بعد مئة يوم من عمر الحكومة لم ينس اللبنانيون الوعد الذي قطعه رئيسها حسان دياب في حل الأزمة الإقتصادية. لكن مهلة المئة يوم انقضت من دون التقدم ولو بخطوة بسيطة على طريق الحل، بل بالعكس مكانك راوح، لا بل لا تزال تتفاقم الأزمة الإقتصادية النقدية التي تبدو عصيّة على الحل في ظل عدم الاقدام الجِدي حتى الساعة على خطوات الاصلاح، فيما يبقى الرهان ولو أنه طويل الأمد، على تحقيق شيء ما في اطار التفاوض مع صندوق النقد الدولي.
ولم يكن ينقص الحكومة أعباء إلى أن أتت أزمة كورونا لتزيد الطين بلّة. وبين مطرقة الأزمة الإقتصادية والمعيشية الضاغطة وخوف اللبنانيين على ودائعهم التي لا يزال مصيرها مجهولا، وسندان الكورونا وتداعياته الصحية مع ارتفاع عدّاد الإصابات وخوف اللبنانيين على حياتهم، تغرق الحكومة التي تتنصل من التزاماتها تجاه مواطنيها، في سيلٍ من التناقضات والإخفاقات بعد فشلها في إيجاد المخارج لهذه الأزمة، بالرغم من كثرة الإجتماعات، وإقتراحات الخطط، وآخرها كان الخطة الإقتصادية التي توجّهت عبرها إلى صندوق النقد بطلب المساعدة.
وسط هذه الأجواء الملبّدة بالشروط والشروط المضادة لخبراء صندوق النقد والقيمين على مؤتمر سيدر، استغربت مصادر مواكبة في اتصالٍ مع “الأنباء” كيف أن الحكومة ما كادت تعلن عن فتح البلد وعودة المؤسسات إلى العمل بشكل تدريجي، حتى عادت وأعلنت تمديد خطة التعبئة العامة إلى الثامن من حزيران المقبل، وإلغاء الإمتحانات الرسمية والتهديد المباشر من رئيس الحكومة بإعادة إقفال البلد مرة جديدة بذريعة تزايد عدد المصابين بكورونا.
مصادر حكومية نقلت لـ”الأنباء” أجواء التباينات التي ظهرت في جلسة مجلس الوزراء في موضوع كورونا وتمديد فترة التعبئة العامة وتهديد الرئيس دياب بإعادة إقفال البلد، في حين كان رأي أكثر من وزير غير ذلك.
وزير الصحة حمد حسن رأى أن لا مشكلة في عودة عمل المؤسسات شرط التقيّد بإجراءات الوقاية، ولا مانع لديه أن تكون هذه الإجراءات ملزمة للجميع، والتقيّد بوضع الكمامات على الوجه وبالأخص في العمل وفي الإجتماعات العامة، مع ضرورة التباعد ايضا قدر الإمكان، والإستعاضة عن السلام بالأيدي بإلقاء التحية عن بعد.
المصادر نقلت عن وزير الداخلية محمد فهمي التزام القوى الأمنية ومجلس الدفاع الأعلى بتنفيذ مقررات مجلس الوزراء بالكامل، وحيال ذلك تمت الموافقة على تمديد التعبئة العامة حتى نهاية الاسبوع الأول من حزيران المقبل، واستئناف تسيير الرحلات الجوية لعودة المغتربين.
المصادر الحكومية لفتت الى أن أجواء مجلس الوزراء أوحت أن الحكومة تتحكم فيها اربع قوى اساسية، الأول يمثّل الثنائي الشيعي الذي يبدو الأكثر تماسكا، الثاني الوزراء المحسوبين على التيار الوطني الحر، لكن الخلاف الذي نجم حول تعيين محافظ جديد لبيروت بدلا من المحافظ زياد شبيب قسم الوزراء المحسوبين على التيار إلى قسمين، الثالث هو فريق رئيس الحكومة، والرابع وزيرا المردة، اما الوزراء الآخرون فلا مشكلة لديهم.
من جهة ثانية، وفي سياق التعليق على موقف رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، وتجديد اتهامه التيار الوطني الحر وحزب الله بعرقلة تنفيذ الإصلاحات ومنع الحصول على أموال “سيدر”، اعتبرت مصادر التيار الوطني الحر في اتصالٍ مع “الأنباء” أن وزراء التيار “لا يتحملون وحدهم مسؤولية الأزمة الإقتصادية وعدم الحصول على أموال سيدر”.
واستغربت المصادر “كيف ان هناك من يريد تحميل كل شيء للتيار”، وبررت الكلام عن هدر المال في الكهرباء بالقول إن “الكل يعلم ان لبنان يعاني من نقص في الكهرباء بعد ان دمّرت إسرائيل معامل الإنتاج، وكان من الطبيعي إيجاد خطة بديلة لتأمين الكهرباء للبنانيين وهذا القرار كان يأخذه مجلس الوزراء مجتمعا وليس وزراء التيار وحدهم”.
مصادر حزب الله أبلغت “الانباء” عدم رغبتها في الدخول في سجال مع اي من القوى السياسية، وقالت ان تقدير المواقف السياسية والرد عليها هو من اختصاص قيادة الحزب وكتلة الوفاء للمقاومة التي تقدّر ما إذا كان هذا الموضوع يسلتزم الرد من قبلها ام لا، وفي جميع الحالات قالت المصادر: “نحن نعلم أن الحريري لن يتوقف عن اتهامنا”.
توازيا وتعليقا على الإجتماع الذي عقد في السراي الحكومي لإعادة تفعيل مقررات سيدر، إعتبرت مصادر مالية في إتصال مع “الأنباء” أن الأسباب التي دفعت الرئيس دياب إلى إعادة تحريك ملف “سيدر” هي إقتناعه أن التفاوض مع صندوق النقد الدولي لن يصل إلى نتيجة، خاصة وأن الصندوق لديه شروطه منها أن تكون الحكومة مستقلة، لأن صندوق النقد هو اميركا، واميركا ليست مستعدة لدعم حكومة مسيطر عليها من قبل حزب الله.
المصادر المالية قالت إن احتمال حصول لبنان من صندوق النقد على مساعدة مالية يبدو ضئيلا. ولهذا السبب جرى تحريك ملف “سيدر” الذي تم برعاية فرنسية، وأن الرئيس دياب يعرف أن فرنسا راغبة بأن يكون لها دور في لبنان، وهذا يعيدنا إلى زمن الإتفاق النووي 5+1، ويعتقد دياب أن من الممكن أن ينجح في اتصالاته مع “سيدر” أكثر من صندوق النقد، لأنه يرى مصلحة لفرنسا بإثبات وجودها في المنطقة بعد أن فشلت أميركا. لكن لم يخطر ببال دياب أن كل الصناديق افلست بسبب جائحة كورونا، وما يمكن الحصول عليه لا يستحق الذكر، فاذا كان يطالب رئيس الحكومة بـ 5 مليارات دولار كحد أدنى، فهو لن يحصل على أكثر من مليارين فقط، وهو بذلك يعتبر ان هذا المبلغ انجازا كبيرا بمعنى أنه نجح حيث فشل غيره.