على وقع استقرار عداد «كورونا» على سبع حالات جديدة امس، سقط قانون العفو العام بفعل المزايدات الطائفية والمناطقية، في جلسة نيابية «صاخبة» حفلت بالمزايدات السياسية بين حليفي «التسوية « الرئاسية السابقة، التيار الوطني الحر، وتيار المستقبل، واذا كان رئيس المجلس النيابي نبيه بري قد امن «الهبوط الآمن» للجلسة مانعا تحول القانون المختلف حوله الى مادة انقسام عامودي خطير في البلاد، تم «ترحيل» قانون «الكابيتال كونترول» الى «مقبرة» اللجان، وخسر «التيار الوطني الحر» معركة عرقلة قانون آلية التعيينات، الذي مر باقتراح «قواتي» ودعم من حزب الله، فيما تبقى»العيون» شاخصة اليوم الى جلسة مجلس الوزراء حيث تجري محاولات حثيثة لتفكيك «لغم» معمل «سلعاتا» الذي يسعى التيار الوطني الحر عبر رئاسة الجمهورية الى «اعادته» الى «الحياة» بعد سقوطه بالتصويت في الحكومة.
شيا على خط «قانون العفو»؟
وليس بعيدا عن جلسة التشريع امس، ثمة الكثير من علامات الاستفهام حول مجريات الامور، حيث لا تبدو الولايات المتحدة الاميركية بعيدة عن سياق هذا «الصخب» الداخلي»، ووفقا لمعلومات «الديار»، فاجأت السفيرة الاميركية في بيروت دوروثي شيا رئيس تكتل لبنان القوي جبران باسيل بطرح ملف «العفو العام» خلال مأدبة الغذاء في اللقلوق قبل بضعة ايام، واشارت الى ان بلادها تتابع عن كثب تشريعات البرلمان اللبناني في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان، ولفتت الى ان مراسلاتها مع وزارة الخارجية كانت حاسمة لجهة رفض واشنطن اي عفو يشمل «اسلاميين» «جهاديين» متهمين بالارهاب، وستقرأ هذا الامر على نحو سلبي.
اهتمام «بالمبعدين» «والاسلاميين»
وفي المقابل، رحبت شيا بالجهود المبذولة من قبل بعض الكتل النيابية ومنها تكتل لبنان القوي لضم «المبعدين» الى اسرائيل الى قائمة المستفيدين من هذا العفو، معتبرة ان هذه الخطوة تعطي مؤشرات مهمة على نهج سياسي مغاير في لبنان، وهي بمثابة «رسالة» تهدئة مطلوبة في هذه المرحلة المتوترة في المنطقة، تساهم في اساء المزيد من الاستقرار على الحدود الجنوبية في وقت تتجه فيه مناطق في الضفة الغربية وغزة الى مزيد من التوتر غير المحدود، ولذلك من المفيد ان تتظهر عبر لبنان «اشارات» مغايرة تتمشى مع انفتاح بعض الدول العربية والخليجية على اسرائيل.
باسيل «يصوب» الدوافع
واذا كان باسيل قد جهد خلال اللقاء لشرح موقف «التيار» الخاص من هذا القانون، حاصرا اياه بدوافع انسانية مرتبطة بالواقع اللبناني بعيدا عن اي «رسائل» معينة الى اسرائيل التي تبقى دولة معتدية على لبنان وسيادته، الا ان اوساطا ديبلوماسية في بيروت، ترصد تحركا اميركا بارزا في اطار زيادة الضغوط على لبنان في محاولة لاستغلال الوضع الاقتصادي الصعب للحصول على تنازلات في اكثر من ملف لعل ابرزها ترسيم الحدود البحرية والبرية مع اسرائيل، ومحاولة تعديل مهمة قوات اليونيفيل في الجنوب لمحاولة التضييق على تحركات حزب الله في تلك المنطقة.
وياتي هذا الحراك تزامنا مع تحرك مماثل في الدول العربية لادارة العلاقات مع إسرائيل، بدون الحاجة لتسوية حول القضية الفلسطينية، وتبدو شيا مرتاحة كثيرا عندما تتحدث امام مضيفيها عن تغير واضح خصوصا في دول الخليج للتطبيع مع اسرائيل دون اشتراط التوصل الى حل بين اسرائيل والفلسطينيين..
