خلصت «زحمة» الاجتماعات واللقاءات في السراي الحكومي وبعبدا الى نتيجة واضحة: لا احد يملك «حلا سحريا» للازمات المتراكمة في البلاد، «الثقة» معدومة بين الجميع، «والشكوك» في نوايا تتجاوز «الخصوم» الى داخل الفريق الواحد، فاهتزاز الثقة كان كافيا لاحراق بيروت قبل ايام بينما كان الامن السياسي «غائبا» ما ادى الى تاخر تحرك الامن الميداني، والاجراءات المالية والنقدية تخضع لمرحلة اختبار جديدة لصدق النويا بين رئيس الحكومة والمصرف المركزي وجمعية المصارف، حيث تعتبر «بعبدا» «والسراي» ان الثالثة ستكون ثابتة في التعامل مع رياض سلامة اذا لم يلتزم هذه المرة بوعوده؟ اما «زعران» الدراجات المعروفين بالاسماء والوجوه لدى الاجهزة الامنية فلم يتبناهم احد، حتى بهاء الحريري تبرأ منهم مع بدء الجيش بمداهماته شمالا.
لكن من الواضح ان الاجراءات لا تزال قاصرة عن اخراج البلاد من ازماتها، وعلى سبيل المثال لا الحصر تم ارجاء الاجتماع مع وفد صندوق النقد الدولي بالامس بسبب خلاف «لبناني» على «الكابيتال كونترول»، وفي مجلس الدفاع الاعلى تم الاقرار بتهريب «المازوت» دون اجوبة واضحة عن اسباب التقصير في منع ذلك. ورئيس الحكومة حسان دياب الذي «ضرب يده» على «الطاولة» معلنا الحرب على الفساد، اكتشف ان بعضا من وزرائه يغطي هذا الفساد، وتساءل «وينيي» الدولة؟ ولماذا لا تلاحق «المشاغبين…؟ وما يدعو للقلق ان الحلول ليست الا تمديد للازمات لا حلها، وتأجيل «الانفجار» لا نزع «فتيله»، وترى فيها اوساط سياسية بارزة ، فترة اختبار يحتاجها الجميع بعد «الفوضى» الامنية، والسياسية، والمالية، لاعادة التوضع وسط «كباش» دولي واقليمي كبير في منطقة «تغلي» على ايقاع الانتخابات الاميركية…واذا كان الوضع قد اصبح اكثر انضباطا في بيروت تبقى «العين» على الشمال حيث تتجلى الاجندات الداخلية والخارجية بأكثر صورها «القاتمة».
«فجوة» بين الأمن السياسي والعسكري؟
فقد انعقد المجلس الاعلى للدفاع بدعوة من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في قصر بعبدا. وبعد عرض الأوضاع والاحداث والتطورات الأمنية الميدانية من قبل قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية، تقرر تكثيف التنسيق والتعاون بين الأجهزة وتبادل المعلومات في ما بينها لتفادي أي اعمال تخريبية تحت حجة مطالب معيشية محقة والتشدد بعدم التساهل مع المخلين بالامن والنظام.
ووفقا لمصادر مطلعة، طرحت الكثير من الاسئلة في اجتماع المجلس الاعلى للدفاع حول عدم اتخاذ الاجهزة الامنية الاجراءات الاستباقية لمنع وقوع اعمال الشغب في بيروت خصوصا ان عمليات التخريب استمرت لساعات طويلة في غياب «شبه تام» لاي ردود افعال رادعة على الارض.
وبعد مراجعة دقيقة لما حصل تبين وجود «فجوة» واضحة بين الامن السياسي، والامن العسكري، وترجم ذلك ارباكا «فاضحا» في كيفية تعامل الاجهزة الامنية على الارض من «المشاغبين»، وكان واضحا ان «الغطاء السياسي» للقوى الامنية كان غائبا لساعات، بعدما «ضاعت الطاسة» على الارض ولم تكن اي جهة تعلم عن اهداف هذا التحرك ومن وراءه، ليتضح بعد ذلك عدم وجود اي قرار مركزي لدى حركة امل، او حزب الله باستخدام «الشارع» لاغراض سياسية، سواء اقالة حاكم مصرف لبنان او اسقاط الحكومة، كما تبين ان من كانوا يقومون بأعمال التخريب ليسوا من فريق مذهبي وسياسي واحد. ولان احداً من قادة الاجهزة الامنية غير مستعد «لاحراق اصابعه» في ملف مبهم وخطر، دون «تغطية سياسية» واضحة، عمت الفوضى لساعات قبل ان تعود الامور الى نصابها.
