توُّجَ أمس إنتهاء فترة الاقفال العام لمدة اربعة ايام بالإعلان عن فتح البلد جزئياً اليوم. فيما إقترح وزير التربية استكمال العام الدراسي عن بُعد ومن دون حضور، والغاء الامتحانات الرسمية للثانوية العامة وترفيع الطلاب الى صفوف اعلى، واستكمال ما تبقّى من البرامج الدراسية في السنة الدراسية المقبلة، على ان يتخذ مجلس الوزراء القرار في هذا الصدد، خلال جلسته غداً على الارجح. فيما لم تنجح الحكومة في تحقيق انجاز ملموس على صعيد لحجم الارتفاع الجنوني في الاسعار، والذي يلتهم القيمة الشرائية للعملة الوطنية التي يتدهور سعرها امام العملات الاجنبية، وفي مقدمها الدولار، الذي تراجع الى ما دون الـ4 آلاف ليرة في السوق السوداء، نتيجة الاجراءات القضائية المتخذة ضد مجموعة من الصرافين المتهمين بالتلاعب. فيما أُطلقت أمس صرخة روحية مسيحية مزدوجة، تشكو من التدخّل السياسي في القضاء، ومن غبن يلحق بالمسيحيين، ولا سيما منهم الارثوذكس، في التعيينات الادارية. وهذه الصرخة اطلقها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي ومتروبوليت بيروت للروم الارثوذكس المطران الياس عوده.
على وقع التطورات السياسية والاقتصادية والمالية والصحية المتلاحقة، تستمر الانظار منصبّة على المفاوضات الجارية بين الحكومة وصندوق النقد الدولي، في ضوء خطتها «الإنقاذية» التي اعلنتها اخيراً لمعالجة الانهيار الاقتصادي والمالي الذي تعيشه البلاد، وما يمكن ان يقدّمه الصندوق في هذا الصدد.
الجولة الثانية
وستبدأ اليوم الجولة الثانية من هذه المفاوضات، وسيكون الحدث الأبرز فيها حضور حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي كان تغيّب عن الجولة الاولى، واكتفى بإرسال ممثلين عنه طرحوا وجهة نظر مصرف لبنان في الخطة الحكومية الإنقاذية.
ولن تكون مشاركة سلامة دليلاً على انتفاء التباين في وجهات النظر بين الحكومة ومصرف لبنان، بل العكس هو الصحيح. وحسب معلومات «الجمهورية»، سيحرص سلامة على اعلان وجهة نظره المخالفة لمضمون الخطة الانقاذية، في ما يتعلق بتقدير خسائر مصرف لبنان، وسيطرح الحلول التي يرى انّها مناسبة اكثر لمعالجة ما تسمّيه الخطة «فجوة مالية». وسيقول للمفاوضين في صندوق النقد ما يعتبره ملائماً اكثر للإنقاذ في موضوع اعادة هيكلة مصرف لبنان.
وعلمت «الجمهورية»، ان لقاءً سيجمع مسؤولين في وزارة المال ومسؤولين في مصرف لبنان، سيسبق بدء الاجتماع مع صندوق النقد، من دون أن يعني ذلك حصول محاولات لتقريب وجهات النظر، بل سيُخصّص اللقاء لتبادل الافكار وتوضيح بعض الامور.
إعادة فتح البلد
وكان التطور البارز امس، إعلان رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب، في كلمة بعد اجتماع اللجنة الوزارية لمتابعة تطورات كورونا، «إعادة فتح البلد جزئياً» اليوم، في ختام اربعة ايام من الاقفال، أريد منها تلافي دخول البلد في جولة جديدة خطرة من تفشي وباء كورونا منذ اواخر شباط الماضي.
ودعا دياب إلى أن يتحمّل «كل منا مسؤولية نفسه»، مشيراً الى «انّ لبنان نجح في البقاء في مرحلة احتواء تفشي الفيروس منذ بداية الجائحة، وهدفنا هو البقاء في هذه المرحلة»، لكنه قال: «نحن في مرحلة خطرة وحساسة جداً، لأنّ أزمة كورونا ستمتد الى فترة طويلة، وهي تهدّد بحصد أرواح أحبائنا، ويمكن أن تكون الموجة الثانية أسوأ من ذروة المرحلة الأولى». وأعلن دياب فتح البلد جزئياً اليوم «استناداً إلى الخطة المرحلية، وسيتطلّب ذلك منا تضحيات أكثر والتزاماً أكبر، على أن نلجأ إلى اعتماد سياسة العزل الصحي للمناطق أو الأحياء التي تُسجّل فيها نسبة إصابات عالية». وناشد اللبنانيين «اعتماد الرقابة الذاتية، وتحمّل المسؤولية، وعدم المغامرة بأرواحهم وأرواح عائلاتهم وأرواح الناس».