رهان على «تعب» «التيار» من «الحزب»؟
وفي هذا السياق، يروج المسؤولون الاميركيون لعقوبات مفترضة على حلفاء حزب الله في لبنان، في رغبة واضحة لاضعاف الحزب داخليا، وترى واشنطن ان الوقت مناسب جدا للمراهنة على «تعب» التيار الوطني الحر من «عبء» هذا التحالف بسبب الاهتراء الداخلي وتراجع «البرتقالي» على المستويين الشعيي والسياسي بسبب النقمة على سياساته خلال فترة الرئيس ميشال عون الرئاسية، وكما تراهن على التعب والإحباط من القضية الفلسطينية، لجر العرب الى التطبيع، بعد تخويفهم بايران، تحاول ايصال «رسالة» الى «التيار» مفادها بان الوقت قد حان ليبحث عن مصالحه بعيدا عن حزب الله.
«سقوط» قانون العفو …؟
وكان قانون العفو العام قد سقط بفعل التناقضات السياسية والطائفية والمناطقية ، بعدما فشل رئيس المجلس النيابي في ايجاد ارضية مشتركة بين الكتل النيابية المعترضة على اكثر من بند في القانون، وبعدما سقط اقتراحه بالتصويت على القانون كبند واحد، واخفق في ايجاد تسوية خلال لقاء جانبي استمر لنحو عشر دقائق بين رؤساء الكتل النيابية، رفع بري الجلسة المسائية في شكل مفاجىء، بعدما انسحب نواب تيار المستقبل طلب من الرئيس سعد الحريري…
وكان المجلس النيابي قد استأنف الجولة المسائية من الجلسة التشريعية في قصر الأونيسكو لدراسة مشاريع واقتراحات قوانين أبرزها العفو العام و«الكابيتال كونترول»، وفي بداية الجلسة، أقرّ المجلس قرض الصندوق العربي للمساهمة في تمويل مشروع الاسكان بقيمة 50 مليون دينار كويتي، كما اقر المجلس القانون المتعلق بهدر الغذاء…
قال بري في مستهل مناقشة قانون العفو: «ان وحدة هذا البلد اكثر ما تتجسد في هذه القاعة، وهناك الاف المخارج وكل اللبنانيين قاتلوا اسرائيل وانتصرنا وبموضوع من هذا النوع لن نخسر، واقترح التصويت على العفو بمادة وحيدة لتلقين درس لكل الناس بأننا قادرون على اتخاذ موقف. وقال بري مدافعًا عن عودة المبعدين: «جميعنا من المدرسة نفسها واحد اهم اساليب المقاومة الوطنية والوحدة الوطنية «اوعى تنسوها بحياتكن نحن واخواننا في الحزب وكل من وقف ضد اسرائيل عام 2006.
ما هي اسباب الخلاف؟
لكن الخلاف استمر في ظل اعتراض الكتل النيابية المسيحية على بعض بنود القانون الخاصة باعفاء العديد من الجرائم، مقابل اصرار كتل نيابية وازنة على رفض بند اعادة المبعدين، والمادة الخلافية بين الكتل التي احدثت انقساماً طائفياً هي المادة الثامنة من الاقتراح، والمتعلقة بعودة عائلات العملاء من فلسطين المحتلة والعفو عن اللبنانيين الحاملين للجنسية الإسرائيلية في حال تخلوا عنها، وفيما كان الاتفاق الضمني بينَ حزب الله وحركة أمل وتيار المستقبل والحزب الاشتراكي على إسقاط هذه المادة. كما كانت مداخلات واضحة من قبل نواب الحزب القومي والنائب فيصل كرامي رفضت على نحو حاسم مسألة اعادة «العملاء»..
ورفع الرئيس بري الجلسة لمدة 10 دقائق لمزيد من المشاورات في الموضوع المتعلق بالعفو العام ، وعقدت خلوة جمعت بري مع رؤساء الكتل في قاعة جانبية للتشاور، وقال باسيل خلال اللقاء نحن في التكتل ضد العفو المقترح واذا ممنوع ان نقول اننا ضده سنغادر»، فرد الرئيس بري : «الكلمة الاخيرة ما بدي اسمعا..
الحريري يتهم «التيار»
وبعد فشل الخلوة خرج بري الى القاعة العامة وقال» ضعوا قانون العفو جانباً الآن «بركي ان شاء لله بتنزل الرحمة بعد شوي… لكن الرئيس الحريري «طلب من كتلة المستقبل الانسحاب من الجلسة التشريعية المسائية، وبنتيجة انسحاب الحريري وكتلته، رفع بري الجلسة، بعد سقوط صفة العجلة ايضا عن الكابيتال كونترول، وتمت احالته الى اللجان. وقال الحريري ان هناك من يريد إعادتنا إلى نقطة الصفر»، مشيرا الى أن «انه كالعادة نعمل بكل حسن نية لنصل الى قانون عفو عام يشمل أكبر عدد من الناس بغض النظر عن بعض التحفظات التي أبدتها بعض الكتل، ورئيس مجلس النواب نبيه بري حاول السير بين التناقضات، ولكن هناك محاولة تذاكي من البعض..لانه بدو يعمل «بطل».
