لبنان ينتظر صندوق النقد الدولي وبدأ يعدّ الساعات والدقائق والثواني لعل لحظة الفرج تأتي، فتأخذ «الاشارات الايجابية»، التي تلقّتها الحكومة من الصندوق، مسارها التنفيذي في القريب العاجل. هذا هو واقع الحال الحكومي بعد تقديم طلب المساعدة رسمياً الى صندوق النقد، بناء على الخطة التي وضعتها. أمّا واقع الحال السياسي، فيبدو انه عاد الى السير من جديد على سلك كهربائي عالي التوتر، تتطاير شراراته في كلّ الأرجاء ولا توفّر أيّاً من المكوّنات السياسيّة. وفي الموازاة جوع مُستفحل، ومواطن أصبح تحت الارض لا يعرف كيف ومن أين سيؤمّن لقمة عيشه وقوت أبنائه.
أحدث الشرارات السياسية، بعثت من مصدرين. الأول، من الفرز الذي أحدثه اجتماع الأربعاء في بعبدا قبل انعقاده، وما رافقه من تحفظات على شكل الدعوة، وتساؤلات حول الغاية من عقد هذا الإجتماع بعدما تمّ إقرار الخطة الاقتصادية، وتوجّهت الحكومة بطلب مساعدة صندوق النقد بناء عليها، وكذلك ما تولّد عنه من سجالات شديدة القساوة في حدتها، شاركت فيها رئاسة الجمهورية في مواجهة تيار المستقبل الذي اعلن انّ شعرة معاوية انقطعت مع العهد. كلّ ذلك، أنزَل رتبة اجتماع بعبدا المقرر غداً، من اجتماع أرادته الرئاسة الاولى نوعيّاً وفرصة يسعى من خلالها رئيس الجمهورية لتأمين حصانة وطنية للخطة، ومن خلالها للحكومة، الى اجتماع بمَن حضر، لا تتحقق معه هذه الفرصة.
وبمعزل عمّا اذا كانت فكرة عقد الاجتماع في بعبدا، في وقتها او هي متسرّعة، فإنّ صورة الانقسام الداخلي الحاد، والمقاربات المختلفة حول كل الأمور، سواء من الخطة او من الحكومة او من العهد الذي يرعاها، كل هذه الامور تؤكد انّ مثل هذه الحصانة مفقودة، وتأمينها صعب، إن لم يكن مستحيلاً، وتبدّى ذلك في عمق الاشتباك الداخلي، الذي عبّر عن نفسه في الجلسة التشريعية الاخيرة التي عقدت في الاونيسكو، وكذلك حول حاكم مصرف لبنان، وقبله حول التعيينات المالية، وبالأمس في الاشتباك الرئاسي مع تيار المستقبل.
إشكال
على انّ اللافت للانتباه في هذا السياق، هو بروز بعض المتغيّرات حول الدعوة الرئاسية الى الاجتماع، من شأنها أن تضعه في دائرة الاحتمالات ومنها تأجيله، او عقده بعدد محدود من المشاركين.
وبحسب المعلومات، فإنّ معطيات جديدة طرأت في ساعات ما بعد ظهر أمس، حيث تبلّغ كل من اعتذر من المدعوين الى اللقاء وسَمّى من يمثله انّ “دعوة رئيس الجمهورية الى المشاركين في اللقاء شخصية” ما يعني انه لا يمكن تجييرها لأحد.
وعند هذه الملاحظة، كشفت مصادر مطّلعة لـ”الجمهورية” ان هناك من اعتذر لكنه سمّى من يمثّله، باستثناء الموقف الواضح للمستقبل بالمقاطعة والذي لم يتغير بعد. فقد أبلغ جنبلاط عون مباشرة وقبل ان ينتهي اللقاء بأنه يستحيل عليه المشاركة لأسباب صحية. ولمّا تبلغ الرئيس نجيب ميقاتي باستحالة قبول انتداب من يمثّل كتلته، فضّل التريّث لإعطاء الجواب بمشاركته الى اليوم، وكذلك فعل الدكتور سمير جعجع وايضاً الوزير السابق سليمان فرنجية، فيما تريّث رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل الى اليوم، حيث فوّضه المكتب السياسي امس اتخاذ القرار المناسب من المشاركة أو عدمها.
وانتهت المصادر الى القول “انّ اللقاء قائم في موعده، ولا يمكن ان يطرأ اي تعديل على موعده وشكله أيّاً كانت المواقف منه”.
