بعثت الاحداث والتطورات التي شهدتها الساعات الـ48 الماضية على تفاؤل مالي واقتصادي جرّاء قرار مصرف لبنان التدخل للجم ارتفاع سعر الدولار ابتداء من 27 الجاري، قابله تشاؤم على الصعيد الصحي نتيجة تسجيل 63 اصابة جديدة بفيروس كورونا وهو اعلى رقم يسجل منذ بداية تفشي هذا الوباء في البلاد ليصبح العدد الاجمالي 1024 اصابة، ما استدعى تمديد حال التعبئة العامة اسبوعين اضافيين جديدين حتى 7 حزيران المقبل. وبرزت هذه التطورات في وقت قدّم رئيس الحكومة حسان دياب «جردة حساب» بما حققته حكومته في مهلة المئة يوم التي انقضَت على نيل الحكومة الثقة، فيما ستتركز الانظار اليوم على إطلالتي رئيس مجلس النواب نبيه بري والامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله وما يمكن ان تتضمناه من مواقف إزاء التطورات الجارية محلياً واقليمياً ودولياً.
ووصفت مصادر مطلعة الكلمة التي سيوجهها بري الى اللبنانيين اليوم بـ»المهمة جداً»، حيت ستكون كلمة شاملة، تتناول بالدرجة الاولى ذكرى التحرير، ورمزيتها، مع التأكيد على عِبَرها، اضافة الى الملف الداخلي بكل تفاصيله، وخصوصاً ما يتصل بالازمة الاقتصادية والمالية الخانقة.
وقالت هذه المصادر لـ»الجمهورية» انّ بري «سيشدد مجدداً على ضرورة ان تتخذ على المستوى الحكومي خطوات انقاذية سريعة لتخفيف الضغوط على اللبنانيين، خصوصاً انّ الجوع بدأ يطرق ابواب جميع اللبنانيين، وكذلك سيشدد على حق اللبنانيين في ودائعهم، في اعتبارها قدس الاقداس، وضروري ان تعود اليهم في اسرع وقت ممكن، وهذا واجب الدولة».
وسيتطرّق بري الى المفاوضات بين لبنان وصندوق النقد الدولي، «مع التشديد على مبادرة الحكومة الى إجراء الاصلاحات الضرورية، سواء ما يتّصل بالقطاع المالي او في ما يتعلق بالكهرباء، التي صار من الضروري ان يحسم هذا الامر نهائياً، لمرة أخيرة، بدل ان يبقى الجرح النازف في خزينة الدولة».
بري والتفسّخ
وقال بري لـ»الجمهورية» أمس انّ هناك حلحلة في مسألة الخلاف على تحديد الأرقام بين الحكومة وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، موضحاً انه إتفق مع سلامة على ضرورة ان يتم توحيد كلمة لبنان، وان يذهب الحاكم إلى وزارة المال ليشارك في الاجتماعات التي تعقد عبر اونلاين مع خبراء صندوق النقد الدولي حتى يظهر لبنان موحداً ومتماسكاً في المفاوضات.
وكشف بري انه طلب من لجنة المال والموازنة جمع وزارة المال وحاكمية مصرف لبنان والمصارف، «على الّا يخرجوا إلّا وهم متفقون»، منبّهاً الى «انّ التفسخ في الموقف يُسيء الى صورة لبنان ويضعف موقعه التفاوضي في مرحلة مصيرية لا تتحمل اي خلل من هذا النوع».
إتفاق دياب ـ سلامة
وقد اعلن دياب من على طاولة مجلس الوزراء أمس، لمناسبة انتهاء مهلة المئة يوم على نيل حكومته الثقة، أنّه تبلّغ وعداً من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أنّ «المصرف سيتدخل في السوق لحماية الليرة اللبنانية ولجم ارتفاع سعر صرف الدولار». وأعلن أنّه «سيتمّ دعم استيراد السلع الغذائية الأساسية وفقاً لجداول تمّ تحديدها، وستكون هناك متابعة يوميّة لخفض أسعار المواد الغذائية، وسيلمس اللبنانيون في وقت قريب تراجعاً في أسعار هذه السلع».