فهمي
وقال وزير الداخلية العميد محمد فهمي لـ«الجمهورية»، انّ «المطلوب من المواطنين، مع العودة الى تخفيف التعبئة العامة بدءاً من اليوم، ان يتحسسوا بالمسؤولية الفردية والمجتمعية لحماية أنفسهم وعائلاتهم ومحيطهم ومجتمعهم، ولإنجاح تجربة التخفيف التدريجي للقيود المتبعة»، لافتاً الى انّه «في ضوء المنحى الذي سيسلكه فيروس كورونا خلال الأيام المقبلة، يتقرّر ما اذا كان سيتمّ اعتماد مزيد من المرونة في الإجراءات، ام سيُعاود التشدّد في تطبيقها مجدداً». وأوضح انّ قاعدة «المفرد والمجوز» ستبقى سارية المفعول حتى اشعار آخر. داعياً المواطنين الى «ان يتقيّدوا بارتداء الكمامات خلال تنقلاتهم والمحافظة على المسافة الآمنة، لأنّ التراخي مجدداً في تطبيق التدابير الوقائية سيعيدنا مرة أخرى إلى الوراء».
وعن القرار الذي سيتخذه في شأن موقع محافظ بيروت مع انتهاء المدة القانونية للقاضي زياد شبيب بعد غد الأربعاء، أجاب: «كل شي في وقتو حلو».
وكانت وزارة الداخلية والبلديات أعلنت في بيان مساء أمس، منع الولوج والخروج الى الشوارع والطرقات، ما بين الساعة السابعة مساءً حتى الخامسة فجراً من كل يوم، وذلك ابتداء من اليوم، مع الإبقاء على تقييد الحركة بحسب ارقام اللوحات (المفرد والمزدوج).
وأشار البيان، إلى السماح بـ«فتح المؤسسات العامة ابوابها امام المواطنين خلال الدوام الرسمي المعتمد، وتعود للوزير المختص تحديد نسبة جهوزية الموظفين، على ان لا تقلّ هذه النسبة عن 50 في المئة من العدد المحقق».
وسُمح بفتح وإقفال المؤسسات الخاصّة والمهن الحرّة ضمن مواعيد محددة، وضمن ضوابط التقيّد بإجراءات التعبئة العامة وشروط الوقاية والسلامة.
العام الدراسي
من جهته، أعلن وزير التربية والتعليم طارق المجذوب، في كلمة له من السراي الحكومي، انّه «اقترح الغاء دورة العام 2020 لامتحانات الثانوية العامة بكل فروعها، وفق ضوابط ستُناقش في جلسة مجلس الوزراء». واقترح استكمال العام الدراسي للمراحل كافة، الاكاديمية والمهنية، دون الحضور، حتى آخر أيار، وترفيع التلامذة الى الصف الاعلى مع تعويض الكفايات، واكمال العام الدراسي عن بُعد في كل الصفوف، المهني والجامعي، وكل كلية تعلن موعد التوقف عن التدريس.
إصابات جديدة
وعلى صعيد الوباء الكوروني، أعلنت وزارة الصحة العامة في تقريرها اليومي، أنّ الفحوص المخبرية للكشف على كورونا أكّدت تسجيل 9 إصابات جديدة، 4 لوافدين، و5 لمقيمين. ليرتفع عدد الإصابات الإجمالي إلى 911 إصابة منذ ظهور الفيروس في لبنان في 21 شباط الماضي. وأوضحت الوزارة، أنّ عدد الوفيات بهذا العدوى بقي مستقراً على 26 حالة وفاة من دون زيادة، فيما ارتفع عدد حالات الشفاء إلى 247 حالة، أي نتيجتين سلبيتين لفحصين متتاليين.
