قبل ساعات على عودة التحركات المطلبية الى «الشارع» بعناوين سياسية «مفخخة»، تزامنا مع تسجيل 50 اصابة جديدة بـ «كورونا»، مدد مجلس الوزراء حالة التعبئة العامة حتى الخامس من تموز المقبل، من جهة لمواجهة انتشار «الوباء»، ولمحاولة «ضبط» الحراك المشبوه من جهة اخرى، بعد تقاطع المعلومات الامنية حيال وجود اجندات مشبوهة يحاول البعض التحرك من خلالها لاستغلال الحراك الشعبي لتنفيذ اجندات خارجية قد تنعكس سلبا على الاستقرار الداخلي خصوصا مع عودة البعض الى اثارة ملف «متفجر» عنوانه نزع سلاح حزب الله، ما قد يؤدي الى مواجهة بين «شارعين» متقابلين يهدد بدخول البلاد بالفوضى..
«الامن الاستباقي»؟
واذا كان رئيس الجمهورية ميشال عون قد دعا الى منع قطع الطرقات وتعطيل حياة الناس ومنع والاعتداءات على الاملاك العامة والخاصة، ودعا الى تعاون القضاء مع الأجهزة في التوقيفات لمن يقوم بأعمال الشغب، فان رئيس الحكومة حسان دياب كان اكثر وضوحا في الاعراب عن مخاوفه عندما طلب في اجتماع المجلس الاعلى للدفاع بتفعيل الامن الاستباقي والوقائي لتجنب «الاسوأ»، وهو تحذير مبني على معلومات دبلوماسية وصلت الى بيروت تفيد باستعجال اسرائيلي للاستفادة من وجود دونالد ترامب في البيت الابيض لتسريع الضغوط على لبنان من «بوابة» الاقتصاد، واستغلال لجوء الدولة اللبنانية لصندوق النقد الدولي للحصول عى تنازلات في ملف الحدود البحرية والبرية، والتوطين،وتحييد صواريخ حزب الله «الدقيقة»، وغيرها من الملفات «الاشكالية» التي ترى الحكومة الاسرائيلية ان الفرصة سانحة اليوم لتحصيلها…
وبناء على ما تقدم وافق مجلس الوزراء على تمديد حالة التعبئة العامة حتى 5 تموز المقبل، والإبقاء على الأنشطة الاقتصادية التي سمح لها بالعمل تدريجيا، بحسب ما أعلنت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد بعد جلسة مجلس الوزراء، وحول الربط بين تمديد حال التعبئة ورغبة السلطة في الحد من التحركات الاحتجاجية، قالت عبد الصمد «ما من تخوّف من التظاهرات بل هناك خوف على صحة المتظاهرين، ونحن حرصاء على سلامة التظاهرة لكي تحقّق أهدافها».
لماذا القلق الامني؟
واذا كانت مصادر وزارية قد اكدت ان تمديد التعبئة العامة هو اجراء ضروري يتيح لكل وزارة بحسب اختصاصها أن تعود في أي وقت إلى التشدّد بالإجراءات في حال تفاقم الأوضاع الصحية، وذلك دونما حاجة للعودة إلى مجلس الوزراء، لم تخف اوساط سياسية مطلعة وجود قلق جدي في الحكومة من «تسلل» الاجندات السياسية الى الحراك المطلبي الذي سيستعيد زخمه اليوم وغدا، واذا كان تحرك صيدا «مضبوط» مطلبيا ولا خوف من انحراف اهدافه، فان الحراك الذي سينطلق السبت يخضع لعملية «فحص» امني جدي نتيجة معطيات متقاطعة تفيد بوجود مناخ جديد في البلاد يسعى الى رفع سقف التوتر في وقت تخوض فيه الحكومة مفاوضات صعبة مع صندوق النقد الدولي، تزامنا مع ارتفاع في الضغوط الاميركية التي ترجمتها السفيرة في بيروت دوروثي شيا بتحرك ميداني «تحريضي»، ادى الى بروز مناخ جديد في البلاد كان ابرزه «برتقاليا»، فيما خرجت مجموعات تحتاج الى المزيد من المتابعة والرصد لتطالب بنزع سلاح حزب الله، وتبنت توجهاتها احزاب لبنانية لم تخف يوما عدائها للحزب، ولكنها نفضت الغبار عن «نواياها»الان..
