها برئاسة النقيب محمود مراد، “صرخة – نداء” إزاء ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي، فأكدت ان “لا دور للصرّافين القانونيين الذين يؤدّون دور الوسيط أمام هذا الفلتان الجنوني لسعر الدولار الذي تغذّيه إشاعات ومنصّات إلكترونية خاطئة في كثير من الأوقات وتحليلات اقتصادية متهوّرة لحصد الشهرة، ممّا أدّى إلى إثارة الذعر وسط مناخ عام اقتصادي وصحّي سلبي، الأمر الذي يدفع المواطنين والتجّار إلى التهافت”.
وقالت النقابة “انّ الصرّافين النظاميين يجدون أنفسهم “رهينة” بين كمّاشة ضغط العرض والطلب وبين مضاربة مُنتحلي مهنة صرّاف، لا فرق في ذلك بين الصرّاف النظامي وبين سائر المواطنين الذين هم “ضحية” الارتفاع في سعر الصرف”، ودَعت الصرافين الى “الانسحاب من التعامل بمثابة توقّف احتجاجي عن العمل حتى يوم الاثنين المقبل تحذيراً من استمرار تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية إزاء الدولار الأميركي، لعلّ ذلك وعسى أن يكبح ارتفاع سعر الصرف”. وأملت من السلطات السياسية والرقابية والقضائية والأمنية المختصّة “قمع الحالة الشاذة المتمثّلة بمنتحلي صفة صرّاف وسائر العوامل السلبية المؤدّية إلى تدهور سعر الصرف”.
جنون الدولار
وكانت اسواق الصرف الموازية تعرضت امس لنكبة جديدة عندما اجتاز سعر صرف الدولار كل السقوف وبلغ عتبة الأربعة آلاف ليرة، وسط إرباك في السوق بسبب ارتفاع الطلب وتراجع العرض. وتم تدوال الدولار بعد ظهر امس بين 3750 و3800 ليرة، علماً انّ التداول كان افتتح صباحاً ما بين 3400-3450 ليرة.
وفي السياق، شرح متخصّص في الصيرفة والاستثمار انّ الهدف من تعاميم مصرف لبنان الاخيرة هو التخفيف من خسارة المودعين، لكن هؤلاء فسّروا هذه التعاميم بأنها اعلان رسمي عن أن لا دولار بعد اليوم. “بناء عليه، بدأ اللبناني يطلب شراء الدولار مهما كان سعره، في حين امتنع من يملك الدولار عن بيعه طمعاً بمكاسب اضافية في الايام المقبلة”.
الحوالات بالليرة
في موازاة الارتفاع الجنوني للدولار، والذي التهَم القدرة الشرائية للمواطن، شهدت مراكز التحويلات المالية امس تهافتاً كبيراً من مواطنين للاستفادة من قبض حوالاتهم بالدولار الأميركي الآتية من الخارج، وذلك قبل دخول تعميم مصرف لبنان حيّز التنفيذ بدءاً من اليوم، والقاضي بقبض الحوالات بالليرة اللبنانية وفق سعر السوق.
وينتظر المواطنون كيف سيتم التسعير بدءاً من اليوم، وما اذا كان السعر الذي ستحدده الوحدة الخاصة المُنشأة في مديرية العمليات النقدية لدى مصرف لبنان هو سعر واقعي يعكس السعر الحقيقي المتداول لدى الصيارفة.
ورغم انّ التوقعات كانت تشير الى انّ مصرف لبنان سيحاول عقلنة سعر صرف الدولار من خلال تدخّله المباشر في السوق الموازي، الّا انّ الارتفاع الجنوني الذي شهده الدولار في الايام الثلاثة الماضية، أسقط التوقعات المتفائلة، وبات هناك قلق من استمرار الدولار في الارتفاع بسرعة دراماتيكية، وبلا سقف، بما يعني انّ حالة من الفقر المدقع ستصيب المواطنين في فترة قصيرة جداً.
إجتماعان مهمّان
وفي الملف المالي والنقدي ايضاً عُقد في الساعات الـ24 الماضية اجتماعان مهمان، الأول بين رئيس الحكومة حسان دياب وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ليل الأربعاء – الخميس بعيداً من الأضواء، وتلاه اجتماع علني قبَيل ظهر امس بين رئيس الجمهورية وسلامة خصّص للبحث في الوسائل التي يمكن اتخاذها لمواجهة ازمة تجاوز الدولار الأميركي.
وفي ظل التكتم حول ما دار في الإجتماع بين دياب وسلامة، قالت مصادر مطلعة لـ”الجمهورية” انّ “مختلف الاتصالات والمحاولات لم تصل بعد الى مرحلة الحل، وانّ ارتفاع الدولار فوق مختلف السقوف أثبت وجود عجز كلي حكومي ورسمي مالي ونقدي كما على مختلف المستويات عن وقف هذا الجنوح المخيف الذي لم تشهده البلاد”.
