لعلها أعلى درجات الارباك السياسي والمالي، تلك التي سادت على المسرح الداخلي في الساعات الأخيرة، بحيث دخل كل شيء بكل شيء، هوّة سياسية تتوسّع، إنهيار مالي خطير ودولار يطيح الليرة ويحلق الى ما فوق الاربعة آلاف ليرة، عدم انسجام مجلسي – حكومي، حكومة مهتزّة بالكامل تتخبّط ذات اليمين وذات الشمال، ومودعون فقدوا كل شيء. في المحاذاة “مصرف مركزي ومصارف على منصة الاتهام الاستهداف السياسي والحراكي، وتلويح بحراكات وإجراءات وقرارات وإقالات.
كانت الساعات الماضية قد توالت فيها السيناريوهات السلبية حيال الوضع الحالي، بعضها وضع الحكومة على منصّة الترحيل، ربطاً بالوضع “المهلهل”، الذي ظهرت عليه في الجلسة التشريعية في الاونيسكو، وكذلك ربطاً بالتلاعب بالدولار الذي رفعه الى مستويات جنونية، وثمة من افترض انّ “رياح أيار” بدأت تعصف بها، عبر ارتفاع الدولار، في اشارة الى ما اصاب حكومة الرئيس عمر كرامي عام 1992. وامّا البعض الآخر من هذه السيناريوهات فصوّر البلد كجمرة تحت رماد الحراكات اقتربَ أوان اشتعالها من جديد، وبعضها ايضاً ركّز على مصرف لبنان، ويؤكد انّ حاكمه رياض سلامة صار على وشك الرحيل او الترحيل!
دياب: سلامة مسؤول
وسط هذه الصورة جاءت إطلالة رئيس الحكومة حسان دياب من القصر الجمهوري، بما تضمّنتها من تسجيل مآخذ على مصرف لبنان ودعوته الى مصارحة الناس، وكذلك ما تضمّنته من نبرة قاسية حيال “من يحيك المؤامرات”. واللافت هنا الرد السريع والعنيف من قبل الرئيس سعد الحريري، مؤكداً انه بالمرصاد للوضع الانقلابي. وما بين الاطلالة والرد تلوح في الافق رائحة اشتباك سياسي عنيف سيحكم المرحلة المقبلة.
في إطلالته قال دياب: “لِمَن يحفرون الكمائن ويخططون للانقلاب من خلال سلب الناس اموالهم مرة ثانية من خلال رفع سعر صرف الدولار، نقول انّ الحكومة لن تتفرّج، ولن تسمح ولن تتهاون في منع اي عبث في الاستقرار المالي، بل ستضرب بحزم، لأن ّهؤلاء يريدون انهيار البلد لحماية أنفسهم ومصالحهم وعلى حساب مصلحة لبنان واللبنانيين”.
واكد دياب “اننا لن نسمح بالمساس بمصالح اللبنانيين وممتلكاتهم وجنى عمرهم”، داعياً الى “تضافر الجهود لعبور هذا الوضع الصعب جداً”. وقال: “نسمع اصوات اللبنانيين الذين يطالبوننا بالتغيير، ولكننا لسنا محكمة ثورة”، مشيراً الى “انّ التغيير يحصل من داخل آليات النظام القائم، والمحاسبة تتم تحت سقف القانون، والمرتكبون سيحاسبون”.
واكد دياب “انّ الاسراع في اقرار الخطة المالية بات ضرورة ملحّة في القريب العاجل، فكلما تأخرنا في اقرارها تأخّر الانقاذ المالي”، لافتاً في هذا السياق الى “انّ الحكومة اتخذت مع رئيس الجمهورية قراراً تاريخياً بتكليف شركة دولية للتدقيق في حسابات مصرف لبنان التزاماً منّا بالشفافية”
واشار دياب الى غموض مريب يلفّ ادارة حاكم مصرف لبنان، وقال: “تدهور سعر صرف الليرة يتسارَع بشكل مريب في السوق السوداء، وغموض مريب في أداء حاكم مصرف لبنان، والمصرف عاجز او معطّل بقرار او محرّض على هذا التدهور”.
أضاف: “يجب ان يكون هناك وضوح ومصارحة مع اللبنانيين، وتغيير نمط التعامل مع الناس، والابقاء على معلومات مكتومة، وعلى حاكم مصرف لبنان ان يخرج على اللبنانيين ويوضِح ما يحصل”. وقال ان “السيولة في المصارف بدأت تنضب، والمطلوب اتخاذ مبادرة والتصرف سريعاً، والارقام تكشف خروج 5,7 مليارات دولار من لبنان في كانون الثاني وشباط من هذه السنة”.