وأكّد وزير الصحة حمد حسن، أنّه «لا يمكننا الانتقال من الاقفال الى الحياة الطبيعية الاّ بمرحلة انتقالية التي نعيشها حالياً»، معتبراً أنّه «خلال الفترة الماضية كسبنا الوقت ورفعنا من جهوزية المستشفيات الحكومية، وأصبحت لدينا مناعة صحية ووطنية على اعلى المستويات ضد الفيروس. وقد سمحنا بإستعمال الفحص السريع خلال الحملات بالمناطق». وشدّد على أنّه «اذا أصبح لدينا مناعة تدريجية على فيروس كورونا فهذا أمر جيد، والمطلوب حالياً الالتزام بالتعبئة العامة والتدرّج وصولاً الى الحياة الطبيعية».
مجلس الوزراء في بعبدا
وعلى الصعيد الحكومي، كشفت مصادر وزارية لـ«الجمهورية»، انّ جلسة مجلس الوزراء ستُعقد قبل ظهر غد الثلاثاء في القصر الجمهوري، للمرة الثالثة على التوالي، وعلى جدول اعمالها بنود عادية لا ترقى الى ملامسة الملفات الصعبة والمعقّدة.
وقالت هذه المصادر، انّ الجلسة لن تقارب ملف تعيين محافظ لبيروت بدلاً من القاضي زياد شبيب، حيث يُصادف انعقادها مع اليوم الأخير له في المحافظة، بعد انتهاء فترة انتدابه لست سنوات من القضاء الى السلك الإداري. وعليه، لم يُعرف بعد ما اذا كانت الصلاحيات ستنتقل الى امانة سر المحافظة او انّ قراراً سيصدر عن وزير الداخلية، يكلّف بموجبه، بعد التشاور مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، اياً من المحافظين ممارسة صلاحيات محافظ العاصمة بالتكليف.
وفي المعلومات ان لا خيار ثالثاً في شأن ملء الشغور في المحافظة بعد انتهاء ولاية شبيب من دون تعيين البديل. وهو امر رهن التفاهم مع متروبوليت بيروت لطائفة الروم المطران الياس عودة الذي يرفض ومعه اكثرية اقطاب الطائفة تعيين مستشارة رئيس الحكومة للشؤون الطبية الدكتورة الصيدلانية بيترا خوري باسيل محافظة لبيروت التي يصر عليها دياب، في حين، لم يعد باسيل معنياً بأمر تعيينها كما كشفت مصادر «التيار الوطني الحرّ» لـ»الجمهورية».
كذلك لن تقارب الجلسة اياً من ملفات التعيينات المطروحة على بساط البحث، ومنها نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة واعضاء الهيئات التابعة للمصرف ولجنة الرقابة على المصارف ومفوض الحكومة لدى مصرف لبنان.
صرخة مارونية ـ ارثوذكسية
وسُجّلت امس صرخة مارونية ـ ارثوذكسية، عبّرت عن رفض للوضع القائم على الصعيدين الاداري والقضائي، وما يحيق بالمسيحيين من اضرار وغبن على مستوى حصّتهم من التعيينات في مختلف القطاعات.
وفي هذا السياق، استغرب البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي «ممارسة بعض القضاة الذين يقضون من منظار سياسي أو انتقامي أو كيدي، من دون أي اعتبار لكرامة الأشخاص وصيتهم ومكانتهم ومستقبلهم»، سائلاً: «أين أصبحت التعيينات القضائية التي كنا ننتظر معها بزوغ فجر جديد يحمل إلينا قضاة منزّهين، أحراراً، متزنين، وغير مرتهنين لأشخاص أو لأحزاب؟».
ودعا الراعي خلال ترؤسه قدّاس الأحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، بمشاركة لفيف من المطارنة والكهنة «الدولة إلى دعم القطاع الزراعي كركن أساسي في الاقتصاد الوطني، وحمايته من المضاربة الخارجية، وتصدير الفائض منه، علماً أنّ أكثر من ثلث سكان لبنان يعيشون من الزراعة».
