تخضع الحكومة لاختبار جديد اليوم لإثبات مدى قدرتها على النجاح في تطبيق الاجراءات المقرّرة للَجم ارتفاع سعر الدولار، الذي يلتهم القيمة الشرائية للعملة الوطنية، في الوقت الذي بدأت تلوح في الافق مؤشرات على عقوبات اميركية جديدة ستتعرّض لها البلاد في قابل الايام والاسابيع، مشفوعة بضغوط سياسية على مختلف المستويات، خصوصاً في ظل سَعي البعض الى إسقاط الحكومة عبر الاستثمار في الحراك الشعبي ومحاولات حَرفه عن سلميته وتكرار مشهد التخريب الذي تعرّض له وسط بيروت ليل الجمعة ـ السبت الماضي، والذي أثار مضاعفات لم تنته فصولاً بعد في ظل استمرار الاحتجاجات وإقفال الطرق من حين الى آخر في بيروت وضواحيها والمناطق.
وكشفت مصادر ديبلوماسية لـ»الجمهورية» انّ المراجع اللبنانية المسؤولة تبلّغت عبر الاقنية الديبلوماسية انّ لبنان كدولة سيتعرض قريباً لعقوبات أميركية جديدة، وأنّ واشنطن ترى أنه بات المطلوب للبنان في ظل الازمة المتفاقمة التي يعيشها تأليف حكومة مستقلة رئيساً وأعضاء تُعطى صلاحيات استثنائية لمدة 6 أشهر، والرجوع الى «إعلان بعبدا» في ما يتعلق بسلاح المقاومة.
وقالت مصادر سياسية لـ»الجمهورية» إنّ «ما يحدث الآن في لبنان شبيه بما حدث عام 1988 عندما أطلقَ المساعد الأسبق لوزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ريتشارد مورفي مقولته الشهيرة «مخايل الضاهر أو الفوضى»، لمناسبة النزاع السياسي الذي دار يومها حول استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية في نهاية عهد الرئيس امين الجميّل، فنحن الآن أمام معادلة: «إمّا رفع الغطاء المسيحي عن «حزب الله» وإمّا الفوضى»، وأخشى ان نكون قد تأخّرنا».
مجلس الدفاع
الى ذلك، وفي ضوء التقارير التي تلقّاها حول الاحداث التي شهدتها الساعات الـ 72 الماضية، دعا رئيس الجمهورية ميشال عون المجلس الأعلى للدفاع الى اجتماع طارىء يعقد اليوم في القصر الجمهوري، للبحث في هذه الأحداث وتداعياتها المحتملة.
وقالت مصادر شاركت في التحضيرات لهذا الاجتماع لـ»الجمهورية» انّ ما تضمنته التقارير الأمنية والمعلومات التي جُمِعت من مصادر مختلفة حول الجهات التي حرّضت وخَطّطت ودفعت الى القيام بأعمال الشغب والاعتداءات على القوى العسكرية والأمنية، إضافة الى اعمال الحرق والتخريب التي تعرضت لها الاملاك العامة والخاصة في وسط بيروت، أملَت على رئيس الجمهورية الدعوة الى هذا الاجتماع. ولفتت المصادر الى انّ القادة الأمنيين سيحملون الى الإجتماع ما لديهم من تقارير تفصيلية تتناول مختلف الأحداث التي شهدتها البلاد قبَيل أعمال الشغب وأثناءها وبعدها، وانّ هناك خيوطاً كثيرة قد وُضعت اليد عليها ولا بد من توفير القرار السياسي الذي يعطي الضوء لاتخاذ الإجراءات التي تفرضها المرحلة المقبلة على مختلف المستويات الأمنية والقضائية في ضوء السيناريوهات المتوقعة.
مواكبة الخطة
وفي المعطيات التي دفعت الى عقد هذا اللقاء قالت المصادر انّ هذا اليوم، أي الاثنين، يشكّل أولى التجارب التي اعتمدها مجلس الوزراء في جلسته بعد ظهرالجمعة الفائت في شأن ارتفاع اسعار الدولار، والمساعي المبذولة لتوفيره بالحد الأدنى لأصحاب الحاجة اليومية سواء بهدف تأمين بعض المستلزمات التي لا يمكن الحصول عليها سوى بالدولار الأميركي، او لحاجة بعض التجار الى كميات من الدولارات لغرض استيراد المواد والسلع الضرورية للبلد.