اختبار «المصداقية»…
ووفقا لتلك الاوساط، الجميع الان امام اختبار «المصداقية»، فقادة الاجهزة الامنية اكدوا انهم يملكون معلومات موثقة بالاسماء والصور تدل على هوية «المشاغبين»، وقد حصلت بالامس على «ضوء اخضر» علني من رئيس الجمهورية والحكومة لملاحقتهم بعدما افضت مروحة الاتصالات السياسية عن رفع «الغطاء» عن اي مرتكب، اضافة الى ذلك تم الاتفاق على اجراءات استباقية بدأت تظهر ملامحها على الارض من خلال «تطويق» البؤر الاساسية التي تنطلق منها تلك المجموعات، والجيش سيتولى ميدانيا «تقطيع» «اوصالها» والتعامل معها «بالقطعة»، كما ستتولى الاجهزة الامنية الاخرى المساعدة في عمليات التوقيف.
من هم المتورطون؟
… واذا كان بعض المتورطين في الاحداث خرجوا من «بيئة» حزب الله، وحركة امل، قد تحركوا دون توجيهات حزبية ، فان المعلومات المؤكدة تشير الى ان تورط مجموعات تابعة لبهاء الحريري في احداث الشغب، وجزء من المداهمات التي حصلت في مدينة طرابلس بالامس استهدفت عددا من الشبان التابعين «للمنتديات» التي يديرها المحامي نبيل الحلبي، وقد اعلنت قيادة الجيش ان عدد الموقوفين بلغ 36، وعلم ان المداهمات ستتوسع لتشمل بيروت والضواحي،حيث تم حظر مرور الدراجات النارية في محيط وسط بيروت من الخامسة مساء الى السادسة صباحا. واللافت امس انهاء الحريري اصدر بيانا استنكر فيه الاحداث الاخيرة وقال «أن لبنان أمام مفترق خطر، ولأن أيدي الغدر تحاول العبث بأمنه واستقراره. وشدد الحريري على «ضرورة الوعي لما يُحاك في الغرف السوداء، والذي بدأ يظهر على العلن من خلال عمليات التخريب التي طالت وسط بيروت واحياء عاصمة الشمال.
دياب: «وينيي الدولة»؟
وخلال الجلسة، تحدث رئيس الجمهورية عن الأعمال التخريبية التي حصلت أخيرا لافتا الى أن هذه الاعمال التي اتخذ بعضها بعداً طائفياً ومذهبياً بالاضافة الى الاستهداف الممنهج للقوى الامنية والعسكرية، أمر لم يعد مقبولاً وينذر بمضاعفات خطرة. وشدّد الرئيس عون على ضرورة اعتماد العمليات الإستباقية لتوقيف المخططين والمحرضين للاعمال التخريبية للحد منها ومنع تكرارها. من جهته، رأى رئيس الحكومة حسان دياب أن «ما يحصل في البلد غير طبيعي وواضح أن هناك قرارا في مكان ما داخلي أو خارجي أو ربما الاثنين معاً للعبث بالسلم الأهلي وتهديد الاستقرار الأمني» معتبرا أن «ما يحصل يحمل رسائل كثيرة وخطرة ولم يعد مقبولا أن يبقى الفاعل مجهولا». وقال خلال جلسة المجلس الاعلى للدفاع: زعران يستبيحون الشوارع ويدمرون البلد ومؤسساته والدولة تتفرّج لماذا؟ هذه ليست احتجاجات ضد الجوع والوضع الاقتصادي هذه عملية تخريب منظّمة يجب ان يكون هناك قرار حاسم وحازم بالتصدي لهذه الحالة التي تتزايد.
