بعد الإشكال الذي رافق الإقرار الصعب لاقتراح قانون العفو العام في جلسة اللجان النيابية المشتركة، وبعد الفضيحة التي فجرها رئيس جمعية المصارف سليم صفير في إجتماع لجنة المال والموازنة من خلال تحديد الفارق الكبير بالأرقام بين تلك المقدمة إلى صندوق النقد الدولي من كل من الحكومة ومصرف لبنان وجمعية المصارف، وتأكيد رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان بأن هناك إستحالة للتفاوض مع الصندوق بوجهات نظر مختلفة، وضع كلام رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط كل ما يجري من تأزم اقتصادي خطير في خانة الأخطاء الكثيرة في إدارة الحكم وبسبب الحرب الاقتصادية الدائرة بين الولايات المتحدة وإيران على أرض لبنان، التي يدفع اللبنانيون الضرر ثمناً لها على قاعدة “ثمة من يأكل الحصرم وآخرون يضرسون”.
جنبلاط الذي أعرب عن قناعته بأن العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على حزب الله لن تضعفه بل ستضعف لبنان، توقّع ثورة جوع حقيقية، مشيرا إلى أن الجوع قد بدأ، وطالب الحكومة بإثبات الشفافية والجدّية في التفاوض مع صندوق النقد الدولي.
مواقف جنبلاط، وصفها القيادي في تيار المستقبل الوزير السابق جمال الجراح، بأنها ”قراءة موضوعية للواقع المأساوي الذي تعيشه المنطقة في ظل الصراع الأميركي – الإيراني”؛ معتبرًا في حديثه لجريدة “الأنباء” أنه “لا يرقى الشك الى ان جنبلاط يستشرف المستقبل وله قدرة على فهم المتغيرات في المنطقة وإرتداداتها السلبية على لبنان”، مضيفاً: “كلنا نعرف أنه منذ بداية الصراع يدفع لبنان كلفة كبيرة تتمثل بابتعاده عن المحور العربي والدولي”.
ورأى الجراح أنه “كان من الممكن أن تشكل حكومة إنقاذ تستطيع انتشال البلد من هذا الوضع المزري، لكن هذه الحكومة لم تكن على قدر الآمال المعلقة عليها، فالذين يعتبرون أنفسهم بأنهم حكومة إختصاصيين يريدون تحويل الديون التي أنفقتها الدولة على المشاريع الى خسائر وتحميلها الى مصرف لبنان وشطبها، في عملية سطو واضحة الأهداف والمعالم على أموال المودعين، ومن غير المقبول أن تعتبر الحكومة الأموال التي استدانتها من مصرف لبنان بأنها خسائر، فهذه الأموال تخص المودعين ولا يجوز المسّ بها إلا إذا كانوا يريدون تحويل النظام المصرفي الحر ليصبح على شاكلة النظام المصرفي السوري”.
ووصف الجراح ما يجري “بالإنقلاب على الدستور، فلبنان الذي بنى أمجاده على النظام الإقتصادي الحر، يريدون اليوم القضاء عليه وجرّه إلى المحور الإيراني”، مستغرباً إصرار الحكومة على ما تسميه “إستعادة الثقة”، فعن “أي ثقة يتحدثون وهم يحاولون السطو على أموال المودعين؟ ولمصلحة من يجري تهريب الفيول والطحين وكل المواد الأولية المدعومة الى سوريا على سعر الصرف الرسمي (1500 ليرة)؟ ومن المستفيد في وقت أصبح فيه البلد على شفير الإنهيار والناس محجورة في منازلها والدولار يتجاوز الـ 4000 ليرة؟ لو كان لبنان في وضع إقتصادي سليم لقلنا إن المسألة فيها نظر، أما أن يستمر تهريب السلع المدعومة من العام 2005 والمغطى من الفريق الذي يدور في الفلك السوري فذلك كارثة حقيقية”.
