بعد مسار أيام وليالٍ طرحت خلالها الشكوك بإمكانية نجاح رئيس المخابرات العراقية مصطفى الكاظمي بتشكيل حكومة تحظى بالتوافق النيابي، في ظل انقسامات ما بعد اغيتال القائدين قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس بقرار أميركي معلن، ورد إيراني فتح باب الدعوة لرحيل الأميركيين من العراق، نجح الكاظمي وأبصرت حكومته النور بنيل الثقة النيابية بشبه إجماع سياسيّ، عبرت عنه أصوات 255 نائباً من اصل 329، لحكومة حازت المباركة والتأييد والترحيب من كل من واشنطن وطهران، بعدما تمّت تسمية الكاظمي، الذي سبق واتهمته قوى حليفة لإيران بأنه رجل أميركا في العراق، من قبل القوى المنتمية لخط التحالف مع إيران. وطرح هذا المشهد العراقي الذي يدير الحساسيات المعقدة بين قطبي الصراع في المنطقة، في واشنطن وطهران، السؤال حول مرحلة جديدة من ربط النزاع وإيجاد أرضية مناسبة لتسويات التساكن في البلد الأكثر تجسيداً لحال الصراع بين القطبين، ما يفتح الاحتمالات لمقاربات تستثمر على فرص إقامة ربط نزاع مشابه، كانت فرنسا بلسان وزير ماليتها في قمة العشرين في الرياض، أول من راهن عليه، بالدعوة لفصل مساعي دعم تعافي لبنان عن المواجهة الأميركية لإيران وحلفائها.
الفرضية الفرنسية التي تقف وراء تشجيع الحكومة اللبنانية للتوجه نحو صندوق النقد الدولي، والرهان على تجنيب لبنان كأس الصندوق المرّة بتفهم أميركي، كانت موضع اختبار في اجتماع بعبدا أول أمس، خلال اللقاء الذي دعا إليه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وشارك فيه رؤساء الكتل النيابيّة، وكانت مشاركة رئيس المجلس الأعلى للحزب السوري القومي الاجتماعي أسعد حردان مناسبة لشرح موقف الحزب من الخطة الاقتصادية المالية للحكومة، ومن الوضع الاقتصادي الاجتماعي عموماً، ومقترحات الحزب في مواجهاتها. وسجل حردان تحفظات الحزب على اعتبار صندوق النقد الدولي ممراً إلزامياً، ما يشكل دعوة ضمنية لقبول أي شروط يطرحها الصندوق، فيما الشروط المعلومة للصندوق تمس بالسيادة اللبنانية، داعياً للحذر في التفاوض وفي التعامل مع نتائجه، لأن المسألة السيادية لا تقبل التفاوض. ودعا حردان الحكومة إلى عدم الانتظار والمباشرة بخطوات عملية لمعالجة الأزمات المتفاقمة، خصوصاً وباء حمى الغلاء وفوضى وجنون سعر الصرف واستمرار المصارف بحجز الودائع، منوّهاً بأداء الحكومة بمواجهتها لوباء كورونا داعياً لمثله في مواجهة ما يضغط على الناس لإثبات الأهلية بثقة الناس، قائلا إن الحكومة تستطيع قيادة المجتمع بمواجهة شاملة للغلاء كما تستطيع حسم أمرها باعتماد سياسة واضحة في التعامل مع قضيتين عالقتين في الفوضى والغموض، فيما وجع الناس وغضبهم يتفاقمان، هما سعر صرف الدولار ومصير الودائع. وتساءل حردان عن سبب تجاهل الحكومة للمصلحة اللبنانية في التعامل مع قضيتي النازحين السوريين، وتحسين الصادرات اللبنانية ورفع مستوى التبادل التجاري، حيث الوجهة واضحة بالأرقام نحو سورية والعراق كسوقين تستقبلان وحدهما نصف صادرات لبنان، فيما سورية هي الممر الإلزامي لتجارة لبنان نحو الخليج والعراق، بما فيها الترانزيت إضافة للسلع اللبنانية، وسورية الممر الإلزامي للحلول الراهنة لمشاكل التصدير والتجارة اللبنانية، هي أيضاً الممر الإلزامي لحل قضية النازحين، التي يكثر الحديث عن أكلافها على الاقتصاد، بينما يتم تجنب الحديث عن الحلول. وهي إن لم تكن بخطة حكومية لبنانية سورية مشتركة، ماذا عساها تكون، ما دام الذين يضغطون على لبنان لمنع التواصل مع سورية يمتنعون عن تعويضه خسائره جراء النزوح وكلفته العالية بعشرات المليارات من الدولارات، كما تقول الأرقام الحكومية والرئاسية، داعياً لتغليب المصلحة الوطنية للبنان على أي حسابات خارجية، فيا يبدو واضحاً أن هذه المصلحة تستدعي شجاعة التوجه الواضح نحو سورية.
