كتبت “الديار” تقول: هل تجاوزت البلاد قطوع الانفجار الشعبي الذي حصل اول امس بسبب الارتفاع الجنوني لسعر الدولار وما رافقه من شائعات وتسريبات اعلامية فاقمت من القلق والتوتر ام انها ستبقى اسيرة الازمة الاقتصادية والمالية المستمرة بالتفاقم والتوسع مع كل ما نجم وينجم عنها من مخاطر تهدد لبنان واللبنانيين؟
المعلومات المؤكدة انه ازاء خطورة ما حصل اول امس في الشارع من حركات احتجاجية واعمال عنف وقطع الطرق وغيرها استنفرت الدولة كل طاقتها للجم الموقف والعمل الفوري والسريع لوقف انهيار الليرة من خلال اجراءات عملية وحازمة تستند الى تدخل مصرف لبنان لتأمين وضخ الدولار في السوق بشكل مدروس ومنضبط يستند الى مضمون تعاميمه والبيان الاخير الذي صدر عن حاكمه رياض سلامة.
ووفقا للمعلومات المتوافرة لـ “الديار” فان اتصالات مكثفة بقيت مفتوحة على اعلى مستوى مساء امس خصوصا بعد ان اخذ الوضع في الشارع يتفلّت ويتدهور بشكل سريع ليشمل مختلف المناطق مع ارتفاع وتيرة اعمال العنف التي طاولت مصارف ومحلات تجارية في وسط بيروت وطرابلس وعكار.
وفي خلاصة هذه الاتصالات واستنادا الى عدد من التقارير اتخذ القرار بأن الوضع لم يعد يحتمل تكرار التجارب السابقة ما يستلزم استنفارا حقيقيا لأركان الدولة والحكومة من اجل ترجمة القرارات والخطوات التي ستتخذ بشكل جدي وفوري وفعال والا فإن الامور ستذهب الى مزيد من الانهيار والتدهور.
وتضيف المعلومات ان الرئيس نبيه بري شارك بشكل ناشط في هذه الاتصالات محذرا من استمرار وتفاقم الوضع في الشارع ومشددا في الوقت نفسه على وجوب اتخاذ خطوات عملية سريعة لوقف انهيار الليرة بغض النظر عن التسريبات المشبوهة التي رصدت اول امس والتي بالغت في ارتفاع سعر الدولار الجنوني بشكل مقصود ما طرح ويطرح علامات استفهام حول اهدافها ومراميها والجهات التي وقفت وتقف وراءها.
وقد تحدث رئىس الجمهورية ميشال عون في جلسة مجلس الوزراء الطارئة امس عن هذا الموضوع بوضوح فقال “ان ما حصل نتيجة ارتفاع سعر الدولار من دون اي مبرر يجعلنا نتساءل عما اذا كان الرقم الذي اعطي لسعر الدولار هو شائعة تمّ تعميمها لينزل الناس الى الشوارع وتقع المواجهات؟
وهل هي لعبة سياسية ام مصرفية ام شيء اخر”.
ولفت الى ان الخبراء الماليين اكدوا انه لا يمكن للدولار ان يقفز خلال ساعات الى هذا الحد، وهذا ما يبعد صفة العفوية عن كل ما حصل ويؤشر لمخطط مرسوم نحن مدعوون للتكاتف لمواجهته”.
واشار الى التوصل لتدبير سيبدأ تنفيذه الاثنين يقوم على تغذية السوق بالدولار من قبل مصرف لبنان معتبرا ان مسؤولية ما حصل ماليا تتحملها ثلاث جهات:
الحكومة ومصرف لبنان والمصارف، وعليه فإن الخسائر يجب ان تتوزع على هذه الجهات وليس على المودعين”.
