يومياً يتأكد ان لا أمل بإصلاح او خروج من النفق مع هذه السلطة ومنظومتها الفاسدة. أمس اختلط حابل أرقام الحكومة بنابل أرقام المصرف المركزي، فتمخضت اجتماعات قصر بعبدا لتلد قيصرياً توليفة مالية ترفع “العشرة” استسلاماً وتضع أموال المودعين في مهب التفليسة. من يقرأ بيان اجتماع الأمس في القصر الجمهوري يحسب أنّ “الطبخة المالية استوت” وحان وقت مقاربتها بشكل علمي يُطلق قطار المفاوضات مع صندوق النقد، لكن من يتمعّن في مفردات هذا البيان ويغوص في خلاصاته سرعان ما يدرك أنها مجرد “طبخة بحص” لم تخرج من مربع عناد الحكومة وإصرارها على فرض خطتها على الطاولة وإرغام المصرف المركزي والمصارف على الانصياع لها. فبخلاف ما أشاعه القيّمون على الاجتماع المالي أمس من أجواء إعلامية توحي بالتوصل إلى “منطلق صالح” للأرقام، فإنّ المعلومات المستقاة من مجرياته تشي بأن الاجتماع أسهم في تأزيم الأمور وتعميق الهوة أكثر بين الحكومة والقطاع المصرفي، بعدما انتهى، وفق مصادر مالية، إلى محاولة فرض “أمر واقع” يطيح بكل الملاحظات والمشاورات والاجتماعات التي حصلت وزارياً ونيابياً ومصرفياً في سبيل توحيد الأرقام، معربةً لـ”نداء الوطن” عن أسفها لكون “الحسابات السياسية غلبت الحسابات المالية في نهاية المطاف”، وسألت: “بعد شهرين من الاجتماعات وبذل الجهود لتحقيق التقارب بين الحكومة والمصرف المركزي والمصارف، هل يجوز أن تأتي مجموعة مستشارين لترمي بكل التقدم الذي حصل في البحر؟ وهل التعاطي المسؤول يكون بالانسياق وراء خطة تريد من خلالها الحكومة تصفية الدين حتى العام 2050؟”، لتجيب: “خطة الحكومة ستؤدي للأسف إلى “فرط” الدولة وليس إنقاذها”.
وعن سياق النقاشات التي جرت، أفيد بأنّ الرباعي الاستشاري المقرب من رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل (شربل قرداحي، آلان بيفاني، هنري شاوول وجورج شلهوب)، كان من أشد المدافعين عن خطة الحكومة التي أقرت بأرقام “لازارد” وحددت حجم الخسائر الإجمالي بـ241 تريليون ليرة (خسائر مصرف لبنان 77 تريليون ليرة وخسائر المصارف 64 تريليون ليرة مع احتساب سعر صرف الدولار 3500 ليرة)، بينما نقلت مصادر المجتمعين لـ”نداء الوطن” أنّ ما برز خلال اجتماع قصر بعبدا الذي لم يدم أكثر من نصف ساعة فعلياً، هو تقديم حاكم المصرف المركزي رياض سلامة ورقة اعتراض تُفنّد كل رقم وانعكاساته، محذراً بالقول: إذا اعتمدنا ورقة الحكومة “رايحين ع كارثة”، قبل أن يحرص على تسجيل اعتراضه هذا خطياً بكتاب ممهور من مصرف لبنان، فدافع الرئيس ميشال عون عن الخطة الحكومية معتبراً أنها لا تمس بالمودعين غير أنّ سلامة أكد له العكس. وعندما اقترح رئيس الحكومة حسان دياب أن يتم السير بأقرب أرقام يقبل بها صندوق النقد الدولي قيل له إنّ ذلك يرهن لبنان للصندوق فاقترح تركيب جملة “انطلاقة للتفاوض” وكان تعليق سلامة: “اصطفلوا”. ولما طلب وزير المالية غازي وزني مهلة 48 ساعة لمتابعة العمل على الأرقام، تم رفض طلبه وكان الجواب أنّ “متابعة العمل على الأرقام يجب ألّا يؤخر القرار”.
في الغضون، انتهت مروحة الاستشارات التي جرت بين مكونات السلطة إلى حسم مسألة إدراج التعيينات الإدارية المؤجلة على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء التي ستُعقد بعد غد الخميس في قصر بعبدا، بعدما تم تكريس مبدأ المحاصصة في السلة المنوي إقرارها مع تثبيت كل فريق لحصته ضمن قائمة الأسماء على الشكل التالي: مروان عبود محافظاً لبيروت، محمد بو حيدر مديراً عاما لوزارة الاقتصاد والتجارة، غسان نور الدين مديراً عاما للاستثمار في وزارة الطاقة والمياه، ورندة يقظان رئيسة لمجلس الخدمة المدنية.
توازياً، وإثر رفعه من رئاسة مجلس الوزراء يوم السبت الفائت إلى الرئاسة الأولى، أكدت مصادر القصر الجمهوري أمس وصول مرسوم التشكيلات القضائية موقعاً وفق الأصول من وزارتي العدل والمالية ورئاسة مجلس الوزراء إلى دوائر القصر، من دون أن تتضح بعد معالم تعاطي رئيس الجمهورية مع هذا المرسوم في ضوء خلافه المستحكم مع مجلس القضاء الأعلى. وإذ تناقلت معلومات إعلامية أمس تأكيدات جازمة بأنّ عون لن يوقّع التشكيلات القضائية، اكتفت مصادر بعبدا بالتشديد لـ”نداء الوطن” على كون “المرسوم ستتم دراسته لكي يبني فخامة الرئيس على الشيء مقتضاه”، لافتةً الانتباه في الوقت عينه إلى أنه “مرسوم عادي أي أنّ توقيعه غير مقيّد بزمن”.