في السراي الحكومي رغم التصعيد المتواصل لتيار المستقبل ورئيسه سعد الحريري، بعد مقاطعته اجتماع بعبدا، رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب يبتعد عن السجال، ويضع الأولوية لمواجهة الغلاء ويدعو لاستنفار طاقات الدولة والمجتمع للمواجهة، بينما حديث وزير الاقتصاد راوول نعمة داخل الاجتماع كان تشاؤمياً بالحديث عن تعقيدات، كالاحتكار وارتفاع الدولار وضعف إمكانات الوزارة، وكان تعليقه على كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن الاستعداد لدعوة الشباب الجامعي للتطوّع في دعم مراقبي الوزارة، بالقول إنه لا يبني جيشاً مثار تساؤل حول جدية الوزير في مواصلة المواجهة المطلوبة للغلاء في ظل غضب شعبي ينذر بالانفجار تحت وطأة العجز عن تأمين موجبات الحد الأدنى للعيش، بحيث بات التساؤل في بعض الأوساط جدياً حول إمكانية الفوز بخطة جدّية وأداء حكومي فاعل في مواجهة الغلاء إذا كان كلام الوزير قائماً على تعميم الإحباط، والوزير لا يبدو مقتنعاً بالمهمة أو بضرورتها أو بجدواها أو إمكانية النجاح فيها، ووزارته هي قلب المواجهة، بمثل ما كانت وزارة الصحة قلب المواجهة مع وباء كورونا، ولولا جدية الوزير وحماسه واندفاعه ورعايته المستديمة لخطة المواجهة لما تحقق ما تحقق.
وبقي لقاء بعبدا الذي جمع الرؤساء الثلاثة ورؤساء الكتل النيابية محل اهتمام ومتابعة رسمية وسياسية لما تركه من انعكاسات إيجابيّة على المستوى العام. إذ شكّل مظلة سياسية للحكومة وخطتها الإصلاحيّة التي تسعى لتحقيق إجماع وطني داخلي حول الحكومة وخطتها وثقة وتأييد دولي يساهم في الحصول على الدعم المالي الموعود من صندوق النقد الدولي ومن مؤتمر سيدر وسط انطلاق المفاوضات بين الحكومة ممثلة بوزارة المالية وبين ممثلين عن صندوق النقد بحسب ما أشارت مصادر وزارية لـ”البناء”.
وكان لقاء بعبدا عقد برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وبحضور رئيسَي مجلسي النواب نبيه بري ورؤساء الكتل النيابية وعدد من الوزراء، مع تسجيل حضور رئيس “كتلة الجمهورية القوية” سمير جعجع في موقف متمايز عن الرئيس سعد الحريري وحزب الكتائب ما رأت فيه مصادر متابعة مؤشراً الى قراءة القوات لتغيّر موازين القوى الدولية والإقليمية والمحلية وثانياً دلالة على استمرار الخلاف بين المستقبل والقوات وفشل كل الجهود لرأب الصدع بينهما مقابل ارتياح عونيّ للحضور القواتي، بحسب ما قالت مصادر التيار الوطني الحر لـ”البناء”، وبالتالي إسقاط أي جبهة سياسية لقوى المعارضة في وجه الحكومة والعهد.
وسجّل رئيس “الكتلة القومية الاجتماعية” النائب أسعد حردان مجموعة ملاحظات على الورقة الاقتصادية واعتبر في مداخلة له وورقة قدّمها باسم الكتلة القومية إلى رئيس الجمهورية، أنّ الخطة تتطرّق إلى مواضيع متشابكة ومعقدة وحساسة، إلا أنها لا تقدّم توضيحاً للطرق والأساليب التي بموجبها يمكن أن ينتقل لبنان من الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد الإنتاج.
