أثقل ثنائي العهد وتياره و”حزب الله” كثيرا على رئيس الحكومة حسان دياب فحملوه ما لا يقوى بواقعه الحقيقي اطلاقا على تحمله وجعلوه رأس حربة في لعبة انقلابية سلطوية ميؤوسة لئلا يتورطوا مباشرة في التفجير السياسي الأوسع من محاولة اسقاط حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والذي انكشف عن اهداف تطاول الوضع السياسي والسلطوي والإداري برمته بما ينذر بتفجير خطير لم تتأخر معالمه بالظهور مع الرد الناري للرئيس سعد الحريري على العهد والحكومة ورئيسها. ذلك ان المفاجأة الصاعقة التي فجرها رئيس الحكومة في البيان المعد سلفا الذي تلاه امس بعد جلسة مجلس الوزراء، بنبرة الجنرالات وليس رؤساء الحكومات، سرعان ما انكشف عن مخطط بديل لفشل المحاولات المتقدمة لاقالة حاكم مصرف لبنان من خلال محاولة أخيرة لدفعه الى الاستقالة عبر تحول دياب رأس حربة هجوم غير مسبوق على لسان رئيس حكومة على حاكم مصرف مركزي حتى في حقبات الحرب والانقسامات التي انعكست على المصرف المركزي وحكامه آنذاك. وتبين انلاالهجوم الصاعق الذي تولاه دياب، جاء عقب مماحكات ونقاشات طالت اكثر من ساعة ونصف الساعة في جلسة مجلس الوزراء انقسمت فيها القوى السياسية حول ملف حاكم مصرف لبنان، اذ بدا الثنائي العهد و”التيار والوطني الحر” و”حزب الله” مندفعين نحو إيجاد مسلك لإقالة سلامة فيما تحفظ بل عارض ذلك وزراء “امل” والتزم معظم الوزراء الاخرين الصمت العاكس تحفظات ورفضا أيضا. وبدا واضحا ان محاولة إيجاد مسرب لإقالة سلامة قد أخفقت امام مسار قانوني يتعذر ان تنفد منه هذه المحاولة لان قانون النقد والتسليف لا يفسح لها أي مسلك للإقالة وخصوصا في واقع سلامة، لان القانون يلحظ حالة واحدة لاستقالة الحاكم بنفسه طوعا، اما اقالته فتستدعي إجراءات قضائية لا حكومية لإثبات وجوه القصور عن القيام بواجباته. كما ان المسلك السياسي اقفل امام محاولة دفعه للاستقالة نظرا الى الانقسام الحاصل حول القضية في مجلس الوزراء. وأفادت المعلومات ان موضوع اقالة سلامة لم يعرض على التصويت بل أعطى الوزراء آراءهم وبرز موقف لوزير المال غازي وزني الذي قال انه لا يوافق على اقالة حاكم المصرف المركزي ليس من موقع الدفاع عنه، بل لانها خطوة في المجهول في ظل الفراغ الهائل في المصرف المركزي حيث لا لجنة رقابة ولا مجلس مركزي. ولفت الى خطورة تبعات الخطوة اذا واصل الدولار قفزاته ولذلك يجب ان تدرس الأمور وتحضر بهدوء فضلا عن ان الإقالة قانونيا تخضع لآلية وفق قانون النقد والتسليف. كما لفت الى ضرورة انتظار عمل شركة التدقيق المحاسبي.
تبعا لذلك كان البديل ان ينبري رئيس الحكومة الى توجيه مضبطة اتهامية علنية الى حاكم مصرف لبنان بدت اقرب الى استعارة نبرة “البلاغ رقم واحد ” الذي ينذر بمحاولات انقلابية، علما ان اللافت هنا قيام دياب قبل الجلسة بزيارة لقيادة الجيش في اليرزة! بهذه الأجواء بادر رئيس الحكومة بالهجوم على سلامة من باب إشارته أولا الى ما وصفه بـ”الغموض المريب في أداء حاكم مصرف لبنان” معتبرا ان المصرف “عاجز او معطل او او محرض على هذا التدهور المريب…ولم يعد ممكنا الاستمرار في سياسة المعالجة بالكواليس ويجب تغيير نمط التعامل مع الناس ولا يجوز ان تكون هناك معلومات مكتومة عليهم”. ودعا دياب سلامة الى “ان يخرج ويعلن للبنانيين الحقائق بصراحة وما هو سقف ارتفاع الدولار وما هو افق المعالجة”. بل ذهب الى القول “هل ما زال بإمكان سلامة الاستمرار في تطمين اللبنانيين الى سعر الليرة ثم فجأة تتبخر هذه التطمينات”. واعتبر ان “هناك فجوة في الأداء والوضوح والصراحة والحسابات والسياسات النقدية” متحدثا عن “قرار تاريخي” بتكليف شركة دولية من اجل التحقيق المحاسبي في حسابات مصرف لبنان. وإذ قال ان خمسة مليارات دولار أخرجت من البلد في الشهرين الاولين من السنة هدد قائلا “خاطئ من يعتقد اننا سنتفرج عليهم وهم يخططون للانقلاب عبر سلب الناس أموالهم ولن نتهاون في قمع كل عابث بالاستقرار المالي والدولة ستضرب بحزم”.