وقد تبيّن انّ هذا الامر تم الاتفاق عليه في اجتماع ليلي عقد ليل الاربعاء الخميس في السراي الحكومي بين دياب وسلامة، في حضور رئيس جمعية المصارف سليم صفير الذي لعب دور الوسيط بينهما بالتواصل مع مستشار رئيس الحكومة خضر طالب.
وفي معلومات لـ»الجمهورية» انّ اجواء اللقاء كانت ايجابية جدا حيث أبدى حاكم مصرف لبنان كل تعاون مع طلب رئيس الحكومة تدخل المصرف لمنع تدهور سعر العملة الوطنية، على غرار ما حصل في الايام السابقة وخصوصا في اليوم الذي قفز فيه الدولار 25 % صعوداً. وقد تم الاتفاق على ان يعلن دياب عن تعهّد سلامة في هذا الشأن في كلمته المتلفزة أمس في مجلس الوزراء، على ان يليه مباشرة صدور بيان عن الحاكم يؤكد فيه ما أعلنه دياب، وهذا ما حصل فعلاً.
إنخفاض الدولار
وقد أبدت اوساط حكومية تفاؤلها من انخفاض سعر الدولار الذي يمكن ان يتدحرج نزولاً في حال تحركت نسبة 20 % من الدولارات المخزّنة في البيوت، والمقدرة بين 5 و6 مليارات دولار في اتجاه الصرّافين لصرفها على اساس سعر الدولار المرتفع قبل البدء بانخفاضه او تحديده من قبل مصرف لبنان.
وقالت هذه الاوساط لـ»الجمهورية» انّ الناس يعتقدون انّ وباء كورونا خَدم الحكومة، ولكنه في الحقيقة أذاها كثيراً بعدما حاصرها وأدّى الى توقّف الـ fresh money من الخارج. وكشفت انه كانت هناك وعود خارجية للحكومة بودائع بأرقام خيالية تقدّمها جهات أبدَت استعدادها لدعم لبنان، وقالت: «هذا امر واقعي وحقيقي وليس خيالاً».
وعمّا اذا كان الخليج أعطى اشارات لجهة امكانية تحويل ودائع الى لبنان؟ قالت المصادر انّ «الخليج يقفل على نفسه بسبب كورونا، وحتى انّ التنقّل متوقّف بين دول مجلس التعاون الخليجي، وهذا الامر نحن نأخذه في الاعتبار».
وتوقعت مصادر واكبت اجتماع السراي الحكومي «أن يلجأ حاكم مصرف لبنان الى اصدار تعميم الاربعاء المقبل يحدّد فيه سعر الدولار للتجّار لاستيراد السلع الاساسية بالحد الادنى لتأمين السلع الغذائية الاساسية، وحيث من المقدر ان يكون هذا الدعم بقيمة مليار دولار حتى اواخر هذه السنة».
وسيقدم وزير الاقتصاد راوول نعمة اليوم لائحة هذه السلع الى الحاكم لبدء العمل عليها، وهذا سيتم بالتوازي مع تخفيف الضغط على طلب الدولار من الصرّافين، حيث سيتولى مصرف لبنان تأمين الدولار للتجّار بسعر يوازي 3200 ليرة مع تحديد الكميات وعدد التجار الكبار الذين سيسلمون البضاعة الى السوبرماركات، وهذا الامر سيؤدي الى انخفاض اسعار السلع الاخرى التي ستتأثر مباشرة بانخفاض سعر الدولار نتيجة قلة الطلب عليه، ما يؤدي الى توحيد سعر هذه السلع الاستهلاكية وانخفاضه بنحو ملحوظ، كذلك سيؤمّن عدم تهريب هذه الدولارات الى سوريا وتركيا كما كان يحصل سابقاً
المفاوضات
في غضون ذلك، افاد المكتب الاعلامي لوزارة المال أنّ الوفد المفاوض اللبناني برئاسة وزير المال غازي وزنة عقد أمس اجتماعه الخامس مع صندوق النقد الدولي، في حضور حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على رأس فريق من المصرف وفريق من لجنة الرقابة على المصارف «واتّسَمت الأجواء بالإيجابية»، وأكد أنّ الاجتماعات ستستكمل اليوم.
