سؤال محوري واحد دارت حوله في الساعات الاخيرة مجمل الانطباعات والمؤشرات الواقعية سياسيا وديبلوماسيا واقتصاديا هو كيف يمكن هذه السلطة ان تستدرك انكشاف تفككها وتناقضاتها امام المجتمع الدولي فيما هي تمضي في مفاوضات عسيرة وشاقة مع صندوق النقد الدولي؟ الامر لم يعد مجرد تطور عابر يمكن احتواء موجاته السريعة ومن ثم العودة الى ممارسة السلطة بالأنماط نفسها كأن شيئا لم يكن. اذ ان ما برز امس في “التقريع” العلني الأكثر تجرؤا للسلطة الذي صدر على لسان ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش للسلطة تجاوز اطار الانتقادات التي درج على اطلاقها كوبيتش ليبلغ ضمنا حدود تحذير اممي بالغ الجدية من شأنه ان يعكس مناخات دولية سلبية حيال لبنان. ففي الوقت الذي تصاعدت فيه التباينات بين اهل السلطة حول أكثرية الملفات الحيوية التي تشكل نقطة رصد الدول والمنظمات الدولية بادر كوبيتش امس الى اطلاق تغريدته التي لفت فيها الى ان “الأرقام المختلفة التي قدمتها كل من الحكومة ومصرف لبنان حول الخسائر بالإضافة الى عدم احراز تقدم في التعيينات القضائية وغيرها والتأخير في اصلاح الكهرباء كلها عوامل تضعف موقف لبنان في المناقشات مع صندوق النقد الدولي ولا يمكن للبلد او الشعب تحمل ذلك اكثر”. وجاء هذا الموقف اللافت فيما كانت المساعي تنشط بين بعض القوى النافذة في السلطة لاستدراك تصاعد مشروع صدام واسع خصوصا بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة حسان دياب حول ملف انشاء المعامل الكهربائية بعدما استعمل عون حقه في المادة 56 من الدستور ووجه رسالة الى الحكومة طلب فيه إعادة النظر في تصويت مجلس الوزراء في 14 أيار الحالي على انشاء معملين للكهرباء واستثناء معمل سلعاتا. وشكلت خطوة عون، كما كشفت مصادر واسعة الاطلاع ل”النهار” المؤشر المتقدم على عوارض اضطرابات واسعة ضربت قوى السلطة بين العهد والقوى الممثلة في الحكومة وبات معها المشهد الرسمي في الآونة الأخيرة اشبه بحقول الغام بعدما اختلت بوصلة التنسيق والتوافقات تماما بين جميع هذه القوى. وقالت المصادر ان الامر لم يقف عند حدود التخوف من انفجار سياسي داخل مجلس الوزراء في جلسته بعد ظهر غد في قصر بعبدا بل تمدد الى سقوط محاولة متقدمة أيضا للتوافق على التعيينات المالية لنواب حاكم مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف التي رحلت مجددا واستعيض عنها بتعيينات إدارية غدا لبضعة مناصب ابرزها محافظ بيروت. وكشفت ان الاتصالات تكثفت امس لتجنب جلسة حكومية متفجرة غدا فادت الى تعطيل اللغم من خلال اتصالات بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل اعتمد عبرها مخرج لا يطرح عبره مجددا موضوع انشاء معامل الكهرباء على التصويت تكرارا على أساس ان مجلس الوزراء كان قرر المباشرة بمعملي الزهراني ودير عمار وترك معمل سلعاتا لمرحلة لاحقة.
انقسام نيابي
ولا تبدو المناخات النيابية التي تسبق انعقاد الجلسة التشريعية اليوم في الاونيسكو افضل حالا من وضع الحكومة اذ بدا ان تصاعد الانقسام حول مشروع قانون العفو انسحب على مناخ هذه الجلسة برمتها علما ان ممثلي الكتل النيابية المسيحية جميعا اجتمعوا مساء لتقرير الخطوة التالية في جلسة اليوم بعدما سقط التوافق على المشروع بسبب رفض هذه الكتل دمج ملف المبعدين اللبنانيين الى إسرائيل بقانون العفو. وقد سادت توقعات حول امكان فقدان نصاب الجلسة اليوم ولكن الاتصالات تلاحقت ليلا لتأمين انعقادها ولو رحل مشروع العفو اسوة بمشروع الكابيتال كونترول الذي سيحال على لجنة المال والموازنة لمناقشته قبل إعادة إحالته على الهيئة العامة للمجلس. ويشار في هذا السياق الى ان الاجتماع السابع بين الوفد اللبناني برئاسة وزير المال غازي وزني وفريق صندوق النقد الدولي عقد امس واستكملت فيه المناقشات حول مشروع الكابيتال كونترول وذكر ان فريق صندوق النقد ابدى تحفظات عميقة حول المشروع المقترح.