«تهريب» المازوت
ووفقا للمعلومات، شهد المجلس اقرارا واضحا من الجهات الامنية بحصول تهريب للمازوت الى خارج لبنان، وجرى الاتفاق على اتخاذ الاجراءات اللازمة لوقف ذلك، وقد تم التطرق الى الكميات المستهلكة من المحروقات في السوق المحلي وسبل معالجة الخلل بين الطلب والعرض وتم تكليف وزراء المالية والطاقة والمياه والاقتصاد والتجارة رفع الاقتراح اللازم الى مجلس الوزراء.
وزراء يغطون الفساد؟
وفي سياق متصل، اكدت اوساط مطلعة، ان «صرخة» رئيس الحكومة حسان دياب لم تكن في وجه «خصوم» حكومته، ولان «دود الخل منه وفيه»، رفع رئيس الحكومة «البطاقة» «الصفراء» بوجه عدد من وزراء الحكومة بعدما اكتشف انهم اوقفوا عن «سابق تصور وتصميم» ملاحقات ادارية ومسلكية داخل وزاراتهم لاشخاص وموظفين تدور حولهم تهم الفساد. وتجدر الاشارة الى ان ملفات المشتبه فيهم تم رفعها من قبل الاجهزة المعنية في «السراي الحكومي»، وتم تحويلها الى الهيئات الرقابية بتوصية من دياب نفسه، لكن الملاحقات توقفت «فجأة»، وعند التدقيق في الاسباب الموجبة، كانت النتائج «صادمة» بعدما تبين ان وزراء في الحكومة العتيدة تجاوزوا توصية دياب وعملوا على «ضبضبة» الشكاوى. وكان رئيس الحكومة اعلن بالامس «بدء الحرب على الفساد»،خلال استقباله الاجهزة الرقابية.
«السراي» يبحث عن اجوبة؟
وفي إطار متابعة ضبط سعر صرف الدولار الأميركي، ترأس دياب اجتماعًا ماليًا أمنيًا حضره الوزراء المعنيون ورؤساء الاجهزة الامنية اضافة الى رئيس جمعية المصارف سليم صفير، ونقيب الصرافين محمود مراد، عضو نقابة الصرافين محمود حلاوي، وتناول الرئيس دياب قضية ضبط سعر صرف الدولار، وقال: ما حصل منذ 10 أيام يتجاوز المنطق، اجتمعنا هنا واتخذنا تدابير والتزامات، وبالفعل كما تقول التقارير لقد باع الناس أول يوم أكثر من 5.5 مليون دولار، وفي اليوم الثاني باعوا أكثر من 4 مليون دولار، أي أنه تدفّق دولارات إلى السوق في حدود 10 مليون دولار خلال يومين فقط، وفي اليوم الثالث اختفى كل شيء من السوق فجأة، ولم يتجاوز حجم حركة المبيع أكثر من 100 ألف دولار. طبعاً هذا شيء غريب وغير بعدها استمر فقدان الدولار بشكل شبه تام، وارتفع الطلب وكأن هناك من قرر العودة إلى المضاربة على السعر، وقال: أنتم هنا كل الأجهزة، أفترض أن تكون لديكم أجوبة على ما حصل، لأن هذا الأمر يتكرّر، وأنا سبق وقلت إن اللعب بلقمة عيش الناس لن نسكت عنه.
وتطرق المجتمعون إلى الآلية التي أقرّها مجلس الوزراء في شأن خفض سعر الدولار، وإعطاء الصلاحيات للمعنيين لتنفيذها، كما تم الاتفاق على إنشاء غرفة عمليات في المديرية العامة للأمن العام لمتابعة الموضوع. وأكد حاكم مصرف لبنان على الالتزام بضخ الدولار في الأسواق. وتم التأكيد على التزام الصرافين المرخصين بشروط النقابة، وتسليم الدولارات لهم من قبل مصرف لبنان لمنعها من الوصول إلى المضاربين أو تهريبها إلى الخارج.
