مبدئياً سيكون نجم “الأونيسكو” اليوم ملفا العفو العام والكابيتال كونترول، لكن عملياً يبدو أنّ الملفين سيكون مصيرهما “الفرملة” استناداً إلى معطيات تؤكد أنّ صيغتيهما لم تختمر توافقياً بعد، فالأول لا تزال “دونه عقبات سياسية” على وقع عملية شد الحبال الطائفية التي لم تكن حتى ليل أمس قد توصلت إلى أرضية مشتركة مسيحية – إسلامية حيال حزمة المستفيدين من العفو، بينما الملف الثاني سيعود أدراجه من الهيئة العامة إلى لجنة المال والموازنة لإعادة إخضاعه للدرس في ضوء جملة الملاحظات التي وضعت على مسودته المقترحة من كتلتي “التيار الوطني الحر” و”التنمية والتحرير”، وأبرزها تلك التي جاءت من صندوق النقد الدولي الذي آثر خلال الاجتماع مع الوفد اللبناني أمس انتظار التعديلات المطلوبة على الاقتراح الذي تلقى نسخة مترجمة بالإنكليزية عنه قبل استئناف البحث في تفاصيله خلال اجتماعات لاحقة.
أما على مستوى فضيحة التباين في الأرقام بين خطتي الحكومة والمصارف والتي أضعفت موقف لبنان الرسمي خلال مفاوضاته مع صندوق النقد، فقد أكدت مصادر معنية بهذا الملف لـ”نداء الوطن” على وجوب الإسراع في حسم هذه الجدلية، ولفتت إلى أنّ “الأمور باتت متجهة نحو مجاراة الحكومة للأرقام الواردة في خطة المصارف بعدما تبيّن عدم واقعية الأرقام التي ضمّنتها في خطتها”، مشيرةً إلى أنّ “الهوة بدأت تضيق بين الخطتين والمقاربات للأرقام صارت متقاربة باعتبار ذلك المدخل الإلزامي الوحيد لإقناع صندوق النقد بجدية الحكومة اللبنانية في معالجة الأزمة”.
وعلى وقع تفنيد ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش للعوامل التي “تضعف موقف لبنان” في المناقشات مع صندوق النقد الدولي من “الأرقام المختلفة وعدم إحراز تقدم في التعيينات القضائية وغيرها من التعيينات والتأخير في إصلاح قطاع الكهرباء”، أوضحت المصادر أنه وإزاء تكشف “الكوارث” في الأرقام التي تقدمت بها الحكومة إلى صندوق النقد والمجتمع الدولي، أتى اجتماع اللجنة الفرعية لتقصي الحقائق أمس برئاسة رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان وحضور وزير المال غازي وزني ورئيس جمعية المصارف سليم صفير وممثلين عن المصرف المركزي ليعيد تصويب بوصلة الأرقام بالاتجاه العلمي والتقني السليم وتبديد الفوارق في الأرقام بين الحكومة والقطاع المصرفي، موضحةً أنّ “الجلسة النيابية كشفت فوارق كبيرة في الأرقام مردها إلى كون الحكومة انطلقت من فرضيات مالية غير واقعية وغير علمية في خطتها واعتمدت نفساً تسييسياً في مقارباتها المالية وهذا هو جوهر المشكلة”، وأشارت في هذا المجال إلى أنّ “المراجعات التي حصلت في اجتماع الأمس بيّنت بشكل واضح أنّ أرقام الحكومة هي كناية عن وجهة نظر مبنية على توجه سياسي معيّن، بينما أرقام جمعية المصارف أقرب إلى الواقع الاقتصادي والنقدي وللمعايير الدولية المعتمدة في حالات مشابهة، ولذلك كان لا بد من تقريب المسافات بين الأرقام المطروحة بشكل يتيح مخاطبة صندوق النقد على أسس علمية وليس سياسية، وعندما تنتهي عملية توحيد الأرقام سيعود التفاوض مع الصندوق للانطلاق من المربع الأول وفق قوائم رقمية موحدة، وفي هذه الحالة تبقى العودة إلى نقطة الصفر أفضل بكثير من الاستمرار في المراوحة التي لن تؤدي إلا إلى مزيد من هدر الوقت”.
