أرغمت جائحة «كوفيد-19» الأمم المتحدة على إدخال قواعد عمل جديدة في عملها، ليس أقلها عقد جلسات مجلس الأمن والجمعية العامة وغيرهما من المنظمات الدولية عبر الفيديو بسبب تفشي الوباء في نيويورك، مما أدى عملياً إلى تغيير طرق التفاوض وعمليات اتخاذ القرارات.
وفرضت إجراءات العزل والحجر والتباعد الاجتماعي لأسباب تتعلق بالصحة العامة إلغاء التواصل الشخصي لأغراض التشاور والتفاوض، بما تتضمنه من وسائل تراوح بين الإقناع والضغط بوسائل متفاوتة ومختلفة، فضلاً عن استمزاج الآراء وقنص الفرص السياسية والدبلوماسية على الصعيد الدولي. وعلى الرغم من الشوائب، حاول المسؤولون في الأمم المتحدة والدبلوماسيون المنتسبون إليها من الدول الـ193 الأعضاء العمل في أجواء صحية وسياسية ضاغطة، فتغلبوا أولاً على اعتراضات جوهرية من دول رئيسية، مثل روسيا والصين، في شأن عقد جلسات لمجلس الأمن عبر الفيديو، واتخاذ قرارات ومواقف من دون الاجتماع بشكل شخصي حول الدائرة المستديرة في القاعة الشهيرة للمجلس، فضلاً عما يسبق ذلك أو يليه من اجتماعات ومشاورات ومفاوضات في الردهات المغلقة والأروقة المفتوحة للمنظمة الدولية. كل هذا صار بسبب «كورونا» في خبر كان، ولو مؤقتاً.
وفي السياق ذاته، عمدت الجمعية العامة إلى تغيير قواعد وطرق اجتماعاتها وعملها. وبدا للوهلة الأولى أن الإجماع مطلوب على كل مشروع قرار من أجل إصداره. وهذا ما أوحى لفترة وجيزة بأن كل دولة عضو تملك حق النقض (الفيتو) لمنع إصدار القرارات. غير أن ذلك بدا غير منطقي، على الرغم من الطابع غير الملزم لقرارات الجمعية العامة. وبناء عليه، أعدت الجمعية العامة مجموعة وثائق، حصلت عليها «الشرق الأوسط»، في شأن التغلب على هذه المسألة وغيرها، لكي يتسق عمل هيئات الأمم المتحدة مع نصوص ميثاقها.
وأحال رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، تيجاني محمد باندي، أخيراً إلى ممثلي الدول الـ193 الأعضاء ورقة غير رسمية، تلقاها من الأمانة العامة للمنظمة الدولية، تفيد بأن «دولاً عدة طلبت استكشاف سبل اتخاذ القرارات في الجمعية العامة عن طريق التصويت» خلال استمرار القيود المفروضة على الاجتماعات الشخصية الكبيرة بسبب وباء «كوفيد-19». وحصلت «الشرق الأوسط» على ورقة الأمانة العامة التي تتضمن 3 وثائق؛ الأولى بعنوان «اتخاذ قرارات الجمعية العامة بالتصويت (باستثناء الانتخابات) من دون جلسة عامة في أثناء جائحة فيروس كورونا»، والثانية تحتوي على عرض في شأن نظام التصويت الإلكتروني، والثالثة هي رسم بياني.
وأعلن باندي تعيين المندوب الجامايكي الدائم كورتيناي راتراي لتيسير المناقشات، شاكراً لجميع المندوبين «استمرارهم في التكيف مع أساليب العمل الجديدة خلال هذه الفترة العصيبة».
وتتضمن الوثيقة الأولى في شأن «اتخاذ قرارات الجمعية العامة بالتصويت (باستثناء الانتخابات) من دون جلسة عامة خلال جائحة (كوفيد-19)» خيارين، على أن يكون السيناريو الأول عبر «إصدار القرارات من خلال الإجراء الصامت الذي ينبغي أن تكون مدته ما لا يقل عن 72 ساعة»، علماً بأنه «يمكن لأي دولة عضو أن تطلب التصويت خلال الإجراء الصامت أو بعده». وتضيف أنه في هذه الحال، يجوز لرئيس الجمعية العامة، بالتشاور مع الراعي الرئيسي لمشروع القرار، وإذا لم يجر التوافق، بطرح الاقتراح على التصويت. أما السيناريو الثاني، فيقضي بأن يضع رئيس الجمعية العامة مشروع القرار على التصويت بعد استنفاد الدول جهودها للتوصل إلى توافق في الآراء حول الاقتراح.
وتوضح الوثيقة أن هذا الخيار يسمح بإصدار القرارات السنوية خلال جائحة «كوفيد-19».
وفي الإجراء الذي يمكن من خلاله إجراء التصويت، يحدد رئيس الجمعية العامة الموعد، بما يسمح «بفترة زمنية كافية بين تعميم الرسالة من الرئيس وبدء عملية التصويت»، مع اقتراح أن تكون الفترة الزمنية 24 ساعة على الأقل. وتؤكد الوثيقة أنه في كلا الخيارين، سيمنح ممثلو الدول متسعاً من الوقت للتشاور، ولطلب التعليمات من عواصمهم قبل عملية التصويت، موضحة أنه «لا يجوز للدول الأعضاء التصويت إلا بنعم أو بلا». ويمكن أن يضع ممثلو إشارة إلى عبارة «امتناع» عن التصويت. ويمكن الإدلاء بالأصوات بالوسائل الإلكترونية المناسبة. وبعد ذلك تعلن نتيجة التصويت لتبيان ما إذا كان مشروع القرار اعتمد أو لم يعتمد. وتجيز الوثيقة اقتراح تعديلات أو الاقتراحات قبل بدء التصويت لإتاحة الوقت الكافي لرئيس الجمعية العامة لإبلاغ الدول الأعضاء بتأجيل التصويت.