اذا كانت عطلة عيد الفطر والذكرى العشرين لتحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي ستشكل محطة ترقب وتقويم لمجريات التطورات المالية والاقتصادية كما لإجراءات موعودة لمصرف لبنان في اطار التدخل لحماية الليرة وتوفير تمويل استيراد المواد الغذائية الأساسية، فان الاستحقاق الأساسي والأبرز في الأيام الثلاثة المقبلة بدءا من اليوم سيتركز على رصد مؤشرات الوضع الوبائي في لبنان بعدما اوشكت إصابات اليومين الاخيرين ان تشكل جرس الإنذار المتقدم جدا حيال تفلت الانتشار الوبائي. ذلك ان الارتفاع المقلق في اعداد الحالات الإيجابية في اليومين السابقين على التوالي، وضع البلاد مرة أخرى امام خطر الخيارات الصعبة التي كانت فرضت على الدولة قبل اسبوعين ان تعيد فرض اقفال البلد، ولكن يبدو واضحا ان القرار الرسمي لا يزال يعتمد حتى الان، وفي انتظار الأيام القليلة المقبلة اجراء عزل البلدات او الأحياء او المناطق التي تشكل بؤرة انتشار للإصابات من دون العودة الى الاقفال العام الشامل. وتستند الدولة ووزارة الصحة تحديدا في اعتماد هذا الاجراء على طبيعة الإصابات التي ظهرت اخيرا، اذ بدا واضحا ان الحالات الإيجابية كانت بمعظمها بسبب التخالط مع إصابات فردية وهو الامر الذي جعل الارتفاع في الإصابات ينحصر ببلدة مجدل عنجر البقاعية ومزبود الشوفية بالإضافة الى عدد غير قليل من العمال البنغاليين في بيروت. ومع ذلك لم تخف المخاوف الواسعة عشية عطلة عيد الفطر التي تبدأ غدا الاحد وتمتد لثلاثة أيام عمليا من ان يتسع اطار العدوى من خلال المحاذير التي تشكلها إقامة الصلوات في المساجد ولو من ضمن الإجراءات التي اتخذت لمواكبة المناسبة. فثمة دول عدة كبيرة اتخذت قرارات بمنع الصلوات في المساجد ابرزها المملكة العربية السعودية ومصر وتركيا والإمارات العربية المتحدة خشية تصاعد الانتشار الوبائي. وتتركز المخاوف في لبنان من تفلت المواطنين من تدابير الحماية من جهة وعدم احترام موجبات عدم الاختلاط الكثيف من جهة أخرى، وقد برزت امس واقعيا مشاهد تثير الخوف الكبير مما يمكن ان يحصل في أيام العطلة.
وكانت تقارير وزارة الصحة رصدت امس لليوم الثاني تواليا قفزة مقلقة في عدد الإصابات بلغت 62 حالة جديدة توزعت على 59 حالة لمقيمين و3 حالات لوافدين من الخارج. وتزامن ذلك مع إجراءات عزل بلدة مجدل عنجر كما عزل بلدة مزبود اللتين سجلت فيها عشرات الإصابات معظمها ابقي قيد الحجز في المنازل مع مراقبة ومتابعة صحية وبلدية. وحذر وزير الصحة حمد حسن لدى زيارته لمجدل عنجر امس من “كارثة اذا لم نكن على قدر عال من المسؤولية ” ولكنه شدد على “اننا لن نتراجع ولن نتخاذل الان وسنفوز بالمعركة ولن نشهد موجة ثانية اذا تحلينا بالوعي والمسؤولية “. وربط وزير الصحة موضوع الاقفال الشامل بوضع الانتشار وتأثيره على المستشفيات لافتا الى انه اذا أصبحت الاسرة في المستشفيات غير كافية (لاستيعاب المصابين ) سنذهب عندئذ الى الاقفال الكامل”.