برّي
والى ذلك رأى رئيس مجلس النواب نبيه بري أنّ “مظلة الأمان الاجتماعي الحقيقية للبنانيين، هي أن تبادر الحكومة الآن وقبل فوات الأوان، الى ممارسة سلطاتها القانونية والإجرائية لوقف الإنهيار الدراماتيكي لسعر صرف الليرة اللبنانية”. وقال: “على الحكومة ألّا تبقى في موقع المتفرّج أو الشاهد على ما يجري من فلتان مالي، والإدعاء بالحرص على عدم تجويع الناس”.
دياب
وكان بري أوفد أمس النائب علي حسن خليل الى رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب، وتمّ التداول في جلسة مجلس النواب والقوانين التي أقرّت ومشاريع القوانين التي أُجّلت.
“القوات”
وفي سياق متصل قالت مصادر “القوات اللبنانية” لـ”الجمهورية” ان “القوات” لم تعارض أي اقتراح أو مشروع قانون، ولم توافق على أي اقتراح أو مشروع قانون لأسباب سياسية، إنما وضعت الاعتبارات السياسية جانباً، وتعاملت بموضوعية مع كل القوانين المطروحة انطلاقاً من 3 معايير أساسية تحكّمت بمقاربتها التشريعية:
ـ المعيار الأول، يتعلّق بمدى حاجة الناس وتلبية الاقتراح لحاجات الناس الملحّة، سواء في موضوع كورونا أو في الجانب الاقتصادي المعيشي، او في الجانب الوطني.
ـ المعيار الثاني، يتّصِل بمدى تكريس هذا المشروع او الاقتراح لدولة المؤسسات التي تشكل العنوان الأول والهدف الأول لدى “القوات اللبنانية”.
ـ المعيار الثالث، يرتبط بمدى تطابق المشروع او الاقتراح مع مبدأ فصل السلطات في ظل إصرار “القوات” على ضرورة الفصل من أجل ان تقوم كل جهة دستورية بعملها منعاً لافتئات سلطة على أخرى”.
وأصافت المصادر “انّ هذه المعايير تحكمّت بتصويت “القوات” وعملها لجهة مدى توافر المعايير الموضوعة في القوانين المطروحة، وذلك على قاعدة المزاوجة بين الحرص على تفعيل العمل المؤسساتي بما يؤدي إلى تحصينها وتحديداً في مكافحة الفساد، لا سيما انّ المؤسسات هي الضامن للدولة الفعلية التي تجسِّد تطلعات الناس، وبين الدفع باتجاه تنفيذ الخطة المالية الإصلاحية التي تشكل المدخل لإخراج لبنان من الأزمة المالية المستفحلة”.
وشددت على “أنّ أولوية “القوات” في هذه المرحلة تكمن في الجانب المالي بسبب الأزمة المالية والنقمة الشعبية العارمة المبررة، وتأييد “القوات” للانتخابات النيابية المبكرة مَردّه إلى سببين رئيسيين: تبدِّل المزاج العام اللبناني بعد الانتخابات الأخيرة، والذي تَظهّر مع خروج الناس إلى الشارع في كل لبنان في انتفاضة 17 تشرين، وضرورة تغيير الأكثرية التي أوصلت لبنان إلى الانهيار”.
“التيار الوطني”
وفي غضون ذلك قدّم “التيار الوطني الحر” إخباراً إلى النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، في شأن “تحويل مليارات الدولارات إلى الخارج في عام 2019، وخصوصاً بعد 17 تشرين الاول، بصورة استنسابية واستمرار هذا الأمر لغاية تاريخه، ما أثقلَ كاهل الاقتصاد وأضرّ بالمودعين وخصوصاً الصغار منهم”.
وأرفقَ “التيار” الإخبار بمستندات ثبوتية للركون إليها، مطالباً باتخاذ التدابير القضائية والقانونية اللازمة لملاحقة مرتكبي هذه الافعال وإعادة الأموال.
وأعلن “التيار” أنّه سيقدّم قريباً اقتراح قانون لـ”مقاربة هذه القضية من زاوية وقف النَزف المستمر من الاحتياط النقدي للبلد واستعادة ما قد خسرناه”.
مجلس الدفاع
من جهة ثانية، تتجه الانظار قبل ظهر اليوم الى قصر بعبدا حيث سيعقد المجلس الاعلى للدفاع اجتماعاً له برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون، قبل ساعات قليلة على انعقاد جلسة مجلس الوزراء عند الثانية والنصف من بعد الظهر.