ولفت إلى أنّ الرؤية الخمسية للشأن المالي – الاقتصادي – النقدي تؤشر إلى تخطيط مستقبلي اتبعته سابقاً دول كبرى أكثر مما اعتمده لبنان. لكن هذه الرؤية جاءت تستهدف إقناع أو إرضاء صندوق النقد الدولي الذي تُنبئنا تجاربه في دول عدة عن إفلاسات وتعَثّرات وإخفاقات. فهل هذا ما نريده للبنان المحتاج إلى كلّ ما يضمن خروجه من أزمته الاقتصادية والنقدية إلى وضع صحي موثوق بنجاحه في الرؤية والخطة؟ وردّ حردان على مقولة “صندوق النقد ممرّ إجباري”، معتبراً أنّ للصندوق المذكور دفتر شروط يتعارض مع مبادئ السيادة الوطنية، وبالتالي لا بدّ من أن تعتمد الخطة حلولاً وخيارات عدة، أهمّها الذهاب الى مجلس التعاون المشرقي والتآزر الاقتصادي. وأكد “أننا نرفض رفضاً تاماً قاطعاً خصخصة مرافق القطاع العام، لأنّ الأجدى والأحرى بالدولة أن تُفَعّل تلك المرافق الأساسية بدءاً من الكهرباء والهاتف والمرفأ وصولاً إلى القطاعات الأخرى التي لا يمكن المغامرة ببيعها للقطاع الخاص. ولاحَظَ حردان غموضاً في الخطة الحكومية لناحية ودائع الناس في المصارف، مؤكداً أنّ هذه المسألة في منتهى الأهمية بالنسبة للمواطنين وحياتهم الكريمة وأمن لبنان الاجتماعي، وبالنسبة للثقة التي ينبغي أن تستعاد وتعَزَّز في القطاع المصرفي اللبناني الذي شكّلَ تاريخياً العمود الفقري في البنية الاقتصادية اللبنانية.
وشدّد حردان على ضرورة إعطاء الشأن السيادي أولوية في الخطة الاقتصادية ذات العناوين الإصلاحيّة، خصوصاً مع الشروط التي نرجّح أنّ صندوق النقد الدولي سيفرضها على أية مساعدة أو قرض تمويلي، وإننا في الوقت نفسه ندعو إلى اتخاذ قرار حاسم بالتعامل التجاري والتبادل الاقتصادي مع السوق السوريّة والسوقيْن العراقية والأردنية ومنهما إلى الأسواق الخليجية والعربية، لأنّ قراراً من هذا النوع يسهّل تبادل البضائع والسلع عبر الخط البري الذي يسدّ نقصاً كبيراً في السوق اللبنانية ويؤمّن مصلحة حيوية واستراتيجية للبنان.
كما اعتبَرَ حردان أنّ تحصين الأمن الغذائي هو تحصين للأمن الوطني، وأنّ أولى الخطوات المطلوبة هي إجراءات حاسمة لحماية المستهلك، وعلى وزارة الاقتصاد رفع الجهوزية وتحمُّل مسؤولياتها في مواجهة ارتفاع الأسعار وجشع التجار، وهذه من الخطوات التي توفر بيئة تستطيع الدولة من خلالها استعادة ثقة المواطن.
ونبّه حردان من خطورة اللجوء إلى ضرائب جديدة على المواطنين، ومن أيّ زيادة على ضريبة القيمة المضافة، كما أثار ملف النزوح السوريّ، وقال: نسمع صرخة عالية من كلّ الأفرقاء تتحدث عن كلفة النزوح السوري وبأنها تستنزف المالية اللبنانية، لذلك ندعو الحكومة اللبنانية الى التنسيق مع الحكومة السورية حول هذا الملف، لأنّ المصلحة الوطنية اللبنانية تقتضي إخراجه من مربَّع الاستثمار السياسي.