الارثوذكسيون المبعدون
من جهته، متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عوده، إعتبر «أنّ الأوطان لا تُقسّم وليست حكراً على أحد». وقال في عظة قداس الأحد في كاتدرائية القديس جاورجيوس: «ما يؤلمنا أننا وصلنا إلى هذه الأيام العجاف التي يُميّز فيها بين مواطن وآخر وطائفة وأخرى، ويرى الأرثوذكسيون أنفسهم مبعدين عن خدمة وطنهم، وانّهم مرفوضون كما كان السامريون. وأضاف: «لطالما طالبنا بالعدالة والمساواة، وباحترام الدستور وتطبيق القوانين، ونادينا باعتماد المساءلة والمحاسبة والثواب والعقاب، وباتباع آليةٍ شفافةٍ في التعيينات. فعوض الإفادة من طاقات أبنائنا ومعاملتهم كسواهم من أبناء هذا الوطن، تجاهلوهم على مرّ الأيام، ربما لأنّهم لا يرفعون الصوت ولا يستعملون أساليب لا تشبههم. يبدو أنّ الصمت يُعتبر ضعفاً في زمن الزعيق الفارغ، والسلوك الحضاري يُعتبر تراجعاً. لا يا سادة. من حق أبنائنا القيام بدورهم الوطني في كل المجالات».
وتابع: «السلوك الحضاري من شيمنا، لكن كنيستنا، من رأسها غبطة البطريرك يوحنا العاشر وصولاً إلى مسؤوليها وشعبها، تعبّر بصوت واحد عن رفضها لهذه الممارسات بحق أبنائها وترفض الغبن والظلم والإجحاف اللاحقين بهم».
وقال عوده: «نحن ضدّ المحاصصة فهلاّ تخلّيتم عنها؟ نحن ضدّ الطائفية فهلاّ أعلنتم قولًا وعملاً رفضها؟ نحن ضدّ الزبائنية والمحسوبية وضد الفساد والصفقات واستغلال السلطة والنفوذ فهلاّ رفضتموها مثلنا؟ نحن مع الدولة المدنية العادلة فهلاّ تجرأتم وأعلنتموها؟ وإلّا، وفي انتظار المدينة الفاضلة التي تقوم على العدالة والمساواة والحق والقانون، كفى استغباء لأبنائنا وإبعاداً لهم.
باسيل
وفي المواقف السياسية، إنتقد رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل «المنحى البكائي الانكماشي في الخطة الاقتصادية للحكومة بدلاً ان يكون انفلاشياً استثمارياً يشجّع على بيئة الأعمال دون فرض ضرائب جديدة، فالخسائر يجب تحديدها لكن ليس ضرورياً تسكيرها فوراً ولكن تدريجياً بإعادة تحريك الدورة الاقتصادية لإعادة تكوين الرساميل».
وتناول باسيل في مؤتمر صحافي، لم يردّ فيه مباشرة على رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، أبرز الملفات المطروحة سياسياً واقتصادياً ومالياً، فقال: «لا لسياسة تخسير المصارف كل شيء من موجوداتها، لأنّ بذلك تخسر الناس ايداعاتها، والتعويض يصبح صعباً واعادة قيام المصارف أصعب، فالمطلوب تسجيل خسائر عليها وأخذ أرباحها والفوائد التي استفادت منها وخفض الديون او استبدالها بفوائد مخفضة لآجال طويلة، ما يجبرها على اعادة الرسملة والدمج دون فرض». وأضاف: «انتبهوا نحن بلد الحريّات! ويقوم لبنان على نظام اقتصادي حرّ، فكما حريّة المعتقد والفكر والتعبير والتنقل، كذلك حريّة الاقتصاد لا يجوز المس بها».
وأكّد باسيل أنّ «رئيس الجمهورية لا يسقط الاّ اذا اراد هو ان يستقيل، واكيد ليس الجنرال عون من يفعل ذلك، لكن اذا تحقّقت فرصة التصحيح سيخرج أقوى مّما دخل، ولذلك هم لا يريدون للفرصة ان تتحقّق ويتمنون الانهيار». وتوجّه الى «الأطراف السياسية التي تهاجمنا علناً وترسل مراسيلها سراً»، فقال: «تهجمون علينا بالكلام كلما شعرتم أنّ مصالحكم أصبحت مهدّدة بانكشاف الحقيقة، مشكلتنا معكم ليست بالشخصي، بل بالسياسة وبالمنظومة التي ركبتوها وأفلست البلد ولا تريدون التخلّي عنها».