وإذ وصفت الجلسة بأنها كانت “مهمة جداً في تحديد أسباب الفروقات في سبيل التمكن من ردم الهوة بين الأرقام”، استغربت المصادر على سبيل المثال “إدراج الحكومة في خطتها مسألة تصفير الالتزامات حتى 2040 بسعر صرف اليوم وهذا ما لم يحصل في أي من دول العالم ولا في كل تجارب المصارف المركزية في البلدان التي مرّت بأزمة اقتصادية ومالية”، ونقلت إزاء محاولة الحكومة تحميل المصارف والمودعين كامل تبعات الأزمة القائمة أنّ “القيّمين على القطاع المصرفي رفضوا هذا المنطق وشددوا على أنّ الخسائر والمشاكل التي يعاني منها البلد هي بالدرجة الأولى سياسية نتيجة سوء إدارة الدولة على مدى عقود والمطلوب بالتالي إجراءات فورية لمعالجة الأسباب بدل صيغة “تصفير 2040” وتحميل التبعات للقطاع المصرفي وأموال المودعين”، منوهةً في المقابل بموقف وزير المال الذي “كان متفهماً ومتجاوباً وأبدى جهوزيته لإعادة النظر بالمقاربة التي طرحتها الحكومة في خطتها”.
واستيضاحاً للمجريات التقنية التي تمحورت حولها جلسة تقصي الحقائق في ضوء ما ظهر من فارق في الأرقام بلغ أكثر من 100 ألف مليار ليرة بين الحكومة والمصارف، أوضح كنعان لـ”نداء الوطن” أنّ “المصارف شرحت خلال الجلسة أنّ مبلغ خسارة 32 ألف مليار في التسليفات الذي تتحدث عنه الحكومة هو غير صحيح لأنّ المصارف سلفتها مقابل ضمانات تساوي أضعاف ذلك، بينما شرح مصرف لبنان أنّ رقم 66 ألف مليار الذي تتحدث عنه الحكومة كخسارة بفعل الهندسات المالية وتثبيت سعر الصرف هو رقم غير صحيح أيضاً لأن المبلغ موجود في حساب للمصرف يسدد على آجال طويلة ولأن هناك هندسات لم تستعمل إضافة الى سعر الذهب وهو ما يساوي في مجموعه 68 ألف مليار، كما أوضح المصرف المركزي أنّ رقم 62 ألف مليار الذي أوردته الحكومة كخسارة في ما خص الفرق بين حسابات المصارف ومصرف لبنان كذلك هو رقم غير صحيح إذا أخذنا بالاعتبار القيمة السوقية وعوامل أخرى”، وأردف: “خلاصة الموضوع أن رقم الخسارة الإجمالية الذي يتوقع الوصول إليه هو 105 آلاف مليار وليس 241 ألف مليار الذي سبق أن قدرته الحكومة”، مشيراً في ضوء ذلك إلى أنه “تم التأسيس لعقد اجتماع حاسم الاسبوع المقبل لتوحيد المقاربات وردم الهوة والانتقال من مرحلة اليأس إلى مرحلة الأمل”.
وفي الغضون، كشفت دوائر متابعة للاجتماعات الدورية الجارية بين السلطات اللبنانية وصندوق النقد لـ”نداء الوطن” عن مجموعة عراقيل أخرى تؤخر إبرام إتفاق مبدئي يسبق تعهد الصندوق بمد لبنان بجرعة من الدولارات، موضحةً أنّ أبرزها يتمحور حول “إصرار الحكومة والمصرف المركزي على تثبيت سعر الصرف الرسمي للدولار مقابل الليرة بشكل انعكس اسعاراً متعددة لصرف الدولار وأدى إلى فقدانه من الأسواق”، وشددت في المقابل على أنّ “تحرير سعر صرف الليرة هو شرط مُسبق وإلزامي بالنسبة لصندوق النقد لكي تتقدم المفاوضات وتدخل في صلب حجم الديون المنوي رصدها وكيفية استخدامها”.