هل يصدق اللبنانيون في فترة حجرهم المستعادة منذ مساء امس الى فجر الاثنين، دولتهم التي اكتشفت البارحة معضلة التهريب المزمنة عبر الحدود اللبنانية السورية، وكأنها حديثة العهد، وقطعت التعهدات الحاسمة والحازمة بمكافحة مزراب الاستنزاف المالي بمليارات الدولارات؟ التشكيك مشروع تماما ليس لان ما رافق احاديث الوزراء المعنيين خلال اجتماع المجلس الأعلى للدفاع امس في قصر بعبدا الذي خصص لهذه المعضلة عكس “فقر معرفة” في مسارب هذه المشكلة فحسب، بل لانه قبل ان يجف حبر القرارات التي اتخذها المجلس الأعلى للدفاع كان صاحب النفوذ الأقوى على الحكومة الحالية ومعظم الدولة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله يسارع الى رسم استراتيجية سياسية وأمنية وعسكرية مختلفة للحكومة والأجهزة والجيش في هذه القضية دافعاً من جديد نحو التنسيق والتعاون بين لبنان والنظام السوري. والواقع ان هذا الملف قفز الى واجهة المشهد الداخلي متخطيا فوضى التفلت من تدابير الحماية في مواجهة الانتشار الوبائي وعودة البلاد الى عين العاصفة الكورونية مما املى بدء فترة حجز عام متجدد لأربعة أيام وذلك في ظل تطورين: الأول انطلاق المفاوضات الرسمية بين لبنان وصندوق النقد الدولي حول طلب لبنان دعم الصندوق لمواجهة ازمته المالية والاقتصادية الخانقة، والثاني تصاعد معالم ضغوط دولية جديدة على لبنان في مجموعة ملفات منها ملف “حزب الله ” لجهة نفوذه على الحكومة قد يكون خطرا على الخطة التي قدمتها الحكومة كإطار للاتجاهات الإصلاحية المقبلة التي تفاوض على أساسها الصندوق الدولي. ومن هذه الناحية فسرت أوساط معنية واسعة الاطلاع لـ”النهار” مسارعة الدولة عبر المجلس الأعلى للدفاع الى استدراك تداعيات شديدة السلبية تتهدد الواقع المالي كما الخطة الحكومية مع اتساع انكشاف حجم التهريب الهائل عبر المعابر غير الشرعية على الحدود اللبنانية السورية وخصوصا لمادتي المازوت والطحين. وإذ عبر وزراء شاركوا في الاجتماع عن دهشتهم لأرقام التهريب واعترفوا بان الكميات المستوردة لمواد أساسية كالمازوت والقمح تفوق بكثير حاجة السوق الاستهلاكية المحلية بما يؤكد جسامة حجم التهريب الى سوريا، اكدت الأوساط المعنية ان رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة حسان دياب بالاتفاق مع الفريق الوزاري والاستشاري الأساسي المعني بمتابعة الخطة الحكومية والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، قرروا ملاقاة انطلاق هذه المفاوضات امس تحديدا بتوقيت متزامن لاجتماع المجلس الأعلى للدفاع وإعطاء الرسالة العملية الى المجتمع الدولي حيال جدية الدولة في معالجة ملف التهريب عبر الحدود اللبنانية السورية معالجة حاسمة. ومن القرارات العلنية للاجتماع ان المجلس قرر تكثيف المراقبة والملاحقة وتشديد العقوبات على المهربين وشركائهم والتنسيق بين الأجهزة المعنية لضبط الحدود وإقفال كل المعابر غير الشرعية ووضع خطة لاستحداث مراكز مراقبة عسكرية وأمنية وجمركية.
وأفادت المعلومات انه تبين ان هناك معبرين كبيرين بين حوش السيد علي ووادي فيسان بين الهرمل ووادي خالد، يتم عبرهما تهريب مشترك عابر للمناطق والطوائف وعبر الشاحنات والصهاريج، هذا عدا عن معابر صغيرة يتم التهريب فيها بطرق بدائية منها استخدام البغال، وذلك على طول المناطق المتداخلة بين لبنان وسوريا حيث عدد من القرى والمنازل نصفها في لبنان ونصفها الاخر في سوريا.
ولا تنحصر خسائر لبنان بمادتي المازوت والطحين المدعومين بالعملة الصعبة اللتين تهربان الى سوريا، بل ايضاً بالتهرب الجمركي وبالتهريب من سوريا الى لبنان لخضار وفواكه ومنتجات قطنية وورقية.