ماذا جرى قبل وخلال الانفجار
بعد ايام من الاستقرار النسبي لسعر الدولار على اربعة الاف ليرة على امل تنفيذ تعميم مصرف لبنان الاخير بتزويده الصيارفة بشكل مدروس ومنضبط، اخذت الامور منحى تصاعديا للدولار بشكل سريع تجاوز الخمسة الاف ليرة يومي الاربعاء والخميس الماضيين وتبع ذلك بث معلومات وتسريبات عبر بعض وسائل الاعلام والتواصل عن تجاوز سعر الدولار الستة الاف ليرة ووصوله الى ما يقارب السبعة الاف.
وتقول المعلومات ومصادر وزارية ان التقارير الواردة الى كبار المسؤولين من الجهات المختصة افادت ان المبالغة بسعر الدولار والشائعات التي تسارعت الى الشارع.
وتضيف بأن هناك جهات داخلية واخرى في الخارج متهمة بالتورط في بث هذه الشائعات بهدف زيادة حدة التوتر ولاهداف سياسية.
وقد جرى بحث هذا الامر خلال الاتصالات التي جرت بين كبار المسؤولين ليل اول امس وفي اجتماع بعبدا الذي جمع الرؤساء عون وبري ودياب.
ووفقا لمتابعة مجريات اندلاع الاحتجاجات الشعبية اول امس فان ثمة ملاحظات عديدة سجلت في هذا الاطار ابرزها:
– مشاركة انصار لمعظم القوى السياسية الموالية والمعارضة الى جانب مجموعات الانتفاضة في هذه الاحتجاجات ما خلف مشهدا معقدا اعاد الى الاذهان المشهد الذي سجل في بداية الانتفاضة.
– ولوحظ ان انصار حركة امل وحزب الله شاركوا في الاحتجاجات لا سيما في بيروت والضاحية والجنوب.
– شارك مناصرون للقوات اللبنانية في الاحتجاجات لا سيما في جل الديب والزوق والى جانب انصار ومحازبي الكتائب ومجموعات من الحراك المدني.
– سجل ايضا مشاركة لانصار المستقبل في احتجاجات اول امس على عكس ما حصل يوم السبت الماضي.
كما سجل ايضا مشاركة مجموعات اخرى في الشارع السنّي تابعة لبهاء الحريري واللواء اشرف ريفي.
– كذلك سجل مشاركة خجولة لانصار الحزب التقدمي الاشتراكي في خلدة وعالية وبحمدون الى جانب مجموعات من الحراك في الجبل.
وفي المحصلة اختلط الحابل بالنابل في الشارع وتنوعت الشعارات بين من شدد وركز على اسقاط حكومة دياب، ومن اكد على استقالة او اقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة محملا اياه مسؤولية ما يحصل على الصعيد المالي والنقدي.
وفي وقت متأخر من المساء اخذت معلومة نيّة رئيس الحكومة اقالة سلامة تتفاعل مع العلم ان الرئيس دياب او اوساطه لم تتناول او يصدر عنها اي شيء في هذا الاطار.
وقالت المعلومات ان الاتصالات التي جرت ليل اول امس وصباح امس تطرقت الى هذه المعلومات التي انتشرت عبر بعض وسائل الاعلام واتضح ان المواقف من هذا الموضوع ما تزال على حالها وان اركان الدولة والحكومة ليست بصدد اتخاذ مثل هذه الخطوة، وربما كان القصد من تسريبها الضغط على سلامة من اجل اتخاذ خطوات حازمة تجاه ارتفاع الدولار وضخ هذه العملة في السوق لضبط الموقف.
ولاحقا ابلغ سلامة الذي حضر جلسة مجلس الوزراء الحكومة انه التزم ويلتزم مضمون التعميمات والبيانات الاخيرة التي اصدرها مشددا على ان يقوم الصيارفة بالخطوات اللازمة لتنفيذ هذه التعميمات.
ولوحظ انه اثناء احتجاجات اول امس لم يتدخل الجيش والقوى الامنية في البداية خصوصا في ظل الاحتقان الشديد الذي ساد الشارع ولكنه تحرك لاحقا بحزم مع القوى الامنية لوقف اعمال العنف والاعتداءات التي طاولت مصارف ومحلات تجارية عديدة.