تحفّظ
وفي هذا الاطار، علمت “الجمهورية” انّ تحفّظ بعض المدعوين حيال الدعوة الرئاسية الى اجتماع الاربعاء، مردّها الى انّ الدعوة الرئاسية، وإن كان القصد منها التبريد السياسي وخلق جو تسهيلي للخطة، قد جاءت سريعة. فاجتماع من هذا النوع يتطلب التحضير، وانّ القوى السياسية تحتاج الى بعض الوقت لتتوضّح صورة الخطة امامها بالكامل، وهذا يتطلّب ان تجري مشاورات مع كوادرها كما مع المختصّين، وفي ضوء ذلك تجمع ملاحظاتها لتُبديها في مثل هذا الاجتماع، الذي لو تمّت الدعوة اليه قبل إعداد الخطة لكان الامر أجدى، علماً انّ نقاشاً مثمراً ومفيداً حول هذه الخطة قد بَدا فعلاً في لجنة المال والموازنة التي عقدت في هذا الاطار اجتماعاً امس، ضَمّ ما يزيد عن 52 نائباً.
وبحسب معلومات “الجمهورية” فإنّ الاجتماع المقبل للجنة سيضمّ الهيئات الاقتصادية والنقابات بعد الانتهاء من أسئلة النواب، بهدف الوصول الى قواسم مشتركة تضع إطاراً تنفيذياً إنقاذياً وتعدّل بعض مضامين الخطة.
وقال رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان لـ”الجمهورية”: انّ لجنة المال وضعت الخطة على طاولة المجلس التنفيذي مع همّها الأول الحفاظ على ودائع اللبنانيين وتوزيع الأعباء على الدولة ومصرف لبنان والمصارف، واعادة تقييم ما سمّي بالخسائر “غير المحققة بعد”.
دياب… وجنبلاط
وعشية الاجتماع، تكثفت حركة الاتصالات، وكان أبرزها زيارة قام بها رئيس الحكومة حسان دياب الى عين التينة ولقائه رئيس المجلس النيابي نبيه بري. وهي الزيارة الاولى لدياب الى عين التينة منذ اسابيع بعد ما شاب بعض من الفتور في العلاقة بين الرئاستين الثانية والثالثة منذ ان “فَرطت” التعيينات المالية. وفهم انّ البحث تناول القضايا والامور الراهنة وانّ الاجواء كانت جيدة.
كذلك برزت زيارة قام بها رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط الى القصر الجمهوري ولقائه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. وقالت مصادر مواكبة انّ جوهر اللقاء مرتبط بقضايا تهم منطقة الجبل، وعدم حصول توترات فيها.
التجميل لا يُجدي
الى ذلك، وفيما تُلقي اجواء المعارضة ظلالاً من الشك حول جدوى عقد اجتماع بعبدا، واصفة إيّاه بمجرد احتفال خطابي لا اكثر، يُدلي فيه كل طرف بدلوه من دون ان يكون لكلّ ما سيقال أثر على الخطة، قال مسؤول كبير لـ”الجمهورية”: تجميل الامور لا يجدي ابداً، يجب ان تقال الامور كما هي حول الخطة الاقتصادية، ففيها ما هو ايجابي، وفيها ايضاً ما هو سلبي جداً يحتاج الى نقاش معمّق، والكثير من مندرجاتها يحتاج الى قوانين في مجلس النواب، يعني انّ امامنا مساراً طويلاً من الأخذ والرد حولها. وبالتالي، إنّ اجتماع بعبدا جيد للنقاش حول الخطة، ولكن ليس لتصويرها وكأنها كتاب سماوي مُنزل لا يجوز مقاربته بالنقد او الاعتراض او حتى التحفّظ على بعض مضمونه.
اضاف: لا شك انّ الحكومة صرفت جهداً ووقتاً كبيرين وانتهت الى ما سمّته “خطة تاريخية”، وقالت انها المرة الاولى في تاريخ لبنان التي يملك فيها خطة واضحة، او خريطة طريق اقتصادية. ومن حق السلطة ان تمتدح خطتها، ولكن لا بد من مقاربتها بواقعية وموضوعية وعقلانية، والأهم عدم تكبير الحجر “حتى لا نصبح مثل العميان اللي إجاهم وَلد، ومن كِترْ ما بَأْبَشُو على وِجُّو عَموه”!
وأكد انّ العبرة ليست في إنجاز خطة اصلاحية انقاذية على الورق، بل العبرة هي في تطبيقها. وليس المهم أن يرضى رئيس الجمهورية والحكومة على الخطة، بل الأهم هو أن يقتنع المجتمع الدولي بها، ولننتظر رَد صندوق النقد على طلب لبنان، وبعدها يُبنى على الشيء مقتضاه”.
