فيما المسؤولون مختلفون على جنس التعيينات والخطط وفروقات الأرقام ومعامل الكهرباء والفيول المغشوش والودائع والمصارف وسعر الصرف والنظام المالي والنظام السياسي، ثمة أرقام وحقائق صادمة ومفجعة وخطيرة.
لقد ازدادت نسبة الفقر والبطالة في الآونة الأخيرة، بشكل بات لا ينفع معه الاكتفاء بدق ناقوس الخطر، فلبنان تجاوز العتبة نحو إنفجار إجتماعي ضخم!
ولا يكفي أن ينشر رئيس الحكومة حسان دياب مقالا في الواشنطن بوست منذ أيام يذكر فيه أن أكثر من نصف اللبنانيين لن يكونوا قادرين على تأمين غذائهم مع نهاية العام، فدوره ان يعالج هذا الخطر الداهم، لا أن ينعي الوضع فقط. وقد أتت دراسة أعدتها ”الدولية للمعلومات” يوم أمس لتعزز القلق والخطورة بكشفها أن زهاء مليون شخص قد يفقدون عملهم إن لم تتحرك الدولة وتُحدث أي صدمة إقتصادية في الوضع اللبناني.
وبحسب “الدولية للمعلومات”، تشير الأرقام إلى أن قرابة الـ430 ألف لبناني عاطل عن العمل اليوم، بزيادة 80 الف شخص عن رقم ما قبل تاريخ 17 تشرين اول 2019، الذي بلغ 350 ألفاً. إلّا أن الصدمة الأكبر تكمن في توقعات الدراسة، التي تقول إن أكثر من مليون لبناني سيصبحون دون عمل في الأشهر المقبلة، بما معناه نسبة 65% من مجمل اليد العاملة اللبنانية بشكل عام، وفي أفضل الحالات الرقم قد يتدنى إلى 800 ألف.
وفي التفاصيل، يوضح الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين في حديث لجريدة ”الأنباء” الإلكترونية أن “مجمل عدد العمال اللبنانيين في الداخل يبلغ مليون و350 الف شخص، إلّا أنه مع انتشار جائحة كورونا وما خلفته من دمار على صعيد إقتصادات العالم، لبنان قد يشهّد موجة عودة لمغتربين لبنانيين فقدوا وظائفهم بالخارج، ويقدّر الرقم بـ200 الف مواطن، ورقم المليون أعلاه يلحظ هذا الموضوع”.
الإيجابية الوحيدة في كل هذا المشهد تكمن بحسب شمس الدين، بأن القطاعين الصناعي والزراعي “لن يتأثّرا كقطاع السياحة والخدمات”، بسبب توجّه اللبنانيين إلى المنتجات المحلية مع إرتفاع كلفة الإستيراد وارتفاع سعر الدولار.
لكن وزير الإقتصاد راوول نعمة بدا في اتصال مع “الأنباء” أكثر تفاؤلا بقوله ان ”اللبنانيين المغتربين العائدين قد يفتحون مجالات لفرص عملٍ أكثر، عبر الأموال التي جنَوها طيلة الأعوام التي قضوها في الخارج، ما يمكن أن يخفف وطأة الأرقام”، إلّا أن استدرك بالقول ان الارقام “ستبقى سيئة لما سيتكبده قطاع السياحة وخدمات من خسائر أكثر نتيجة الجائحة”.
وأصرّ نعمة على أن “الحكومة تعمل لمساعدة المؤسسات، خصوصا الصغيرة منها، فمشروع قانون الـ1200 مليار المدرج ضمن مشاريع القوانين في جلسة مجلس النواب، يتضمن مساعدات وقروض للشركات الصغيرة والمتوسطة، كما أن تعاميم مصرف لبنان الأخيرة تصب في منحى نفسه”.
وناشد نعمة الصناعيين والزراعيين في لبنان “لتحسين جودة منتجاتهم أكثر بهدف زيادة التصدير، وإستقدام العملات الصعبة إلى الوطن”.
من جهتها، أكدت وزيرة العمل لميا يمّين أن “الوزارة تعمل جاهدة لحماية اليد العاملة، وحفظ حقوقها، إلّا أن مسؤولية خلق فرص عمل جديدة مرتبطة بالوضع الإقتصادي بشكل عام في البلد”، معبرةً عن أسفها لما ورد في أرقام دراسة “الدولية للمعلومات” حول البطالة في لبنان، آملةً أن تلحظ أثار الخطة الحكومية تحسنا على هذا الصعيد.