تعميمان للسلع الغذائية
وفي الإطار المالي وبعد اجتماعات متلاحقة بغية المباشرة بإجراءات تضبط تداعيات ارتفاع سعر صرف الدولار على أسعار السلع الغذائية والاساسية، وحماية الليرة ولجم ارتفاع سعر الدولار، أصدر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أمس تعميمين وسيطين يستهدف الاول تنظيم آلية دعم تلبية استيراد المواد الغذائية الاساسية والثاني لتأمين نسبة 90% من قيمة المواد الاولية المستوردة لحاجات الصناعة، بحد أجمالي مقداره 100 مليون دولار، على ان يعمل بالتعميمين لمدة سنة من تاريخ صدورهما.
وفق التعميم 557 “يمكن المصارف الطلب من مصرف لبنان تأمين العملات الاجنبية تلبية لحاجات مستوردي ومصنعي المواد الغذائية الاساسية والمواد الاولية التي تدخل في الصناعات الغذائية المحددة في لائحة تصدرها وزارة الاقتصاد والتجارة”، على ان تحدد آلية هذا التعميم وشروطه بقرار يصدر عن وزير الاقتصاد والتجارة، فيما يحدد سعر صرف العملات الاجنبية وفقا للالية المتبعة لتطبيق احكام “المادة 7 مكرر” من القرار الاساسي رقم 7648 تاريخ 2000/3/30″.
أما التعميم 556 فورد فيه أنه “يمكن المصارف الطلب من مصرف لبنان تأمين نسبة 90% من قيمة المواد الاولية المستوردة بالعملات الاجنبية تلبية لحاجات المؤسسات الصناعية المرخصة وفقا للاصول، بحد اجمالي مقداره 100 مليون دولار او ما يوازيه بالعملات الاجنبية الاخرى، شرط الا يفيد العميل من احكام هذه المادة في اي عملية استيراد الا لغاية مبلغ حده الاقصى 300 الف دولار او ما يعادله بالعملات الاجنبية”.
ومن المتوقع، أن يباشر مصرف لبنان تسليم الدولارات للمستوردين بسعر وسطي، بين السعر الرسمي وسعر السوق السوداء، أي في حدود 3200 ليرة للدولار، على أن يتم حصر الاستيراد في مواد غذائية أساسية، يتم تحديدها مسبقا بالتنسيق مع وزارة الاقتصاد، مع الأخذ في الاعتبار عدم دعم استيراد مواد منافسة لأخرى لبنانية، فيما ستحدد المواد الاولية للصناعة بالتنسيق مع وزارة الصناعة.
وسط هذه الأجواء طالب رؤساء الحكومات السابقون سعد الحريري وفؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام بعد اجتماعهم امس في بيت الوسط الحكومة بالشروع فورا في الإصلاحات الأساسية بدءا بإصدار التشكيلات القضائية والعمل جديا على اصلاح قطاع الكهرباء. وفي السياق السياسي “استهجنوا الكلام الذي استهدف اتفاق الطائف واعتبروا ان هذا الكلام الخطير في هذه اللحظة التاريخية يمثل تعريضا وانكشافا للامن الوطني اللبناني ” وشددوا على التمسك بدستور الطائف والعمل على وضع قانون انتخاب جديد يتجاوز سلبيات القانون الحالي.
يشار الى ان رئيس الحكومة حسان دياب قام امس بزيارته الأولى لقيادة قوات اليونيفيل في الناقورة وبعض المواقع العسكرية الحدودية ترافقه وزيرة الدفاع زينة عكر وقائد الجيش العماد جوزف عون واعلن من هناك تمسك لبنان بتطبيق القرار 1701 مطالبا الأمم المتحدة بفرض تطبيقه على إسرائيل.
في ملف ازمة الانتشار الوبائي سجلت امس 21 إصابة جديدة رفعت العدد التراكمي الى 1161 إصابة وتوزعت الإصابات على 16 حالة لمقيمين و5 لوافدين.