الحريري
وفي رد عنيف على دياب، اتهم الحريري الحكومة بإعلان الانقلاب بلغة عسكرية، وقال: “إنها مرحلة الانتقام من مرحلة كاملة يفتحونها على مصراعيها، ويكلّفون رئاسة الحكومة تولي مرحلة الهجوم فيها. لقد أغرقوا رئاسة الحكومة في شبر من العبارات المحمّلة بالتهديد والوعيد، وأخطر ما في ذلك انّ رئاسة الحكومة ستتحمل من دون ان تدري مسؤولية إغراق الليرة التي تترنّح بفضائل العهد القوي على حافة الانهيار الكبير”.
اضاف: “برافو حسان دياب. لقد أبليتَ بلاء حسناً، وها انت تحقق احلامهم في تصفية النظام الاقتصادي الحر. إنهم يصفقون لك في القصر ويجدون فيك شحمة على فطيرة العهد القوي”.
وقال: “هناك عقل انقلابي يعمل على رمي مسؤولية الانهيار في اتجاه حاكمية مصرف لبنان وجهات سياسية محددة، ويحرّض الرأي العام على تبنّي هذا التوجه، ويزوّده بمواد التجييش والتعبئة التي ليس من وظيفة لها سوى إثارة الفوضى وتوسيع رقعة الفلتان النقدي الذي تتبرّأ منه الحكومة لتقذفه في أحضان الآخرين. فلا وصف لكل ما يجري سوى انه تَخبّط في هاوية الافكار التجريبية والتفتيش عن ضحايا في السياسة والاقتصاد والإدارة قبل الانتقال إلى العمل بنظرية آخر الدواء الكَي. والحقيقة التي يجب الّا تغيب عن اللبنانيين في هذا المجال، انّ الاستمرار في التخبّط يضع لبنان على شفير السقوط في محنة قاسية. هناك خلل عميق في مختلف جوانب الإدارة السياسية والاقتصادية لا مجال لتغطيته والاستمرار فيه، ولكن ما هو مطروح في غرف القرار يتعلق بتغيير هوية لبنان على كل المستويات، وأخطر ما في هذا المخطط استخدام الغضب الشعبي وقوداً لإحراق الهوية الديموقراطية والاقتصادية والاجتماعية للبنان”.
واشار الى انّ “العهد اختار ومعه الحكومة سلوك دروب الكيدية التقليدية واستحضار ادوات العام 1998 لإدارة حلقات الكيد والثأر السياسي، واننا ننبّه رئاسة الحكومة من الانزلاق في هاوية الكيدية السياسية التي حَفرتها جهات متخصّصة بالتخريب من زمن الوصاية، فلا مصداقية ولا أهلية سياسية لأيّ مسؤول يدخل السراي الكبير وفي جدول مهماته الطعن بكرامة الكبار الذين تعاقبوا على هذا الموقع الوطني”.
اضاف: “أما الذين يراهنون على تحويل رئاسة الحكومة إلى خندق يتجمعون فيه للانتقام من إرث السنين الماضية، فيعلمون جيداً انّ شجرة الإرث الثقيل تشملهم جميعاً، كبارهم وصغارهم، وانّ السجل الاسود لمعظمهم في مجال القمع والهدر والاستقواء على الدولة وتعطيلها وتجيير مصالحها لا يستوي مع ادّعاءات النزاهة والشفافية والعراضات اليومية على الشاشات… ونحن لهم بالمرصاد”.
طرح الإقالة
ولقد جاءت إطلالة دياب، بعد جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت في القصر الجمهوري أمس، برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وتقرّر فيها تمديد التعبئة أسبوعين حتى 10 ايار المقبل.
الّا انّ البارز في الجلسة، كان استعراض للوضع المالي، وبحسب مصادر وزارية، فقد عرض الواقع النقدي بشكل عميق، وجرى تقييم سلبي لأداء حاكم مصرف لبنان وطريقة ادارته للأزمة المالية الحادة، وبَدت حماسة ملحوظة من قبل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وووزراء تكتل لبنان القوي لطرح اقالة حاكم مصرف لبنان، الّا أنّ هذا الأمر قوبِل باعتراضات وتحفظات على التوقيت، من قبل بعض الوزراء، ولا سيما من قبل وزيري حركة “أمل” ووزيري تيار المردة. وخَلص النقاش الى عدم البتّ بقرار الاقالة، وإرجائه الى وقت آخر.