إجتماع في السرايا
واستعداداً لاجتماع المجلس الاعلى للدفاع، يُعقد التاسعة صباح اليوم اجتماع وزاري ـ أمني وقضائي في السرايا الحكومية الكبير، يَحضره، الى الوزراء أعضاء خلية الأزمة، كلّ من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والمدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، وذلك للبحث في الخطوات الواجب اتّخاذها لترجمة التفاهمات التي تمّت بين حاكم مصرف لبنان ونقابة الصرّافين والآليات المعتمدة لضبط حركة الدولار في السوق المالية المحلية وضمان بقائه في الأراضي اللبنانية، فلا تكون هذه التفاهمات تغطية لنقله الى خارج لبنان، وتحديداً الى سوريا، لأنّ من شأن هذا الامر ان يستنفد قدرات مصرف لبنان المحدودة.
وفي السياق، وجّهت وزيرة العدل ماري كلود نجم كتاباً إلى النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، طالبت فيه بـ»إجراء التعقبات في حق من يلزم، بعد ورود أخبار عبر وسائل التواصل الإجتماعي تنال من مَتانة النقد الوطني وفقدان الدولار من السوق وارتفاع سعره الى 7000 ليرة، ما خلقَ بلبلة وذعراً وتلاعباً بسعر الليرة ومضاربات عليها واستغلالاً للمواطنين وارتفاعاً لأسعار السلع الأساسية».
الدولار تحت التجربة
مالياً، تتجه الأنظار في اليوم الاول من الاسبوع نحو خطة خفض اسعار الدولار التي اتّفق عليها في مجلس الوزراء الجمعة الماضي، والتي يفترض ان تؤدي الى وصول الدولار في النتيجة الى 3200 ليرة، والى القضاء على السوق السوداء الرديفة.
وكانت اسعار الدولار قد تراوَحت في عطلة الاسبوع لدى الصرّافين بين 3890 و3940 ليرة، وفق التسعيرة التي أعلنتها نقابة الصرافين. واشارت المعلومات الى أنّ السوق السوداء بقيت ناشطة، لكنّ السعر تراجع قليلاً، بحيث تمّ تداول الدولار بين 4600 و4800 ليرة.
وفي رأي المتابعين، فإنّ ما سيجري اليوم في السوق المالية سيعطي فكرة عن مدى قدرة الخطة الجديدة على الصمود والنجاح. وقال مصدر مالي لـ»الجمهورية» انّ ما سيتّضِح أيضاً في الايام القليلة المقبلة هو ما سيجري مع صندوق النقد الدولي في المفاوضات، وما سيكون عليه موقف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في هذه المفاوضات، وهل ستمضي المفاوضات على أساس أرقام الخسائر التي أوردتها الحكومة في خطتها؟ وهل سيسجّل سلامة تحفظاته امام خبراء الصندوق، مثلما سجلها في اجتماع قصر بعبدا المالي الذي تقرّر فيه اعتماد أرقام الخطة الحكومية كأساس صالح للتفاوض مع الصندوق؟
إتفاق رئاسي
الى ذلك، وفي معلومات لـ»الجمهورية» انّ الرؤساء الثلاثة توافقوا خلال لقائهم الجمعة الماضي في بعبدا على ضرورة استكمال المجلس النيابي تدقيقه في الارقام والمعالجات الملحوظة في خطة الحكومة من خلال لجنة المال والموازنة واللجنة الفرعية المنبثقة منها، تمهيداً لتوحيد لغة الوفد اللبناني وطروحاته في المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي.
وكان رئيس اللجنة النائب ابراهيم كنعان قد التقى السبت الماضي رئيس مجلس النواب نبيه بري بعيداً عن الاعلام لهذا الغرض، وأخذ منه علماً بذلك، ثم زار لاحقاً رئيس الجمهورية وأطلعه على آخر المستجدات والخطوات المستقبلية.
وستستأنف اللجنة الفرعية عملها في اجتماع تعقده الثالثة بعد ظهر اليوم، في حضور وزير المال غازي وزني وممثلين عن مصرف لبنان المركزي وجمعية مصارف لبنان.
موقف حازم
وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ»الجمهورية» انّ «الحكومة مطالبة بموقف حازم حيال كل مَن يعتدي على الأملاك العامة والخاصة، فالتظاهر حق يكفله الدستور، لكنّ التخريب جريمة يعاقب عليها القانون، وبمقدار ما على الدولة حماية الناس في تعبيرهم عن آرائهم، بمقدار ما عليها توقيف كل مَن تُسوِّل له نفسه التخريب والتدمير، فأرزاق الناس والممتلكات العامة ليست مُستباحة ولا مساحات سائبة».