الدولار… راوح مكانك؟
وفيما اعلن من السراي الحكومي عن انشاء غرفة عمليات في الامن العام لضبط «السوق»، لم يكن اليوم الاول مشجعا، وبلغ السعر في «السوق السوداء» 4600، وقد قام المصرف المركزي «بضخ» نحو 4 ملايين دولار للصرافين، وهو مبلغ اقل مما كان تم الاتفاق عليه في السراي والذي يتراوح بين 5 او سبعة ملايين دولار في اليوم، ووفقا للمعلومات فإن مصدر هذه الاموال التحاويل الخارجية، ولم يقترب المصرف من الاحتياط، وقد تم ضخ الدولارات الى بعض الصرافين من الفئة الف، فيما شكا عدد من الصرافين عدم استلام اي دولار، وقد كان الطلب الرئيسي بالامس من التجار الكبار الذين استفادوا من عملية «الضخ» اما سقف البيع للافراد فلم يتجاوز مبلغ 200دولار للذين قدموا اوراق تثبت حاجتهم الملحة للعملة الصعبة.
مرحلة اختبار «لسلامة»..
واذا كانت العلاقة «تحسنت» بين دياب وحاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، وجرت «مصالحة» مع جمعية المصارف بالامس في «السراي»، فان المرحلة المقبلة تبقى فترة اختبار لنوايا الجميع، وفي هذا السياق، تؤكد اوساط سياسية مطلعة الى ان «الثالثة ثابتة» بالنسبة لرئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة حسان دياب اللذين حاولة «اقالة» حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مرتين وأخفقا، لكنهما لن يترددا في المرة الثالثة من «الاقدام» على هذه الخطوة لانهما يعتبرانه جزءا من «المؤامرة» على الحكومة، ووفقا للمعلومات فإن التفاهم الذي «صاغه» المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم مع سلامة، بمواكبة من رئيس مجلس النواب نبيه بري، يعطي «الحاكم» فترة اختبار قصيرة الامد سيجري تقييمها بعد اسبوع «ليبنى على الشيء مقتضاه»..وفي هذا الاطار، يرى بري ان اي خطوة في هذا الاتجاه يحتاج الى اتفاق مسبق على اسم الحاكم الجديد، ولا يمكن التسليم بأن يكون من «الحصة» الخالصة لرئاسة الجمهورية او التيار الوطني الحر.
«تريث» بري
وفي هذا الاطار، تكشف تلك الاوساط ان الرئيس بري «استهول» الذهاب الى خطوة متسرعة ضد سلامة بعد رفض الحكومة اعادة محمد بعاصيري الى مركزه في نيابية حاكمية المصرف، واعتبر ان «ضربتين على الرأس» توجع، وتخوف من ان تؤدي اقالة سلامة الى ازمة «خطيرة» مع الاميركيين، وكان قلقا من انهيار الليرة، ولذلك دفع الى تأجيل اي قرار بهذا الشأن.
ماذا سيقول نصرالله؟
وفي هذا السياق، يطل الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في كلمة تأبينية للقيادي في حزب الله ابو علي فرحات، والامين العام السابق لحركة الجهاد رمضان عبدالله شلح، كما ستكون الاولوية في الكلمة للاوضاع الداخلية حيث سيرد على الحملة التي اتهمت حزب الله بأعمال الشغب في بيروت، وسيقدم مقاربة اقتصادية تؤكد عدم امكانية الرهان على صندوق النقد الدولي، مع ضرورة التحول الى الانتاج مع التاكيد على عدم الوقوع «رهينة» لدى الاميركيين في قانون «قيصر».
«مصالحة» جنبلاط ـ ارسلان
في هذا الوقت، جرت برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري «مصالحة» بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ورئيس الجزب الديموقراطي طلال ارسلان، وبعد تغريدة من ارسلان حول تاكيده عدم حصول مقايضة بين حادثتي «قبرشمون» «والشويفات»، وقد اعلن النائب علي حسن خليل بعد انتهاء اللقاء عن الاتفاق على تشكيل لجنة لمناقشة كل القضايا الخلافية المتعلقة بشؤون الطائفة الدرزية ومعالجة ذيول الاحداث المؤلمة. وقد حضر الاجتماع الى جانب جنبلاط وارسلان الوزران غازي العريض وصالح الغريب…