الأخطر من الخلافات السياسية بين أهل الحكم والمقار الرئاسية، ثم التوافق ضمناً على تقاسم التعيينات، هو ما يجري على الصعيد المالي، وما يحيط به لامرار مشاريع مشبوهة، تكشف أحد وجوهها السيئة في اجتماع بعبدا المالي أول من أمس، بعد سلسلة من المواقف والتحركات والاجراءات، تهدف الى ضرب سمعة لبنان المالية وافلاس المصارف، بغطاء حكومي، وهو ما كشفه نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي لـ”النهار”، محذراً من ان “انترا جديدة تهيأ للبنان” بتواطؤ ما بين الخارج والداخل (في اشارة الى عملية افلاس “بنك انترا” عام 1966). الخارج الذي يزيد وتيرة ضغوطه على القطاع المصرفي لاضعافه، ويعتقد خبراء ان ضرب القطاع يهدف الى دخول مصارف جديدة دولية على الخط، تسيطر على السوق، وتمسك بحركة انتقال الاموال وتراقبها بدقة، وهو ما تمضي فيه الحكومة برئاسة الرئيس حسان دياب، من خلال اعداد مشروع لمنح رخص لخمسة مصارف جديدة أولاً، ومن خلال تبني أرقام غير صحيحة للديون، تضعف موقع لبنان في مفاوضاته مع صندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية، بما يدفع الى اجراء اقتطاعات واسعة من الودائع وسندات الخزينة “هيركات” ويؤدي الى افلاس عدد من المصارف.
واذ يجهد حاكم مصرف لبنان رياض سلامه للحد من تداعيات القرارات الحكومية، ومنع افلاس أي مصرف، تتسارع الاجراءات الحكومية التي تعاكس ما تشتهيه سفن مصالح المصارف والمودعين، ذلك ان تمنع لبنان عن سداد سندات “اليوروبوند” المستحقة، أدى الى جعل سندات السنة 2037 مستحقة كاملة، وهو ما يعوق عملية التفاوض مع الصناديق الدولية.
ولم تفلح حركة لجنة المال والموازنة برئاسة النائب ابرهيم كنعان من توحيد الارقام بطريقة علمية، اذ بدت كأن أهل البيت يحاصرونها على رغم الجهود العلمية التي تبذلها.
وقال الفرزلي لـ”النهار” إنه “يطالب بإسقاط نهج هذه الحكومة التي تريد إفلاس المصارف التي غزت المنطقة بنجاحاتها. وأضاف: “نحن نعيش ليلة أنترا جديدة في لبنان، وهذه مسؤولية المجلس النيابي أن “يفكّ رقبة” هذا المخطط، وأن يسقط هذا النهج، وسنسقطه، وهناك حرص من لجنة المال والموازنة في مجلس النواب برئاسة كنعان على توحيد الأرقام قبل التفاوض مع صندوق النقد، لأن هناك فرقاً كبيراً بين أرقام المستشارين والأرقام الفعلية”.
في غضون ذلك، اعلنت جمعية مصارف لبنان انها “حرصت على أن تقدّم للحكومة مساهمة بنّاءة معدّة بمعاونة استشاريّين محليّين ودوليّين، تهدف في نهاية المطاف الى عدم المساس إطلاقاً بودائع الناس والى الحفاظ على مقوّمات الإستقرار المالي، واستنهاض الوضع الاقتصادي وتحفيز النمو وخلق فرص عمل للّبنانيّين”. واستغربت الجمعية إصرار الحكومة على استبعاد القطاع المصرفي من محادثات مالية يُفترض أن تؤدّي الى قرارات ذات تبعات أكيدة وعميقة على مستقبل لبنان الإقتصادي، على الرغم الدور الحيوي الذي تلعبه المصارف في رسم هذا المستقبل.
واعتبرت إن الأرقام التي قـدّمتها الحكومة الى صندوق النقد الدولي، والتي ما زالت منذ أسابيع موضع نقاش منفتح وتصحيح موضوعي في مجلس النواب، لا تشكّل قاعدة صالحة للإنقاذ المالي.
