الجمهورية في خطر… أيام صعبة تنتظر اللبنانيين قد يترحمون فيها على صعوبة أيامهم هذه. ذنبهم الذي لم يقترفوه أنهم محكومون من سلطة متسلطة نهبت مقدراتهم وخطفت أحلامهم . سلطة أغرقت البلد لتعوم على أنقاضه، حاصرت الكيان بعوالق مستزلمة استوطنت مختلف مفاصل الدولة حتى جففت مواردها وقطعت أنفاسها. كانت ولا تزال رمزاً للفساد والهدر والمحاصصة، وشعارها “ع السكين يا بطيخ” لا يزال ينحر وينخر عميقاً في بنية المؤسسات والإدارات العامة بوقاحة قلّما شهد العالم لها مثيلاً، فحتى نسختها التكنوقراطية الهجينة لم تتوانَ عن تظهير هذه الصورة بلا حرج أمس، فكانت تعيينات مجلس الوزراء أشبه بالتشهير بالذات الحاكمة وبنفسها الأمّارة بالتحاصص والاستئثار بمواقع الإدارة… هكذا “على عينك يا تاجر” رغم أنوف اللبنانيين الثائرين وغصباً عن مطالب الداخل والخارج بالإصلاح والشفافية. فعن أي صندوق دولي وعن أية جهة مانحة تتحدث حكومة حسان دياب في ظل استمرارها في تغليب ذهنية “6 و6 مكرر” في مقاربة الملفات والاستحقاقات؟
ما نشهده اليوم هو تقاتل بين أركان الحكم على نهش “جيفة” التفليسة، والآتي على اللبنانيين سيكون أعظم في ضوء التطورات المتسارعة إلى المنطقة على متن قانون “قيصر” ومشاريع القوانين الأميركية الهادفة إلى محاصرة المحور الممانع بمختلف تفرعاته وأذرعه، حيث بدأ حلفاء النظام السوري و”حزب الله” يتحسسون الرقاب فعلياً خلال الساعات الأخيرة مع بدء كشف أسماء مستهدفة في لوائح العقوبات… بينما لبنان، كل لبنان، سيكون عرضةً للسحق تحت وطأة تموضعه القسري على “ممر فيل” الحزب الجمهوري الأميركي الذي بدأ صدى هديره يُسمع في مختلف أرجاء الإقليم.
فتحت عنوان “تقوية أميركا ومواجهة التهديدات العالميّة”، باغتت لجنة دراسات “الجمهوريين” في الكونغرس الأميركي اللبنانيين أمس بنشر مسودة توصيتها بـ”وقف المساعدات للجيش اللبناني” ومنع صندوق النقد من تقديم مساعدات مالية للبنان، بالتوازي مع إصدار تشريع يلاحق داعمي “حزب الله” ممن هم خارج الحزب. وبعد ساعات على تأكيد المتحدثة باسم الخارجية الأميركية إيريكا تشوسانو أنّ بلادها “لن تتردد في مواصلة إدراج الأفراد والكيانات المتورطة في تمويل “حزب الله” وتوفير الدعم له بمن فيهم حلفاؤه المحليون”، جاءت توصية اللجنة “الجمهورية” لتكشف لأول مرة عن باكورة الأسماء المستهدفة على قوائم حلفاء الحزب في لبنان ومن بينهم رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل والنائب جميل السيد ووزير الصحة السابق جميل جبق ووزير الخارجية الأسبق فوزي صلوخ. وإذ أكدت مصادر نيابية لبنانية على تماس مباشر مع ديبلوماسيين في واشنطن لـ”نداء الوطن” أنّ ما ورد في التوصية الجمهورية أمس هو “موضوع خطير وجدّي” خصوصاً وأنه يتزامن مع دخول المنطقة مرحلة تطبيقات قانون “قيصر” في 17 الجاري، إلا أنها شددت في الوقت عينه على أنّ الأسماء التي كُشف النقاب عنها “أعدتها لجنة دراسات في الكونغرس ولا تزال في دائرة “التوصيات” بينما القرار النهائي في مسار الأمور على هذا الصعيد هو بيد الإدارة الأميركية وتحديداً وزارات الخارجية والخزانة والعدل”.