وفي ختام المداخلة طالب حردان رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بموقف رسمي حاسم مما تناقلته وسائل الإعلام ومصادر دبلوماسية حول تبنّي مندوبة لبنان في الأمم المتحدة السفيرة أمال مدللي للموقف الأميركي بشأن إعادة النظر في تفويض اليونيفيل وقواعد عملها في لبنان.
وكان مجلس الوزراء اجتمع أمس، برئاسة دياب في السرايا الحكومية، في جلسة مخصصة لمناقشة الوضعين المعيشي والاجتماعي وبحث ملف غلاء الأسعار والاحتكار في الأسواق. وأكد رئيس الحكومة في مستهل الجلسة أن “من واجب الحكومة مجتمعة مؤازرة وزارة الاقتصاد في معالجة غلاء الأسعار”. وأكد وزير الصناعة عماد حب الله أنه سيتمّ اتخاذ إجراءات لمكافحة الغلاء من دون قطع أرزاق الناس. وقالت وزيرة العدل ماري كلود نجم إن “وزارة العدل تتابع الشكاوى المقدمة من وزارة الاقتصاد وطلبنا البتّ بها سريعاً”.
وقالت مصادر وزارية لـ”البناء” “إن مجلس الوزراء يعمل مع جميع الاطراف للوصل الى اتفاق ويتمحور الحل حول ثلاث نقاط: صعوبة ضبط سعر صرف الدولار وهذه مشكلة رئيسية، احتكار التجار والمستوردين للسلع خصوصاً الأساسية منها، تهريب السلع والتهرّب الضريبي”. ولفتت المصادر الى أن “الامر يتطلب جهوداً اضافية لناحية ضبط الأسعار عبر التنسيق الدائم بين وزارتي الاقتصاد والداخلية والبلديات على أن تبدأ الوزارتان ابتداءً من الاسبوع المقبل بوضع خطة كاملة متكاملة موضع التنفيذ”، مضيفة أن “وزارة الداخلية ستطلب من البلديات المؤازرة عبر فرز عدد من افراد شرطة البلدية وتدريبهم للعمل تحت إشراف وزارة الاقتصاد لضبط الاسعار”. وقدمت اقتراحات عدة خلال الجلسة بهذا الخصوص لا تقتصر على تسطير محاضر ضبط بحق المخالفين، بل “طرحت مسألة دعم الدولة لبعض السلع الاساسية وتجميع بعض السلع الاخرى لبيعها في أماكن تحددها وزارة الاقتصاد وذلك للحد من الاحتكارات”.
وعادت أزمة المحروقات الى الواجهة رغم انخفاض سعر برميل النفط العالمي الى أدنى معدلاته! وأعلن عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات جورج البراكس أن “الزيارات لوزير الطاقة ريمون غجر لم تصل الى نتيجة”، وقال: “سنتوجه الى الاضراب وإقفال الطرقات”. وأشار البراكس إلى أن “الدولة غير قادرة على الوقوف بوجه شركات النفط التي حققت أرباحاً بسبب تجارة الدولار وتهريب المازوت إلى سورية”.
الى ذلك بدأ التفاوض بين الحكومة ممثلة بوزارة المال والشركات الاستشارية مع صندوق النقد الدولي الذي يعتبر محور الخطة الاصلاحية الحكومية، وأشارت المصادر الوزارية لـ”البناء” الى أن “التفاوض مع صندوق النقد انطلق وهناك أسئلة وجهها الصندوق تجري الإجابة عليها من قبل الحكومة”.
وعن المخاوف من شروط مالية وسياسية يُخفيها الصندوق، لفتت المصادر الى أن “وزارة المال والجهات الحكومية المفاوضة ستعود الى مجلس الوزراء بكل تفاصيل التفاوض لاتخاذ القرار المناسب اذ ليس هناك من تفاوض مطلق مع الصندوق بل الامر مرهون بنتائجه ومدى ملاءمته للأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية وخصوصية لبنان ودوره في المنطقة، ولا يمكن فرض اي شروط سياسية او مالية ترهق كاهل المواطنين وتؤدي الى تهديد الاستقرار الاجتماعي والأمني”. واشارت المصادر الى ان “الخطة الحكومية فتحت الباب امام التفاوض مع صندوق النقد والمؤسسات المالية الدولية والجهات المانحة لدعم لبنان، فضلاً عن ان الخطة الاصلاحية تتطلب مشاريع قوانين في المجلس النيابي ويمكن ان يصار لإدخال تعديلات عليها”.