هجوم
وقالت مصادر وزارية لـ”الجمهورية”: كنّا كمَن على رؤوسنا الطير عندما طرح الرئيس حسان دياب استطلاع الرأي حول اقالة حاكم مصرف لبنان.
وبحسب معلومات “الجمهورية” فإنّ الموضوع قدّم مفتاحه رئيس الجمهورية، وفتح بابه حسّان دياب عندما قال: فخامة رئيس الجمهورية، انّ الوضع المالي والنقدي صعب جداً، وقانون النقد والتسليف الذي ينصّ على سلامة النقد واستقرار الاقتصاد وسلامة النظام المصرفي وتطور السوق النقدية “عم يخرَب” ومهدّد… فسارعَ دياب الى ملاقاته بالتصويب المباشر على حاكم المركزي من خلال طلب رأي الوزراء حول أدائه واقتراح اقالته، فكان الوزير مشرفية اول المتكلمين، حيث تحدث عن السياسات المالية الخاطئة، وتبعته الوزيرة غادة شريم بشكل أعنف وقالت انّ الناس اليوم تنتظر منّا موقفاً واضحاً ومفصلياً، مُبدية موقفاً حاداً تجاهه.
وكرّت السبحة، فاعتبرت وزيرة العدل زينة عدرا الّا سلطة فوق سلطة مجلس الوزراء في اتخاذ القرارات وتحديد السياسة المالية، فيما دعا الوزير عماد حب الله الى محاسبة الحاكم وطالب بأن تكون الحاكمية تحت سلطة المحاسبة.
ولوحظ انّ الوزير حمد حسن كان اقل هجوماً ولم يُسمّ الحاكم، لكنه طالب باتخاذ قرار جريء ومسؤول يريح البلاد من تطور كارثي لا تحمد عقباه.
وتحدث وزير الاتصالات عن انعكاس ازمة الدولار على قطاع الخلوي، مؤكدا انّ هناك ازمة دفع للشركتين بالعملة الاجنبية. فيما نبّه وزير الاقتصاد من المسؤولية التي لا تقع فقط على الحاكم، فالاقتصاد القوي يحتاج الى قضاء وسياسة مالية وعلينا اعادة النظر بالاثنين خصوصاً اننا نحتاج الى حل المشكلة قبل الذهاب الى المجتمع الدولي.
بدوره، حذر وزير الداخلية محمد فهمي من خطورة الامر، وقال انّ القوى الامنية تتحمّل اكثر من طاقتها لضبط الوضع وعلى عاتقها مهام كثيرة.
وامّا وزير المال غازي وزنة فرأى انّ المسؤولية لا يتحملها فقط الحاكم وحده، وليس هو المسؤول الوحيد عن تدهور وضع الليرة فهناك مسؤولية تقع على عاتق القوى السياسية، ويجب الاسراع بالتعيينات حتى لا يحمل شخص فقط المسؤولية كاملة، وعلينا تحصين المركزي والقيام بالتدقيق المالي، واضعاً مجلس الوزراء بنتيجة تفاوضه مع شركات التدقيق الثلاث والتي ستبدأ عملية الـ audit.
بدوره، دعا الوزير عباس مرتضى الى درس تداعيات اي قرار يتخذ على مستوى الحاكمية قبل الذهاب اليه.
فسأل دياب مباشرة الوزراء: من منكم مع اتخاذ اجراء ضد حاكم مصرف لبنان؟ فأجاب مرتضى: نحن نجهل تداعيات اي قرار وعلينا التشاور لأنّ الامر يتعلق بمصير بلد.
وانقسم الوزراء بين مَن هم مع، ومَن لم يعط جواباً. فقال دياب: بأي حال الموضوع سياسي والقرار سياسي، وسأتصل مع الجهات السياسية لبحثه ومناقشته قبل اتخاذ اي قرار، وسنناقش الامر لاحقاً. وانتهى النقاش على هذا الحد.
مرتضى
وقال الوزير مرتضى لـ”الجمهورية: انّ إقالة الحاكم لم تطرح على التصويت انما كانت من باب استطلاع الرأي، ولو كان صحيحاً انها طُرحت فلماذا لم تتم اقالته؟ فأنا والوزير وزنة وزيران داخل حكومة من 20، ولو كان صحيحاً انه جرى التصويت لكان صدر القرار ولم يسقطه صوتان. واضاف: نحن أبدينا موقفاً واضحاً بأنّ هكذا قرار مجهول النتائج والتداعيات، ويحتاج الى تشاور وبحث معمّق ووضع سيناريوهات للتعامل معها، خصوصاً انّ التعيينات المالية لم تنجز ولا نواب حاكم يتحمّلون المسؤولية في استمرارية القطاع. وختم مرتضى: إتفقنا منذ البداية ان لا ملفات تطرح من خارج جدول الاعمال، فكيف بهكذا قرار حساس ودقيق ولا تعرف انعكاساته على الارض؟.