انقسام «الانتفاضة»..واجندات «مشبوهة»؟
وفي هذا السياق، يظلل تحرك يوم السبت الكثير من علامات الاستفهام التي ادت الى انقسامات دفعت بمجموعات وازنة الى الانسحاب من التحرك، ومن المجموعات التي تثير الشبهات مجموعة تطلق على نفسها مجموعة 128 التي سبقت وتظاهرت امام قصر العدل في بيروت، وهي ترفع شعار نزع «السلاح غير الشرعي» وتطبيق القرار 1559، يضاف اليها دخول مجموعات بهاء الحريري على الخط، عبر اعلان «التنسيقيات» التي يقودها المحامي نبيل الحلبي المشاركة بالتظاهرات، وياتي ذلك في ظل مؤشرات مقلقة مع خروج «المفكر» الاسلامي المعروف بهواه السياسي رضوان السيّد ليعلن في مؤتمر صحافي ولادة «التجمع الوطني الاسلامي اللبناني» المؤلف من «مجموعات معظمهما من أهل السنّة» كما قال، واضعا في طليعة اهدافه مواجهة ما سمّاه «راديكالية شيعية» في لبنان يقودها «حزب الله».. هذه الشعارات التي تشجع على الانقسامات الداخلية هي الان محور متابعة حثيثة من الاجهزة الامنية خصوصا انها تتقاطع مع معلومات دبلوماسية غربية وروسية تحذر لبنان من «نوايا» اسرائيلية مبيتة… وكان لخروج مجموعة الضباط المتقاعدين التي يقودها العميد النائب شامل روكز من المشاركة بتظاهرة السبت اكبر دليل على وجود «قطب مخفية» حيث لا يقبل الجنرال المتقاعد ان تتلوث المطالب الاجتماعية، بمطالب مشبوهة، وقد انسحبت ايضا مجموعات تنتمي الى الحزب الشيوعي ومجموعات يسارية، فيما تشارك مجموعة «انا خط احمر»، «وشباب 17 تشرين»، تحت عناوين معيشية، يرفع حزب الكتائب وحزب «سبعة» تحت شعار اجراء الانتخابات النيابية المبكرة..
ماذا في التحذيرات الدبلوماسية؟
هذا القلق الامني في بيروت له ما يبرره، فاسرائيل تستعجل «قطف ثمار» وجود الرئيس دونالد ترامب في البيت الابيض وباتت اكثر قلقا من امكانية رحيله في الانتخابات الرئاسية المقبلة بسبب ما يواجهه من ازمات داخلية ترتبط بالفشل في مكافحة «وباء كورونا» وكذلك الارباك في التعامل مع الاحتجاجات الكبيرة ردا على مقتل جورج فلويد، وفي هذا السياق، حذرت اوساط دبلوماسية اوروبية المسؤولين اللبنانيين من استسهال التفاوض الجاري مع صندوق النقد الدولي، او التقليل من مخاطر الضغط الاميركي في مسألة تعديل مهمة «اليونيفيل» في جنوب لبنان، ونقلت تلك المصادر عن مسؤولين رفيعي المستوى تاكيدهم ان رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو تحدث امام مجموعة من الدبلوماسيين المعتمدين في اسرائيل عن ما اسماه «الصديق الكبير» لبلاده دونالد ترامب الذي اعترف بالسيادة الاسرائيلية على الجولان، وبالقدس عاصمة للدولة الاسرائيلية، والاعتراف بشرعية المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية، من خلال ضم 40 بالمئة من مساحة الضفة فيما كان الرئيس الديموقراطي بيل كلينتون قد عرض في الماضي تبادل للاراضي يسمح لاسرائيل بالحصول فقط على 4 بالمئة من مساحة الضفة…
لائحة مطالب اسرائيلية
لكن الخطير في كلام نتانياهو، يبقى في الاجندة غير المنفذة بعد من وعود ترامب والتي يأمل رئيس الحكومة الاسرائيلية بان تجد طريقها للتنفيذ قبل الاستحقاق الانتخابي الاميركي في الخريف المقبل، وهي تشمل السيطرة الأمنية على غربي نهر الأردن، وتفكيك سلاح حركة حماس، اضعاف حزب الله عبر اخراجه من سوريا اولا، وتحييد منظومة الصواريخ الدقيقة التابعة له من الخدمة، وتطويقه داخليا، في ظل تفاقم الاوضاع الاقتصادية في لبنان، والحصول على اقرار لبناني ولو «ضمني» بمنع عودة اللاجئين الفلسطينيين تحت اي عنوان حتى لو كان «لم الشمل» باعداد قليلة.