المالية… وصندوق النقد
الى ذلك، كشفت مصادر وزارة المالية لـ”الجمهورية” انّ “صندوق النقد الدولي سبق واطّلع على العناوين الاساسية لخطة الانقاذ الحكومي، وانّ التعديلات التي أدخلت على الخطة لكي تصدر في نسختها النهائية التي أقرّتها الحكومة، إنما جاءت في بعض منها تلبية للملاحظات التي أبداها الصندوق”.
ولفتت المصادر نفسها الى “انّ ممثلي مجموعة الدعم الدولية واكبوا هذه التطورات من البداية، وشجّعوا عليها. وبالتالي، هناك نوع من الاحتضان لمشروع التعاون مع صندوق النقد، وأن لا صحة لوجود أجواء مشككة تتعلق بموقف دول مؤثرة داخل الصندوق لجهة حرمان لبنان من المساعدة، بسبب طبيعة العلاقة مع “حزب الله”. وبالتالي، هذه العقبة غير قائمة فعلياً”.
وفي شأن المخاوف من تحميل المصارف اكثر من طاقتها في الخطة، بما قد يؤدي عملياً الى القضاء على النظام المصرفي، وهذا الامر يطرح علامات استفهام كثيرة حول وجود مخطط لتغيير وجه لبنان الاقتصادي، تنفي مصادر وزارة المالية “وجود نية لضرب المصارف، بل تؤكد انّ ما ورد في الخطة، هو مجرد استعراض للواقع ولحجم الخسائر، ومن ثم وضع الخيارات المتاحة للمعالجة. وبالتالي، لا شيء نهائياً في هذا الموضوع، وسيتم اعتماد الخيار الأنسب للخروج من الأزمة، بأقلّ أضرار ممكنة على الجميع، ومن ضمنها القطاع المصرفي اللبناني”.
التفاوض ليس نزهة
في هذا الوقت، اكد خبير في شؤون المؤسسات المالية الدولية لـ”الجمهورية”: انّ لبنان، ومع تقديم طلبه الى صندوق النقد الدولي، لا يعني انّ الصندوق سيبادر فوراً الى فتح خزائنه امام لبنان، الذي عليه الّا يعتبر انّ الامر قد انتهى عند هذا الحد، بل على العكس، ثمة مرحلة طويلة سيدخل فيها طلب لبنان. فلنفرض أن بدأت المفاوضات اليوم مع صندوق النقد بناء على الطلب اللبناني، فإن سار الأمر بطريقة سلسلة بلا اي مطبّات او عراقيل، فالمسألة تحتاج بالحد الادنى بين 6 اشهر و8، امّا اذا برزت عراقيل وصعوبات في الطريق فمعنى ذلك أشهراً اضافية من المفاوضات والانتظار.
وبحسب الخبير المذكور الذي شارك في لقاءات ممثلي صندوق النقد مع مسؤولين لبنانيين قبل عدة اسابيع، فإنّ كل الاحتمالات واردة مع صندوق، بما فيها عدم إقراض لبنان، كتعبير عن عدم اقتناعه بالخطة وبالاجراءات التي يفترض على الحكومة ان تقوم بها.
ويلفت الخبير نفسه الى وجوب توفّر شرطين اساسيين لحصول لبنان على اموال من صندوق النقد: الأول، ان تكون الخطة التي قدّمها لبنان وافية وصلبة ومُقنعة للصندوق، والثاني ان يجيب لبنان عن سؤال وحيد: إذا قدّم لك صندوق النقد قروضاً، كيف ستردها؟ وما هي الاجراءات التي عليك ان تقوم بها لتقنع صندوق النقد بأن يطمئن لقروضه ويفتح خزائنه أمامك؟ خلاصة الامر انّ التفاوض مع صندوق النقد الدولي لن يكون نزهة.
مطبّات
الى ذلك، يبدو جلياً انّ إدخال الخطة الحكومية حيّز التنفيذ داخلياً، إن عبر قوانين في مجلس النواب او من خلال قرارات لمجلس الوزراء، ليس سهلاً، على ما يقول مصدر وزاري معني بالخطة لـ”الجمهورية”، والذي يضيف: أتوقّع الكثير من المطبات الداخلية امام الخطة، خصوصاً ان قوى المعارضة تحضّر للتصعيد، وهي نسفت الخطة قبل ان تطّلع عليها.