الحريري والرد الناري
ويمكن القول ان التطور الاخر الأكثر تفجرا تمثل في الرد الناري الذي أصدره الرئيس الحريري ليلا والذي يؤكد ان بيان دياب أستدرج البلاد الى تصعيد يصعب التكهن بما سيؤدي اليه من تداعيات وخيمة. وقد اعلن الحريري انه” لم يعد هناك من مبرر للاعتصام بالصمت بعد وجبة الإفطار الأولى التي تناولها اللبنانيون على مائدة الحكومة في قصر بعبدا والتي تعلن الانقلاب بلغة عسكرية حتى ليكاد يكون مطلقها جنرالا يتقمص دور رئيس الحكومة”. ووصف بيان دياب بانه “كلام خطير يتلاعب على عواطف الناس وقلقهم المعيشي ليتبرأ من التقصير الفادح الذي تغرق فيه الحكومة” محذرا من ان “هناك عقلا انقلابيا يعمل على رمي مسؤولية الانهيار في اتجاه حاكمية مصرف لبنان وجهات سياسية محددة ويحرض الرأي العام على تبني هذا التوجه”. ونبه الحريري من ان اخطر ما في هذا المخطط استخدام الغضب الشعبي وقودا لإحراق الهوية الديموقراطية والاقتصادية والاجتماعية للبنان فاحذروا أيها اللبنانيون المتاجرة السياسية والحزبية باوجاعكم ولقمة عيشكم وضمور مداخيلكم”. واكد ان العهد ومعه الحكومة اختارا سلوك دروب الكيدية التقليدية والثأر السياسي ” مشددا على ان “رئاسة الحكومة ستتحمل من دون ان تدري مسؤولية اغراق الليرة التي تترنح بفضائل العهد القوي على حافة الانهيار الكبير”. وقال “برافو حسان دياب لقد أبليت بلاء حسنا وها انت تحقق احلامهم في تصفية النظام الاقتصادي الحر انهم يصفقون لك في القصر ويجدون فيك شحمة على فطيرة العهد القوي”. ونبه رئاسة الحكومة “من الانزلاق في هاوية الكيدية السياسية التي حفرتها جهات متخصصة بالتخريب من زمن الوصاية فلا صدقية ولا أهلية سياسية لاي مسؤول يدخل الى السرايا الكبير وفي جدول مهماته الطعن بكرامة الكبار الذين تعاقبوا على هذا الموقع الوطني”. وحذر “الذين يراهنون على تحويل رئاسة الحكومة الى خندق يتجمعون فيه للانتقام من ارث السنين الماضية من ان السجل الأسود لمعظمهم في مجال القمع والهدر والاستقواء على الدولة وتعطيلها لا يستوي مع ادعاءات الشفافية والعراضات اليومية على الشاشات ونحن لهم بالمرصاد “. وعلمت “النهار”ان رد الحريري سيشكل فاتحة ردود وبيانات ومحطات إعلامية متلاحقة اذ يبدو انه قرر فتح باب المواجهة حيال كل ما أورده امس في بيانه .
جنبلاط: فريق الإفقار
وفي اول موقف بارز له من الاتجاهات التي أعلنتها الحكومة اكد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لـ “النهار ” ان “الأساس هو البحث في أسباب الانهيار وليس ان تحمل الحكومة سلامة او غيره المسؤولية فهناك فريق سياسي يواصل سياسة إفقار اللبنانيين ليتمكن لاحقا من تنفيذ مشروعه”. وحذر جنبلاط من ان هناك “غرفة سوداء تريد انشاء لجنة برئاسة موظف كبير في وزارة المال ليقوم بالتحقيق مع الوزراء السابقين وربما الحاليين وهذا امر مستغرب” .
اما في ما يتصل بحالة التعبئة فقرر مجلس الوزراء تمديدها الى العاشر من أيار بالتزامن مع اعتماد خطة من خمس مراحل لفتح القطاعات بشكل يراعي المخاطر المحتملة وتتدرج المراحل بين 27 نيسان و8 حزيران .