وسأل الجراح أيضا: “أين التشكيلات القضائية؟ وأين إستقلالية القضاء ودولة الشفافية؟ لو كان لهذه الحكومة النية الصادقة لإنقاذ البلد لكانت وضعت يدها على كل ملفات الهدر والفساد، أما الحديث عن تركة ثلاثين سنة الماضية فهذا كلام فيه الكثير من التجني والكيدية ويمكن وصفه بالعذر الأقبح من ذنب”. وحول رأيه في إمكانية حصول لبنان على مساعدة صندوق النقد، قال الجراح: “أول ما يجب على لبنان فعله أن يساعد نفسه”، لافتا الى “الفارق الكبير بالأرقام المقدمة للصندوق بين ورقة الحكومة وورقة مصرف لبنان والورقة المقدمة من جمعية المصارف”، مطالبا بالتدقيق بهذه الأرقام والذهاب الى الصندوق بورقة موّحدة. وذكّر الجراح بأن “مصرف لبنان كان ينبه المسؤولين دائما من خطورة المرحلة، فكانوا في كل مرة يحشرونه في الزاوية يضطر الى شراء سندات خزينة ليغطي بها عجز الموازنات، وفي النهاية تريد الحكومة تحميل المسؤولية الى حاكم المصرف كما فعلوا مع الرئيس سعد الحريري الذي كان يعمل لأجل لبنان فتآمروا عليه ولم يقدموا له فرصة للإستفادة من “سيدر” للحصول على ثمانية مليارات دولار كانت مقررة للبنان بدل الأحد عشر مليار كي لا يقال إن هذا الإنجاز سيسجل للحريري، مع سابق الإصرار على تحميل الحريرية السياسية ما جرى في السنوات الثلاثين الماضية، متناسين أنهم في الحكم منذ خمس عشرة سنة، وأن وزارة الطاقة كانت بعهدتهم من إثنتي عشرة سنة، وأن الهدر فيها وصل الى خمسة وأربعين مليار دولار ولغاية الآن لا يوجد كهرباء، واليوم يقولون “إما سلعاتا أو لا كهرباء” لأنهم مصممون على إستنزاف مالية الدولة”.
في سياق متصل، رأت مصادر عين التينة في حديث لـ “الأنباء” أن قراءة جنبلاط للمواقف السياسية والتطورات في المنطقة “تنطلق من الواقعية والرؤيا الثاقبة التي يتميز بها في مشواره السياسي، ونحن نعتبر أنه والرئيس نبيه بري من عوامل الاستقرار في هذا البلد، فقد تكون مواقفه بعض الأحيان قاسية وجارحة لكن لا يمكن الا أن تكون جريئة وصائبة”.
مصادر عين التينة دعت الى “تضافر جهود المخلصين وكل القوى السياسية لإنقاذ البلد لأن الجميع في مركب واحد وإن غرق غرق الجميع”.
إلى ذلك وصفت مصادر متابعة المفاوضات الجارية مع صندوق النقد “بالمقبولة حتى الآن”، وقالت إن خبراء الصندوق “أبلغوا الجانب اللبناني أنهم بصدد تكوين صورة واضحة للواقع الإقتصادي اللبناني بانتظار الخطة المقدمة من جمعية المصارف، حيث سيعقد قريباً اجتماع بين حاكم مصرف لبنان رياض سلامه ورئيس جمعية المصارف سليم صفير من أجل الإتفاق على توحيد الأرقام على أن يصار بعدها الى مقاربتها مع أرقام الحكومة، اذ تحدثت أرقام الحكومة عن خسارة تبلغ 241 ألف مليار ليرة بينما تتحدث أرقام المصارف عن مئة ألف مليار وهي ليست خسائر ويمكن تعويض القسم الأكبر منها مع تحسن الوضع الإقتصادي”.
صحيا، كان البارز يوم أمس الإعلان عن إصابة 14 شخصا بكورونا في بلدة مجدل عنجر بعد إنتقال العدوى اليها عبر عنصرين من الجيش اللبناني كانا في عداد الذين اصيبوا في المحكمة العسكرية. وطمأنت مصادر وزارة الصحة عبر “الأنباء” الى أن الوضع في لبنان بشكل عام ما زال مقبولا، ولا نية للحكومة في الوقت الحاضر العودة الى إقفال البلد نهاية الأسبوع بسبب عطلة عيد الفطر السعيد، لكنها شددت على ضرورة التقيد بإجراءات الوقاية والاستعاضة عن احتفالات العيد في الأماكن العامة بالاحتفال في المنزل الى جانب العائلة.
أما بخصوص إعادة المغتربين اكدت مصادر متابعة لـ “الأنباء” ان المرحلة الثالثة التي كان مقررا ان تنتهي في 24 أيار جرى تمديدها يومين إضافيين أي الى السادس والعشرين منه.