ما بعد خطة المصارف
الى ذلك، وبعد تقديم المصارف لخطتها الانقاذية، والتي أظهرت اختلافاً في أرقام الخسائر مع الخطة الحكومية، واختلافاً كبيراً في مقاربة طريقة المعالجة المطلوبة لاستعادة الثقة والخروج من الأزمة، تبدو المرحلة المقبلة مفتوحة على اكثر من احتمال، من أهمها:
اولاً – أن توافق الحكومة على فتح حوار مع المصارف ومع مصرف لبنان، في محاولة لتوحيد الرؤية الاقتصادية وتوحيد الارقام، والاتفاق على طريقة معالجة الأزمة. ومن ثم عرض هذه الرؤية على صندوق النقد.
ثانياً – أن تصرّ الحكومة على خطتها كما هي، وبذلك يصبح صندوق النقد الدولي في مواجهة خطتين رسميتين واحدة تتبنّاها الحكومة، وأخرى يعرضها مصرف لبنان، بالاضافة الى خطة ثالثة غير رسمية أنجزتها المصارف. مع الاشارة الى انّ أهمية القطاع المصرفي في أي عملية انقاذ، تعطي الخطة التي أعدّها القطاع أهمية استثنائية توازي أهمية الخطط الرسمية.
ثالثاً – ان يتدخّل صندوق النقد الدولي مباشرة لابداء الرأي وتسهيل التوافق على رؤية محدّدة.
وفي كل الحالات، توحي المؤشرات، ومن ضمنها الاجتماع في السراي الحكومي ليل امس الاول، والذي ضمّ الى رئيس الحكومة حسّان دياب، كلّاً من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورئيس جمعية المصارف سليم صفير، انّ الاطراف الثلاثة تحاول التنسيق في ما بينها لتقليص مساحة الخلافات، وارساء قواعد جديدة للتعاون. وقد أثمرت المحاولة حتى الآن تفاهماً قضى بأن يباشر مصرف لبنان التدخّل في سوق الصرافين بدءاً من 27 الجاري في محاولة للجم ارتفاع سعر الدولار المتفلّت، والذي سجل امس 4000 الى 4200 ليرة. لكن قرار تدخّل مصرف لبنان في السوق يُقلق المراقبين، لأنه يُحتّم تأمين كميات من الدولار ليس معروفاً بعد حجمها، ومن غير المعروف اذا ما كان مصدرها الاحتياطي المتبقّي في المصرف. لكنّ المعلومات تشير الى أنّ هناك آلية تم الاتفاق عليها، تسمح بمراقبة دقيقة لعمليات شراء الدولار وبيعه، للابقاء على الحركة محدودة، ولمنع المضاربة ومحاولات تهريب الدولار الى سوريا.
وغرّد رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل عبر حسابه على موقع «تويتر»: «توصّلنا مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي الى اقتراح قانون الكابيتل كونترول لضبط تحويل الأموال الى الخارج، وإن إقراره سيمنع التحاويل الاستنسابية مستقبلاً، ولكن ماذا عمّا سبق حين حرم اللبنانيون من سحب ودائعهم؟ نحن قدّمنا قانوناً لاستعادة التحاويل ونأمل إقراره في الجلسة المقبلة، وننتظر لنلاحظ مَن معه».
مجلس الوزراء
وعلى وَقع رقم جديد صادم بعدد المصابين بوباء كورونا أمس بلغ ما يزيد على 63 مصاباً، قرر مجلس الوزراء أمس تمديد حالة التعبئة العامة لمواجهة فيروس كورونا استناداً إلى إنهاء المجلس الأعلى للدفاع، وذلك اعتباراً من 25 أيار 2020 ولغاية 7 حزيران 2020 ضمناً، على أن تستمر التدابير وفق إجراءات المرحلة الثالثة.