وفي التفاصيل، تقول يمّين “إن مسؤولية، ونطاق عمل، الوزارة يقتصر على حماية العمال، فهي تستحدث قوانين لتعزيز هذه الحماية”، لافتة إلى أنها “تتابع قضايا الصرف التعسفي التي ارتفعت نسبتها في الفترة الأخيرة، فقد وضعت خطاً ساخناً بين المواطنين لتقديم الشكاوى، كما انها تتواصل مع الشركات المعنيّة وتحاول حل الأمور ضمن تسوية بينها وبين العاملين، مشيرة إلى ان الأهم هو استمرارية العمل.
كما أعلنت يمّين أن الوزارة تعمل على خطط لتقييم الوضع في مختلف القطاعات، وعلى أساسه، القيام بدورات تدريبية في مجالات عدّة، حسب نتائج الدراسة، لتطوير قدرات العمّال، وتركيز الإهتمام في القطاعات المنتجة، أو التي تحتاج دعما، لتحويل إقتصادنا من ريعي إلى منتج. كما أن الوزارة تلحظ طاقات في مجال معلوماتية جديرة بالإهتمام.
وعن زيادة نسبة البطالة أكثر في حال الشروع بالإصلاح وصرف العمال غير القانونيين في القطاع العام، تقول يمّين إن هذا الموضوع يحتاج إلى دراسة معمّقة وتقييم دقيق، لافتةّ إلى أن استثمار عدد من هؤلاء العمال في أماكن شغور في الدولة هو أمر ممكن، فوزارة العمل تعاني من نسبة 50% شغور، ويكمن سد هذه النسبة عبر نقل فائض العمال من مجال إلى آخر. إلّا أنه بشكل عام، يجب فصل هؤلاء العمال لأن عمالتهم غير قانونية وتكبّد الدولة خسائر مالية.
الصرخة الأعلى رفعها رئيس الإتحاد العمالي العام بالإنابة، حسن فقيه، معلنا لـ”الأنباء” أن “عدد العمال المصروفين يزداد يوما بعد يوم، والإتحاد يحاول مع الوزارة المعنية لملمة الأمر لما فيه صالح للعامل، إلّا الحال ينذر بالأسوأ”.
ويلقي فقيه جزءا من اللوم على الحكومة، بقوله: “حذّرنا من خطورة الإفقال التام على اليد العاملة والمصالح الإقتصادية، إلّا أننا لم نلقَ آذانا صاغية، والنتيجة كانت غير جيدة لا في الشق الصحي، ولا الإقتصادي”.
وتابع فقيه: “كما أن خطة الحكومة الإقتصادية كلام في الهواء، لا بل هي مستنسخة عن الخطط السابقة مع تعديلات بسيطة، إلّا ان الفحوى نفسه، والوضع اليوم خطر جدا يحتاج تحركات فورية لتفادي السيناريو السيّئ، كما أن التأخير للتوجه لصندوق النقد جعلنا في آخر القائمة، فالأمل ضئيل”، لافتا أيضا إلى أن “الإتحاد لم يُدعَ إلى جلسات مناقشة الخطة، وهذا خطأ”.
وأشار فقيه إلى أن “العامل يخسر كثيرا، فأمنه الغدائي مهدد، والمطلوب اليوم دعم القطاعات الإنتاجية عبر قروض ومساعدات، وتسهيل تصديرها للآخر”، وهنا يلفت فقيه إلى نقطة مهمة: “إن عدد سفارات لبنان حول العالم كبير جدا، وكذلك مصاريفها، ومن الأجدى المساعدة على تصريف الإنتاج اللبناني في دول الخارج من إقامة الإحتفالات والسهرات الفاخرة”.
وركّز فقيه على القطاع الزراعي، في ظل صعوبة دعم القطاع الصناعي لما يحتاجه من إستيراد، وطالب الدولة بالإلتفات إلى المزارعين والمباشرة بخطط فعلية، كإنشاء وتفعيل دور التعاونيات، وإنشاء برك وخزانات مياه، ودعم المواد الزراعية، وغيرها.
وختم فقيه كلامه موضحاً بالأرقام عدد العائلات التي تحتاج إلى مساعدات الـ400 الف ليرة والتي لم تلحظها خطة الحكومة، بحيث أعلن أن “العدد الصحيح هو 600 الف عائلة، وليس 200 ألف، فالمساعدات حتى اليوم لم تطل الصيادين والمزارعين، والمطلوب رفع مبلغ المساعدة إلى الحد الأدنى للأجور”.