يوم الطوارئ الطويل
وفي ضوء ما جرى اول امس والاتصالات الرفيعة التي سجلت تقرر عقد جلسة طارئة لمجلس الوزراء قبل وبعد الظهر يترأسها رئىس الحكومة في السراي صباحا ورئىس الجمهورية بعد الظهر.
كما تقرر عقد اجتماع الرؤساء الثلاثة في قصر بعبدا يسبق جلسة مجلس الوزراء دلالة على الاستنفار الشامل للدولة واركانها من اجل وقف التدهور واتخاذ الخطوات الحازمة والحاسمة.
وتقرر ايضا ان يشارك حاكم مصرف لبنان وجمعية المصارف في اجتماعات وجلسة السراي، وسبق ذلك اجتماع مع نقابة الصيارفة.
وعلم ان اللواء عباس ابراهيم المدير العام للامن العام لعب دورا مهما تخفيف الاحتقان وترطيب الاجواء لا سيما بين الحكومة وجمعية المصارف التي كانت لا ترغب في الحضور الى السراي ثم حضر رئىسها سليم صفير لنقل وجهة نظر الجمعية والمشاركة في بحث الموقف.
وتضيف المعلومات ان اللواء ابراهيم لعب ايضا دورا على خط بلورة وتطرية الاجواء التي خلقتها المعلومات التي تسربت عن الاتجاه لإقالة سلامة ما ادى الى تنقية المناخ نسبيا لكنه لم يحل دون حصول اجواء مكهربة داخل مجلس الوزراء حين شنت وزيرة العدل ماري كلود نجم هجوما عنيفا على حاكم مصرف لبنان وحملته المسؤولية عن الوضع المالي والنقدي الى جانب الحكومات المتعاقبة السابقة الى جانب المصارف، وقالت “ان التدقيق يجب ان يطال الحاكم ونوابه والمجلس المركزي وكل من تولى مسؤولية عامة في مجال المالية”، داعية الى التحقيقات بأسرع وقت.
ورفض الدكتور سلامة هذه الاتهامات لكن بقي هادئا وتدخل رئىس الحكومة حاسما النقاش.
وفي ضوء النقاش تقرر التنفيذ الفوري لتغذية مصرف لبنان السوق بالدولار، واجرى سلامة من داخل الجلسة اتصالا بالجهات المعنية اللازمة للمباشرة ببدء التنفيذ على اساس اعطاء الصيارفة الفئة الاولى الدولار بسعر 3850 ليرة.
ومن جهته شنّ وزير التربية طارق المجذوب هجوما عنيفا على المصارف واتهمها بسرقة البلد منذ اربعين عاما، فاعترض رئىس جمعية المصارف مؤكدا ان المصارف ساهمت بإعمار لبنان.
فتدخل رئىس الحكومة ايضا قائلا ان المصارف دعامة اساسية في الاقتصاد اللبناني، وطالب اعتماد الخطاب الهادئ بعيدا عن التشنج.
وقال دياب في جلسة مجلس الوزراء ان البلاد لم تعد تحتمل خضات اضافية، مؤكدا انه لا بد من اتخاذ اجراءات عملية تعطي مناعة اكبر للحكومة والدولة”.
واعتبر ان لقمة عيش المواطن خط احمر.
اجتماع الرؤساء
وفي بعبدا عقد الرؤساء الثلاثة اجتماعا وصف بأنه مهم وصريح، وان الاجواء كانت ايجابية للغاية.
وحرص الرئىس بري على التصريح بعد الاجتماع واعلن “انه تم الاتفاق ابتداء من يوم امس تخفيض سعر الدولار تحت الاربعة الاف ليرة وصولا الى 3000 او 3200 ليرة… كما تم الاتفاق على مخاطبة صندوق النقد الدولي بلغة واحدة وما زالت هذه برعاية مجلس النواب بهذا الموضوع.