«البرتقالي» يحمل «المستقبل» المسؤولية؟
من جهتها قالت مصادر نيابية في «تكتل لبنان القوي» ان الجميع حاول التعاطي معنا بمنطق المقايضة في موضوع قانون العفو لكن الرئيس بري كان الاكثر حرصا على الوحدة الوطنية. وفي «غمز» من «قناة» كتلة المستقبل، قالت المصادر ان التيار الوطني الحر والأحزاب المسيحية الأخرى لم تكن في وارد المقايضة بموضوع قانون العفو العام بين المبعدين إلى إسرائيل والمحكومين بجرائم قتل وإرهاب ولاسيما ضد الجيش اللبناني ومن كان يتعاطى مع هذا الموضوع بعقلية المقايضة هو الذي غادر الجلسة.
بدوره قال النائب علي حسن خليل ان بري اضطر لرفع الجلسة بعد انسحاب مكون سياسي أساسي منها، وكنا نتمنى ألا يحصل هذا الأمر ونؤكد أن بري حريص على وحدة المجلس ومكوناته، فيما «نأى» نائب حزب الله حسين الحاج حسن بالحزب عن تحميل المسؤوليات وقال: لا نريد ان نحمّل احدا مسؤولية عدم اقرار اقتراح العفو العام فلكل من الأفرقاء موقف ولم يتم التوصل الى اتفاق حول اقتراح القانون…
وعلى هامش الجلسة، نفذ عدد من المحتجين اعتصاماً امام القصر احتجاجاً تحت شعار «عملاء لا مبعدون»، رافعين الاعلام اللبنانية واللافتات المنددة بالعفو عن «8000 عميل في الاراضي الفلسطينية المحتلة وولاؤهم التام للكيان الغاصب ومنهم من خدم الجيش الاسرائيلي»، كذلك رفضا للعفو العام عن «المجرمين الارهابيين الذين قتلوا المدنيين والجيش.
«لبنان القوي» «يغرد» وحيدا…
وفيما ذهب اكثر من 26بندا ملحا على الممستوى المعيشي والاقتصادي ضحية الخلاف على قانون العفو العام حيث لم يناقش المجلس سوى 11بندا، اكد بري انه في صدد اجراء اتصالات مع رئيسي الجمهورية والحكومة لمحاولة فتح دورة استثنائية لمناقشة هذا البنود، وكان المجلس النيابي اقر في جلسة قبل الظهر، اقتراح القانون المتعلق بسرية المصارف على أن يتم حصر التحقيق في هيئة التحقيق الخاصة والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. وصدق المجلس اقتراح القانون الرامي الى تحديد آلية التعيين في الفئة الأولى في الادارات العامة وفي المراكز العليا في المؤسسات العامة معدلا بشطب عبارة إعطاء دور للوزير في اضافة او تغيير اسماء لهذه الوظيفة. وفيما صوت نواب حزب الله على الاقتراح المقدم من نائب القوات اللبنانية جورج عدوان، تفرد نواب تكتل التغيير والاصلاح بمعارضة هذا الاقتراح بعد التصويت عليه بالاسماء، في ظل توجه للطعن بالقانون، او الطلب لرئيس الجمهورية ميشال عون برده، وذلك على خلفية الاعتراض على المس بصلاحيات الوزير؟ وفي هذا السياق، قال الرئيس سعد الحريري ان البعض سيطعن بقانون التعيينات، لأنه يطمح دائما الى تعيين الأشخاص بالطريقة التي يريدها، وعندما سئل: هل تتهم من يصوت ضد هذا القانون بأنه مع المحاصصة بالتعيينات؟ وهل تعتبر التيار الوطني الحر مع إبقاء المحاصصة في التعيينات؟ أجاب: «كلا، التيار الوطني الحر يريد كل البلد. وفي تعليقه على كلام الحريري قال باسيل «لو تعرفي شو بدّو».
كما اقر المجلس قرض الصندوق العربي للمساهمة في تمويل مشروع الاسكان بقيمة 50 مليون دينار كويتي، ومشروع القانون الرامي الى فتح اعتماد إضافي في موازنة عام 2020 بقيمة 1200 مليار ليرة لشبكة الأمان الاجتماعي موزعة على 600 مليار ليرة لشبكة الأمان و600 مليار ليرة لباقي القطاعات، على أن تتم إحالة مشروع قانون بقيمة 300 مليار ليرة للقطاع التربوي…
تفكيك «لغم» «سلعاتا؟
تخضع الحكومة اليوم لاختبار شديد الحساسية، اذا لم تحصل تسوية حول معمل «سلعاتا»، بعدما قرر الرئيس ميشال عون دعم رئيس تكتل لبنان القوي جبران باسيل، طالباً من الحكومة إعادة النظر بقرار استبعاده من المرحلة الاولى لخطة الكهرباء، بعدما سقط بالتصويت في جلسة عقدت في «السراي الحكومي».