الثنائي
الّا انّ اجواء “الثنائي الشيعي”، وبحسب معلومات “الجمهورية”، شهدت “نقزة” لديهما من المسارعة الاميركية الى الدخول المباشر على خط الخطة الاقتصادية، والذي تجلّى في الاطلالات المتتالية لمساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الاوسط دايفيد شينكر، واعتبر فيها انّ الخطة الاقتصادية خطوة اولى، متحدّثاً عن شروط صارمة ستفرض على لبنان، ولافتاً الى انّ ما يُقدَّم من صندوق النقد ليس مساعدات مجانيّة، بل هي مشروطة بخطوات إصلاحية تساعد على إيجاد عوائد للدولة، وتتيح للصندوق ممارسة الرقابة على اقتصاد الدولة”.
وقالت مصادر الثنائي: لن نستبق المفاوضات مع صندوق النقد، وبالتالي لسنا معنيين حالياً سوى بالتأكيد على انّ التفاوض مع صندوق النقد ينبغي ان ينطلق من أولوية مصلحة لبنان، وعدم الموافقة على ايّ شروط قاسية وتعجيزية للبنانيين، وعلى كلّ ما يمكن ان يمسّ بالسيادة الوطنية.
بري: تطمين المودعين
وفي السياق ذاته، تعكس اجواء عين التينة انّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وبمعزل عما تتضمّنه الخطة من ايجابيات او سلبيات، يقاربها من زاوية انّ إنجازها من قبل الحكومة لا يعني نهاية المطاف، بل من الآن فصاعداً يفترض ان يبدأ الشغل الجدي.
وبحسب اجواء عين التينة فإنّ الخطة لم تلحظ كيفيّة توفير الحماية الاجتماعية الآنية للناس، مشيرة الى انه من الآن وحتى بدء التفاوض مع صندوق النقد وحتى الوصول الى نتائج، هناك فترة زمنية قد لا تكون قصيرة، ربما لأشهر او اكثر، فخلال هذه الفترة ماذا ستفعل الحكومة اللبنانية لتسد جوع الناس خصوصاً ان كل اللبنانيين تقريباً اصبحوا تحت خط الفقر؟
وتشير المعلومات الى انّ رئيس المجلس يضع الخطة تحت مجهره، وخصوصاً حيال ما اذا كانت تتضمّن اي مفردات او مسالك مرئية او غير مرئية تؤدي الى خسارة المودعين لأموالهم، فهذا امر مرفوض، بل لا بد من ان تعود هذه الاموال الى اصحابها.
وبحسب هذه المعلومات، فإنّ بري يحثّ على اتخاذ إجراء سريع وواضح من شأنه ان يحفظ اموال المودعين ويطمئنهم جديّاً بأنّ اموالهم ستعود إليهم في نهاية المطاف، كما انه من الضروري تَلمّس جدية سريعة في الاصلاحات وخصوصاً في الامور الملحّة: مكافحة الفساد، ضبط الايرادات، ضبط النفقات، وخطة جدية وشفافة للكهرباء في أسرع وقت.
نصرالله: للتهدئة
وفي إطلالة له امس، دعا الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الى التهدئة بين القوى السياسية، واعطاء فرصة للحكومة لتستطيع معالجة الامور.
ولفت الى انّ البلد يحتاج الى هدوء وتعاون، مشيراً الى انّ “حزب الله” سيشارك في اجتماع بعبدا. وقال: لا أحد في الحكومة يدّعي بأنّ الخطة لا تمسّ ولا مانع من النقاش بعد إقرارها والحكومة بطبيعة الحال منفتحة على ذلك، علماً انّ الخطة بحاجة الى تحصين وطني وتوافق وطني حولها، وهذا الأمر يعطيها قوة ويعطي للحكومة ان تقوم بإنجاز قريب.
وحول موضوع صندوق النقد الدولي قال نصرالله: لسنا ضد طلب لبنان مساعدة من اي جهة في العالم إلّا الذين يوجد عليهم خطوط حمراء، لكن في الوقت نفسه غير مقبول ان نسلّم رقبتنا لصندوق النقد الدولي والإستسلام مرفوض بالمطلق.
تعيينات… والتباسات
أمّا المصدر الثاني للشرارات الداخلية، فهو بند التعيينات المدرج في جدول اعمال جلسة مجلس الوزراء في بعبدا اليوم (التي يسبقها اجتماع لمجلس الدفاع الاعلى)، إن بشِقّها المتعلق بتعيين محافظ مدينة بيروت خلفاً للمحافظ الحالي زياد شبيب، حيث يبدو انّ الأوفر حظاً لتولّي هذا المنصب، مستشارة رئيس الحكومة لشؤون “كورونا” بترا خوري، او بالشق المتعلق بتعيين رئيس جديد لمجلس الخدمة المدنية، وسط حديث جدي عن توجّه لإسناد هذا المنصب الى مهندس اتصالات لأحد المستشارين في وزارة الطاقة منذ ايام الوزير جبران باسيل.