وسط هذه الأجواء برزت معالم مراوحة في المشهد السياسي بحيث تترقب الأوساط السياسية والنيابية اثر الإجراءات التي سيبدأ مصرف لبنان تنفيذها ابتداء من 27 أيار وانعكاساتها على تراجع سعر صرف الدولار الأميركي من جهة وتراجع أسعار السلع الغذائية الأساسية بما يهدئ فورة غلاء معظم المواد الأساسية من جهة أخرى. وتقول مصادر معنية ان هذه الخطوة ستشكل اختبارا اوليا للمساكنة الجديدة القسرية بين رئيس الحكومة حسان دياب وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة اللذين اجتمعا قبل يومين في السرايا. وتشير المصادر الى ان المسائل المالية والمصرفية عادت تتقدم بقوة كل الأولويات الأخرى بعدما فشلت الحكومة وخلافا لكل ما أراد رئيسها حسان دياب تصويره في كلمته لمناسبة مرور المئة يوم الأولى من عمر الحكومة في اتخاذ كل الخطوات الإدارية والإصلاحية الصارمة لوضع الازمة المالية على سكة المواجهة الجدية مع الازمة. وإذ لاحظت ان المناخ السلبي العام في البلاد عقب توجيه دياب كلمته عكس الى حدود واسعة التراجعات الكبيرة التي منيت بها الحكومة في وقت قياسي، اشارت الى ان اضطرار رئيس الحكومة الى عقد تسوية جديدة مع حاكم مصرف لبنان بعدما كان ارتكب خطأ فادحا في مهاجمته علنا في سابقة غريبة يعكس التخبط المتادي في سلوكيات الحكومة وتسرعها في المعالجات العشوائية. كما ان المصادر لفتت الى ان هذا التخبط انعكس أيضا على مواقف افرقاء أساسيين وشركاء ضمن الحكومة من سياساتها التي بدأت ترتب الكثير من الاكلاف السلبية عليهم، وفي هذا السياق ربما يندرج الاتفاق المفاجئ الذي عقد بين الكتلة النيابية لرئيس مجلس النواب نبيه بري وكتلة لبنان القوي برئاسة النائب جبران باسيل على اقتراح القانون المشترك حول اعتماد الكابيتال كونترول الذي كان بري رفضه أصلا وحال دون إقراره في مجلس الوزراء .
بري ورسائله
ثم ان تصاعد الانتقادات الداخلية والخارجية للحكومة في عدم تنفيذ إجراءات أصلاحية ملحة بمعزل عن خطتها المالية والوعود الكلامية التي تطلقها لم يغب عن الكلمة التي وجهها الرئيس بري امس في ذكرى التحرير والتي تضمنت مجموعة رسائل سياسية الى عدد من الافرقاء ابرزهم الحكومة ورئيسها وذلك قبل ساعات قليلة من استقبال بري لرئيس الحكومة في عين التينة. وقد دعا بري الحكومة الى ان “تنطلق بعمل ميداني بعيدا من البرامج الورقية” كما طالبها “بمغادرة محطة انتظار ما ستؤول اليه المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والجهات الدولية المانحة والانطلاق بعمل محسوس يلمسه المواطن القلق على عيشه ومصيره “. اما في الإطار السياسي العام فبدا لافتا ان بري حذر من “أصوات نشاز بدأت تعلو في لبنان منادية بالفيديرالية كحل للازمات ” مشددا على ان “لا الجوع ولا أي عنوان آخر يمكن ان يجعلنا نستسلم لمشيئة المشاريع الصهيونية الهدامة “.
التعيينات
وفي معلومات توافرت لـ”النهار” مساء امس ان المشاورات الجارية بين اهل الحكم والافرقاء المعنيين في الحكومة تجددت حول ملف التعيينات ولا سيما منها التعيينات المالية في حاكمية مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف وهيئة الأسواق المالية . ويبدو ان اللقاء الذي جمع بري ودياب امس تناول هذا الملف أيضا اذ فهم ان جلسة لمجلس الوزراء ستعقد الجمعة المقبل غداة الجلسة التشريعية لمجلس النواب التي ستعقد الخميس ليوم واحد. ورجحت المعلومات ان تقر التعيينات المالية لنواب حاكم مصرف لبنان وهيئة الرقابة على المصارف في جلسة الجمعة اذا استكمل التوافق عليها قبل ذاك الموعد كما سيعين مدير عام جديد لوزارة الاقتصاد والتجارة. وأفادت المعلومات ان ملف تعيينات مجلس إدارة مؤسسة الكهرباء قد وضع أيضا على سكة محاولة الاتفاق على إقرارها في وقت قريب .