وردا على سؤال عما اذا كان جرى بحث اقالة حاكم مصرف لبنان اجاب: “نحن بحاجة الان لكل الناس وليس بحاجة للاستغناء عن الناس”.
(في اشارة واضحة الى رفضه اقالة سلامة).
قرارات مجلس الوزراء
وفي جلسة بعد الظهر في بعبدا اتخذت مجلس الوزراء سلسلة قرارات وخطوات لضبط الوضع المالي والنقدي ومعالجة ما جرى ابرزها:
– اجراء التعقبات حول الوقائع الملفقة بأحداث التدني في اوراق النقد وزعزعة الوضع واحالة ما ينتج عن التحقيقات الى القضاء.
– تشكيل خلية ازمة برئاسة وزير المال وعضوية وزيري الاقتصاد والتنمية الادارية وحاكم مصرف لبنان وجمعية المصارف ونقيب الصيارفة والمدير العام للامن العام تجتمع مرتين اسبوعيا لمتابعة تطورات الاوضاع المالية والنقدية.
– الطلب من الاجهزة الامنية قمع كل المخالفات واحالتها الى المراجع القضائىة.
ونفت وزيرة الاعلام ان يكون مجلس الوزراء قد بحث اقالة حاكم المصرف ولم يلوح بها.
واعلن وزير المال غازي وزني بعد الجلسة ان الدولار بدأ بالانخفاض وسيخفض اكثر.
وعلم ان عددا من الوزراء في جلسة بعد الظهر ايضا انتقدوا اداء حاكم مصرف لبنان من دون ان يطالبوا بإقالته، وسألوا ايضا عن موضوع التدقيق في حسابات المصرف.
المعارضة
وفي المقابل شكك بعض المعارضة باجراءات وقرارات الحكومة، وقالت مصادر معارضة ان ما جرى من استنفار للحكومة والدولة امس هو مجرد محاولة احتواء ما حصل ويحصل من انفجار شعبي في وجهها، مشيرة الى ان قرارات مجلس الوزراء ليست جديدة عن القرارات السابقة وهي لم تأت بأية نتائج بل كانت مساهمة في التدهور السريع الحاصل.
واذا كان المشهد امس قد سجل صورة مغايرة نسبيا عما حصل اول امس فان الاحتجاجات استمرت بعد الظهر ومساء بقطع عدد من الطرق الرئيسة وفي المناطق لا سيما في الشمال والبقاع الغربي وسجل حركة احتجاجية خجولة في الجبل، اما في بيروت فقد سجلت ايضا احتجاجات وقطع طريق الرينغ لبعض الوقت من دون حصول مواجهات كما حصل اول امس.
ووفقا لمصادر مطلعة فإن تطورات الثماني والاربعين ساعة الماضية كشفت واكدت جملة حقائق لعل ابرزها:
– تمسك العهد والمكونات السياسية المشاركة في الحكومة باستمرار حكومة دياب، وفشل محاولات المعارضة الضغط لتحقيق التغيير في وقت قريب.
ويشار في هذا المجال الى ان حزب الله والثنائي الشيعي متمسك بالحكومة ولا يريد رحيلها.
– ابقاء المعادلة في شأن ادارة الوضع المالي على حالها، وبالتالي عدم سلوك خيار اقالة حاكم مصرف لبنان نتيجة اسباب ومعطيات عديدة باتت معروفة.
– عجز المعارضة بسبب خلافاتها وضعفها عن احداث تأثير او ضغط كبير قادر على الاطاحة بالحكومة.
– تشتت وعدم قدرة الحركة الاحتجاجية الشعبية او الانتفاضة على سلوك مسار تغييري موحّد يحدث التغيير المطلوب في البلاد.
– اكتفاء الخارج حتى الان بمتابعة المشهد اللبناني من دون اتخاذ قرار بالمساعدة الملموسة او بالذهاب بالضغوط على الحكم والحكومة الى الحدود القصوى خوفا من الانفجار الكبير.