وفيما يرى رئيس الحكومة حسان دياب ان ما حصل محاولة واضحة للالتفاف على صلاحياته كرئيس حكومة واصرار في غير مكانه لتمرير ملف غير متناسب مع مرحلة «التقشف» التي تمر بها البلاد، كان واضحا حتى مساء امس ان هذا الاقتراح سيسقط مرة جديدة اذا ما اعيد طرحه للتصويت في جلسة اليوم، بعدما ابلغ حزب الله حليفه «البرتقالي» انه لن يتراجع عن موقفه المعارض، وعلم ايضا ان حركة امل مصرة على التصويت ضد «سلعاتا»، وهذا ما سيشكل احراجا كبيرا لرئيس الجمهورية وكذلك «التيار الوطني الحر»، فيما اعادة تمريره ستساهم في اضعاف «صورة» رئيس الحكومة الذي يحتاج الى تقديم نموذج مغاير بمرحلة «الصفقات» التي كانت تمرر خلال فترة التسوية الرئاسية بين الحريري وباسيل.
ومن هنا، تشير المعلومات الى وجود محاولات حثيثة للخروج من «المازق» بأقل الاضرار الممكنة خلال جلسة اليوم، وثمة تفاهم سياسي يعمل على بلورته، حيث لا يعمد رئيس الجمهورية الى طرح القضية على التصويت مجددا، بل يكتفي بطرحه من خارج جدول الاعمال تحت عنوان اطلاع مجلس الوزراء على رفضه للقرار السابق على ان تأخذ الحكومة علما بهذا الموقف الذي سيدرج في المقررات الختامية للجلسة، على ان تستمر النقاشات لاحقا مع الوزير المختص بعيدا عن تحويل «سلعاتا» الى «ازمة» متفجرة داخل الحكومة.
التعيينات الادارية…
وفي ملف التعيينات، من المرتقب ان يعين مجلس الوزراء اليوم، محافظا لمدينة بيروت، ورئيسا لمجلس الخدمة المدنية، والمدير العام لوزارة الاقتصاد والمدير العام للاستثمار في وزارة الطاقة. وفيما يرتقب تعيين محمد أبو حيدر في وزارة الاقتصاد، وغسان نور الدين في الطاقة بعد اتفاق «الثنائي الشيعي» عليهما، فان الحسم سيكون اليوم لمركز الخدمة المدنية بين احمد عويدات، والقاضي يحيى غبورة، وندى يقظان، فيما يبدو محسوما تعيين القاضي مروان عبود محافظا لبيروت.
«الافراج» عن التشكيلات القضائية؟
في هذا الوقت، اعلنت وزيرة العدل ماري كلود نجم في جلسة الهيئة العامة في مجلس النواب امس أنها أحالت كتاب مجلس القضاء الاعلى بشان التشكيلات القضائية على الأمانة العامة لمجلس الوزراء بعد توقيعه، وذلك بعدما استجاب المجلس لطلب وزيرة الدفاع الوطني زينة عكر خفض عدد القضاة في مشروع التشكيلات القضائية الذي أعده من 18 قاضياً إلى 12 قاضياً… وقد وقعت نجم سابقا على مشروع التشكيلات المتعلق بالقضاء العدلي كما وقعه وزير المال غازي وزني ورئيس الحكومة حسان دياب. ويبقى أن يقترن هذا الجزء بتوقيع وزير المال ورئيس الحكومة ثم يوقعه كاملا رئيس الجمهورية ميشال عون ليصبح نافذاً.
«الصندوق» يتبنى ارقام الحكومة؟
في غضون ذلك، عقدت جلسة جديدة بين الوفد اللبناني وخبراء صندوق النقد الدولي عبر تقنية «الفيديو كول» وتناول البحث ارقام الخسائر المالية في مصرف لبنان، ووفقا لاوساط وزارية كان واضحا خلال الجلسة ان اعضاء وفد الصندوق اقتنعوا بالارقام المقدمة في خطة الحكومة واعتبروها اكثر «ملاءمة» ومطابقة للواقع من الارقام المقدمة من المصرف المركزي، وهم عرضوا دراسة جاءت متوافقة مع الارقام الحكومية. وقد حاول حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تقديم شروحات معمقة لشرح مقاربته للارقام المقدمة من قبله…