تكاد كل الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة وكل التدابير المتبعة خلال الشهرين الماضيين، من عزل وحظر و”مفرد ومجوز”، أن تذهب أدراج الرياح تحت عجلات “رحلات العودة” وعشوائية المعايير التي تميّزت بها إدارة هذه العملية رسمياً وصحياً، لا سيما في ضوء ما تكشف خلال الساعات الأخيرة من معطيات حول وجود “شهادات طبية مزوّرة” تم استخدامها لتأمين عودة بعض المصابين بالوباء من الخارج. فبعد فترة انضباط ناجحة، أعقبت الموجة الأولى من استيراد فيروس كورونا على متن الرحلات الإيرانية وغير الإيرانية، ما مكّن اللبنانيين من حصر بقعة انتشار الوباء ومحاصرة تفشيه، أتى قرار الحكومة باستئناف الرحلات الجوية من الدول الموبوءة ليعيد تشريع الموانئ اللبنانية أمام موجة ثانية من استيراد الفيروس إلى الداخل، فعاد عداد الإصابات إلى الارتفاع مجدداً مسجلاً بالأمس رقماً مخيفاً ينذر بالأسوأ إذا لم يسارع المعنيون إلى تدارك الوضع وإذا لم يتعظ المواطنون والمقيمون أنفسهم بان يقلعوا عن تراخيهم المشهود منذ تخفيف إجراءات التعبئة العامة، حيث سرعان ما “فلت الملق” بشكل ملحوظ في الشوارع مع خروج الناس عن قواعد الحذر والحظر في بيروت والمناطق، ليقف البلد هذه المرة مباشرةً فوق فوهة بركان وبائي يرتفع منسوب المخاطر من انفجاره دراماتيكياً بشكل قد يفوق قدرة الدولة والأجهزة الاستشفائية والطبية على تلقف كرات النار المنبعثة منه.
إذاً، وبعدما كانت إحصاءاتها تسجل في الآونة الأخيرة إصابتين كمعدل أقصى يومياً، نزل بالأمس إعلان وزارة الصحة عن حصيلة الـ36 مصاباً بالوباء كالصاعقة فوق رؤوس اللبنانيين وسط توقع الطواقم الطبية أن تسجل الأيام المقبلة ارتفاعاً مطرداً في حصيلة الإصابات مع صدور نتائج حزمة جديدة من الفحوص في مختلف المناطق. غير أنّ اتساع دائرة تفشي الوباء سبّب على وجه التحديد حالة من الهلع في الأوساط العسكرية والقضائية والحقوقية تحت وطأة ظهور 13 حالة مصابة في صفوف العسكريين المناوبين في المحكمة العسكرية، الأمر الذي أدى إلى استنفار المؤسستين العسكرية والقضائية لحصر أعداد الإصابات المحتملة وعزلها، كما سارعت نقابة المحامين إلى إطلاق حملة فحوصات لأعضائها لا سيما من كانوا منهم على احتكاك مباشر مع متابعة قضايا في أروقة المحكمة العسكرية، على أن تُصدر النقابة اليوم بياناً تعلن فيه النتيجة النهائية للفحوصات التي أجريت للمحامين، بينما سيصار غداً إلى إخضاع عدد من القضاة العدليين في المحكمة العسكرية لفحص الـ”PCR” للوقوف على حجم تفشي الفيروس في المحكمة وهل تسلل إلى جسم القضاء العسكري.
سياسياً، تتجه الأنظار اليوم إلى بنشعي لرصد الخطوط الحمر العريضة التي سيرسمها رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية في لعبة تصدي طرف في “المنظومة السياسية” والحكومة على السواء لهجمة “العهد” العوني و”التيار الوطني” عليه ومحاولة اقتناص الفرصة تلو الفرصة للاقتصاص منه ومن الشخصيات المحسوبة عليه في وزارة الطاقة والمنشآت النفطية على خلفية قضية الفيول المغشوش عبر قنوات قضائية يعتبرها فرنجية خالصة الولاء للتيار الوطني تأتمر بأوامره دون مقاربة التحقيقات مسؤولية وزراء التيار المتعاقبين على حقيبة الطاقة عن هذه الفضيحة وعن مسلسل السمسرات والهدر الناتج عن أدائهم منذ أيام ولاية جبران باسيل مروراً بكل “المستشارين الوزراء” الذين نصّبهم خلفه في هذه الحقيبة.
أما في المشهد السياسي المتداخل محلياً وعربياً، فاسترعت الانتباه أمس زيارة السفير السعودي وليد البخاري إلى “بيت الوسط” غداة البلبلة التي أثيرت على مدى الأيام الأخيرة حيال مسألة استعداد بهاء الحريري للدخول إلى ساحة المعترك السياسي اللبناني والإطاحة بشقيقه عن كرسي الزعامة الحريرية. وإذ توقفت مصادر مواكبة لهذه القضية عند “حماسة قوى 8 آذار لعودة بهاء ومحاولة تعويمه إعلامياً عبر سلسلة تصريحات وتسريبات تتحدث عن غطاء عربي ودولي لتعبيد الطريق أمام تسلّمه راية الحريرية السياسية في لبنان”، أكدت هذه المصادر أنّ زيارة البخاري إلى “بيت الوسط” كانت بالأمس “كاملة الدسم” لناحية دلالاتها وأبعادها السياسية، لا سيما وأنّها أتت “بطلب من السفير السعودي لتبديد أي لُبس في الموقف السعودي الداعم لرئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري ولمرجعيته السنية في البلد، مقابل فرملة أي شطط في التحليلات والتأويلات حيال موقف المملكة العربية السعودية إزاء موضوع شقيقه بهاء، ما يسحب تالياً البساط العربي من تحت أقدام أي محاولة لشق الصف السنّي في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها لبنان”.