لا يمكن وصف الاسبوع الطالع باسبوع التحديات نظرا لوفرة التحديات التي تحوط الحياة اللبنانية بكل مفاصلها وعلى الدوام، لكن الاستحقاقات التي تبدأ من اليوم لن تكون سهلة فهي تنطلق من الهم الصحي بعد رفع حال التعبئة العامة ما يجعل امكان الانتشار الوبائي كبيرا، خصوصا مع ازدياد عدد الوافدين من الخارج، وعودة اللبنانيين الى الاختلاط في اماكن العمل التي ستستعيد نشاطها من اليوم، وان بوتيرة بطيئة نظرا للازمة الاقتصادية والمالية التي تعصف بالبلد.
والى الوباء، يعقد اليوم في السرايا الحكومية اجتماع لسفراء الدول التي شاركت في مؤتمر “سيدر” لعرض جديد للمشاريع على امل توفير قروض ومساعدات تعيد تحريك العجلة الاقتصادية في لبنان. وعلمت “النهار” ان العرض الجديد خفض القيمة المالية للمشاريع المعدة من 11 مليار دولار الى نحو 5 مليارات او ما يزيد قليلا، بسبب تراجع عدد من الدول عن التزاماتها، والازمة الاقتصادية التي تضرب الاقتصادات العالمية وتبدل الاولويات، ما يجعل الابقاء على المبالغ التي رصدت قبل عامين امرا صعب المنال، اضافة الى الحصار العربي والغربي المضروب على لبنان وسياسته المنحازة لمحور دون آخر.
من جهة ثانية، يعود لبنان الرسمي الى جولة جديدة من المفاوضات مع صندوق النقد الدولي اليوم، وتشهد الجولة الثانية تبدلات على مستوى الشكل والمضمون. اذ من المتوقع ان تطرأ تغييرات اساسية على تركيبة وشكل الوفد اللبناني اذ ينضم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الى المفاوضات بعد مقاطعة للجولة الأولى التي اقتصرت على وزير المال غازي وزني ومجموعة مستشاريه ومستشاري رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والفريق السداسي الذي مثل مصرف لبنان من مختلف رؤساء الوحدات المتخصصة.
اما في المضمون فستختلف الصورة بشكل ايجابي واساسي، اذ ان دخول حاكم البنك المركزي مباشرة على الخط يعطي المزيد من الضمانات التي يطالب بها الصندوق لجهة الحصول على الارقام التي تحدد الخسائر الفعلية على مستوى الخزينة العامة ومصارف لبنان ومجموعة المصارف التجارية ان كان بالعملة الوطنية او بالعملات الأجنبية بما فيها مستحقات سندات الاوروبوند التي تمتلكها المصارف ومصرف لبنان والشركات المالية الدولية.
لكن هذه المرحلة ستشهد ايضا اختلافا في الارقام وفي النظرة الى الامور ما بين الوفد الحكومي والحاكم. ففي آخر مراحل المفاوضات تحفظ وفد مصرف لبنان على التقارير المالية للوزراة وتقديراتها للخسائر التي قيل انها لحقت بمصرف لبنان ووعد بارقام جديدة وموثقة.
ونقلت “المكزية” عن مصادر مالية ونقدية ان الخلاف في الأرقام بين مصرف لبنان ووزارة المالي والجهاز الحكومي ليس جديدا. فقد سبق ان أجرت الحكومة قراءة اولية للخسائر على اساس ان الدولار الأميركي يساوي 1517 ليرة قبل ان تجرى حسابات أخرى بدولار الـ 3500 ليرة وهو ما يقود الى ارقام مغايرة عند احتساب الديون المحلية بالدولار الاميركي بحيث سجلت الفروق عشرات المليارات.
وفي شأن متعلق، يشتد الخلاف ما بين الحكومة وجمعية مصارف لبنان بعد اعلان وزير المال النية الى خفض عدد المصارف الى النصف ودمج بعضها بالبعض الاخر. وهو اعلان اثار جمعية المصارف ونقابة موظفي المصارف التي اصدرت بيان استنكار. من جهة ثانية، فان مسألة عدم سداد مستحقات سندات الاوروبوند، ومحاولة تحميل المصارف النتائج، قد يدفع الاخيرة للانضمام الى الشكوى امام مراجع التحكيم الدولية الى جانب المالكين الأجانب، ان لم تعدل الحكومة في توصيفها للوضع النقدي ولم تعترف بالعجز الحكومي وبمسؤولية الدولةعن الديون للمصارف.