«لي ذراع» حزب الله
ولان الانتخابات الاميركية على «الابواب»، يستعجل نتانياهو لقضم الضفة الغربية في تموز، مخاطرا باندلاع انتفاضة جديدة بعدما قطعت السلطة الفلسطينية كل انواع العلاقة مع اسرائيل بما فيها الامنية، ويخاطر بانهيار العلاقات الاستراتيجية مع الأردن، ويراهن على الاميركيين لممارسة اكبر قدر ممكن من الضغوط على الساحة اللبنانية بهدف «لي ذراع» حزب الله من «بوابة» الانهيار الاقتصادي المريع في البلاد، وتبدو اسرائيل متحمسة للغاية لانطلاق التفاوض مع «صندوق النقد الدولي» الذي تتحكم بادارته واشنطن، وثمة رهان كبير على نجاح ادارة ترامب في ربط اي مساعدات بتنازلات امنية محددة تتعلق بالصواريخ الدقيقة التابعة لحزب الله، وملف ترسيم الحدود البحرية والبرية، وملف التوطين، ومن هنا جاءت التحذيرات الغربية لتتقاطع مع تحذيرات روسية مشابهة ربطت بين قانون «قيصر» لمحاصرة سوريا، بما يحصل من ضغوط على لبنان الذي سيكون معرضا «للاختناق» الاقتصادي اذا ما تم منعه من التعامل مع «رئته» السورية..
معلومات لا تكهنات..
ولذلك تبدو المخاطر جدية، والتحذيرات مبنية على معلومات لا تكهنات، ما يضع المفاوض اللبناني امام معضلة شديدة الخطورة وحساسة حيث سيكون مضطرا للموائمة بين «الموت» الاقتصادي او تقديم تنازلات لا تبدو متاحة حتى الان لاسباب كثيرة اهمها نجاح السلطات الامنية في منع انزلاق البلاد الى الفوضى، وهو التحدي الابرز في المرحلة المقبلة، حيث ابدت باريس قلقها ازاء احتمال حصول اهتزاز مماثل خصوصا مع انحراف المطالب الحياتية الى عناوين سياسية قد تؤدي الى مواجهة في الشارع، سبق وحذر منها السفير الفرنسي بيرنار فوشي الذي تحدث امام زواره عن «مغامرة» اميركية غير محسوبة تلوح في الافق، ويجب على كل الاطراف في الداخل العمل على تهدئة الامور..
موقف لبنان قوي؟
في المقابل تشير اوساط سياسية مطلعة الى ان محاولات الضغط على لبنان لن تجدي نفعا لان حزب الله نجح في «نأي» نفسه عن الدولة اللبنانية، وهو ما يدركه الاميركيون والاسرائيليون جيدا، وكل التقارير الاستخباراتية تقاطعت عند التاكيد ان اقل الاطراف تاثرا بالازمة المالية الخانقة في لبنان هو حزب الله الذي يدير منظومته المالية من خارج النظام المصرفي اللبناني، وهو لديه الان «مونة» كبيرة على الحكومة التي لن تعطي الاميركيين ما يريدونه، واذا كان نتانياهو الان يربط مصير اسرائيل بمصير الرجل الجالس في البيت الأبيض، فهو الذي يخاطر بتداعيات كارثية على حكومته في الاشهر القليلة المقبلة، لان «غرق» ترامب بمشاكله سيجعله اكثر ضعفا من اي يوم مضى، ويجب على الحكومة عدم الوقوع في «فخ» المقايضات التي لم تعط حلفاء واشنطن اي رخاء او رفاهية اقتصادية..