“رد” نصرالله؟
ولكن المفارقة ان موقف نصرالله جاء بمثابة رد خاطف على قرارات المجلس واتجاهات الحكومة اذ سارع الى ادراج معالجة ملف التهريب والحدود في اطار توظيف سياسي فاقع دفع عبره الى تعويم العلاقات مع النظام السوري وهو الامر الذي يرجح ان يحرج الحكومة التي يدأب الحزب على اعلاء الصوت بدعمها. واللافت ان نصرالله سأل الحكومة مباشرة :”كيف تذهبين لطلب المساعدة من الدول ولماذا لا يكون ترتيب للعلاقة مع سوريا ؟” وإذ اعتبر ان ترتيب هذه العلاقة “يخدم الاقتصاد اللبناني ” طالب بالتعاون بين الحكومتين والجيشين لحل مشكلة التهريب وحذر من الأصوات التي تطالب باستقدام قوات الأمم المتحدة الى الحدود مع سوريا باعتبارها “من اهداف عدوان تموز “.
بدء المفاوضات
تزامن ذلك مع اعلان وزارة المال رسميا ان الحكومة اللبنانية باشرت امس مفاوضات رسمية مع صندوق النقد الدولي لمناقشة خطة التعافي المالي وان وزير المال غازي وزني يدير هذه المحادثات ويشاركه فيها فريق من وزارة المال ومصرف لبنان بحضور ممثلين عن مكتب رئيس الجمورية ومكتب رئيس الوزراء.ويتم تنظيم هذه المحادثات من طريق مؤتمرات الفيديو. وقال وزير المال ان الحكومة وصندوق النقد الدولي قد أنجزا المرحلة الأولى من المحادثات بهدف التوصل الى اتفاق يعيد وضع الاقتصاد اللبناني على المسار الصحيح “ونحن مرتاحون الى أجواء هذه المناقشات الأولية ونتوقع ان تكون المناقشات المقبلة بناءة بالقدر ذاته “.
ومساء امس اعلن متحدث باسم صندوق النقد الدولي ان “خبراء صندوق النقد الدولي بدأوا الاثنين عقد اجتماعات من بُعد مع الفريق الاقتصادي في لبنان ويضم معالي غازي وزني، وزير المال وفريقه، وكبار المسؤولين في مصرف لبنان. وناقش الطرفان قضايا محددة تتعلق بالاقتراحات المقدمة في خطة الإصلاح الاقتصادي التي وضعتها الحكومة. والهدف من هذه المناقشات هو التوصل إلى إطار شامل يمكن أن يساعد لبنان في معالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة في الوقت الراهن واستعادة استدامة الأوضاع والنمو. وسوف تستمر هذه المناقشات في الأيام المقبلة”.
وبالتزامن مع بدء المفاوضات أصدرت مجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان بيانا أعربت عن قلقها من تدهور الأوضاع الاقتصادية وتزايد الفقر والمعاناة لدى اللبنانيين دعت المجتمع الدولي والمنظمات والمؤسسات الدولية والمالية الى دعم مساعي لبنان لمعالجة الازمة الحالية.
الحجر مجدداً
وسط هذه الأجواء بدأت في السابعة مساء امس فترة الحجز الشامل المتجددة لفترة أربعة أيام بعدما تجاوزت المخاوف من انهيار سقف السيطرة على ازمة انتشار فيروس كورونا في لبنان التقديرات وهددت بتفلت واسع في الأيام الأخيرة. ومع ان عدد الإصابات الذي سجل امس أعاد العداد الى مستوى هادئ اذ سجلت وزارة الصحة 8 إصابات فقط فيما سجل مستشفى رفيق الحريري الحكومي إصابة واحدة مساء فان ذلك لم يحجب المخاوف من تصاعد الأرقام أولا بسبب التفلت الواسع من تدابير الحماية والتباعد ووضع الكمامات كما برز تكرارا امس في مشاهد الاحتشاد امام المصارف والمتاجر وعلى الطرق العامة، وثانيا بسبب ما أظهرته التحقيقات من عدم التزام مقلق لإعداد من العائدين من الخارج بتعهداتهم في التزام الحجر المنزلي لأسبوعين حتى لو كانت نتائج فحوصاتهم سلبية. وهذان التحديان يتجددان مع بدء فترة الحجزالجديدة خصوصا ان المرحلة الثالثة من إعادة اكثر من 11 الف لبناني من الخارج ستنطلق اليوم.