وأشار المتحدث باسم صندوق النقد الدولي جيري رايس أن “وفداً من صندوق النقد الدولي يبدأ الاسبوع المقبل مشاوراته مع السلطات اللبنانية”. ولفت رايس في حديثٍ تلفزيوني إلى أن “المحادثات ستتركز حول الخطة الاصلاحية للحكومة اللبنانية”. وأكد أن “المهم بالنسبة الى صندوق النقد الدولي الإصلاحات التي تؤمن الاستدامة وإعادة الاستقرار والنمو في لبنان ولمصلحة اللبنانيين”.
وحملت تصريحات مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شنكر إيجابية ومرونة لجهة عدم ربط ملف حزب الله ودوره في الدولة بعملية التفاوض بين الحكومة وصندوق النقد وفصله بين الحكومة وبين حزب الله، رغم تعبيره عن أسفه لان “حزب الله يعمل خارج سيطرة الدولة ويُدخل لبنان في حروب لا يريد معظم الشعب خوضها لذلك أظن ان هذا الأمر خطير”. ورداً على سؤال للـ”ال بي سي” حول الإجراءات التي ستراقبها واشنطن لدعم خطة الحكومة وطلب المساعدة، قال شنكر: “ما نبحث عنه هو نوع الإصلاحات الهيكلية التي ستغير الطبيعة الأساسية لكيفية عمل الاقتصاد اللبناني”. وشدد على أن “الأمر الحاسم للحكومة اللبنانية أن يكون الى جانبها ليس فقط ما يسمى بإئتلافها الذي يتضمن حزب الله بل أن يكون الى جانبها الشعب اللبناني الذي سيخضع للتقشف الذي توصي به الحكومة”.
وعن الجدل الحاد حول مسؤولية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن الانهيار المالي، أكد أن “المصرف المركزي لم يكن كما أعتقد كأي مصرف مركزي آخر مستقلًا تمامًا فهو كان يتبع للسياسيين اللبنانيين لسنوات طويلة”. ما يفتح الباب بحسب مراقبين امام تسوية ما يسعى إليها الاميركيون لتغيير سلامة وتعيين شخصية أخرى.
ولم يبحث ملف التعيينات في جلسة الحكومة، وعلمت “البناء” أن “اللجنة المخصصة وضع آلية للتعيينات سترفع توصياتها الى مجلس الوزراء الثلثاء المقبل على ان يقرها المجلس وبعدها تطرح التعيينات على مجلس الوزراء”. ولفتت مصادر حكومية الى اتجاه حكومي لإعداد دفعة من التعيينات في مواقع لا تحتاج الى آلية، مشيرة الى أن محافظ بيروت زياد شبيب انتهت فترة انتدابه للإدارة والتجديد له غير وارد لمخالفة هذا الأمر القانون. وأشارت المصادر الى أن التعيين في رئاسة مجلس الخدمة المدنية كما في كل مجالس الإدارات لا يحتاج الى آلية التعيينات. واعتبر وزير الأشغال ميشال نجار الى أن “تعيين المحافظ يجب بتّه قبل 19 أيار وكل ما نريده أن يُعرَض على مجلس الوزراء أكثر من اسم لاختيار الأنسب والأكفأ”.
وفي غضون ذلك، وبعد مقاطعته اجتماع بعبدا، واصل الرئيس سعد الحريري حملته على العهد والتيار الوطني الحر، وعقد اجتماع أمس لرؤساء الحكومات السابقين في بيت الوسط، وبعيد اللقاء سجلت سلسلة مواقف للحريري صوّب خلالها على التيار الوطني الحر، مشيراً الى “أنني لن أندم على مقاطعة اجتماع بعبدا وننتظر النتيجة، لأن الناس ملّت من الأقوال”. ورأى الحريري أن “الكلام عن اجتماع وطني وغيره مما شاهدناه أمس، هو التفاف على الطائف وأنا من أشدّ المتمسكين بالحوار ولكن ليس الضحك على الناس”. وأسف لأن “مكافحة الفساد تتطلب الإفراج عن التشكيلات القضائية وهم لا يريدون مكافحته”. وقال: “إذا لا تريدون سعد الحريري ضعوه في الحبس وانهضوا بالبلد وحدكم ولا مشكلة لي مع أحد. وإذا اردنا أن “يمشي” البلد علينا ان نمشي “جالس”. وسخر الحريري من أن “11 سنة ووزارة الطاقة بعهدة “التيار” وهو اليوم بريء من ملف الفيول المغشوش ويريد تغطية عجز الكهرباء بتفاهات باخرة، وكأن هذا الهدر كله سببه هذا الملف في وقت رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وغيره من وزراء “التيار” هم مَن وقعوا على هذه العقود”.
