بالمختصر المفيد، احترقت ورقة حكومة حسان دياب وانطلقت رحلة البحث عن البدائل المتاحة. صحيح أنّ موضوع التعديل الحكومي طُرح منذ حوالى الشهر وسقط، لكن وأمام ارتفاع منسوب الارتباك والتخبط في وعاء 8 آذار الحكومي عاد هذا الموضوع ليُطرح بقوة في كواليس صُنّاع حكومة حسان دياب من منطلق أشمل وأوسع وعلى أسس ومنطلقات جديدة باتت تُحتّمها المرحلة بعدما استنفدت هذه الحكومة رصيدها باكراً ووصلت بصيغتها الحالية إلى حوائط مسدودة في مختلف الاتجاهات شعبياً واقتصادياً ومالياً وعربياً ودولياً وباتت تشكل عبئاً على رعاتها بعدما كان تشكيلها يقوم على فكرة إنشاء “بارافان” وزاري تكنوقراطي من شأنه أن يساعد السلطة على امتصاص النقمة الشعبية وفكفكة قيود المقاطعة العربية والدولية للبنان. وإذا كانت مداولات الكواليس تنطلق من كون حكومة دياب “هرهرت” ولم تعد ذات منفعة يُعوّل عليها، فإنّ السؤال المحوري الذي تدور حوله هذه المداولات بات يقتصر على ما إذا كان المخرج من الأزمة يحتاج إلى تعديل وزاري أو تبديل للحكومة برمتها؟.
ووفق معلومات “نداء الوطن” المستقاة من مصادر مطلعة على مجريات البحث الدائر حول مصير الحكومة، فإنّ الكفة لا تزال تميل إلى تعزيز أرجحية الاكتفاء بإجراء تعديل حكومي باعتباره حلاً متاحاً في يد قوى 8 آذار ولا يحتاج إلى مشاورات وطنية مع قوى المعارضة، سيّما وأنّ هذه القوى قد لا تجد بديلاً أفضل من خيار حسان دياب في ظل ظروفها الراهنة، إنما هي ستجد نفسها مضطرة في حال المضي قدماً بعملية إقصائه، إلى اختيار شخصية أكثر التصاقاً بـ 8 آذار إن هي أعادت إنتاج حكومة جديدة مماثلة لحكومته من لون واحد (ربطاً بكون العديد من الأسماء “الرمادية” أصبحت تحاذر أكثر فأكثر مسألة ترؤس حكومة محسوبة على “حزب الله” ومحور الممانعة خصوصاً مع دخول حزمة العقوبات مرحلة أقسى وأشد وطأة على المتعاونين مع هذا المحور من بوابة “قانون قيصر”)، أو أنها ستضطر إلى الرضوخ لشروط الثورة والمعارضة في عملية تشكيل الحكومة الجديدة إن هي ذهبت باتجاه إيجاد أرضية توافقية مع مختلف القوى السياسية والوطنية على البديل للحكومة الحالية. وعلى هذا الأساس، تفيد المعلومات بأنّ “مطبخ” 8 آذار يبحث جدياً في عملية إجراء تعديل وزاري يبقي على رئاسة دياب للحكومة مقابل إدخال “بُعد عسكري” إليها عبر استبدال بعض الوزراء بضباط من الجيش سعياً من جهة إلى استمالة الشارع والانتفاضة الشعبية باعتبار المؤسسسة العسكرية غير موصومة بوصمة الفساد، ومن جهة ثانية إلى استدراج المجتمع الدولي نحو عملية احتضان حكومة ذات طابع “تكنو – عسكري” انطلاقاً مما يتمتع به الجيش اللبناني من حيثية ومكانة لدى واشنطن والدول الغربية قد تشكلان عامل دفع لمساعدة دولية لحكومة يشكل الجيش إحدى ركائزها.
ومن هنا، يتردد أنّ مرجعاً معنياً يعمل على “جسّ نبض” الإمكانيات المتاحة لاستبدال حكومة دياب بحكومة تكنوقراط يشارك في تزكية تركيبتها أكثر من طرف في الموالاة والمعارضة من دون أي تمثيل سياسي فيها على أن تُمنح هامشاً أوسع في إدارة شؤون البلد وتواصله مع المجتمعين العربي والغربي، لكن بحسب الأجواء التي رشحت حتى الساعة بخصوص هذا الخيار، فإنّ العلاقة المتردية بين الرئيس سعد الحريري وبعبدا تحول دون إمكانية قبوله بمد يد العون للعهد العوني وتأمين غطاء حكومي له ينتشله من قعر الهاوية التي بلغها، وعليه فإنّ المرجع المعني يحاول استمزاج الآراء حول عدة أسماء من الممكن أن تحدث تقاطعات مقبولة لترؤس الحكومة مع تسويقه في هذا السياق بعضاً من الشخصيات ومن بينها شخصية شمالية يعتبر أنّ حظوظها التوافقية أكبر من غيرها وقد تشكل “مفتاح فرج” مأمول لاستدراك تفلّت مسار الأمور من يد حكومة دياب على مستوى التواصل مع صندوق النقد والمجتمعين العربي والدولي.
وفي المعلومات المتوافرة لـ”نداء الوطن”، أنّ اجتماع الأمس الذي تقرر استئنافه في جلسة ختامية أوائل الأسبوع المقبل، خلص إلى وجود إجماع نيابي ينحو باتجاه المعالجة التدريجية للخسائر ورفض “الهيركات”، وسط إحراز تقدّم في موضوع مقاربة الأرقام المالية خاصة بالنسبة لتقدير حجم التعثر في التسليفات من قبل لجنة الرقابة على المصارف، حيث أفادت مصادر نيابية مشاركة في اللجنة أنه بلغ 12 ألف مليار ليرة عوضاً عن التقدير الوارد في الخطة والمقدّر بـ 40 ألف مليار ليرة، كما دخل المجتمعون في تفاصيل المقاربات المطروحة للمعالجة وسط مطالبة النواب بوضع الصندوق السيادي الوارد في خطة الحكومة والمصارف تحت إدارة مستقلة تحمي الموجودات وأصول الدولة بالتوازي مع تحميل المصرف المركزي والمصارف جزءاً من مسؤولية الإفراط في استدانة الدولة من أموال المودعين. وفي هذا الإطار، نقلت مصادر مشاركة في الاجتماع أنّ “مصرف لبنان نفى كل ما سُرّب في إحدى وسائل الإعلام عن رفض صندوق النقد أرقام المصرف المركزي”، وجرى استعراض النقاط التي تم التفاهم عليها وتلك التي لا تزال قيد البحث ومنها ما يتصل بالـpremium على سندات الخزينة والبالغة قيمته خمسة آلاف مليار ليرة والذي يصرّ مصرف لبنان على استهلاكه على طول استحقاقات هذه السندات.