“فتوى الاقالة”!
وبحسب المصادر الوزارية، فإنّ التوجّه نحو اقالة سلامة، على “فتوى” أعدّها احد المقرّبين من مرجع رئاسي رأت ان في الامكان الاستناد اليها لإقالة الحاكم، الذي لا توجد اي امكانية لإقالته وفق ما ينص عليه قانون النقد والتسليف الذي يؤكد في مادته الـ19 عدم امكانية اقالة الحاكم الّا لعجز صحي مُثبت، او لإخلال بواجبات الوظيفة او لخطأ فادح في تسيير الاعمال.
وتشير المصادر الى انّ هذه الفتوى ترتكز على المادة 19 من قانون النقد، بحيث تعتبر في اساسها انّ سلامة قام بعمل فادح حيال اموال المودعين، وكذلك حيال ما حصل بالبلد على صعيد الدولار وفقدان السيولة، فهو مسؤول عن ذلك، وبناء على هذه الفتوى يستطيع مجلس الوزراء ان يتخذ قراراً بإقالته وتعيين بديل منه، واذا ما اعترض سلامة على هذا الامر، يستطيع عندئذ ان يحتكم الى مجلس شورى الدولة.
وبحسب المعلومات، فإنّ رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل كان متحمّساً لهذه الفتوى، وانه تمّ إطلاع “حزب الله” عليها فلم يمانع.
عين التينة
وكان اللافت للانتباه في هذا السياق، هو التحفّظ الذي عكسته اجواء عين التينة لخطوة اقالة حاكم مصرف لبنان.
وقالت مصادر وزارية قريبة من عين التينة لـ”الجمهورية”: انّ التحفظ هو على “الاقالة العشوائية” وتوقيتها، فهناك وضع اقتصادي مهترىء، ووضع نقدي غير مستقر، فضلاً عن انّ هذا الامر يطرح في وقت ان المجلس المركزي لمصرف لبنان معطّل، بشغور مراكز نواب الحاكم، وفي الوقت الذي لا توجد لجنة رقابة على المصارف، والسؤال الذي يطرح هنا كيف يمكن التفكير بهذه الخطوة في ظل هذا الوضع، وفي اللحظة التي يدخل فيها لبنان في تفاوض مع صندوق النقد الدولي ومع الدائنين ربطاً بسندات اليوروبوندز، وهل يمكن تحديد حجم تداعياتها السلبية في هذا الوقت، ومن يستطيع في هذه الحالة ان يكبح سعر الدولار المتفلّت من اي ضوابط، واي حال سيصيب مصرف لبنان في ظل الفراغ الذي سيترتّب على مثل هذه الخطوة”.
ولفتت المصادر الوزارية الى انّ الاولوية هي لإنجاز الخطة الانقاذية للحكومة التي تلحظ في مضمونها اعادة هيكلة المصارف ومصرف لبنان، وكذلك التحضير لإجراء التعيينات المالية في اقرب وقت ممكن، ووضع الآلية التي باتت اكثر من مُلحّة لمواجهة التلاعب والمتلاعبين بالعملة الوطنية، وليس التلهّي بخطوات طابعها شعبوي يمكن ان تترتّب عليها اضرار جسيمة، ربما اكبر من الضرر الذي يلحقه التلاعب بالليرة كما يجري حالياً.
دخول فرنسي
الى ذلك، تحدثت معلومات عن دخول فرنسي مباشر على هذا الخط، نصح بعدم التهوّر باتخاذ خطوة من هذا النوع، من دون ان تشير المعلومات الى ما اذا كان الموقف الفرنسي الاعتراضي على إقالة سلامة يعّبر عن الفرنسيين وحدهم، او يعبّر في الوقت نفسه عن مواقف دول اخرى، وفي مقدمها الولايات المتحدة الاميركية.
كلهم مسؤولون
وقال خبير اقتصادي لـ”الجمهورية”: انّ ما يحصل في هذا المجال هو محاولة عن قصد او عن غير قصد لإطاحة النظام الاقتصادي الحر.
