لم يكن غريباً أن يلتقط رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط لحظة مناسبة لخرق جدار الأزمة، فهو المتميز في التقاط الفرص لتحقيق الأهداف بفطنة وحكمة، والهدف الثابت: العيش الواحد في الجبل بما يعني العيش الوطني في كل لبنان. والعيش الوطني هذه المرة ليس مهدداً بالمعنى الأمني للكلمة بقدر ما هو معرّض لتهديد اجتماعي معيشي صحي اقتصادي يفوق قدرة اللبنانيين على التحمل ويهدد بانفجار شامل.
وتحت هذا الاعتبار، تلقف وليد جنبلاط بإيجابية مبادرات شخصيات زارته بقصد فتح مسار من الاتصالات، كان آخرها زيارة شخصية مقربة من رئيس الجمهورية ميشال عون الى كليمنصو، وكان العنوان التأسيس لخطوة تريح الاجواء المتوترة على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي وفي الأرض، ونقل تبادل الرسائل من الإعلام الى قنوات اتصال مباشر للتخفيف من حدة التباينات وانعكاساتها الشعبية.
ومن كليمنصو غادر المُوفد محمّلاً برسالة إيجابية، على قاعدة تحديد موعد للقاء بين جنبلاط ورئيس الجمهورية ميشال عون، على أن يكون علنياً لترطيب الأجواء، وفي الوقت نفسه للوقوف بشكل مباشر على رأي وموقف جنبلاط من مختلف المواضيع المطروحة، وأهمها خطة الحكومة الاقتصادية.
اللقاء الذي حصل أمس خرق المشهدية السياسية، وعقب انتهائه خرج جنبلاط ليعلن بوضوح ما رمى إليه من هذه الزيارة: حريصون على عدم الانفعال وعلى التهدئة وعلى عدم تحميل الناس أعباء التوتر السياسي فوق التوتر الذي يعيشونه بفعل الأزمة المعيشية والمالية وصولا الى وباء كورونا وتداعياته الكارثية على الاقتصاد والمجتمع. أما الخلاف السياسي، فتنظيمه هو الحل الأفضل إن داخل المؤسسات الدستورية أو عبر الحوار، على ان لا يلغي ذلك وجود التباين في عدد من الملفات.
أما ما يصر عليه البعض في تحميل اللقاء مضموناً يتعلق بمطالب لجنبلاط في التعيينات او في غيرها، فالرد كان قبل اللقاء وبعده: “لا نريد شيئاً، وكل ما نطلبه هو بقاء البلد وخروجه من محنته التي ستدمر كل شيء”.
وقد جدد جنبلاط من داخل القصر الجمهوري تأكيد مواقفه المتمسكة بوجوب تنفيذ الاصلاح الجدي للحصول على مساعدات صندوق النقد الدولي، وهو كان أول من نادى بضرورة طلب المساعدة منه. كما جدد جنبلاط الإشارة الى وجود ملاحظات على خطة الحكومة وأعلن أنه سيرسلها مفصّلة الى عون لكونه لن يحضر لقاء الاربعاء للكتل النيابية في بعبدا.
وفي هذا السياق، لفتت مصادر متابعة في اتصال مع “الأنباء” الى ان مشاركة القوى التي تتألف منها الحكومة في لقاء بعبدا باتت حتمية على مستوى رؤساء الكتل النيابية باستثناء التكتل الوطني الذي يشكل نواب المردة جزءًا منه، والذي سيمثله النائب فريد هيكل الخازن.
من جهته، تكتل “الجمهورية القوية” لم يحسم قراره بعد، وقد رجحت المصادر مشاركة رئيس حزب القوات الدكتور سمير جعجع شخصيًا او تكليف النائب جورج عدوان لينوب عنه.
وفي سياق المواقف من زيارة جنبلاط الى القصر الجمهوري، وصف عضو تكتل الجمهورية القوية النائب أنيس نصار في حديث مع “الأنباء” هذه الزيارة “بالمفيدة والمحبذة على اعتبار ان رئيس الجمهورية هو رئيس كل لبنان، وجنبلاط ممثل لطائفة مؤسسة في هذا البلد وهو زعيم الجبل بلا منازع ولن يسمح بتفلّت الأمور في الجبل بعد التصريحات الصبيانية التي ظهرت في الاسابيع الماضية على لسان البعض، كما أن جنبلاط لن يسمح لأحد بتعكير وضرب الشراكة والتعايش من أي جهة كان، وما سعيه لتنظيم الخلاف مع التيار الوطني الحر كما نظمه في السابق مع حزب الله إلا دليل شهامة وإباء …، وهو لا يريد للخلاف السياسي ان يتطور، وهو لذلك يشدد على تنظيمه”. وأعرب نصار عن ارتياحه لهذه الزيارة، متمنيا ان يلتقي الرئيس عون مع كل القوى السياسية من دون استثناء.
من جهته، عضو تكتل “لبنان القوي” النائب ماريو عون وصف في اتصال مع ”الأنباء” زيارة جنبلاط الى القصر الجمهوري “بالمهمة لجهة التوقيت والمضمون”، كاشفًا أن “أحد النواب وهو صديق مشترك للرئيس عون وجنبلاط قد تولى الوساطة وقد تكللت المساعي بالنجاح”. وقال: “هذه الخطوة مرحب بها باتجاه تخفيف التشنج السياسي والانهيار الاقتصادي، فأتت الزيارة لتعطيها دفعًا الى الأمام على صعيد ايجاد بعض الحلول. فهذه الزيارة وإن دلّت على شيء فعلى حكمة وذكاء لدى جنبلاط”، متمنيا على الآخرين القيام بالخطوة نفسها فالمهم تخليص لبنان من الأزمة التي يتخبط بها.
من جهته رأى القيادي في تيار المستقبل النائب السابق مصطفى علوش في اتصال مع ”الأنباء” ان زيارة جنبلاط “قد تكون مهمة على مستوى تنفيس التشنج القائم”، لكنه جدد في الوقت نفسه موقف كتلة المستقبل الرافض للمشاركة في لقاء بعبدا، واعتبر أن ما يعمل عليه حزب الله في هذه الفترة هو “كسب الوقت”.