صحيح أن اللقاءات السياسية تمحورت حول لملمة شظايا أحداث ليل السبت الماضي الخطيرة، لكن معالجة الأمور المعيشية كانت بنداً أساس فيها في ظل التزايد المطّرد في مصائب القطاعات الحياتية التي تضع الناس أمام حائط مسدود يودي بهم الى الانفجار.
وفيما يرتفع الخوف من الوقوع في عتمة وشيكة بسبب شح مادة المازوت، بزرت مطلع الأسبوع صرخة القطاع الطبي، وتحديداً نقابة أصحاب المستشفيات في لبنان التي أعلنت عدم قدرتها على الإستمرار في ظل تأخر وزارة الصحة والجهات الضامنة في دفع المستحقات من جهة، والإرتفاع الذي حصل في سعر صرف الدولار من جهة أخرى.
وفي هذا السياق، يوضح النقيب سليمان هارون أن “مختلف المستلزمات الطبية وغير الطبية المستخدمة في المستشفيات هي مستوردة، وفيما تغطّي الدولة بعضها بنسبة 85%، تبقى نسبة الـ15% تُدفع حسب سعر السوق”، مناشدا وزير الصحة بالتدخل لدى المستوردين للجم الغلاء الحاصل جرّاء فروقات سعر صرف العملة الأجنبية.
وفي التفاصيل، يقول هارون لجريدة “الأنباء” الإلكترونية إن “القطاع لا يستطيع الإستمرار بهذا الشكل، فبعض المستشفيات تلفظ أنفاسها، وتحاول تمرير الفترة الصعبة، فإما تلجأ إلى صرف موظّفين، أو في أفضل الحالات، تخفف من الدوامات والرواتب”.
أما في ما خص دفعات الجهات الضامنة، فذكر هارون أن “وزير الصحة حمد حسن وقّع مستحقات الستة أشهر التي كانت متبقّية منذ العام 2019، و3 أشهر من مستحقات العام الجاري. لكن يبقى المبلغ المتبقّي على الجيش والقوى الأمنية”.
هذا ولفت هارون في سياق متصل إلى عملية خارجة عن الاصول تكمن في أن ”شركات الضمان الخاصة تتقاضى بدلها من المواطنين بالدولار، فيما تدفع للمستشفيات بالليرة على سعر الصرف الرسمي 1515”.
توازياً، إرتفع صوت نقابة المعلمين في المدارس الخاصة إزاء الوضع الحاصل، وكما الحال في المستشفيات فهو نفسه في القطاع التربوي، فقد أعلن نقيب المعلمين في المدارس الخاصة رودلف عبود في اتصال مع “الأنباء” أن “عددا من المدارس تتوجه إلى إقفال أبوابها، وبعضها الآخر لا يدفع رواتب المعلّمين، أو حتى يتعمد صرفهم، وهم الذين لديهم مسؤوليات معيشية وعائلية، في ظل الوضع الإقتصادي الصعب”.
ويوضح عبود أن “مشاكل القطاع تتراكم منذ سنوات، إلّا أن ضيق الأحوال الإقتصادية والإجتماعية زادت الأمر سوءا، فمع تدني قدرة المواطن الشرائية، تراجعت قدرته على سداد الأقساط المترتبة عليه، كما أن التعليم عن بعد كان عاملا إضافيا إلى عدم التشجيع على الدفع. أضف إلى ذلك تأخر الدولة في سداد مستحقاتها، أي المنح المعطاة لموظفيها”.
وعن الحلول المطروحة، يقول عبود إن “إجتماعاً عقد في وزارة التربية مع لجان الأهل وأصحاب المدراس، خلص إلى تعديل الموازنات، ومنها خفض الأقساط”، مشيرا إلى أنه “ليس من مصلحة المدارس اليوم التعنّت وعدم القيام بأي تسهيلات، في ظل توقع إنتقال مئة ألف طالب من القطاع الخاص إلى الرسمي”.
وهنا، يتطرق عبّود إلى قدرة المدارس الرسمية على إستيعاب هذا العدد الهائل، في ظل غياب التجهيزات اللازمة والعدد الكافي من المعلمين، ويقول ان “هذا دافع لدعم المدارس الخاصة”، مشددا على “ضرورة الحفاظ على المستوى التربوي نفسه، الذي يتحقق مع دفع رواتب المعلمين، لأن أي خلل ستكون نتائجه سلبية على المستوى الفردي للطلاب، والمستوى الوطني ككل”.
