تنطلق في جلسة مجلس النواب اليوم الخميس التي تنعقد للمرة الثانية في قصر الاونيسكو بسبب أزمة كورونا، سلسلة من النقاشات التشريعية التي ستتمخض في نهاية المطاف عدداً من القوانين لا شك أن بعضها ضرورياً، كاقتراح إنشاء صندوق البطالة المقدم من اللقاء الديمقراطي الذي يسهم بحال إقراره في دعم اولئك الذين تركوا أعمالهم بفعل الازمة الاقتصادية. الا ان بعض الاقتراحات الاخرى لن تكون سوى مسرحية شعبوية من بعض القوى السياسية بقصد المزايدة أمام الرأي العام باروكات بعضها مقرّ أساساً في قوانين سابقة كمكافحة الفساد، وأخرى مبنية على نقيض مبادئ دستورية وقانونية، فيما كل المطلوب هو الإيحاء للرأي العام اللبناني بأن هناك من يطالب بمكافحة الفساد والشفافية بغض النظر عما إذا كانت هذه القوانين تؤدي فعلًا الى هذه النتيجة أم لا.
الخطير ان بعض هذه المزادات قد يأخذ الأمور الى ما يشبه الانظمة الشمولية التي ألغت الحرية الاقتصادية والمبادرة الفردية والملكية الخاصة، وهي كلها مقومات شكلت ولا تزال ميزة النظام الاقتصادي اللبناني الذي إذا كان لا بد من تحديثه فيكون بأخذه نحو عدالة اجتماعية لا نحو سلطوية.
ويتقدم هذه الاقتراحات المغلفة بلباس مكافحة الفساد، اقتراح تعديل قانون السرية المصرفية الذي يتعارض مع قانون الاثراء غير المشروع، وقانون مكافحة تبييض الأموال، وقانون انشاء هيئة مكافحة الفساد.
وبناء عليه، لا تبدو أجواء الجلسة مريحة وبالأخص بالنسبة لاقتراحات القوانين التي لا تزال مثار خلافات وتجاذب حولها، وهي الى اقتراح قانون رفع السرية المصرفية المقدّم من التيار الوطني الحر، اقتراح قانون العفو العام الذي أحيل الى اللجان النيابية في الجلسة التشريعية الماضية، واقتراح قانون “الكابيتال كونترول” المقدّم من قبل كتلتي ”التنمية والتحرير” و”لبنان القوي”.
مصادر نيابية متابعة لفتت في اتصال مع “الأنباء” الى الكثير من الخلافات والتباينات المتعلقة باقتراحات القوانين الثلاثة لوجود العديد من الثغرات فيها التي تحول دون الاتفاق حولها والتصويت عليها لتصبح نافذة.
وفي ما يتعلق باقتراح السرية المصرفية، أشارت المصادر النيابية الى ان النقاش لا يزال حول من هي الجهات التي سيشملها، ولمن صلاحية طلب رفع السرية المصرفية.
ومن الواضح أن رئيس تكتل “لبنان القوي” النائب جبران باسيل يريد من خلال هذا القانون إحراج القوى السياسية في ظل الاستنسابية القائمة في عمل القضاء، وفق ما لفتت المصادر، وعلى هذا الأساس فإن اقتراح القانون هذا من المرجّح أن تسقط عنه صفة المعجل المكرر وأن يحال إلى اللجان النيابية لإعادة درسه وتوضيح آلية عمله.
أما الاقتراح المتعلق بالعفو العام، فيبدو انه لا يحظى بإجماع القوى السياسية لأن ولادته في اللجان النيابية جاءت قيصرية، فهو ما زال يشكل نقطة خلافية بين الكتل النيابية بأبعاد طائفية، وذلك على خلفية من سيشملهم القانون لا سيما المبعدين الى الأراضي المحتلة.
وفي هذا السياق، أشارت مصادر مطلعة عبر “الأنباء” إلى ان حزب الله عدّل موقفه بخصوص هؤلاء بعدما كان في السابق قد وافق على العفو عنهم لكنه عاد وتراجع، وهو ما أوجد إشكالية حول هذا الموضوع، في ظل تشدد بعض الكتل وتحديدًا المسيحية منها ورفضها التصويت على قانون عفو لا يشمل المبعدين ما يسقط عنه الميثاقية.
إلا أن مصادر اللقاء الديمقراطي قدمت صورة مخالفة لمحاولات أخذ الموضوع الى النقاش الطائفي، فأكدت عبر “الأنباء” ان العفو العام هو حق لكثيرين من الأشخاص المظلومين والمحكومين لفترة طويلة ولا يجب مقاربته من زاوية طائفية او بتمييز مناطقي ومذهبي كما هو حاصل اليوم، انما على قاعدة أن من له حق يجب أن يأخذه وعلى أساس عدم المس بالسيادة الوطنية في ما يتعلق بمن أخذ جنسيات أخرى غير الجنسية اللبنانية وسيكون لزاما التنازل عنها، والمقصود هنا الجنسية الاسرائيلية.
وشددت المصادر على ضرورة عدم التمييز الطائفي في هذا الملف، إذ حتى المبعدون الى الاراضي المحتلة لا ينتمون الى طائفة واحدة انما هم من مختلف الطوائف، ولذلك فإن الغوص بهذا الملف وأخذه الى الشق المذهبي هو مزيد من إرساء الشرذمة في البلد.
أما بشأن اقتراح “الكابيتال كونترول”، فأشارت مصادر متابعة عبر “الأنباء” الى أن هذا القانون لن يمر في جلسة اليوم لأمور تتعلق بالمحادثات مع صندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى ثغرات عدة يتضمنها وخاصة لناحية تحديد سقف لسحوبات المودعين والتي يحددها الاقتراح بمبلغ 50 ألف دولار، ما يتطلب إعادة النظر به وبكل مندرجاته وأبرزها تخفيض سقف السحوبات الى النصف، وتعديل البنود غير الواضحة فيه بما يؤكد إحالته ايضًا الى اللجان لإعادة درسه.
وفي سياق ما قد يحصل اليوم، أوضح عضو كتلة المستقبل النائب محمد الحجار في حديث مع “الأنباء” أن الساعات المقبلة قد تحمل مخرجًا ما لقانون العفو العام لأن المداولات بهذا الشأن لم تنته بعد، والأمور لم تصل الى الخلاف العمودي حوله بما يسقط عنه صفة الميثاقية، فالنقاشات مستمرة وأبواب الحوار لم تقفل بعد وأن الساعات المقبلة ستحمل مفاجأة مهمة بشأنه.
أما بالنسبة لاقتراحي “الكابيتال كونترول” والسرية المصرفية، فيرجح الحجار عدم التصويت عليهما واحالتهما الى اللجان النيابية لإعادة درسهما.
وعلى صعيد آخر، وبعدما طلبت الحكومة مبلغ 1200 مليار للمواضيع الصحية والاقتصادية والاجتماعية، أشارت مصادر نيابية الى أهمية دعم المواطنين وتقديم المساعدة لهم ولكن هناك ضرورة لمعرفة كيفية صرف هذه الأموال ووفق أي آلية، خصوصًا أن التجربة التي حصلت بموضوع المساعدات تبين أن فيها العديد من الثغرات المعيبة التي كشفها الجيش اللبناني في اللحظة الأخيرة، وبالتالي فإن منح الحكومة هذا المبلغ يجب أن يقترن بآلية لتوزيعه والمعايير التي ستعتمد وكيفية صرفه، والا فإن الأمر سيشكل الكثير من علامات الاستفهام.