كتبت صحيفة النهار تقول: لم يعد مهماً رسم صورة تفصيلية لمجريات ما حصل في يوم السادس من حزيران 2020 وهو اليوم الذي كانت قوى انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 تعد لتحويله الى التاريخ الثاني الأبرز لتجدد زخمها وتطويره بعدما افضت هذه المجريات الى تهديد الاستقرار الأمني في لبنان برمته باوخم العواقب وسددت الى الانتفاضة ضربة موجعة وكشفت أوجهاً مشتبهاً فيها لبعض السلطة.
والواقع أنّه بدا كافياً النظر الى حجم القوى العسكرية ونوعيتها التي دفع بها الجيش مساء أمس الى خطوط التقاطع بين عين الرمانة والشياح وما قام به بسرعة خاطفة لاستدراك الأسوأ لمعرفة طبيعة القطوع الذي مرره لبنان امس والذي كاد يعيد عقارب الساعة الى حقبات الفتنة الاهلية وخطوط التماس الانقسامية . واذا كانت “النهار” قد حذرت امس استباقيا من المؤشرات التي تنذر باستخدام شارع في مواجهة شارع والتهويل بتحرك شارع الدفاع عن “المقاومة” في مواجهة رفع جماعات من الناشطين في الانتفاضة مطلب تنفيذ القرار 1559 ونزع سلاح “حزب الله ” فان الوقائع التي واكبت يوم 6 حزيران جاءت لتؤكد هذه المعطيات والمخاوف بل تجاوزتها الى الأسوأ بما اثبت ان التحرك الاحتجاجي الواسع الذي حصل في ساحة الشهداء في وسط بيروت كان قد فعل فعله لجهة اسقاط ممنوعات كبيرة مفروضة بقوة الامر الواقع المسلح والمتسلط على الدولة. ذلك أنّ الانتفاضة وان تكن شهدت ارباكات في تراجع بعض أجنحتها وجماعاتها عن المشاركة في الاعتصام الحاشد أمس في ساحة الشهداء الا انها تمكنت من حشد اعداد كافية لتظهير التحفز الشعبي لاعادة الانطلاق بزخم نحو مرحلة جديدة من فرض برنامج تصحيحي يبدأ ببرمجة المطالب بحكومة مستقلة حقيقية واجراء انتخابات نيابية مبكرة وهما المطلبان اللذان واكبتهما هذه المرة المطالبة بتنفيذ القرار 1559 والذي شكل فتيل اشعال ردود فعل الشارع المضاد الموالي للثنائي الشيعي “حزب الله” و”أمل”. وبدا واضحا منذ اللحظات الأولى لبدء اتساع الحضور الشعبي في ساحة الشهداء ان ألاعداد المتقن لإجهاض الانتفاضة المتجددة قد اتخذ مداه فبدأ الامر باستدراجات مشبوهة لافتعال ردود فعل جمهور الانتفاضة مثل اطلاق شائعة عن خطف احد النشطاء وتوجه عدد من المتظاهرين نحو شارع بشارع الخوري فيما كانت مجموعات من انصار الثنائي مستنفرة وجاهزة للزحف بالاتجاه المعاكس أي في اتجاه المعتصمين في ساحة الشهداء.
ومع مسارعة الجيش وقوى الامن الداخلي والأجهزة الأمنية الى توزّع مهمات الفصل السريع بين الجمهورين لم تجد مجموعات انصار الثنائي أي حرج في تنظيم همروجة اطلاق شعارات مذهبية سافرة بما يعني التصميم على اطلاق رسالة واضحة مفادها الاستعداد للذهاب الى مستويات تتجاوز الخطوط الحمر ما دام أي طرف او فئة او جهة في لبنان سيتجرأ على طرح ملف سلاح #حزب_الله. عمليات الكر والفر في وسط بيروت استكانت بعض الوقت ليعود الاحتدام تحت وجه أخر تمثل في توجه اعداد من المتظاهرين نحو مجلس النواب واصطدامهم بشرطة المجلس بعدما تكثفت عمليات رمي الحجارة في فوق الساتر الكبير الذي يعزل المجلس ولكن مجموعات من المتظاهرين عادت الى لعبة التخريب بتحطيم واجهات محلات ومتاجر ومصارف الامر الذي جعل وحدات الجيش وقوى الامن الداخلي تتدخل وتطارد المشاغبين الى ما بعد منطقة الكرنتينا علما ان اعداد القوى العسكرية والأمنية الكبيرة بدت لافتة جداً.
هذه التطورات على دلالاتها البارزة بدت اقل وطأة مما جرى على تقاطع عين الرمانة الشياح حيث تصاعدت لوهلة اخطار اشعال فتنة طائفية وأهلية على نحو جدي وبالغ الخطورة. وكشفت المعلومات المستقاة من شهود عيان ان ما حصل كان مفتعلا بشكل سافر من خلال حضور مجموعات من خارج المنطقة على دراجات نارية الى عين الرمانة وإطلاقها شعارات استفزازية في موضوع السلاح والمقاومة وتجمع على الأثر عدد كبير من الأهالي وانصار “القوات اللبنانية” في مواجهة هؤلاء وحصل اشتباك بالعصي والزجاجات الفارغة وما لبث الامر ان أدى الى اطلاق رصاص في الهواء لم يعرف مطلقه. وانتشرت بسرعة وحدات التدخل العسكرية بإعداد كثيفة كما وحدات من قوى الامن الداخلي وفصلت بجدران بشرية عسكرية بين الفريقين فيما تسارعت المساعي لتطويق التداعيات ومنع تجدد الخلاف والاحتكاكات .
واتخذت محاولات اثارة الفتنة مزيداً من الدلالات الخطرة ليلا لدى اندلاع موجة تبادل بالشتائم عبر وسائل التواصل الاجتماعي على خلفية مذهبية طاولت السيدة عائشة في وقت كانت بعض شوارع العاصمة تشهد توترات واشتباكات بين جماعات متنقلة من المتظاهرين ذات طابع مذهبي من بينها كورنيش المزرعة ومحيط ساقية الجنزير وبرج ابي حيدر وسواها. وأصدرت دار الفتوى ليلا بيانا حذرت فيه جمهور المسلمين من الوقوع في الفتنة المذهبية والطائفية وقالت ان شتم السيدة عائشة ام المؤمنين لا يصدر الا عن جاهل. وبدوره حذر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في تغريدة قائلاً: “الأهم في هذه الظروف ألا نقع في لعبة الأمم على حساب الوحدة الوطنية”. كما اصدر “حزب الله” بيانا استنكر فيه ما صدر من إساءات وهتافات مسيئة، مذكرا بحرمة التعرض لزوجات الرسول وأمهات المؤمنين وعامة مقدسات المسلمين وحذر من مسببي الفتنة. كما دان رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان “المحاولات المشبوهة لاثارة الفتن بين اللبنانيين وضرب وحدتهم الوطنية والإسلامية ودان أي إساءة لاي رمز ديني. ووجّه الرئيس سعد الحريري “نداء الى جميع الأهل والآحبة ان يأخذوا بدعوة دار الفتوى وتحذير جمهور المسلمين من الوقوع في الفتنة” وقال “لعن الله الفتنة ومن يوقظها”.