أما على مستوى أداء الحكومة، فكأنّ شيئاً لم يحصل، بحيث كانت جهودها منصبة على الاستثمار في شواغر التعيينات الإدارية والمالية لتحقق مكاسب حزبية ومصالح شخصية ضمن لعبة تقاسم المغانم في الإدارات بعيداً عن أي آلية أو شفافية أو معيار كفاءة في اختيار المعينين، “حتى أنّ بعض من تم تعيينهم لم توزع سيرهم الذاتية قبل 48ساعة على الوزراء” حسبما أكدت مصادر معارضة للأداء الحكومي لـ”نداء الوطن”، مشددةً في خلاصة تقديرها لما جرى أنّ “جبران باسيل أحكم قبضته كلياً على مجلس الوزراء بعدما فرض على رئيس الحكومة السير بالتعيينات كما أرادها لا بل دفع دياب إلى المشاركة هو نفسه في لعبة المحاصصة والقضاء على ما تبقى له من مصداقية أمام الرأي العام المحلي والدولي في مجال الإصلاح ومكافحة الفساد، ومن جهة أخرى تمكن باسيل من تحييد رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية حكومياً من خلال الإصرار على تمرير التعيينات في جلسة أمس رغم غياب وزيري “المردة” عنها تحت طائل تهديده بسحب وزراء “التيار الوطني” من الحكومة فكان له ما أراد”.
وفي هيكلية التعيينات، تشير المصادر إلى أنّ “رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وحده من خرق منظومة الحكومة من خارجها بعدما فاز بموقع في التعيينات المالية عبر تعيين فؤاد شقير عضواً في هيئة الاسواق المالية، مقابل فوز طلال ارسلان بنائب حاكم مصرف لبنان بشير يقظان”، لافتةً إلى أنّ “رئيس الحكومة أصر بدوره على الإطاحة بنائب حاكم المصرف المركزي محمد بعاصيري لصالح تعيين أحد المحسوبين عليه من أساتذة الجامعة الأميركية سليم شاهين مكانه”. أما في التعيينات الإدارية، فنقلت المصادر أنّ “إشكالية حصلت حول تعيين نسرين مشموشي في رئاسة مجلس الخدمة المدنية ربطاً بسنّها لكن سرعان ما تم تجاوزها، بينما برز في مسألة تعيين محافظ لجبيل – كسروان اعتراض وزير الداخلية محمد فهمي خلال الجلسة على هذا التعيين باعتبار أن لا مراسيم تطبيقية بعد لهذه المحافظة المستحدثة، لكن رغم ذلك تم التصويت على الموضوع وأقر تعيين بولين ديب (المحسوبة على التيار الوطني) في هذا المنصب، أما تعيين محمد أبو حيدر مديراً عاماً لوزارة الاقتصاد فهو الدليل الأوضح على كون رئيس مجلس النواب نبيه بري الشريك الوحيد المضارب لباسيل في تقاسم “قالب حلوى” التعيينات مع باسيل، إثر تقديم موعد انعقاد جلسة مجلس الوزراء لئلا تتزامن مع تاريخ ميلاد أبو حيدر اليوم وتحول تالياً دون إمكانية تعيينه بسبب تخطيه السن القانونية اللازمة”.
في الغضون، لوحظ خلال الساعات الأخيرة تصاعد وتيرة التصريحات الرسمية المروجة لفكرة وجود ناشطين ومدونين على وسائل التواصل الاجتماعي تحرضّ على الفتنة في البلد وتأتمر بأوامر أجهزة خارجية، كما عبر النائب حسين الحاج حسن، في سياق تقاطع معه أيضاً رئيس الحكومة في مستهل جلسة بعبدا من خلال حديثه عن وجود “خطة خبيثة لإشعال البلد”. وبينما توقف المراقبون عند دلالات مثل هذه التصريحات وانعكاساتها على التعامل الرسمي مع التحركات الشعبية في الشارع، كشفت المعطيات المتوافرة لـ”نداء الوطن” عن توجه لدى السلطة نحو إعداد “بنك أهداف” ضمن صفوف الناشطين في الحراك الثوري تمهيداً لإعطاء الضوء الأخضر للانقضاض على أفراد هم بمثابة “مفاتيح الشارع” في المناطق، بشكل سيندرج ضمن محاولة استثمار ما جرى السبت الفائت من اشتباكات وتشنج مذهبي وطائفي في إطار أمني يشدد القبضة البوليسية في البلد.