وعن إعادة فتح مطار رفيق الحريري الدولي، لفتت وزيرة الاعلام منال عبد الصمد الى أنّه «حالياً لا تَوَجّه لفتح المطار، ولدينا آخر رحلة في 27 الشهر الجاري. أمّا اعادة استئناف الرحلات فهي إلى أجل غير مسمّى، ففي الوقت الحالي لا تصور لإعادة فتح المطار او استخدام الرحلات».
وعلمت «الجمهورية» انّ جلسة الاسبوع المقبل ستشهد مجموعة تعيينات من بينها محافظ بيروت ورئيس مجلس الخدمة المدنية وايضاً تعيين عدد من المديرين العامّين، حيث أودع كل طرف مرشحيه لهذه المناصب بحسب المراكز الموزعة طائفياً لدى رئيس الحكومة.
كورونا
وسجلت وزارة الصحة العامة أمس 63 حالة كورونا جديدة، رفعت العدد التراكمي الى 1024 اصابة.
وقال وزير الصحة حمد حسن لـ»الجمهورية» تعليقاً على ازدياد الاصابات وخطورة الانتشار: «على الناس ان يلتزموا لكي نحد من ازدياد الاصابات. ويجب عزل الاشخاص المتقدمين في السن لكي لا تزداد نسبة الوفيات، والذي يصاب من دون اي عوارض عليه ايضاً ان يلتزم الحجر المنزلي لكي لا ينقل العدوى الى أفراد عائلته، وهذا يكون امراً جيداً وتصرفاً واعياً». وأضاف: «سننتظر حتى تنتهي رحلات الاحد لنجري تقييماً لمدة 14 يوماً لكل المرحلة من عودة المغتربين، وفي الوقت نفسه نكون قد قيّمنا كل المرحلة الثالثة من هذه العودة».
ورداً على سؤال حول الصلاة في المساجد والكنائس قال حسن: «انا اقترحت فكرة، إنّ القرار في شأن الصلاة هو للسلطة الروحية، اما اذا ارتؤي ان يكون للسلطة السياسية فنحن خوفاً منّا على صحة المؤمنين ومع احترام رأي المرجعية الروحية نقرر إلغاء الصلاة، الا اذا تم التزام تباعد آمِن بين المصلّين. أمّا اذا كان الموضوع لدى السلطة الروحية فعندها يكون اجرائياً ويعود لها ان تقرر في شأنه».
وعما اذا كان المعنيون يستطيعون ضبط التباعد الاجتماعي، قال حسن: «في السعودية كان القرار للسلطة السياسية فمنعت الصلاة، اما نحن فلم نتخذ قراراً كهذا بعد. وحتى لو كان مسموحاً أن تفتح دور العبادة والمساجد ينبغي ان تحترم ضوابط التعبئة العامة وان يكون هناك تباعد جغرافي بين المصلين».
وعمّا اذا اتخذت اجراءات معينة او توصيات او اذا كان من الممكن ان تمنع الصلاة اذا لم يكن هناك احترام للتعبئة العامة؟ قال: «هذا الموضوع لدى وزير الداخلية، واذا كانت هناك كثافة فعلاً على رغم من التعبئة العامة فيجب منع الصلاة».
الكهرباء
وعلى صعيد أزمة الكهرباء شهدت عدّة مناطق لبنانية أمس احتجاجاتٍ على انقطاع التيار الكهربائي بشكلٍ كبير في الآونة الأخيرة، وبدأ أصحاب المولّدات يلوّحون من جهتهم بقطع الكهرباء عن البلدات. وعلى الأثر، تجمّع عدد من المحتجّين أمام وزارة الطاقة مردّدين الهتافات المنددة بتردي خدمات الكهرباء، ما أجبر الناس على الاعتماد شبه الكلّي على مولّدات الكهرباء.
وأطلق المتظاهرون شعارات وهتافات احتجاجية تندّد بالفساد في قطاع الطاقة، وتدخلت عناصر قوى الأمن الداخلي وقوات مكافحة الشغب لإخراج المعتصمين من مقر الوزارة حيث افترشوا الطابق الأرضي، على نحو تَسبّب في حدوث بعض المواجهات والاشتباكات المحدودة، كما عزّزت القوى الأمنية من تواجدها لمنع اقتحام مقر الوزارة مجدداً.