وفي الاطار المالي، اذا كانت الحكومة تعلن عن محاولات لضبط الانفاق، فان البند الثاني من جدول اعمال جلسة مجلس الوزراء لما بعد ظهر اليوم والذي يتضمن “مشروع قانون يرمي الى فتح اعتماد اضافي في الموازنة العامة لعام 2020 قدره 562 مليار ليرة لبنانية لتسديد سلفات الخزينة”، يؤكد عدم القدرة على حصر الانفاق بالارقام المعلنة. أضف اليها الارتفاع الكبير في سعر صرف الدولار الاميركي الذي تجاوز امس سقف الـ4500 ليرة، ما يشير الى فشل الآلية التي أوجدها مصرف لبنان لضبط عمل الصرافين وتحديد الاسعار منعاً للتداول في السوق السوداء.
التعيينات
من جهة أخرى، تكثر التساؤلات عن التعيينات، وأبرزها ما اذا كانت السلطة ستنجح في تجاوز خلافاتها لامرار التعيينات – الصفقة، أم تطفو الخلافات على السطح لتعيد تطيير سلة التعيينات. وقد استبق رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجيه هذه التعيينات بتغريدة كتب فيها: “لأن هذه التعيينات صورة وقحة لمحاصصة المصالح الطائفية والمذهبية والشخصية لن نشارك في جلسة الغد علما انه عُرض علينا أن نكون جزءاً منها فرفضنا انسجاماً مع موقفنا الرافض لتعيينات دون معيار او آلية.”
وفي المعلومات ان هذه التعيينات المالية لم يكن مقرراً صدورها في جلسة اليوم ولوحظ انه طرأت عليها تعديلات عما كان مطروحاً سابقاً وتبين ان الأسماء المسيحية تدين بالولاء للنائب جبران باسيل باستثناء عادل دريق الذي عرض اسمه ليكون من حصة الوزير السابق سليمان فرنجية، لكن الأخير رفض الامر. وبدا لافتا ان المحاصصة التي تقررت لتوزيع التعيينات الإدارية والمالية اليوم ضربت عرض الحائط آلية التعيينات التي صدر قانونها الأسبوع الماضي عن مجلس النواب، بل بدا الامر بمثابة تجاهل نافر تماما لاقرار المجلس الآلية وكأنها لم تكن.
وعلمت “النهار” انه وزعت على الوزراء امس أسماء المرشحين للمواقع كالاتي:
نواب حاكم مصرف لبنان: النائب الاول وسيم منصوري، النائب الثاني بشير يقظان، النائب الثالث سليم شاهين (حصة الرئيس حسان دياب بدل محمد بعاصيري الذي كان من حصة الرئيس الحريري)، ألكسندر موراديان نائباً رابعاً (حزب الطاشناق). لجنة الرقابة على المصارف: رئيسة مايا دباغ، والأعضاء:
كامل وزني (أمل)، جوزف حداد (رئيس الجمهورية والتيار)، مروان مخايل (رئيس الجمهورية)، عادل دريق (أعطي للمردة). مفوّض الحكومة لدى مصرف لبنان: كريستال واكيم (حصة رئيس الجمهورية والتيار).
في هيئة الأسواق المالية يعين واجب علي قانصو (الثنائي الشيعي)، في المقعد الدرزي فؤاد شقير، ووليد قادري (رئيس الجمهورية والتيار).
كما ستشمل التعيينات الادارية محافظ بيروت (القاضي مروان عبود)، ومحافظاً لكسروان وجبيل (للمرة الاولى) والمدير العام لوزارة الاقتصاد (المرشح محمد أبوحيدر) الذي تم تقريب موعد الجلسة الى اليوم قبل بلوغه غدا التاسعة والثلاثين، بعدما عدّل القانون وبات يفرض بقاء الموظف 25 سنة قبل تقاعده في سن الـ64، غسان نور الدين مديراً عاماً للاستثمار والصيانة في وزارة الاتصالات. اما رئيس مجلس الخدمة المدنية، فالمرشحة لهذا الموقع نسرين مشموشي وهي مراقب اول فئة ثانية في مجلس الخدمة وثمة اشكالية في تعيينها لأنها ستصبح رئيسة على من كانوا رؤساء لها، وهذه تشكل سابقة بعدما جرت العادة ان يحتل هذا المركز إما قاض وإما أحد موظفي الفئة الاولى في الادارة العامة.
تحركات
وأمس انطلقت سلسلة من التحركات الاعتراضية على الوضع المعيشي في عدد من المناطق انطلاقاً من محيط ساحة النجمة في بيروت، وصولاً الى طرابلس وعكار والبقاع.