وكان لافتاً امس، الاعتراض الارثوذكسي على الاجحاف بحق الطائفة ومحاولة تهميشها، وجرى التعبير عن ذلك في الاجتماع الموسّع الذي احتضَنته مطرانية بيروت للروم الارثوذكس، برئاسة المطران الياس عودة، وصدر في نهايته بيان عبّر فيه المجتمعون عن “استيائهم الشديد من الاجحاف بحقوق الارثوذكس، الذي جرى في العديد من التعيينات على مدى زمن، ونؤكد رفضنا لاستبدال موظفين ارثوذكس كباراً دون سواهم ودون أسباب وجيهة”، واعتبروا” انّ الأمور وصلت الى حدود إقصاء الروم الارثوذكس من القيام بدورهم الفاعل في الحياة العامة عبر حرمانهم من بعض المواقع في الدولة”.
واكد البيان “تمسّكنا بما يعود للارثوذكس في الدولة، ولا نرضى بالغبن، ونشدد على المساواة وعدم الانتقائية، ونطالب بآليّات شفافة في التعيينات تعتمد الكفاءة”.
مرجع قانوني يحذّر
وفيما اكتفى مسؤول كبير بتعليق مقتضب على ما أحيط بتعيين رئيس مجلس الخدمة، قال فيه: “مهندس اتصالات لرئاسة مجلس الخدمة المدنية، هذا أمر ما بيِركَب على قوس قزح”، لفت مرجع قانوني عبر “الجمهورية” الى انّ المادة السادسة من المرسوم الإشتراعى رقم 114 تاريخ 12/06/1959، وتعديلاته، حدّدت شروط تعيين رئيس مجلس الخدمة المدنية، ويتبيّن من قراءة هذه المادة انّ المشرّع أراد أن تتوافر في شخص رئيس مجلس الخدمة المدنية 3 شروط: السن، الخبرة الإدارية، الحيادية. ويمكننا أن نفهم تشدّد المشرّع اللبناني في شروط تعيين رئيس مجلس الخدمة المدنية في ضوء المهام الشاملة المُناطة بالرئيس، الذي أعطي صلاحيات الوزير الادارية، وبالمجلس في مجال شؤون الموظفين في ما يتعلق بتعيينهم ونقلهم وتأهيلهم وتأديبهم وسائر شؤونهم الذاتية كما في مجال إبداء الرأي في نصوص تنظيم الإدارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات وتقديم الاقتراحات المناسبة لمجلس الوزراء”.
ولفت الى “انّ وضع الشروط القاسية لتعيين الرئيس لناحية تجاوزه سنّاً معينة وتمتّعه بالخبرة الإدارية الواسعة وعدم شغل اي وظيفة ذات طابع سياسي، هو لضمان وصول شخصية إدارية قيادية لرئاسة هيئة مجلس الخدمة المدنية للنهوض بإصلاح الإدارة اللبنانية موظفين ومؤسسات”.
وأشار المرجع الى “انّ المهندس، بصرف النظر عن شخصه ونجاحه في مجال اختصاصه الهندسي، غير مؤهّل من الناحية الإدارية لرئاسة هيئة مجلس الخدمة المدنية، والمشرّع كان واضحاً في إعطاء الأولويّة للتعيين من داخل الملاك وجعل التعيين من خارج الملاك استثناء لا يجوز الرجوع إليه، عندما يكون مُمكناً التعيين من الملاك لأنّه منبع الخبرة في الادارة ويراعي قاعدة الاختصاص حجر الزاوية في بناء دولة القانون”.
وقال: “بما أنّ مؤهلات شهادة الهندسة والعمل المتصل بها لا يعطيان حاملها الخبرة الإدارية المطلوبة، وإن كانت له شهادات أخرى مثل الحقوق، يكون تعيين مهندس من خارج ملاك الإدارة العامة في رئاسة الهيئة المؤتمنة على الإدارة اللبنانية وموظفيها ومؤسساتها، يخالف أولاً نص المادة 6 من المرسوم الاشتراعي رقم 114 / 95 المتعلق بتنظيم مجلس الخدمة، ويقضي أولاً وثانياً على الإدارة اللبنانية وأي أمل بإصلاحها وتطويرها ويدفن قاعدة الاختصاص، وهذا ما نحذّر منه”.