وردّت مصادر نيابية في التيار الوطني الحر على كلام الحريري، مشيرة لـ”البناء” الى أنه “لن يقدّم ولن يؤخر ولن يؤثر في تصميم العهد والحكومة والقوى المكونة لها على العمل لإنقاذ البلد من الازمات القائمة”، واضعة تصريحات الحريري في إطار التصعيد التفاوضي الذي يريد من خلفه الحوار مع قوى الحكومة لعقد اتفاق او تسوية سياسية ما”. ودعت المصادر الحريري وتيار المستقبل الى الإقلاع عن النكايات والسجالات السياسية والبحث عن النقاط المشتركة التي تجمعنا، كما دعته الى أن يحذو حذو رئيس الاشتراكي وليد جنبلاط. كما لفتت الى أن “من تغيب عن لقاء بعبدا إنما أقصى نفسه وتخلف عن المساعدة ونجدة الوطن وشعبه في عز الأزمة التي يمر بها”.
وعن قوله إن وزارة الطاقة كانت بيد وزارة الطاقة أوضحت أن “الرئيس الحريري ومَن مثله من رؤساء آخرين كانوا موجودين في سدة رئاسة الحكومة، فلماذا لم يفعل شيئاً في ملف الكهرباء؟ علماً ان الوزير لا يستطيع فرض الخطط والمشاريع بمفرده إنما يحتاج الى موافقة رئيس الحكومة ومجلس الوزراء. فمن الظلم تحميل وزراء التيار مسؤولية العجز في وزارة الطاقة بهدف التصويب السياسي. فهل نجح وزراء المستقبل في وزارات الاتصالات وغيرها؟ علماً أن الحريري والقوات وافقوا على خطة الوزيرة ندى البستاني الأخيرة!
وتساءلت المصادر عن الهجوم الاستباقي الذي يشنه الحريري على الخطة الاقتصادية للحكومة، مشيرة الى أن صندوق النقد هو الخيار الوحيد المتاح في المرحلة الحالية للحصول على دعم مالي، لكن لن يقدم الأموال إذا لم يلمس من الحكومة خططاً تنفيذية إصلاحية جدية لوضع البلد على السكة الاقتصادية الصحيحة وسياسة نقدية جديدة ونظام مصرفيّ سليم فنحن أصبحنا تحت المجهر الدولي”.
وعن موقف التيار من صندوق النقد اذا ما فرض شروطاً على لبنان، اوضحت “اننا لن نصدر احكاماً مسبقة قبل معرفة مطالب الصندوق والمجتمع الدولي والأمور مرهونة بنتائجها”.
وزار نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي ووزيرة الدفاع زينة عكر عين التينة ونقل الفرزلي بعد اللقاء عن الرئيس نبيه بري اهتمامه بـ”الحفاظ على ودائع اللبنانيين وهذا ما نريده”، وتلقى دياب اتصالاً من بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي، أكد فيه دعمه رئيس الحكومة في توجهاته الوطنية والإجراءات التي تتخذها الحكومة. وأكد البطريرك تأييد التوجهات التي يعتمدها الرئيس دياب بالنسبة لمعايير الكفاءة والنزاهة في التعيينات الإدارية، منوّها بـ”البعد الوطني الذي يلتزمه”.
على صعيد آخر، اعلنت وزارة الصحة عن تسجيل 33 إصابة في صفوف الوافدين خلال الـ24 ساعة الأخيرة فيما سجلت إصابة واحدة في صفوف المقيمين، ليرتفع بذلك إجمالي الإصابات بالفيروس إلى 784.