«التوظيف» السياسي..؟
وكانت الدعوة إلى التظاهر حضرت على طاولة مجلس الوزراء في بعبدا، وقال رئيس الحكومة حسّان دياب «نتفهّم صرخة المواطن الذي يشعر بوطأة الوضع الاجتماعي، لكن الخوف هو من حصول محاولات لتوظيف هذه الصرخة بالسياسة، وتحوّل مطالب الناس وهمومهم إلى وسيلة تتسبّب مجدداً بالعودة إلى قطع الطرق وتقطيع أوصال البلد، وإقفال المؤسسات وتعطيل أعمال الناس وبالتالي صرف الموظفين والعمال .وأضاف نحن مع حق التظاهر ، لكن هذا الحق يتحوّل إلى فوضى إذا عاد أسلوب قطع الطرق وتخريب الأملاك العامة والخاصة…
صراع الصلاحيات
أما رئيس الجمهورية ميشال عون فردّ في مستهل جلسة الحكومة على بيان كتلة المستقبل حول التعرّض لصلاحيات رئيس الحكومة فقال أمارس صلاحياتي الدستورية كاملة، وأحترم صلاحيات الجميع لا سيما تلك التي تعود للحكومة ولرئيسها، وعلم أن مجلس الوزراء شكّل خلية أزمة لدرس قانون « قيصر» وتداعياته على لبنان ، فيما وقع عون ودياب مرسوم دعوة مجلس النواب الى عقد استثنائي يُفتتح في 8 حزيران الحالي…وفيما تم تاجيل التعيينات الادارية الى الخميس المقبل «مبدئيا»بسبب استمرارالخلافات حولها، تم بالامس «تعيين محمود مكية بالتكليف رئيسا لمجلس الخدمة المدنية لأسبوعين على الرغم من اعتراض وزيري المال غازي وزني والصناعة عماد حب الله..
هل تتوحد الارقام المالية؟
في هذا الوقت دخل رئيس الجمهورية على خط انقاذ المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بفعل استمرارالتناقضات في الارقام بين اعضاء الوفد اللبناني، وبصفته مسؤول دستوريا عن ادارة المفاوضات الدولية دعا عون الى اجتماع في بعبدا حضره رئيس مجلس الوزراء حسان دياب، وزير المال غازي وزني، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، المدير العام لرئاسة الجمهورية أنطوان شقير، المدير العام لوزارة المال ألان بيفاني، والمستشارون شربل قرداحي وجورج شلهوب وهنري شاوول. وتم البحث في الأرقام والمبالغ الواردة في التقارير الصادرة عن وزارة المال ومصرف لبنان والتي يتم الارتكاز عليها خلال المفاوضات الجارية بين فريق عمل وزارة المال وصندوق النقد الدولي، وطالب عون بان ياتي الافرقاء يوم الاثنين بارقام موحدة،بعدما المح وفد الصندوق بالانسحاب من المفاوضات اذا ما استمرت التباينات لدى الوفد اللبناني، وعلم في هذا السياق ان حاكم مصرف لبان رياض سلامة قد اكد ان المحادثات تحقق تقاربا في الارقام، فيما اشارت اوساط مطلعة الى ان التفاوض معقد ويرجح ان يستمر اشهرا قبل التوصل الى اتفاق، مع العلم ان «الصندوق» بات يتبنى الارقام المقدمة في الخطة الحكومية..
«كورونا» يقفز من جديد
في غضون ذلك، عاد عداد كورونا الى الارتفاع، مع تسجيل 50 حالة جديدة،8 من الوافدين، ما رفع العدد التراكمي الى1306 وسجلت بلدة برجا وحدها 35 حالة جديدة، أوضح وزير الصحة حمد حسن أن امرأة وافدة من الخارج كانت تحمل فيروس كورونا نقلته لـ 42 شخصا مؤكدا أنه حين يلتزم الناس والمغتربون منازلهم ولا يشكلون حالة كما جرى في برجا عندها نستطيع التحدث عن اعادة فتح المطار. وأعلن بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء، أنه سيعقد اجتماعا اليوم مع المحافظين لاتخاذ القرار المناسب، وتوقع حسن في اجتماع المجلس الاعلى للدفاع أن يقصد العرب لبنان بدلاً من أوروبا بسبب كورونا، واتفق المجتمعون على الاستمرار بقرار المفرد والمزدوج في سير المركبات..