وتأكيداً لما أشارت اليه “الجمهورية” قبل ثلاثة ايام فقد دعي المجلس الى اجتماع للبحث في تطورات الوضع الأمني والتدابير المتخذة من ضمن حالة التعبئة العامة المدنية المعمول بها عشيّة انتهاء المرحلة الثانية الممدّدة حتى ليل الأحد – الإثنين المقبل، وإمكان تمديدها او اجراء اي تعديل على الإجراءات المتخذة والتخفيف من حال الاغلاق في بعض القطاعات الاقتصادية والادراية والخدمات العامة التي يحتاجها السوق ويمكن ان تعود الى العمل وفق قواعد التعبئة العامة والحماية، من دون ان تؤثر على التدابير المتخذة لمحاصرة وباء كورونا وعدم انتشاره حيثما يمكن توفير الظروف الفضلى لاستئناف العمل.
وعشيّة الجلسة علمت “الجمهورية” انه سيكون للقادة العسكريين والأمنيين سلسلة من التقارير الامنية التي تتحدث عن الحراك الذي استأنفته قوى الانتفاضة وتوقعاتها بتوسّع هذا الحراك بعد انضمام مجموعات مختلفة إليه، قد تكون غاية بعضها إثارة الشغب، وأخرى أدّت بها انعكاسات الازمة المالية والنقدية والامنية والتطورات الأخيرة الى فقدان رزقها وتوقّفها عن العمل، وهو ما سيشكل مزيداً من الضغوط على القوى العسكرية التي سيكون عليها اكثر من مهمة امنية استباقية، بالإضافة الى ما فرضته التعبئة من إجراءات ومهمات تتصل بالامن الغذائي ومنع الاحتكار والتلاعب بالاسعار.
ولذلك، لن يقدم القادة العسكريون اي توصية في شأن تمديد العمل بالتدابير الأمنية، وسيكون الامر رهن التوجهات السياسية والحكومية التي تقول التوقعات انها ستقترح التمديد للترتيبات المعمول بها اسبوعبن اضافيين الى ليل العاشر ـ الحادي عشر من ايار المقبل، وسيتناول المجتمعون في جانب من البحث جريمة بعقلين والظروف التي رافقتها والتي اعتبرت جريمة إفرادية لا يمكن ان تكون لها اي انعكاسات على الوضع الأمني بعد توقيف منفذها وكشف أسبابها.
وكانت بلدة بعقلين قد شيّعت أمس 7 من ضحايا الجريمة ـ المجزرة التي ارتكبها مازن حرفوش قبل يومين في البلدة وقُبض عليه أمس، وهم: زوجة الجاني منال حرفوش التيماني وشقيقه كريم حرفوش و5 سوريين، في مأتمين أقيما في دار بعقلين. وتقرر ان يدفن في المكان نفسه اليوم فوزي حرفوش الشقيق الثاني للجاني بعدما عُثر على جثته أمس.
مجلس الوزراء
على انّ ما سينتهي اليه اجتماع مجلس الدفاع سيطرح في جلسة مجلس الوزراء بعد الظهر، والتي سيكون على جدول اعمالها 12 بنداً عادياً لا يتصل ايّ منها بالتعيينات المالية او الإدراية.
والى البندين المتصلين بالوضع على خلفية الاستمرار بالتعبئة المدنية والمتصلة بالتدابير والإجراءات الوقائية في مواجهة فيروس كورونا، سيناقش المجلس الوضع الاقتصادي والاجتماعي ضمن برنامج الحكومة الاصلاحي في ضوء التطورات الأخيرة المتصلة بارتفاع سعر الدولار الذي تجاوز الـ 4000 ليرة لبنانية ومصير الاجراءات التي كانت الحكومة تتوقعها من خلال برنامج مساعدات الـ 1200 مليار الذي سقط في الجلسة التشريعية الاخيرة بتطيير النصاب.
كذلك سيناقش المجلس طرحاً تقدّمت به وزارة الاتصالات يتصل بتمديد العمل بقرار مجلس الوزراء الصادر بتاريخ 12 آذار الماضي عند اعلان اولى مراحل التعبئة المدنية، وزيادة سرعة وحجم استهلاك الاشتراكات بالانترنت لزبائن اوجيرو في الوزارة حتى نهاية حزيران المقبل، وتقديم رزمة جديدة هي هِبة من (100GB) إضافية مجانية شهرياً لجميع المشتركين.
وفي هذه الاجواء تنتظر المراجع المعنية ما سيكون عليه موقف رئيس الحكومة الذي سيتحدث بعد الجلسة مقوّماً التطورات المالية والنقدية والعلاقة السائدة بين الحكومة ومصرف لبنان والمصارف ومجلس النواب.
العام الدراسي والإمتحانات
وأشار وزير التربية والتعليم العالي الدكتور طارق المجذوب الى أنّ “إعلان القرار حول مصير العام الدراسي والامتحانات الرسمية، سيتم في وقت قريب جداً، وبتنا في المربّع الأخير لإعلان القرار الواضح”. واعتبر أنّ “خيار إعطاء إفادات للطلاب هو “أبغض الحلال”.