من جهة أخرى، عادت قضية إبريق الزيت إلى الواجهة، فأصحاب الأفران في مواجهة جديدة مع وزارة الإقتصاد، إذ عمد وزير الإقتصاد الى تخفيف وزن ربطة الخبز من 1000 غرام إلى 900، لكن نقيب الأفران علي ابراهيم يقول لـ “الأنباء” إن هذا الإجراء “وهم، فالأفران تبيع الربطة منذ شهرين بوزن 900 غرام، والإعتراضات السابقة وُجّهت على هذا الأساس”.
كما يشير ابراهيم إلى مشكلة إضافية مرتقبة ستواجه الأفران، وهي رفع تسعيرة صفيحة المازوت 5000 ليرة، ما سيزيد من وطأة الخسارة، ويحتّم زيادة على سعر ربطة الخبز.
وعن إرتدادات إجراءات السلة الغذائية على القطاع، وما إذا كان سينخفض سعر بعض المواد الأولية، يقول إبراهيم “إن الإجراءات تطال الخميرة والسكر، لكن حتى اليوم، لا إنخفاض حصل”. وختم ابراهيم مهددا بالصعيد بحال لم يتم تسوية مطالبهم.
إلّا أن لوزير الإقتصاد راوول نعمة رده على تصريحات ابراهيم، فقد أوضح في إتصال مع “الأنباء” أن “قرار الوزارة السابق كان يقضي بألف غرام للربطة الواحدة، ودوريات لحماية المستهلك سطّرت محاضر ضبط عدّة، وهي مستمرة في عملها لمكافحة المخالفات”. وتابع: “إن لجأت النقابة لإجراءات تصعيدية فأنا لن أرد”، مشيرا إلى أنه حتى اللحظة لم يتم الإتصال به من قبلهم للتبليغ عن أي مشكلة.
وتعليقا على تصريح سابق لرئيس جمعية حماية المستهلك، زهير برو، لـ “الأنباء” حول عدم جدوى السلة الغذائية، التي من شأنها دعم التجّار وليس المواطنين، يرد نعمة قائلا: ”إن الإنخفاض الحاصل في الأسواق اليوم هو أبرز دليل على نجاح الخطة”.
وفي ظل كل هذه الأزمات المتعاقبة، ظهر قلق جديد لدى المواطنين من أن تعود أيام التقنين القاسي، ويغرق البلد في عتمة تعوّد عليها طيلة السنوات السابقة، بسبب شح مادة المازوت.
يعود هذا النقص في المادة إلى عدم القدرة على إجراء فحوصات للنفط المستورد، فبعد أن كان أخصائيو مختبر مركز البحوث، الموقوفون، يقومون بالفحوصات رغم توقيفهم، فقد منع القاضي عويدات، في قرار مستجد، الأخصائيين من الخروج والقيام بها.
إلّا أن وزارة الطاقة والحكومة تداركت الموضوع قبيل حصوله، فقد أعلنت رئاسة مجلس الوزراء مساء الاثنين أخذ عينات من النفط الموجود في البواخر قبالة السواحل اللبنانية، وسيتم توزيع المادة بعد صدور النتائج، في غضون الـ24 ساعة المقبلة.
إلّا أن مصادر “الأنباء” نبهّت من حصول أزمة بنزين كالتي حصلت الأسبوع الماضي، فقد تُفقد المحروقات من السوق في الأيام المقبلة، على الرغم من وجود كميات مقبولة، بسبب الإرتفاع المرتقب في الأسعار، على أن تعود وتضخ المادة في الأسواق بعد تسوية الجداول.
كما تشير المصادر إلى أن إستيراد النفط تراجع في الفترة الأخيرة، وتسليم المحروقات أيضا انخفض من 3 مليون ليتر كل 5 أيام إلى 1.5 مليون، وهذا كله بسبب تأخر صرف الإعتمادات.
فهل سيتمكن المواطن من تحمّل كل ذلك، وهل تعي الحكومة خطورة ما تضع اللبنانيين في مواجهته عبر تسويفها وغيابها وضياع رؤيتها؟