ورأت المصادر «انّ دعوة مصرف لبنان المركزي إلى ضَخ الدولارات لا تقدّم حلاً، بل تستنزف ما تبقى من احتياطي من العملة الصعبة في وقت سريع جداً وتقدِّم أكبر خدمة لمَن يهرِّب الأموال إلى سوريا، فيما الحلّ الوحيد يكمن في الإصلاحات التي وحدها تُفسح في المجال أمام إدخال العملة الخضراء من الخارج، فلا مخرج من الأزمة المالية الخانقة سوى في الإصلاحات وليس في إجراءات في غير محلها ولا من خلال التلهّي باجتماعات لا تنتهي».
واستغربت المصادر «هذا التغني الذي لا ينتهي بالإنجازات، فيما أوضاع الناس تتراجع بنحو مخيف، والبلد ينحدر من السيئ إلى الأسوأ، فلو كان هناك من إنجازات كان يفترض ان تتحسّن الأوضاع لا ان تزداد سوءاً وتَردياً، وإذا كان هناك من مؤامرة فليُكشف عنها بدلاً من التهديد والتلويح وإثارة الغبار السياسي للتغطية على الفشل الكبير، فيما المؤامرة الفعلية تكمن في الامتناع عن الخطوات الإصلاحية المرجوّة التي تشكّل المدخل الوحيد لفرملة الانهيار، إنما، ويا للأسف، فإنّ الفريق الذي يقف خلف الحكومة ويحجز قرارها لم يكتفِ بإيصاله الأوضاع إلى ما وصلت إليه، بل يواصل رفضه الإصلاحات ما يهدّد لبنان بالفوضى والانهيار الشامل».
أزمة كهرباء
من جهة ثانية، برزت في الأيام الأخيرة أزمة المولدات الكهربائية التي باتت تهدّد بحصول تقنين في الكهرباء، قال البعض انه قد يبدأ منتصف ليل الأحد. هذا الامر يعني انّ المواطن سيعود الى الشمعة اذا نفّذ اصحاب المولدات تهديدهم. وهم يطالبون بتأمين كميات كافية من المازوت بالسعر الرسمي في السوق، ويطالبون ايضاً برفع تعرفة كهرباء المولدات، بسبب ارتفاع الكلفة ربطاً بارتفاع أسعار سعر صرف الدولار. كما هدّد تجمّع مالكي المولدات الخاصة في البقاع، بإطفاء مولداتهم نهائياً، في حال عدم الاستجابة لمطالبهم.
كورونا
وعلى صعيد وباء كورونا، أعلنت وزارة الصحة في تقريرها اليومي أنّ الفحوص المخبرية أكدت تسجيل 4 إصابات جديدة: 2 منها لوافدين، و2 لمقيمين من المخالطين، ليرتفع العدد الإجمالي إلى 1446 إصابة منذ ظهور الفيروس في لبنان، مبيّنة أنّ الحالات الأربع توزعت كالآتي: 2 في قانا، 1 في الكحالة، 1 في المريجات. ولم تسجل أي وفيات جديدة، ليبقى العدد مستقراً على 32 حالة وفاة، فيما استقرّت حالات الشفاء على الرقم 868.
تحرير رهائن في بريتال
أعلنت مديريّة المخابرات أنّه «بعد توافر معلومات عن قيام عصابة مسلحة باختطاف عدد من الأشخاص كرهائن لقاء فدية مالية في بلدة بريتال، دهمت قوة خاصة من المديرية مكانين مختلفين في البلدة، حيث تمكنت من تحرير 23 شخصاً بينهم نساء وأطفال من الجنسية السورية، مضى على اختطافهم 15 يوماً وهم بحالة صحية جيدة».
وأشارت المديريّة في بيان صادر عن قيادة الجيش، الى أنّ «الدورية تعرّضت خلال المداهمة لإطلاق نار، وقد أصيب أحد الخاطفين من الجنسية السورية والملقب ب»الشقور»، وتمّ توقيف الآخر (ح.ب) وهو لبناني الجنسية، وأُدخل السوري إلى المستشفى للمعالجة وما لبث أن فارق الحياة».
وختم البيان: «بوشر التحقيق مع الموقوف اللبناني بإشراف القضاء المختص».