كتبت “نداء الوطن” تقول: لا مكافحة الفساد، ولا معالجة التهريب والتهرب الجمركي، ولا سد مزاريب الهدر، ولا حلول إصلاحية لعجز ميزان المدفوعات… كل ذلك “ترهات” ليست ضمن قائمة أولويات السلطة! أولوية 8 آذار في هذه المرحلة فقط هي كيفية إحكام قبضتها على الدولة وتعزيز سطوتها على المواقع والمناصب الإدارية والمالية، بعدما استقرت لها الجمهورية برئاساتها الثلاث وبمجلسي نوابها ووزرائها. وإذا كان مجلس القضاء الأعلى لا يزال يصارع النزعة السلطوية بتشكيلاته المعلّقة، فإنّ التعيينات الأخيرة ولدت بشقها الإداري لتصبّ في خانة تحقيق أهداف هذه الأجندة، ولتطوّق حاكمية مصرف لبنان بشقها المالي تمهيداً للانقضاض على موقع “الحاكم” حين تحين اللحظة. وبالانتظار، كان القرار تحت وطأة إحكام “الطوق” على رياض سلامة بالانقضاض عليه وشلّ حركته وسوقه مخفوراً إلى “بيت الطاعة”، وما شهده اللبنانيون ليل الخميس كان أقرب إلى فيلم “ليلة القبض على سلامة”، بسيناريو ميداني وحوار سياسي وإخراج حكومي، انتهى صباح الجمعة بمشهد يحاكي عمليات “الخطف مقابل فدية مالية بالعملة الصعبة”، مقابل إبقاء رأس حاكم المركزي بمنأى عن مقصلة الإقالة. صحيح أنّ مبلغ الفدية المطلوب سيصار إلى ضخه بالشكل من خزينة الدولة، لكنه في الجوهر وفق ما يجزم خبراء اقتصاديون سيذهب من جيوب المودعين اللبنانيين، خصوصاً وأنّ كل دولار تقوم السلطة بصرفه في هذه المرحلة هو مقتطع مما تبقى من الودائع بالعملات الأجنبية، التي نهبتها وسخرتها لخدمة تفليستها من الحسابات المصرفية.
باختصار، هي نفسها عملية السطو على أموال الناس مستمرة ولكنها تتلوّن فصولاً، وجديدها بالأمس فرض ضخ مزيد من دولارات احتياطي “المركزي” في السوق لتمويل أعمال الصيرفة، في خطوة سرعان ما قد تجد “مسارب لها باتجاه سوريا”، حسبما تلفت مصادر مواكبة لـ”نداء الوطن”، موضحةً أنّ “قوى 8 آذار تعمل على تحويل المصرف المركزي اللبناني إلى مصرف “لبنان وسوريا” المركزي، خصوصاً عشية دخول قانون “قيصر” حيز التنفيذ، وبما أنها لا ترى الوقت مؤاتياً لتتحمّل مسؤولية الحاكمية مباشرةً، آثرت على نفسها إبقاء سلامة للتلطي خلفه مع مواصلة سياسة الضغط عليه لترضيخه وتطويع إمضائه”. وهذا ما حصل خلال الساعات الأخيرة، تضيف المصادر، من خلال القرارات المتخذة في مجلس الوزراء والقاضية “باستكمال استنزاف الاحتياطي حتى آخر “سنت”، بغياب أي خطة إصلاحية أو مالية يمكن الركون إليها لاستدرار الدعم المالي من الخارج”، محذرةً من أنّ “ما يجري يفتقر إلى أدنى معايير الخطط المدروسة، بل هو مزيد من الإمعان في التخبط والعشوائية واعتماد سياسة الهروب إلى الأمام، ما سيقود البلد حتماً إلى تسريع خطواته نحو الهاوية”، مع التذكير في هذا السياق بأنّ “ما تبقى من احتياطي المصرف المركزي هو نحو 20 مليار دولار (على ذمة الحاكم، بينما وكالة فيتش كانت قد قدرت حجم الاحتياطي القابل للاستخدام بـ5 مليارات فقط)، وهو مبلغ لن تطول فترة استهلاكه في السوق إذا استمر ضخ الدولارات بوتيرة متزايدة، خصوصاً وأنّ المصرف المركزي يتولى في الوقت عينه عمليات دعم بمئات ملايين الدولارات، للمواد الحيوية كالمازوت والقمح والأدوية والمواد الغذائية”.
وعن مجريات يوم مجلس الوزراء الطويل أمس، بجناحيه الرئاسي في السراي وبعبدا، فإنه أتى، بحسب مصادر واسعة الاطلاع لـ”نداء الوطن”، في إطار “تنفيذ مهمة مسبقة الدفع في الشارع تمت “دوزنة” حركتها بإيقاع شعبي ملتهب وبمواكبة ممنهجة من الشائعات، الهادفة إلى تأجيج الأرض وتجيير نيرانها لمآرب تخدم هذا التوجه”. وبينما بدا جلياً من مواقف أركان السلطة أنّ قرار استبدال سلامة لم ينضج بعد واستعيض عنه بالتلويح به فقط، لفتت المصادر إلى أنه “من المؤكد أنّ رئيس الحكومة حسان دياب يبذل جهده للدفع باتجاه هذا الخيار، لكنه لا يزال يصطدم بحائط صدّ يجسّده موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري الرافض للإقالة، بالتوازي مع عدم حماسة رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل لخوض مجازفة إثارة غضب واشنطن، على أبواب ولادة قوائم المدرجين على عقوباتها من حلفاء “حزب الله”، فضلاً عن استمرار بكركي بإحاطة موقع الحاكم بالمظلة الكنسية الرافضة للإطاحة برمزيته”.
وإذ لوحظ ليل أمس تصاعد منسوب الشغب في التحركات الميدانية المتسارعة في وسط بيروت ليرقى إلى مستويات ممنهجة من التخريب والكسر والحرق، في مشهدية تعيد إلى الذاكرة “حلم حرق الداون تاون” الذي راود بعض أركان قوى 8 آذار، وجاهروا به مراراً وتكراراً على مر العقود الماضية وبدا وكأنه يتحقق أمس، كشفت المصادر المطلعة أنّ “ضغط الشارع سرعان ما شكّل محور اتصالات مكوكية سبقت انعقاد مجلسي الوزراء في السراي وبعبدا، وتوّجت بلقاء الرؤساء الثلاثة الذي أفضى إلى الاتفاق على المضي قدماً في اعتماد معالجة مرحلية، وفق “سيناريو” تولى بري رسمه وعمد مجلس الوزراء إلى إخراجه، بشكل ينص على عدم السير في خطوة إقالة سلامة والاكتفاء بالاتفاق معه، على اتخاذ إجراءات فورية في سبيل ضخ الدولارات في السوق”، وهكذا كان… مع تسجيل سابقة في الشكل أقله وهي تلك التي تمثلت بخروج رئيس مجلس النواب شخصياً، ليعلن مقررات مجلس الوزراء في هذا الصدد في دلالة واضحة على كونه “عرّاب” الحل وصانعه.