اضاف: من الخطأ إلقاء مسؤولية كل ما حصل من انهيار مالي على حاكم مصرف لبنان، فهو يتحمّل جانباً اساسياً من هذه المسؤولية، وكذلك المصارف، إنما هناك مسؤول اساسي لا بل المسؤول الاكبر هو الدولة اللبنانية، التي أخذت ودائع الناس واستدانَت من مصرف لبنان وصرفت الاموال وتسبّبت بالعجز والهدر والفساد والسرقات وسوء ادارة الدولة وبامتناعها حتى الآن من مكافحة الفساد وإزالة محميّاته.
ولفت الخبير نفسه الى انّ التعاميم المتتالية التي أصدرها مصرف لبنان في الآونة الاخيرة ينبغي مقاربتها بموضوعية وليس بطريقة شعبوية، ذلك انّ القصد منها “ترييح” الناس، فالمصارف كانت قبل “كورونا” قد وضعت سقفاً للدفع للناس بالدولار الى حد لا يزيد عن 500 او 600 دولار شهرياً، وبعد كورونا امتنعت هذه المصارف عن الدفع نهائياً، فجاء التعميمم الأول حول الودائع بـ5 ملايين ليرة و3 آلاف دولار، وصولاً الى التعيميم الاخير حول إمكانية السحب من الودائع بالدولار حتى 5000 آلاف دولار، بقيمة المبلغ المسحوب بالليرة اللبنانية بحسب سعر السوق، وكان المصرف في صَدد أن يَستتبع ذلك بتعميم جديد يرفع فيه الحد من 5 الى 10 آلاف دولار.
مظلة أمان!
وعلمت “الجمهورية” انّ الساعات القليلة السابقة لانعقاد جلسة مجلس الوزراء امس، شهدت حركة اتصالات مكثفة، حيث فُتحت هواتف السلطة على بعضها البعض، متابعة للوضع المالي المخيف في الشارع، خصوصاً انّ معلومات بعض المراجع الرسمية والسياسية تؤكد وجود يد خفية بدأت تحرّك الداخل في اتجاه تصعيدي خطير، وسلاحها الاول هو الدولار وضرب العملة الوطنية، بهدف خلق حالة غضب شعبية كبرى.
وبحسب هذه المعلومات فإنّ الجهات الرسمية لا ترى اي موجب لارتفاع سعر الدولار بالشكل الذي قاربَ 1000 ليرة في يوم واحد، أي يوم الخميس، في الوقت الذي لا يوجد فيه طلب بالحجم الكبير على الدولار، اضافة الى انه في الاساس لا يوجد دولار نقدي في السوق ولا حتى لدى الصرافيين. وهذا يؤكد في رأي الجهات الرسمية انّ جهات سياسية في المعارضة تقف خلف محاولة انهيار البلد التي بدأت نذرها مع رفع سعر الدولار، علماً انّ الهدف الاساس ليس إسقاط الليرة، ولا اطاحة الحكومة، بل هو استهداف للعهد وإفشاله، وبالتالي السعي الى إنهائه”.
وتشير المعلومات الى أنّ جانباً أساسياً من هذه الاتصالات تركز على محاولة تأمين مظلة أمان متجدّدة للحكومة، خصوصاً أنّ الحكومة خرجت من الجلسة الاخيرة لمجلس النواب في الاونيسكو مصابة بشظايا سياسية وأضرار معنوية كبرى، حيث تزامَن معها التلاعب بالدولار.
وبحسب مصادر المعلومات، فـ”إنّ هذا الامر أثار الريبة لدى المثلث الضامن للحكومة من محاولة لتكرار سيناريو العام 1992، كما حصل مع حكومة كرامي، وانّ ما حصل من انهيار في سعر الليرة اخيراً ليس انهياراً اقتصادياً، بل هو انهيار سياسي بفِعل فاعل، ما يعني انّ هناك جهات خارج السلطة تلعب بالدولار لغايات سياسية، ربما يكونون نافذين ومسؤولين سابقين، او مصرفيين، او مصارف قريبة من بعض خصوم الحكومة ورئيسها”.
ولفتت المصادر الى انه في سياق توفير مظلة الامان، اندرَجت زيارة النائب علي حسن خليل لرئيس الحكومة حسان دياب موفداً من الرئيس نبيه بري، وكذلك في إصدار رئيس المجلس بياناً تحفيزياً للحكومة في مواجهة اللعب بالدولار دعا فيه الحكومة الى العمل، مؤكداً انه لا يجوز لها ان تبقى في موقع المتفرّج والشاهد على ما يجري، والقصد من هذا البيان هو حَث الحكومة على اتخاذ قرار بما لديها من سلطات امنية ومالية وقضائية، ولكي تكشف من هم المتلاعبون بالدولار وتحاسبهم وتزجّهم في السجون.