وكأنّ السلطة برمتها تحولت إلى “قوى أمر واقع” تتعامل مع الملفات والملمّات من منطلق “هيدا الموجود”، وما على اللبنانيين سوى التأقلم مع الأمر الواقع من دون أدنى حسّ من الطبقة الحاكمة بمسؤوليتها عما آلت إليه الأوضاع في البلاد، من انهيار مالي واقتصادي واجتماعي ومعيشي. وبوقاحتها المعهودة تواصل هذه الطبقة القفز فوق أوجاع الناس والهروب إلى الأمام نحو إدارة “التفليسة”، بعناوين وشعارات تحاكي تبرئة ذمة الفاسدين وناهبي المال العام والخاص، وتصويرهم اليوم في طليعة صفوف المصلحين العاملين على مكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة، وليس أدلّ على ذلك أكثر من عملية تشريع “السلبطة” على أموال اللبنانيين، المقيمين والمغتربين، عبر قوننة القيود المفروضة على السحوبات والتحويلات من ودائعهم في المصارف، على قاعدة “عفا الله عمّن نَهَبَ” هذه الأموال وسخّرها على مدى عقود لخدمة “كارتيل” السلطة والمال، الذي اقتات وأثرى على حساب المواطنين وجنى أعمارهم.
فبعد عودة مشروع قانون الكابيتال كونترول إلى الواجهة من بوابة التفاهم المستجد، الذي أعلنه رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل مع رئيس مجلس النواب نبيه بري حول صيغة مشتركة تشرّع عملية تكبيل حركة الودائع المصرفية، تتجه الأنظار إلى مصير هذا المشروع في الهيئة العامة غداً الخميس لا سيما إثر بروز جملة من الملاحظات على اقتراح القانون المعجل المقدم إلى المجلس النيابي، والتي باتت ترجح كفة إسقاط صفة العجلة عنه وإحالته إلى اللجان لمزيد من الدرس والنقاش. ونقلت مصادر متابعة لهذا الملف لـ”نداء الوطن” أنّ “الاقتراح المطروح يختزن في بعض بنوده عبارات ملتبسة وصيغ حمّالة أوجه في تطبيقاتها، بشكل يُحكم إطباق سطوة المصارف على أموال المودعين ويشرعن الإجراءات المصرفية الاستنسابية المتخذة بحقهم، وفق صيغة قانونية تقيّد حرية حركة هذه الأموال مقابل إطلاق يد المصارف في استيفاء القروض وتسديد الضرائب والرسوم والالتزامات المالية”، وخلصت المصادر إلى التأكيد على أنّ “وضع الكابيتال كونترول في خانة صيغ “المعالجات والإنجازات” هو محض تزوير للحقيقة الثابتة في كونه مجرد أداة قانونية، يراد منها تغطية كل من أساء استخدام موارد الخزينة وأهدر مقدرات اللبنانيين، وحماية كل من وضع يده على المال العام والخاص وأدخل المنظومة النقدية في دائرة الإفلاس، من خلال تقديم إطار تشريعي يعفي كل هؤلاء من أي مساءلة أو مسؤولية”.
ومن زاوية مقاربة سبل معالجة الأزمة الاقتصادية والمالية في البلد، أعاد الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله التشديد أمس، على أنّ الحل يكمن في “الاتجاه شرقاً” نحو سوريا والصين، متيحاً في الوقت عينه المجال أمام حكومة حسان دياب بأن “تجرب حظها” مع صندوق النقد، من منطلق التشكيك بكون الولايات المتحدة لن تسمح للصندوق بمساعدة لبنان من دون فرض شروط سياسية عليه، مع إشارته في هذا المجال إلى أنّ واشنطن تعمل على تطويق “حزب الله” ومحور الممانعة من دون أن يستبعد اتجاه المنطقة نحو “حرب كبرى” على مختلف الجبهات. أما في ما خصّ “الإشكالية” الحاصلة مع “التيار الوطني الحر”، وإذ آثر وضع “حدود” غير مباشرة لكل ما أثير خلال الفترة الأخيرة عن تلويح من جانب “التيار” بـ”فيدرالية” فارضاً خضوع جميع القوى لسقف رفض “التقسيم والحرب الأهلية”، حتى ولو كانت “الحرب بتخلي الحزب يحكم البلد”، ذهب نصرالله في حديثه المباشر عن الإشكالية العونية إلى التذكير بدايةً بوقوف “حزب الله” خلف وصول العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، ليصل إلى التشديد على أنّ التحالف مع “التيار الوطني” لن يكون على حساب تحالفات “الحزب” والتزاماته مع قوى سياسية أخرى، وقال: “أنا حريص على العلاقة مع التيار الوطني “بس بدنا نفهم بعض” والأكيد أنّ البعض لا يريد أن تستمر هذه العلاقة”، كاشفاً حيال ما استجد من إشكاليات عن تشكيل “لجنة مندوبين” لوضع المعالجات المناسبة وتطوير التفاهم بين الجانبين.
أما على المقلب الآخر، فلا تزال لعبة “بث الرسائل” الإعلامية عبر قناة “أو تي في” حول مسار العلاقة مع “حزب الله” مستمرة، ليتوقف المراقبون عند مستويات متقدمة بلغتها هذه اللعبة أمس من خلال التلويح صراحةً بفضّ “تفاهم مار مخايل”، حسبما جاء على لسان الإعلامي المعروف بقربه من قيادة “التيار الوطني” رامي نعيم بقوله ما حرفيته على الشاشة العونية: “حزب الله بحاجة إلى جبران باسيل لأنّ الحزب أصبح منبوذاً من جميع الطوائف، فهل يستطيع سليمان فرنجية بثلاثة نواب أن يحمي حزب الله؟ نحن نؤمن له غطاءً شعبياً ولكن عندما يتخلى الحزب عن جبران باسيل يجب أن يكون عندها مستعداً للقبول بتخلي جبران باسيل عن ورقة التفاهم”. وتوازياً جاء الرد العوني على تصويت “حزب الله” وحلفائه في مجلس الوزراء على إسقاط طرح باسيل، واستبعاد معمل سلعاتا عن أولوية خطة الكهرباء عبر “فيتو رئاسي” رفعه رئيس الجمهورية بوجه هذا القرار، متسلحاً بصلاحيته المنصوص عليها في المادة 56 من الدستور، التي تتيح له تجميد أي قرار صادر عن الحكومة وتعليقه لمدة 15 يوماً من إيداعه في عهدة الرئاسة الأولى، طالباً إعادة النظر به وفق الملاحظات التي يبديها عون والتي تؤكد على ضرورة أن تشمل الخطة في أولوياتها إنشاء معمل سلعاتا، باعتباره جزءاً لا يتجزأ منها إلى جانب معملي الزهراني ودير عمار، وهو موضوع، بحسب مصادر متابعة، سيكون مدار بحث مكوكي خلال الساعات المقبلة بين مختلف مكونات الحكومة، فضلاً عن ترقب ما سيكون عليه موقف رئيس مجلس الوزراء إزاء إسقاط القرار الذي اتخذ خلال جلسة ترأسها في السراي، وهل سيؤيد التوصل إلى قرار جديد يعيد النظر باستبعاد “سلعاتا” أو يتمسك بقرار الاستبعاد؟!