ومن التحديات التي تتظهر اليوم بشكل واضح، بعد اعلان وزير التربية والتعليم العالي طارق المجذوب انه “اقترح الغاء دورة العام 2020 لامتحانات الثانوية العامة بكل فروعها وفق ضوابط ستناقش في جلسة مجلس الوزراء، واقترح استكمال العام الدراسي للمراحل كافة الاكاديمية والمهنية من دون حضور حتى آخر آيار وترفيع التلامذة الى الصف الاعلى مع تعويض الكفايات”. كما أعلن المجذوب “اكمال العام الدراسي من بعد في كل الصفوف المهني والجامعي”.
هذا الاعلان قوبل بعدم ارتياح في الوسط التربوي، وصرح مصدر مسؤول لـ”النهار” انه مع حرص المدارس على صحة المعلمين والتلامذة، فانها ستواجه مشكلة كبيرة بل مشاكل ستدفع عددا كبيرا منها الى الاقفال او تعليق عملها الى حين توفير الحكومة حلولا مالية، اذ ان عودة التلامذة الى المدارس بشروط وضوابط، كانت ستساعد الادارات في تحصيل جزء من الاقساط، ما يوفر مبالغ تضمن دفع الرواتب ومصاريف التشغيل، ما يضمن الاستمرار. اما انهاء العام الدراسي، والغاء الامتحانات الرسمية لكل الشهادات، والترفيع التلقائي للتلامذة، فستخلق فوضى تحتاج وقتا لاعادة تنظيمها، كما لن تدفع الاهالي على تسديد مستحقاتهم. واكد المصدر ان الادارات التي سددت اجزاء من الرواتب في الشهرين الماضيين، لن تكون قادرة على دفع الرواتب للاساتذة بدءا من هذا الشهر والى العام الدراسي المقبل. وهذا سيدفع الى نشوب مشاكل بين المدارس ومعلميها والاهل، يذكر بالتوتر الذي حصل اثر صدور القرار 46 بالدرجات الست للمعلمين والتي لم تتمكن معظم المدارس من تطبيقه. وقدم المسؤول التربوي مثالا على مدرسة كبيرة تملك في صندوقها مئة مليون ليرة فقط ستوزعها على الاساتذة والموظفين بمعدل 300 الف ليرة للمعلم و200 الف للموظف الاداري لشهر ايار. واما بعد فلا حل في الافق.
واكد المسؤول التربوي لـ”النهار” ان مدارس عدة تبحث في الدمج او الاقفال، وهذا الامر وان يكن ضروريا لاعادة تنظيم العمل التربوي، فانه سيرتب بطالة جديدة في اوساط الشبان والشابات، وسيحرم فئات، خصوصا في مناطق نائية، التعليم الجيد، ما يدفع الى نزوح الى المدن، كما انه قد ينتج اجيالا لا تتلقى التعليم اللائق.
وختم ان المدارس الخاصة المجانية مرشحة للاقفال بعد تأخر وزارة المال في دفع مستحقاتها مدة خمس سنوات وتأكيد وزارة المال اخيرا ان لا ارصدة متوافرة لها. وابدى قلقه من ان يكون مخطط اقفالها الذي انطلق قبل اعوام يسلك طريقه الى التطبيق مع هذه الحكومة.
ولاحقا، علق منسق اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة في لبنان الأب بطرس عازار، في بيان، على ما أسماه “القرار- المفاجأة” لوزير التربية قائلا: “مع الأسف لعدم قيام معالي وزير التربية باستشارات تربوية، وبخاصة مع المؤسسات التربوية ونقابة المعلمين، لاتخاذ قرار تربوي وتعليمي يوازن بين مصلحة التلامذة وتأمين سلامتهم، هنيئا لمن نالوا ما طالبوا به، مع كل الاحترام لغاياتهم ومصالحهم، الويل لمن يتلاعب بمصير أجيالنا الطالعة ويحرق مستقبلهم، وفي الوقت ذاته لا يؤمن لهم لا السلامة ولا التعليم”.
أضاف: “لقد كشف هذا القرار غوغائية الذين كانوا يقولون أن المدارس الخاصة تتحكم بقرارات وزارة التربية. سامحهم الله لأنهم لا يدرون ما يقولون وحتى ما يفعلون”.
وختم معلنا “يوم غد الاثنين (اليوم) سيتشاور المسؤولون عن المدارس في ما بينهم بهدف إعداد اقتراحات خطيرة يرفعونها إلى مرجعياتهم، لأن الوضع لم يعد مقبولا السكوت عنه، لأنه يهدد مصير الوطن ومؤسساته ومستقبله المرتبط بمستقبل أجيالنا الطالعة”.